
الفصل الخامس عشر
في جهمة الليل تبحر الباخرة وسط المياة الداكنة
………………أمواج ثائرة تصطدم بعنف بجسد الباخرة الضخم
معبرة عن سطوتها ……………فهي الأقوى وتستطيع في
لحظات لفظ هذا الجسد الحديدى خارجها أو ربما إبتلاعه وإبقاءه
معها إلى الأبد …………..
كانت سلمى تراقب المياه بعقل شارد ……………..لا تعرف ماذا
حل بها ……………لماذا لا تشعر بالسعادة وهي بين أحضانه
………..كانت تراقب أمواج البحر وهي تفكر ……………هل
يستطيع أن يخبرها البحر شيئاً ………..لماذا تخافه
…………ترهبه ………….تكره ظلامه …………..ألا تنطقين
أيتها الأمواج الغاضبة لتخبريني سبب غضبك ………أم تخبريني
بحقيقة غائبة داخل دهاليز عقلي ………
كانت هناء تشعر بالقلق الشديد على إبنتها ……………فمنذ
الليلة المشئومة لم تستمع لصوتها …………لم يخترق أذنها
سوى تلك الهمهمات الضعيفة ……………بكاء يقترب من
الصمت وكأن صوتها يأبى الخروج …………….
نظر لها أمجد بعين فاحصة وقال : في إيه يا هناء
هناء بإرتباك : مفيش
أمجد هو أحد أعمام مريم والأصغر سناً بينهم والأقرب للعائلة
الصغيرة ……….لاحظ أمجد دموع هناء المنهمرة وحالة إبنة
أخيه التي لم تكن البسمة تفارق وجهها …………نظر لهناء مرة
أخرى وقال بنبرة أكثر إصراراً : في إيه يا هناء
نظرت له باكية وبعد تردد قصت عليه كل شىء ……………..
كانت ردت فعله مختلفة عما توقعت ……………..فبعقل شديد
ورزانة يفتقدها الجميع في مثل تلك الأمور نظر لها والدموع
محتبسة في عينيه : إنتي إزاي سايباها كده ………….كده البنت
حتضيع مننا اكثر
هناء في حيرة : إيه ……….مش فاهمة
أمجد : لازم تروح للدكتور النهارده قبل بكرة يا هناء
…………إزاي البنت تتعرض لصدمة زي دي ومتوديهاش
تتعالج ……..حالتها حتبقى أسوء
هناء : دكتور !!!!! دكتور إيه
أمجد : دكتور نفسي يا هناء
هناء باكية : أبوس إيدك يا أمجد أنا مش ناقصة فضايح
………….كمان أودي بنتي لدكتور مجانين
أمجد : وأنا اللي بقول عليكي عاقلة يا هناء ………….طيب إيه
رأيك بقة مش بس دكتور مجانين زي ما بتقولي …………..دي
تدخل تتعالج كمان لو أمكن …………….مريم كده حتضيع منك
يا هناء ………………فوقي بقه …………….مريم لازم تفوق
وتتكلم واللي عمله ده يكون مصيرهم حبل المشنقة .
قبالة سواحل مدينة ميلانو الإيطالية حطت الباخرة ……….مناخ
جديد عليها لم تعده قبل ذلك ………..لغة غريبة عنها لا تفقه
منها حرفاً على عكس يحيى الذي كان يتحدثها بطلاقة
………..لم يمكثوا بالمدينة أكثر من ساعة ………….وجدت
نفسها على متن قطار متجه لمدينة روما ………..ظلت تراقب
جمال الطبيعة من نافذة القطار وهي شاردة فمن مجهول رحلت
وإلي مجهول ها هي قادمة …………امسك بيديها وهو يراقب
النافذة مثلها وقال : روما حتعجبك قوي ……….هي دي البلد
اللي حنعيش فيها
سلمى : إنت جيت هنا قبل كده
يحيى بثقة : أيوه طبعاً
سلمى : ما قلتليش يعني
يحيى : أكيد يا حياتي مش حاقدر في كام يوم أحكيلك كل حاجة
عن حياتنا ………….كمان دي كانت نصيحة الدكتور
قالت وهي تراقب النافذة دون أن تنظر نحوه : طيب أنا أول مرة
أجي صح
يحيى : أيوة ……………في خلال آخر سنتين انا كان ليا شغل
هنا كنت باجي شهر إثنين وأرجع مصر وهكذا
سلمى : اممممممممممم شغل إيه
يحيى : بعدين …………….بالتدريج حتعرفي وتفهمي كل حاجه
وأمام أحد فنادق المدينة الساحرة توقفت بهم السيارة
…………….كان الفندق على قدر عالي من الفخامة
…………ألقت بجسدها على الفراش الوثير في محاولة
للإسترخاء …………….نظر لها بإبتسامة قائلاً : معلش الرحلة
كانت مجهدة شوية ……………خدي شاور وانا حاطلب العشا
تحبي تاكلي إيه
سلمى : بصراحة مش جعانه ………محتاجه أنام
يحيى : لازم يا حبيبي تاكلي حاجه ……….وبعدين نامي براحتك
علشان من بكرة حفرجك على البلد حاعملك فسحة حتنسيكي
إسمك
سلمى ضاحكة : كمان ………كفاية كده قوي
إقترب منها ونظر لها بشغف كعادته ثم أمسك بوجنتيها وقال :
أوعدك معايا حتعيشي في سعادة ملهاش حدود
نظرت له بدهشة ثم قالت : وهو أنا قبل كده مكنتش عايشة في
سعادة
إبتسم بثقة وتابع : بس إنتي مش فاكرة …………علشان كده انا
بعتبر إنك إتولدتي من جديد
إحتضن دميته بقوة ……………نعم فهي الآن دميته التي
سيشكلها كيفما يشاء .
في الصباح بدأت نزهتها لمشاهدة أهم معالم المدينة العريقة
…………….حظت معه بمتعة مؤقته وهي تتجول في المدينة
الساحرة ذات التراث المعماري العريق ……………تاريخ ممتزج
مع خلفيتها الطبيعية بإنسجام لا مثيل له …………ياله من قدر
…………فهي إمرأة بلا تاريخ ومل ما حولها ينضح بعبق
التاريخ ………………
تناولا الغذاء في أحد المطاعم العريقة ……………تلك هي المرة
الأولي التي تتذوق فيها الطعام الإيطالي ………..يحيى هو
المسيطر …………طلب لها طعامها كأنها طفلته المدللة ………
يحيى : ها عجبك الأكل
سلمى : لذيذ قوي
يحيى : هنا مشهورين بالباستا
سلمى : إنت بتتكلم إيطالي كويس قوي
يحيى : لغة سهلة على فكرة ………….حتتعلميها بسهولة
إبتسمت وظلت تنظر لطبقها شاردة
يحيى : سرحانة في إيه
سلمى : هو إحنا حنعيش هنا علطول
يحيى وقد تبدلت ملامحه لتصبح أكثر صرامة : خلاص انا شغلي
كله هنا دلوقتي ………….طبيعي حتعيشي في البلد اللي فيها
جوزك
شعرت بالخوف من نبرته الجادة إبتسمت بحرص وهي تقول :
طبعاً أكيد
يحيى وقد أراد تغيير الموضوع : بعد الغدا حنرجع على الفندق
ترتاحي شوية علشان بالليل عاملك مفاجئة
سلمى : مفاجئة !!!!! مفاجئة إيه
يحيى : وهو ينفع أقول ………….بالليل يا حبي .
كانت لتوها قد أخذت حماماً دافئاً عندما وجدته في إنتظارها وقد
أرتدى بدلة انيقة مع ربطة عنق حمراء اللون وقد قام بتوسيعها
بعض الشئ بعد أن فتح زر قميصه العلوي …….إبتسم لها قائلاً
: معلش مش بستحمل خنقة الكرافات
سلمى : عادي لو مضايقاك إقلعها
يحيى : إحنا النهارده حنسهر في أحلى مكان في روما واللبس ليه
معايير معينة ……………إتفضلي
سلمى وهي تمسك بفستان له لون أحمر قاتم : إيه ده
يحيى : يارب ذوقي يعجبك ………..على بال ما تلبسي حتكون
ماريا وصلت حتعملك مكياج وتظبتلك شعرك وأنا مستنيكي تحت
سلمى : ليه ده كله
يحيى : عايزك ملكة النهارده
خطفت بصره ………….كانت تبدو جميلة بفستانها الأحمر
المكشوف الظهر وقد تزين بربطة أنيقة من خلف رقبتها ليسترسل
بإنسيابية خيط رقيق مرصع بالفصوص اللامعة الحمراء على
ظهرها العاري ……………نظر لها بعيون تملؤها الرغبة
…………إستشعرتها على الفور فقالت بصوت هادئ : حتعشيني
فين
يحيى وقد إبتسم بخبث ثم قبل يدها وقال : في أحسن مطعم في
روما
كانت تستمع للموسيقى الهادئة وتنظر له وهو يتناول طعامه نظر
لها ضاحكاً وقال : بتبصيلي كده ليه
سلمى : مش عارفة ……..فكرت أراقبك وإنت بتاكل ………
جايز أفتكر أي ذكرى
يحيى : أول مرة إتعشينا فيها مع بعض مثلاً
سلمى : ممكن
يحيى : طيب أنا خلصت أكل وإنتي طبعاً أكلتك عارفها
………….تسمحيلي بقه بالرقصة دي
سلمى في أرتباك : لأ بليييييز يا يحيى أنا أصلا مكسوفة من
شكلي ومن لبسي ……….زي ما يكون الناس كلها بتبصلي
يحيى : علشان إنتي بيلا دونا يا روحي
سلمى : إيه !!!!
يحيى : بيلا دونا يعني ست جميلة …………..أجمل ست شافتها
عيني ……………يلا يا حبيبي أنا طلبت منهم الموسيقى دي
مخصوص علشانا
وعلى أنغام التانجو الهادئة أمسك بها لترقص بين يديه
…………عروسه الجميلة …………..أغلى ممتلكاته …………
يحيى : ها لسة مكسوفة
سلمى : اه ………….إيه ده
يحيى : ده الفلاش ………مصور مخصوص علشان يسجل
لحظتنا الجميلة دي مع بعض ……..ماتبصيش للكاميرا عايز
عينك عليا ………….علشان أعلق أجمل صورة في بيتنا لما
يجهز
سلمى : بيتنا !!!!
يحيى : اه يا حبيبي ……………كلها أسبوعين وبيتك حيكون
جاهز وحتفرشيه على ذوقك
إنتهت رقصتهم ليقدم لها بعدها عقداً أنيقاً من الماس نظرت له
بإنبهار وقالت : مش ممكن ………حلو قوي وشكله غالي قوي
يحيى : مفيش حاجه تغلى على سلمى
سلمى : يحيى …………انا مكنتش اعرف إنك غني قوي كده
يحيى : ودي حاجه وحشة
سلمى : لأ طبعا بس هو أنا عندي سؤال …………..إنت بتشتغل
إيه …………..ده لي علاقة باللي حصلنا في مصر والناس اللي
هربنا بسببهم
يحيى وقد لمعت عيناه ونظر لها بثقة ثم قال : سلمى أنا بتاجر في
المخدرات …………….وإنتي كمان .