
جلس يتناول فطوره بصمت، ومن حين لأخر يُتابع بعينيه طفله الذي لم يمس طبقه بعدما أخبره بأنه سيتركه في مدرسة داخلية من أجل تأديبه.
ليتخيل سليم بأن والده سيتركه من أجل خطيبته التي ستحتل بعد شهران مكانة والدته… وسوف تنجب لأباه أطفالا أخرين يحبهم وينساه… ليترك معلقته بأعين تلمع بها دموع يُتمه ونهض من مقعده مُنكسا برأسه تاركاً حجرة الطعام الواسعه التي لا تضُم أحدا سوي هو و والده وذلك الخادم الذي يقف منتظراً أي أمر أخر من سيده.
فترك أياد معلقته وهو يشعر بالذنب من قراره الذي أخبره به منذُ ساعات، والذي تقبله طفله بصمت ونظرة لا يفهمها أحداً سواه… فهذا مافعله به أيضاً جده عندما توفي والديه وتركوه تحت وصية جده رحمه الله الذي كان مُنشغلا عنه بجمع الأموال. لتعصف به ذكريات طفولته التي لم ينساها يوما
لا شيء يوحي بأنكسارك أكثر من عينيك، تلك هي حقيقة الحزن مهما أحتل مكانه كبيره في قلوبنا لا يفضحه سوي عينينا.
ظلت تتأمل تلك الرسالة التي أوصاها والدها بأن تقرأها، وبعد ثلاثة أيام العزاء التي قضتهم لا تري شئ حولها سوي صبر وتحمل والدتها … لكل تلك المصائب التي حلت بهم و لسانها يبتهل بأسم خالقها.
فأخذت تُقرأ بعينيها كل كلمه قد سُطرت بهذا الجواب .. الذي يخبرها فيه والدها بالأموال التي أقترضها من أحد الاشخاص من أجل عملية أخيها، وأن تدعو له دوما بأن يغفر الله له ذنبه الذي كان سيفعله ولولا حكمة خالقه في موت أبنه وأنه ذاق مرارة الوجع لكان الشيطان أوقعه في ذنب لا يُغتفر.
فدمعت عيناها وهي لا تعلم كيف لها أن ترد تلك الأموال وترحم والدها من ذنب هذا المال العالق في رقبته.
ويسقط بصرها علي اسم أحدهما وتظل تردده بخفوت “هاشم رياض”
وتسمع نداء والدتها الحنون: حنين ، حنين
فتمسح دموعها سريعا ومن ثم اتجهت إلي والدتها المسكينة التي عندما وجدتها تخفض برأسها أرضا علمت بأن مـ,,ــصيبة أخري قد حُلت عليهم.
سعاد بأسي : صاحب البيت عايزنا نخلي الشقه عشان يجوز إبنه فيها، ومدينا مُهله شهر.
وتهوي هي بجسدها الضئيل بجانب والدتها في صمت لتربت علي احد أيد والدتها بعد أن تمالكت نفسها.
وأحتـ,,ــضنتها والدتها بعدما سمحت لنفسها أخيراً أن تبكي وهي تُتمتم: البلاء صعب أوي يا بنتي، مبقاش حيلتنا حاجه وتحويشت عمرنا صرفناها علي مر،،ض أخوكي.
وتبقي كلمات والدتها مُعلقه بأذنيها وهي لا تعلم أهذا بـ,,ــلاء أم اختبار.
………………………………………………………….
أخذ يتأمل ارتعاش أيد تلك الفتاه وهي تُسطر بحروف أسمها علي ذلك العقد العرفي الذي ستبيع به شرفها، وتشتري حُرية أخاها.
ليقترب منها حاتم بأبتسامة خبـ,,ــيثة وهو يسحب منها القلم والورقه: وكده أخوكي هيطلع ياحلوه.
وسحبها من ذراعيها نحو إحدى الغُرف دون أن يترك لها فرصة بأن تقول شيئاً، فوجدته يمسك بأحد الحبال قائلا: اقـ,,ــلعي هدو..مك ونامي علي السـ,,ــرير….
لتفزع الفتاه خوفاً من كلامه، فيما ضحك هو بقوة : إسمعي كلامي بدل ما انتي عارفه أنا ممكن أعمل إيه.
فنظرت إليه هي برجاء وانحنت بجسـ,,ــدها سريعا تتوسله: أرجوك يا حاتم بيه سيبني أروح لحالي، أنا ممكن أعيش خدامة تحت رجليك طول عمري بس الله يخليك بلاش.
فيضحك حاتم بنصر وهو يستمع لتوسلاتها، فمنذ أن علم بعج”زه كرجلا أصبح نصره بأن يري دموع النساء تحت قدميه… ليرفعها نحوه بغموض: يلا، بدل ما أخوكي يعفـ,,ــن في السـ,,ــجن واتـ,,ــهمه بحاجات تانيه… اسمعي الكلام يا حلوه.