
الفصل السادس عشر
كان جالساً بغرفته القديمة غارقاً في بحر من الذكريات
……..سلمى حبيبته التي عشقها بمجرد رؤيتها …….هي تلك
الجميلة صديقة أخته التي سلبت عقله بهدوئها ورقتها وبعض
وقت قليل من التعارف بينهما إكتشف أن مشاعرها هي الأخرى
تحركت نحوه ولاحظ الجميع زيارات المهندس الوسيم للجامعة
وأنها ليست زيارات من أجل أخته بل من أجل رفيقتها الفاتنة
وتمت الخطبة بعدها سريعاً ليتزوجا بعد تخرجها على الفور
وتنجب له ملاكه الصغير ………….
بملامحه الحزينة وعيونه الغائرة نظرت له والدته بحسرة وقالت
: وبعيد يا أحمد بقالك شهر على الحال ده
نظر لها بعيون دامعة ثم نظر لصورة زوجته وهي محتضنه إبنتها
ولم يجب
تابعت الأم : على إتصل من شوية
أحمد : رجع من مرسى مطروح
الأم : رجع
أحمد : وطبعاً ماوصلش لحاجه
الأم : حيعمل إيه أكثر من اللي إنت عملته بس كان لازم يروح
معذور دي أخته الصغيرة
أحمد : أنا حتجنن ……………..فص ملح وداب طيب لو كانت
……………مش قادرة أنطق …………..بس لو كانت ماتت فين
الجثة
قال جملته وإستغرق في البكاء كالأطفال ……………إحتضنته
أمه بقوة وهي تقول بنبرة باكية : يابني ماتعملش في نفسك بلاش
علشان خاطري علشان خاطر بنتك
أحمد : بنتي …………….لما تكبر وتسألني عن أمها حقولها إيه
اااااااااااااااااااااااه يارب
الأم : إهدى يا أحمد أبوس إيدك
أحمد : إخواتها حيتجننوا ………….أبوها لو كان عايش كان
زمانه مات بحسرته ……….كنت حاقبله بأي وش
الأم : وإنت ذنبك إيه يا بني
أحمد : ماهي الأمانة اللي سلمهالي يوم جوازنا يا أمي
……………وضاعت مني ……………ضاعت مني أنا
الأم : يابني ماينفعش كده ……………..حرام عليك نفسك
………………..ودي مين جاي كمان دلوقتي
أحمد : خليكي أنا حافتح
خرج أحمد ولكنه لم يجد أحداً بالباب …………..مجرد ظرف
أبيض مبهم بدون عنوان …………….فتح أحمد الظرف وبدأ
يقلب في محتوياته ………………..برقت عيناه
……………صدمة ………….لجمته لدقائق
……………..صورة حديثة لزوجته مع رجل …………..زوجته
في أحضان آخر …………..بل أكثر من صورة توضح حال
عاشقين …………..وهناك ورقة ……………ملحوظة صغيرة
…………….” أظن كده فهمت ……………..لو راجل طلقها ”
كانت هناء تعد طعام الغداء عندما سمعت طرقاً عنيفاً على الباب
لتجد أحمد بوجه أحمر كالدم وعيون تكاد تنفجر من الغضب
نظرت له في فزع قائلة : إيه يا أحمد في إيه
دخل إلى المنزل غاضباً وعيونه تتحرك سريعا كالصقر وقال
بصوتٍ مرتفع : مريم فين
هناء بنبرة غاضبة : عايز مريم ليه
أحمد وقد إتجه ببصرة لغرفة نومها فتوجه لها على الفور وهناء
تلحق به وتصرخ : إنت إتجننت تعال هنا رايح فين
كانت مريم تجلس على فراشها شاردة ولكن اكثر هدوئاً من ذي
قبل فقد بدأت منذ أيام رحلة العلاج النفسي وبدأت الأدوية تشق
طريقاً داخل عقلها ولكنها شعرت بفزع عندما رأت من يدخل
غرفتها بوجه يملؤه الغضب نظر لها بإنفعال شديد كان ثائراً
كالبركان إقترب منها وأمسك بذراعها بقوة وقد اخرج صورة من
جيبه وقال : مين ده …………..افهم بقه إنطقي
كانت مريم ترتعش بشدة ………….إنكمشت في فراشها وظلت
تبكي بهستيريا شديدة وهو ما زال على حاله وغضبه : إنطقي يا
مريم ……………قولي تعرفي إيه ………….إيه اللي حصل
……….إيه اللي حصل
إنتفضت مريم من على الفراش كأنها طير مذعور وإنكمشت في
أحد أركان الغرفة وقد وضعت يدها فوق أذنيها وظلت تصرخ
بهستيريا ففي تلك اللحظات لم تكن ترى أحمد كانت فقط ترى
شيطان تجرد من معاني الإنسانية وإعتدى عليها في ليلة غابرة
……………
إتجهت هناء نحوه بغضب وقد دفعته بعيداً عن إبنتها وصرخت في
وجهه : إطلع برة ……………سيب بنتي في حالها
………….برة
نظر لها بغضب ثم رفع الصورة في وجهها ولاحظ على الفور
تغير ملامحها عندما رأت الصورة ………………ملامح أنبئته
بسر تعرفه هناء …………….هي تعرف من في الصورة قال لها
بنبرة قوية : مين ده
كانت تنظر له وللصورة وملامح الصدمة على وجهها
…………….عيناه تنظر لها ولمريم بتحدي وغضب
…………كانت تلك هي المرة الأولى التي ترى فيها هذا البركان
داخل عيونه اللامعة …………تكاد ترى صورة إبنتها المنكمشة
في أحد زوايا الغرفة داخل عيونه ………….إقترب منها مرة
اخرى وقال بنبرة أكثر إصراراً : مين ده
لم تجبه ظلت صامته تخطاها وإتجه لمريم مرة أخرى فقد سيطر
عليه الغضب وتلاشت الرحمة من قلبه امسك بذراعها بعنف ونظر
لهناء والشر يتطاير من عينيه : ماهو يا إنتي تقولي يا هي تقول
إتجهت نحوهما على الفور وأخذت إبنتها بين أحضانها وقال
بصوت باكي وبنبرة حادة : ده يحيى ………..كان بيحبها زمان
……..إرتحت ………إمشي بقه ………إياك تيجي هنا تاني
……………مالكوش دعوة ببنتي ……………….حرام عليكم
حرام عليكم
تركها وقد سمع لتوه مفاجئة أخرى عن عاشق قديم لزوجته خرج
سريعاً كان لا يرى شيئاً أمامه وأذناه عاجزة عن السمع
…………لم تسمع صراخ هناء وهي تنظر لإبنتها بعد أن فقدت
وعيها : مريم ………………..مريم
وفي شقته القديمة ووسط ذكرياته معها تحول لبركان ثائر ظل
يمزق في ملابسها ………..صورها …………..كل متعلاقتها
وقد أصابته هستيريا شديدة ولا ينطق سوى بكلمةٍ واحدة
………….طالق …………….طالق
وفي مكان بعيد بعد عدة أيام كانت مريم تجلس على فراشها
بالمشفى نظرت لها هناء بحسرة من خلف الزجاج وهي تقول :
مش قادرة يا أمجد …………..مش قادرة أشوفها كده بنتي
ضاعت مني يا أمجد
أمجد : إهدي يا هناء ……….إحنا كده بننقذها
………..المستشفى دي ممتازة والكتور رائد صاحبي حيعمل
اللازم …………بكرة تبقى زي الفل إن شاء الله
لم تكن مريم الجميلة تراهم ……….عادت لشرودها من جديد
إقترب منها الدكتور رائد ونظر لها بحنان الأب وهو يقول : لا
النهاردة زي القمر
لم تنظر له وكأنها لم تستمع إليه ………….هي تعيش في عالم
آخر …………….عالمها الخاص …………….تابع الطبيب
بنبرة يشوبها الإصرار : إتفضلي يا ستي
قال ذلك وهو يعطيها رزمة من الأوراق مع قلم من الر صاص ثم
تابع : مش إنتي خريجة فنون جميلة …………..طيب أشوف بقه
موهبتك إيه رأيك تغيري ديكور الاوضة دي أو حتى ترسمي
رسمة حلوة ………..
لم تجبه ولم تأخذ منه شيئا …………..إبتسم وقال بحنكة الطبيب
: أنا فاضي مش حامشي غير لما تاخدي الورق ومش حاقعد
ساكت حافضل أتكلم
نظرت له بغضب ثم أخذت منه الأوراق ووضعتها جانبها
……….إبتسم ووقف وهو يقول : شخبطي يا مريم
…………شخبطي
تركها ظلت تنظر للأوراق لساعات وفي المساء كانت قد أمسكت
بالقلم ويدها تتحرك سريعا على الورقة البيضاء ………..ورقة لم
تعد بيضاء في النهاية …………..بل تحتوى على ملامح
………..نعم ملامح ………….إنسان ………..لا بل شيطان
…………..إنه هو بعيونه الحادة وإبتسامته الساخرة
……….نعم صاحب النصل الحاد .