
وقفت تستمع الي تهكمات أصدقائها بالجامعة، حتي ركضت بعيداً عنهم .. لتسمح لدموعها بأن تزيل بعض من أوجاع قلبها… وتذكرت حديث “منه” أبنة اخو الحج ناجي الذي تعمل لديه كخادمة، فتسمع صوت أقدام قريبة منها
وألتفت بظهرها بعدما مسحت دموعها سريعا.
لتتأملها صديقتها بإشفاق قائلة بحزن: مقولتليش ليه يا ليلى؟
فتسقط دموعها ثانية دون شعورمنها، لتقترب منها صديقتها التي تُدعي حنان : مش إحنا إخوات يا ليلي؟
فهزت ليلي رأسها بألم : مكنش ينفع أقولك يا حنان، سامحيني أديكي عرفتي وكل الكلية عرفت خلاص .. و أخفضت أعينها لتتأمل ملابسها الرثة : عرفتي أنا ليه ماكنتش بلبس غير الطقم ده .. ومش بهتم بنفسي زي البنات!
…………………………………………………………
لمعت عيناه بقوة وهو يتأمل ذلك التمثال الذهبي الصغير، فأرتسمت علي شفتيه ابتسامة نصر وهو يتخيل كيف قد قاده ذكاءه إلي تلك المقبرة التي تضمها أتربة الجبال.
ولكن سريعا ما تلاشت تلك البسمة من علي شفتيه وهو يتذكر بأنه مازال تابعا تحت سطوة ذلك الرجل المجهول الذي يقودهم دوماً.
ليرن هاتفه، ويجيب علي المُتصل بأبتسامه واسعة: البنت وفقت يا مسعد؟
فيأتيه صوت المُتصل مؤكدا: كل حاجة تمام يا حاتم بيه، بس البنت تعبتني جامد معاها وعاملة نفسها شريفة وطاهرة.
ليتهكم وجه حاتم وهو يتأفف: يبقي خلاص تشوف مين هيطلع أخوها من السجن ويدفعله الدين بتاعه…
وأنتهي الحديث بينهم، وأرتسمت ابتسامة واسعة علي شفتي حاتم وهو يتذكر كيف قاده حظه لتلك الفتاة، فهي ليست سوي بفتاه فقيره، قد أبلغها بعض الناس عنه ..بأنه رجل رحيم يفعل الخير وأنه سيدفع لأخيها ذلك المبلغ الذي اختلسه من مصنعه… ليتذكر هو المبلغ الذي لا يتعدى الخمسة ألاف جُنيهاً وهو يُتمتم: الليلة ليلتك يا حلوة!
***********
وسقطت الأقنعة (الفصل الثاني)
أخذ يتأملها برغبه وهو يُلامس وجهها بكفوف أيديه الخشنة، فرفعت عينيها اليه بسعاده : حلوه اووي الهديه يازين
وتمايلت بين ذراعيه بدلال ، لتقبله قبلة هادئه فوق شفتيه
فلمعت عين زين ببرود فقد أعتاد علي تلك الطريقه منها… يعطيها الهدايا القيمه لترضي رغباته .. ورغم أنه يعلم بأنها لا تتصنع حبها له وأنها تفعل كل شئ حباً الا ان زواجهم كان بدايه صفقه ليس اكثر (رغبه مقابلها المال)
وهتفت بصدق: بتحسسني ديما إني أكتر ست محظوظة في الدنيا ديه عشان اتجوزتك.
ويسمع صوت تنهيداتها وهي تتمايل برأسها علي صدره القوي، وتابعت حديثها: كنت بنت بضفاير و أنت كنت لسه ما كملتش العشرين… بتشتغل في المطعم بتاع بابا.
ليتهكم وجه زين عندما ذكرت أسم والدها لينطق أخيرا: بلاش نفتكر الماضي يا رحمه.
فشعرت سريعا بما يحرق صدره، فذكرى والدها تُسبب له كل ما يحمله من ألم قد تناساه … وأبتعدت عنه بحب: بحبك أوي يا زين، ونفسي تحبني زي مابحبك.
وعندما وصل حديثهما لذلك الطريق، تنهد قائلا:
رحمه أنا قبل ماأتجوزك.. قولتلك ان الحب مش في قاموس حياتي ، فبلاش تتمني حاجه مش هتحصل
ولامس وجهها بهدوء وهو يُكمل : متجرحيش نفسك بأيدك يارحمه .. فهماني
حركت رأسها اليه بتفهم .. وهي تشرد بذاكرتها في ذلك اليوم الذي تعارفت فيه عليه ورغم انه لم يعرفها لانها تغيرت تماماً فهو عرفها وهي طفله في الثالثه عشر من عمرها ولكن يوم أن عاد واصبح رجلا يهابه الجميع كانت هي أمرأه مكتمله الانوثه لا ينقصها شئ وهذا هو ما أعجبه بها في احد عروض الأزياء التي كان مدعو اليها من قبل أحد معارفه
أخذت تكتم صوت بكائها بقهر وهي تستمع إلي حديثهما وهما يخططان كيف يذيقوها معني الذل…
وتعالت صوت ضحكاتهم إلي أذنيها وهي تسمع زوجة سيدها تُخبر أختها بأن تجعلها تكره الجامعة وتتركها، فكيف لبائسة خادمة مثلها تتساوي معهم.
وخرجت زينب من غرفتها تتبعها خطوات أختها منه، ووقفوا يُشاهدونها بأبتسامة تسقط كالسهام علي القلب.
وأقتربت منها زينب بشماتة: اللي يفكر يقف قدامي لازم أفعصه، وأزاحت تلك المسكينة من طريقها بقسوة.
فأمسكت ليلي ذراعها بتوسل: طب أنا عملتلك إيه يا ست زينب، هو الفقير يقدر يقف قدام حد.
ليتهكم وجه زينب قائلة بتأفف: يا دي الشعارات الشريفة اللي عايشه بيها، بت إنتي هتمثلي عليا.
وتركتها زينب بملل وهي تغلي بداخلها من مشاعر زوجها نحو تلك الفتاه المُعدمه والتي لا يفهمها ولا يشعر بها أحداً غيرها.
فوقفت ليلى تُطالعها وهي لا تعلم لما تكرهها… فكل من في هذا البيت يحبونها ويشفقون عليها حتي الحج ناجي صاحب البيت لتضع “منه” بيدها علي أحد كتفيها قائلة بتهكم: أحسنلك سيبي الشغل هنا يا بنت الخدامة
فنزلت الكلمة علي قلبها ناراً، و تمتمت بأسى: يا ريت كان ينفع.
وظل يمر شريط تعذيب أخيها لها من أجل جلب المال، وبؤس والدتها المريضة وعلاجها.
فتنهدت ليلي بأسي وأمسكت بمقشتها كي تُكمل كنس باقي الارضيات وهي لا تعلم متى ستنتهي من كل هذا الشقاء، وسريعا ما تذكرت الأية القرأنية التي دوما تواسي بها قلبها.
(فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا)