روايات

رواية بقلم منى الكاشوري كاملة

تتأمل ثوب زفافها بعين دامعة.. متذكرة كيف اضطرت استعارته من إحدى صديقاتها كي تختزل أي تكاليف إضافية، متغاضية عن كونه لا يطابق ابدا ما تمنت أن ترتديه يوم عُرسها المنتظر. كما وافقت أن تتزين على يد صديقة أيضًا، بدلا من اللجوء لمركز تجميل يناسب طموحها كما تفعل أي عروس، لم تحقق أحلامها البسيطة مراعاة لظروف ناصر ..وكل هذال لا يساوي شيًا أمام سعورها الخزين الكئيب بليلة عمرها.. كم كانت والدتها محقة.. هي فقدت أشياء غالية .. بليلة عمر لن تتكرر.. لتضاف ذكرى تعيسة أخرى لسلسلة ذكريات ستحاول وأدها بعقلها.. يجب ان تنسى تلك الفترة بكل ما عانت بها.. ولكن هل ستنجح؟
__________________

جالسًا جوارها بمقعده المزين يتبادل ابتسامات مزيفة مع الجميع، فالإرهاق يتملك كل جسده، يتمنى أن يغفو وينال قسط طويل من الراحة، فكأنه كان يعدو وما وقف يلتقط أنفاسه إلا الآن.. تنهد وشعر بالندم فاقدًا كل شعور بالمتعة والشغف، فلم يسير شيء كما تمناه.. كان يخطط ألا بتزوج بدين مهما حدث بعد ما كان يسمع مآسي رفاقه المادية.. وتمنى أن تكتمل شقته كما يجب، لكنه لم يستطع سوى تدبير غرفة. نوم بسيطة فقط، تاركًا الجدران بلونها الكئيب!

لمح والدته ترمقه بضيق ملتزمة مقعدها وكأنها ضيفة ومدعوة گ الأغراب.. يعلم انها حضرت رغما عنها حتى تقف جواره فلم تطاوعها أمومتها على تركه.. يدري بغضبها.. لكن هو يعلم كيف سينال رضاها مرة أخرى..!
___________________

انتهى زفافهما المتواضع، وأخذها ناصر لشقة الزوجية التي ما أن شاهدتها حتي ايقنت خسارة اخرى.. وهي ترى كآبتها وفراغها من كل شيء سوى غرفة. نوم..!

_اتفضلي ياحبيبتي.. نورتي بيتك! أخيرا ارتاحنا وحلينا المشكلة على خير..!

هزت رأسها ملتزمة الصمت.. وذهبت لتستريح فالإعياء يتملكها بقوة، واصبحت غير قادرة على الوقوف على قدميها..!

اما هو فلم يكن افضل منها حالًا..الضغط النفسي بالأيام السابقة ولهاثه وهو ينتقل من مكان لمكان حتى ينجز ما يقدر عليه قبل الزفاف.. قد نال منه الكثير.. وانتهت ليلتهما الأولى بعد الزفاف.. وكلًا منهما يعطي ظهره للأخر غارقًا بنومه وهمومه..!

ولكن قبل ان تغفو، التفتت تنظر له بعد ان تركها وغرق بنومه أولا دون أن يلمسها.. وتصورت كيف كان سيتصرف لو كانت عروسه التي لم ينالها من قبل.. هل كان سيتركها ويغفو هكذا؟ لم يحتضنها حتى ليخفف عنها غربتها بهذا المنزل الغريب عنها..! بكت بصمت ولم. تمضي لحظات إلا وهي ساقطة بنومتها وأخر العبرات تُكمل طريقها فوق وجنتها المنطفئة!
________________
تُرى كيف ستكون الحياة بينهما بعد ذلك؟
وهل سيظل أهلهما على قطيعتهم معهما؟الفصل الخامس
_________

لم تزور ابنتها سوى مرتان..يوم الصباحية حتى لا يتسائل أحدًا لما لم تبارك لابنتها العروس كما تقتضي العادات بثاني أيام العُرس.. وبأخر يوم بأسبوعها الأول.. وبعد فترة أخرى أعلنت للجميع حملها بالشهر الأول، رغم أنها تخطت الشهر الثاني ببضعة أيام.. فحين تحين ولادتها بالشهر التاسع سيظن الجميع انها ولادة مبكرة وانها ستنجب طفل ” ابن سبعة”.. وبالفعل أخبرت الجميع، فأطلقوا الزغاريد العالية كنوع من الزهو والفرحة والمباركة لابنتها جنة!

_ مش هنزور أبلة جنة يامه؟

قطعت الصغيرة نجلاء شرود والدتها فهمست:
بعدين لما افضي هنزورها.. روحي ذاكري وانا هطلع على السطوح احط أكل للطيور وانزل!
……………

تعلم ان لديه حق.. لكن قلبها يشتاق لجنة.. وبالوقت ذاته لا تقدر على مخالفة أمر زوجها في الذهاب إليها.. خاصتًا مع أطلاقه يمين عليها ألا تذهب دون عمه.. هو يريد معاقبتها هي وزوجها ولن تلومه.. لكن إلى متى ستُحرم من رؤيتها.. إلى متى؟!

“منك لله يا بنت فاتن.. فرقتيني عن ابني”

صاح عليها: انتي مش هتبطلي ترمي كل حاجة على جنة؟ وابنك ماغلطش ابدا؟ ترضيها تحصل مع نوال بنتنا يا نادرة؟

هتفت بفجاجة: أنا بنتي متربية و…..

اتسعت عيناها برعب وهي ترى كف زوجها وهو يهم بصفعها.. ثم تراخت بقبضة مضمومة كاظمًا غضبه، ثم لوح بسبابته محذرا: قسمًا عظمًا لولا الفضايح قدام العيال لكنت عدمتك العافية.. بنت اخويا متربية وقطع لسانك تجيبي سيرتها تاني.. ولو كررتيها مش همسك نفسي وهتخربي بيتك بأيدك.. عايزة تخاصمي ابنك براحتك وخدي وقتك لحد ما تهدي.. لكن تجيبي سيرة مراته بالعاطل مش هضمن رد فعلي معاكي بعد كده! اتقي شري وماتفرجيش علينا الناس بعد العمر ده كله!
وغادر بزوبعة غضبه وتركها منكمشة خوفًا تلاشي بعد رحيله، واستعادت عيناها نظرتها الكارهة:
_ ماشي يابنت فاتن.. ماشي!
____________________

مضى ثلاثة أشهر وأصبحت فعليا بأول شهرها الخامس، لكن أمام المحيطين بالشهر الثاني. ولأن بطنها بدأت في البروز، حاولت ان تحتجب اغلب الوقت حتى لا يلاحظ أحدا سرعة ظهور حملها.. وان ترتدي كل ملابسها الفضفاضة!
أما زوجها ناصر فغرق بدوامة عمله ليل نهار حتى يُسدد كل ديونه وأقساطه، خاصتُا أنه جلب لها بعض الأشياء الضرورية.. كتلفاز وثلاجة وغسالة..وهذا زاد أعبائه المادية، فكثف عمله وأصبحا لا يلتقيا إلا قليلا يوم إجازته التي يقضيها بالنوم لينال أكبر قسط من الراحة حتى يوصل ساعات عمله الطويلة بالأسبوع التالي!

انت في الصفحة 10 من 18 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
8

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل