في احدي المحافظات في صعيد مصر ..
استقيظ علي اثر صوت المنبه،احتاج لبضعة دقائق ليستعيد تركيزة من جديد، مسح على وجهه و استقام لتجهيز نفسه قبل نزوله للافطار مع العائله، في عاده يوميه من صغرة حتى الان، حتي بعدما اصبح في بدايه عقده الثالث واجب عليه الالتزام بتلك العاده، انتهي و توجه للاسفل…
هو اكبر حفيد لعائله الجارحي ، اقدم عائلات الصعيد و اكثرهم تواجد في المجالس العرفيه، نظرا لشدتهم في الحق و حكمهم العادل .
شهرة اكتسبتها العائله من والد جده و جده و تسلمها والده و مسك الرايه هو من بعدهم.
كلمته لا ترد و الجميع يرضي بحكمه،
ينزل بطلنا علي الدرج بطوله الفاره ،و عرض منكبيه، يتميز بالبشره السمراء لتعرضه للشمس و يزين وجهه لحيه منمقه، و تزيد عليه وسامه تلك الغمازة اليتيمه في وجنته ، لتزين وجهه الرجولي ، و جلبابه الصعيدي المعتز به جدا ، …..
ينزل بكبرياء وثقه لاتليق الا به (صقر رحيم عتمان الجارحي )
توجه للافطار مع عائلته و يترأس المائده كبير العائله جده الحاج عتمان الجارحي في العقد السابع من عمره ، غزا الشيب شعرة بأكمله ، لكن عقله مازال يقظآ محتفظآ بحكمته في ادارة الامور و قرارته حاسمه لا رجعة فيها، رغم شدته الا انه ليس بقاسيآ ، تشرب صقر الكثير من صفاته لقربه الدائم منه.
جلس صقر بجانبه و كأنه يثبت مكانته دائما، انه دائما بجواره.
بجانب صقر اخته الوحيده (زهره) تصغر صقر بعدة اعوام..
بجانبها ابنت خالتها (ايناس) التي تختلس النظر لصقر لعله يروي ظمأ قلبها بنظرة خاطفه،
منذ الصغر تري صقر حبيبها و النصف المنتظر اقترانه بها، و رغم علم العائله و الجميع انها الانسب و االاقرب، الا انها لا تملك سوي الامنيات ، خصوصا و معاملته المحيره لها..
و علي الجانب الاخر يجلس( رحيم) ابن عتمان ، منذ مرضه ولي صقر اداره اعمال العائله لثقته في قراراته ، افني عمرة للعائله ، كان عكاز والده و يده اليمني في عمله، و الرجل المسؤل عن عائلته.
و بجانبه زوجته (امل) والده صقر و زهره ، سلامها النفسي منعكس علي وجهها الهادئ، و بجانبها اختها (سعاد) ، منذ ان سافر زوجها عادل ابن عتمان و اخو رحيم للحصول علي الدكتوراه في الخارج لم يعد، كان مختلفا، لا يشبههم في ارتباطهم بالارض و الزرع، اراد العلم و الدراسه و بذكائه و اجتهاده كان متفوق في دراسته،
و من الأساس كان زواجه من (سعاد) كان رغما عنه ، بأمر من والده الحاج عتمان ، بعد حصوله علي الدكتوراه لم يكن يريد الزواج من سعاد لاختلاف الطباع و الثقافه تزوجها رغما عنه ، عكس رحيم فا امل حب طفولته و شبابه ، اما عادل فابعد زواجه منها سافر للخارج ليستكمل دراسته
و قابل شريكته التي تشبهه، الذي كان يبحث عنها( كاريمان) كانت من ام لبنانيه و اب امريكي تزوجها و واجه زواجهما رفض عائلته فقرر عدم العوده لبلده خشي غضب عتمان، و انجب منها فتاه (كارما) تيمنآ لاسم حبببته …
دارت عينين عتمان في وجوه الجالسين من حوله، رغم وجود عزوته بجانبه الا انه ابدا لم يستطع تجاهل تلك الغصه بقلبه ، ينظر لاماكن المقاعد الشاغرة يتخيل احبائه الغائبين قد عادوا، يتمني الشعور بتلك الراحه لاكتمال الاحفاد من حوله، و يعود الغائب.
وجهه انظارة الي صقر، ارتسمت ابتسامه بسيطه علي وجهه و قال
– عامل ايه يا صقر
اجابه صقر بأهتمام: بخير ياچدي، انت صحتك عامله ايه
حرك عتمان بلا اهتمام و تسائل : مسافر النهارده؟
اجابه صقر : ،ايوه ياجدي، عندي شغل في مصر ضروري، اخر طلبيه بعتناها حصل فيها مشكله و هاروح احلها
اومأ له عتمان براسه ، ثم تسائل باهتمام و عينين متلهفتين:
وعملت ايه في حكاية بنت عمك ، عرفت هاتوصل امتي
اوما صقر براسه و قال : ايوة، المحامي كلمني و قال هتوصل بعد يومين يا جدي و انا اللي هاروح اجيبها من المطار
تنفس عتمان الصعداء و رفع راسه لاعلي متمتآ: الحمد لله الحمد لله
هتفت زهرة : اكيد جايه المرة دي..اكتر من مرة يدونا ميعاد و ماترجعش
اكد صقر حديثه: لا اكيد ، المرة دي مأكد عليا اني اكون في استقبلها لانها ماتعرفش اي حاجه عن هناا
قال رحيم : علي خير يارب خلينا نلم اللي باقي مننا
رحبت امل بود : تيجي بالسلامه ياخويا
دار هذا الحوار امام ايناس و والدتها سعاد ، لم ترتسم علامات السعاده علي وجوههم، بالعكس لم يستطيعوا اخفاء بغضهم منها، من قبل حتي ان يروها.
توقفت عينين عتمان عليهن و كأنه عرف ما دار بخلدهن ، تملمت سعاد بجلستها و قالت بابتسامه متصنعه: صحتك عامله ايه يا جدي، علمت انك كنت بعافيه امبارح ان شالله تكون بخير النهارده
انتبه صقر و تسائل بقلق: فيك ايه ياجدي و ازاي ماتقوليش انك تعبان
ابتسم له عتمان و قال: انا كويس يا غالي متقلقش عليا ، وبعدين ايه اللي هيحصل لراجل في عمري يعني، علي اعتاب قبرة
استقام صقر بسرعه مقبلا يد جده بحب شديد قائلا بضيق: جدي ماتقولش كده بعد الشر عليك
همهموا الجميع له بالدعاء بالصحه و طوله العمر
خرج صوته الوقور قائلا: المو*ت مش شر يا ولاد، الشر انك تخرج من الدنيا زي ما دخلتها من غير ولا حاجه
تسائل فجاءه و قال: مسمعتش صوتك يا ايناس، ايه اللي شاغل بالك يابنت سعاد
ارتبكت ايناس و قاالت: ولا حاجه ياجدي
حرك راسه و قال : كنت فاكر بالك مشغول باختك اللي جايه واللي عمرك ما شوفتيها
لم تستطع التحكم في تعبيرات وجهها و علامات االنفور به.. انتشلها من الاجابه وقوف صقر الذي قال: حدي انا ماشي، خد بالك من صحتك مش عايز امشي و انا بالي مشغول عليك
ربت عتمان عليه و قال بحب: اتكل علي اللي يابني و خد بالك من طريقك
تحرك صقر و لم ينتبه لتلك التي هرولت خلفه تلاحق خطواته السريعه، حتي خرج من السرايا و وصل لسيارته، انتبه لندائها التفت اليها فا بادرت ايناس بسؤالها المهتم: هاترجع بالسلامه امتي يا صقر
اجابها باختصار : مش عارف حسب الشغل ما يخلص
ابتسمت له و عينيها ترسل له الاف الكلمات : خلي بالك من الطريق و متتاخرش
حرك راسه متمتا وهو يفتح سيارته : ان شاء الله.. يالا خشي جوا
اخذت نفس عميق و عينيها علي سيارته حتي مرت من البوابه و اختفت عن ناظريها…
لم تستمر ملامحها الهادئة و الوديعة كثيرا و هي تعاود التفكير بقدوم تلك الدخيله لحياتها…
، ،،،،،،،،،،،،
دخل لغرفته بخطوات بطيئة تناسب عمرة، متكأ علي عكازه حتي وصل لكرسيه الوثير، جلس عليه و فتح الدرج المنشود ، اخرج ذلك الصندوق الخشبي القديم و فتحه ببطئ، امسك بمجموعه من الصور يتأمل خلالها ابنه و صورة وحيده لزوجته، ارسلها وقت إبلاغهم بزواجه، ثارت الدنيا من بعدها لا ينكر ابدا غضبه و لكنه كان سيتقبل في النهاية، ماذا سيحدث لو كان عاد و تقبل بعض التوبيخ من والده و العتاب و عاش بينهما، ماذا كان سيحدث لو تخلي عن القليل من كبريائه و تقبل بعض اللوم و مات بين احضانه، كان الكثير لن يحدث، منها لن تكون له حفيده لم يراها ابدا و لايعرف عنها سوي اسمها، لن تخشاهم كما شعر، كلما حددت ميعاد عودتها تأخرة و كأنها تخشي مقابلتهم، من بعد وفاه عادل و لم يتهاون عتمان في البحث عنها
فا من بعد وفاه عادل وعتمان يبحث عنها كثيرا لندمه لبعد ابنه عنه في النهاية ، بحث عنها وعندما وجدها صدم لوفاه و الدتها حزنا علي زوجها، تركتها وحيده بعد ان اكدت عليها العوده لاهل الاب، لم يكن لكاريمان عائله تعود اليها ابنتها في النهايه،
و عند عثوره اخيرا عليها، دخلت المحامي الخاص و كان هو الطرف المتحدث دائما نيابة عنها، و يدرك هو جيدا عمق الفجوة بينهما.
مسح عبرة هاربه من عينيه ر بنظرتها المليئه بالحنين لصورة فقيده ولكن لاحت شبح ابتسامه علي شفتيه،
واخيرا و بعد عدة محاولات استجابت لهم و قررت العوده، لاناس لم تقابلهم و لا تعرف عنهم سوي حكايات و الدها عن اهله، كان يروي لها عن حكاياتهم و ارضهم و عن ضحكه والده و حنان اخيه و بلد ممتده جذورها بها،
و عائله لا تعرفها قررت العوده اليها، تتتمني من داخلها رغم خوفها ان يكون قرارها صحيح.
يتبع..