روايات

رواية بقلم منى الكاشوري كاملة

الجارة بود وهي تقدم العصير:
أنا أماني.. متجوزة من شهرين.. يعني لسه عروسة..! ممرضة في مستشفى حكومي.. وجوزي محمد مدرس ابتدائي..في المدرسة اللي جمبنا

جنة بابتسامة بسيطة: وأنا جنة.. كنت بشتغل قبل جوازي في خياطة العبايات الجاهزة.. وجوزي ناصر مكانيكي سيارات! وزي ما انتي شايفة، حامل في شهري الخامس!

_ ما شاء الله.. انتي كده متجوزة قبلي بوقت بسيط!

هزت رأسها ببعض الحزن، فواصلت الأخيرة بحماس:
تعالي بقى افرجك على شقتي وهي لسه جديدة.. فرصة قبل ما نجيب عيال ويخلوها خرابة!

راحت تستعرض أمامها أناقة شقتها وجمالها البسيط.. وهي تذكر كم عانت هي وزوجها وصبروا حتى اكتملت ثم تزوجوا.. تذكرت حينها شقتها وخلائها حتى من لون حيطان يبدد كآبتها.. وكيف خجلت أن تدعوها لتستضيفها..كيف تفعل ولن تجد مقعد تجلسها عليه
وهذا غير استعراضها نزهاتهما معا بعد الزواج.. وكيف تمضي أوقات طيبة بصحبة زوجها.. وعلمت انهما لا يعانون أي ديون تؤرقهما.. وينتظرا فقط ان يكتمل حلمهما بطفل يؤنسهما ويحلي أيامهما.. !

شعرت جنة بالضغط يزداد عليها وأنها تختنق.. تريد الاختلاء بنفسها بأسرع وقت.. كما أخذت قرار أن تظل منطوية دون علاقات ببنايتها حتى لا تتحسر على حالها أكثر.. استأذنتها بالمغادرة مع وعد كاذب باللقاء في زيارة أخرى!
في اليوم التالي!

_ جنة ساعة زمن وتصحيني، أوعي تنسي احسن اتأخر على شغل بالليل!

اعترضت: شغل أيه؟ انهاردة الجمعة ياناصر يوم أجازتك!
_ لا منا جاتلي سبوبة حلوة هاخد منها قرشين، اهو ينفعوا أخر الشهر في سداد الأقساط اللي عليا..!

هزت رأسها بتنهيدة وقالت: ماشي.. الله يعينك، بس انا كنت نفسي اخرج انهاردة اي حتة معاك، زهقانة يا ناصر، هطق من الوحدة.. ولا نافع اروح لامي وابويا اللي زعلانين ولا هما بيجوا.. ووالدتك مش بتيجي تشقر عليا، ولا مختلطة بجيران هنا اتسلى معاهم.. ونفسي اشم هوا انا وانت و…………

سمعت صوت أنفاسه الصاخب فالتفتت لتجده غارق بغفوته، فدمعت عيناها وهي تدثره بغطائه وأطفأت ضوء الغرفة، وراحت تجلس وحدها كعادتها كل ليلة!
____________________

العبء ثقيل وديونه تحرمه النوم..صار وكأنه يلهث دون توقف..وهو يقتص ساعات زهيدة من يومه لينام حتي يواصل عمله ليل نهار ليحصل على أكبر قدر من النقود شهريًا.. وعلاوة على كل هذا مقاطعة أهل زوجته ووالدته التي مازالت على موقفها تجاة جنة..!
_ في واحد بيسأل عليك. يا اسطى ناصر ومستنيك برة!.. التفت للصبي وتسائل: مين ده يا عز؟
_ معرفش يا اسطى، قال انه قاعد على القهوة اللي قصاد الورشة!
ذهب وما أن رآه حتى هلل وهو يلثم كفه:
وحشتني “يابا” عامل إيه انت واخواتي وامي؟
ربت والده على كتفه ودعاه للجلوس: الحمد لله يا ابني بخير.. انت عامل ايه طمني عليك؟
_ نحمد ربنا على كل حال..مش ناقصني غير تسألوا عليا.. ونفسي امي ترضى عني انا ومراتي.. وعمي رحيم وحماتي.. كلهم مقاطعنا محدش بيزورنا خالص.. بقينا مقطوعين يابا ومالناش حد!

التاع قلبه وهتف بمؤازرة حانية بفطرة قلبه گ أب:

بعد الشر عليك يا ابني.. مقطوع ازاي وانا على وش الدنيا.. أنا صحيح زعلان من اللي حصل خصوصا ان عمك رحيم مقاطعني من وقتها.. وامك في الرايحة والجاية تدب كلام زي السم تلقيح على جنة ومحملاها سبب كل حاجة.. بس ماهانش عليا اسيبك.. وصحيح أنت غلطت.. بس صلحت غلطتك وطلعت راجل وشلت المسؤلية وماهربتش واستندلت زي غيرك ..عشان كده عديت على بيتك ازورك!

قاطعه ناصر بفرحة: بجد يابا؟! يعني زورتني وشوفت جنة؟
هز رأسه مجيبًا: أه ولله عديت وجنة قالتلي انك بتشتغل بالليل والصبح وهي اللي قالتلي عنوان شغلك الجديد!
صمت ليلتقط مغلف من جيب جلبابه وواصل:
_ خد يا ناصر يا ابني.. دي أول جمعية قبضتها.. شوف ناقصك إيه في بيتك وهاته.. واوعدك كل شوية هجيبلك مبلغ زيه.. وواحدة واحدة تكمل بيتك وتستره يا ابني!

أبت كرامة ناصر أن تقبل إعانة من والده فرفض بحزم:
_ رجع فلوسك في جيبك يابا.. أنا عارف البير وغطاه.. أختي نوال جوازها قرب وهي أولى مني.. أنا خلاص استقليت بحياتي وبقيت مسؤل لوحدي وكل حاجة هتيجي لما ربنا يريد.. كفاية بس ترضى عني!
نكزه أبيه بقسوة كاذبة: وانت عشان فتحت بيت هتكبر على ابوك ي واد انت وترد ايده؟

استنكر ناصر: معاش اللي يرد ايدك يابا بس……
قاطعه الأخر: مافيش بس.. في حاضر يابا.. مهما كبرت واتجوزت وخلفت مش هتكبر عليا.. لما اساعدك أوعى ترفض.. ربنا يديني العمر ويرزقني وما اخليش حد فيكم ناقصه حاجة وانا عايش.. وصحيح القرشين دول مش كتير، بس اهي نواية تسند الزير زي مابيقوله!

واستأنف حديثه وناصر يرمقه بتأثر وغصة دموع تخنق صوته: مراتك مالقيتش كرسي تقعدني عليه يا ابني.. كانت مكسوفة وهي بتجيبلي كرسي من أوضة نومها.. خد المبلغ ده وادفع مقدم أنتريه تقعد عليه ضيوفها وتستر بيتها.. لو انا مش غريب.. في جارة ولا صاحبة ممكن تدق بابها.. اسمع كلامي واعمل اللي قولته.. وزي ما وعدتك الجمعيات اللي معمولة على أسمك هتاخدها كلها.. وربك كريم وهيفضل ساترها.. وان كان على امك ماتقلقش مسيرها تهدى وترضى عنكم.. انت عارفها لسان ع الفاضي!

لم يجد ناصر أبلغ من عناق دافيء صامت.. كان خير رسول لمشاعره الممتنة تجاه والده الذي كان أسخى بعناقه وهو يربت على ظهره مغمغما: يلا قوم خلص شغلك بسرعة وارجع لمراتك وروحوا اشتروا الأنتريه وخليها تختاره وفرحها.. وماتحملش هم.. كل يومٍ هو في شأن.. وبكرة الحال يتغير للأحسن بأمر اللي خلقك!

سبحان من بدل حاله من كآبة وحزن قبل أن يأتيه والده.. وبعد أن غادره..وگأنه منحه طاقة غير محدودة من التفائل وأنعش قلبه الذابل وأقبل على الحياة.. وشعر بشوق شديد لزوجته تلك اللحظة وكم يتوق لرؤية فرحتها وهما يبتاعوا غرفة أنتريه لشقتهما.. لن يبخل عليها.. سيختار لها شيء غالي حتى وإن طالت أقساطه.. وبالفعل انجز سريعا عمله وذهب تسبقه اللهفة لبيته.. وجنة!

انت في الصفحة 12 من 18 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
8

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل