روايات

رواية بقلم منى الكاشوري كاملة

_الفصل الأخير
———
تمطعت بفراشها وحاولت النهوض فوجدته يحتجزها فوق صدره، فاستكانت وقبلته وراحت تسترجع تفاصيل ليلتهما الماضية وكأنها هي من تلت زفافهما.. وليس تلك الليلة البعيدة الكئيبة.. حين أدار كلًا منهما ظهره للأخر.. بينما الآن تشعر أنه عاد حبيبها وزوجها الحنون الذي يتملك خصرها بذراعيه گ أنه يخشى فررها، داعبت أنفه بمشاكسة فتجعد وجه وهو يحركه بعيدا عن مرمى إصبعها الذي لاحق أنفه ثانيًا وهي تكتم ضحكتها..ثم غمغمت بنعومة: ناصر.. يلا قوم ياحبيبي عشان شغلك هتتأخر كده!
ندت عنه همهمة خافتة، فعادت تنكز صدره: يابني بطل كسل واصحي عشان معاد شغلك!
ثم حادت بنظرها تتبين توقيتهما فوجدته تخطى معاد استيقاظه، فانتفضت توقظه بخوف:
_ ناصر… ناصر قوم بسرعة الوقت اتأخر ومش هتلحق شغلك وهترجع تزعق وتقولي انتي السبب..!

تملل مغمغمًا: مش رايح!

رفعت رأسها قليلا عن صدره وهي تطالعه قائلة:
_ نعم؟! ازاي؟ هو ينفع ماتروحش؟

رمش بعيناه قليلا حتى استقر على رؤية محياها، فجذب رأسها لتستكين فوق صدره ثانيًا وراح يداعب شعرها: هقضي اليوم بطوله معاكي ياجنتي!

لم تصدق وظنته غير واعي فنكزته نكزة أقوى ليفيق: فوق يا ناصر شكلك لسه نايم.. والله لو عاتبتني وقلت ماصحتنيش ه……… أسكتها بأنامله على شفتيها ومنحها نظرة مفعمة بمشاعره الهائمة: مش عايز اصحى يا جنة.. هفضل في جنتك لحد ما اشبع.. هحاول اعوضك عن بعدي وإهمالي ليكي الفترة اللي فاتت، امبارح اتأخرت في شغلي، بس أخدت أجازة يومين بحالهم.. هنخرج نتفسح في أي مكان ونتمشى ومش هسيبك لحظة..وهسمع كل حاجة نفسك تحكيها زي زمان، بس سامحيني على تقصيري في حقك.. والله غصب عني.. لكن انتي عارفة إنك روحي وقلبي من جوه!

طافت عيناها على وجهه بحنان، وضمته بقوة مردفة: عارفة ومسمحاك ياحبيبي..انسى العتاب..وخلينا نبتدي من جديد! كفاية عليا انك رجعت تحس بيا تاني!

داعب بشرة وجنتها برفق: هنسى وهصلح اللي فات وعندي ليكي مفاجأة هتعجبك أوي..
تسائلت بفضول: إيه هي؟
_ مش هقول دلوقت، بعدين..يلا بقى قومي نفطر بدري وبعدين نخرج، مش عايز دقيقة تضيع في البيت! ولو عايزة. تروحي مكان معين قولي!

فاضت عيناها بسعادة طاغية:
مش مهم نروح فين.. المهم انك معايا يا ناصر.. ربنا مايحرمني منك ابدا.. ”
ضمها أكثر وقد لاحظ استعادة وجهها لنضارته وبهاءه وأقسم داخله ألا يطفيء بريقها يومًا..هي حبيبته وزوجته وأم اطفاله.. فما قيمة الأيام إن أمضيناها بجفاء وبُعد عن من نحب؟..مهما كان انشغاله، سيقتنص لها دائما ولو دقائق يقضيها معها.. وينعم بدفء صحبتها..!

يلا اختاري أنتريه على ذوقك.. المحل ده اسعاره حلوة وصاحبه مهاود عن غيره!

تنظر له بدهشة ولا تعرف لما أتى بها إلى هنا وكيف تنتقي شيء وهي تعرف حالته وأعباءه؟
تنحت به جانبًا وقالت بخفوت: ناصر أنتريه إيه اللي اختاره.. هو احنا معانا فلوس..!

ابتسم وهو يشدد علي يدها: ماهي دي المفاجأة اللي قولتلك عليها.. هنجيب حاجة تقسيط عشان لما يجي ضيوفنا يلاقوا بيتنا مستور.. أبويا امبارح عطاني مبلغ ينفع مقدم كويس.. وقالي اشتري واحد.. ورغم اني رفض بس هو صمم ووصاني اجيبك ونشتريه..!

تهلل وجهها وهي تجيبه: بجد ياناصر؟ ربنا يخليك لينا ياعمي، أصله زارني امبارح و……

قاطعها: عارف هو عدى عليا وقالي..وانا اوعدك الشهر الجاي اجيب نقاش يظبطلنا المطرح بدهان متواضع احسن من لون الحيطان الكئيب ده.. انا متأكد انها هتفرج وتبقى عال بس ادعيلي!

_ بدعيلك ياحبيبي ربنا يرزقك برزقنا و…… ..
هتف بجزع: إيه مالك بتتألمي ليه؟!
_ اظاهر ابنك فرحان وبيلعب جوه عشان الأنتريه.. عمال يخبط في ضهري ابن اللذينا.. بس اما ينزل هوريه!

ضحك وهو يطالع موضع طفله: شكله هيطلع واد شقي زي ابوه.. عموما يلا بلاش نضيع وقت اختاري حاجة عشان ننقلها بيتنا واظبط معاكي مكانها وبالليل هعزمك على كباب ومش هخليكي تطبخي.. انهاردة وبكرة في دلع وبس!

شعرت أنها تحلق من سعادتها فقالت بحماسة اللحظة: هو انا ماينفعش ابوسك دلوقت؟
قال محذرا: إياكي احنا في محل وحوالينا ناس!
ثم مال عليها مردفا بخبث: بس عايز اشوف الشقاوة والدلع ده في البيت!

_ هبهرك.

ضحك مشاكسًا: هتبهريني ببطنك دي؟ طب يلا ياستي أحسن تولدي وانتي واقفة!
وجذبها لتنتقي ما يروقها حتى بتثني لهما العودة وترتيبه والتمتع به!
______________________

رغم إرهاقها وثقل بطنها المنتفخة، إلا أن سعادتها بتلك النزهة وما ابتاعته هي وزوجها وجعلتها تتغاضى عن أي تعب أصابها..!

_ الله علي المكان لعد ما اتفرش واترص الأنتريه.. بقى له منظر ياجنة ويتقعد فيه!
_ الحمد لله.. انا مش مصدقة اننا اشتريناه..!
ثم تذكرت جارتها وهتفت: أهو كده اقدر اعزم جارتي أماني عندي.. انا كنت مكسوفة اقولها تطلع والمكان فاضي!
تسائل: عرفتيها امتي دي؟
قصت عليه دون إسهاب كيف داهمها الدوار ورؤيتها مصادفًا واستضافتها حتى تتوازن..!

_ وانا مش محرج عليكي تنزلي وانتي ببطنك دي واحنا في السابع؟
_ كنت زهقانة يا ناصر، عموما ربنا سترها.. دي طلعت عشرية أوي واتكلمت معايا كأننا اصحاب من زمان!

ثم تنهدت وهي تتذكر أبويها ومقاطعتهم لها ووحدتها دونهم فاحتلها الحزن الذي أدركه ناصر بملامحها:

أوعدك كله هيتحل.. وقريب جدا..!

يارب يا ناصر.. يارب!

انت في الصفحة 14 من 18 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
8

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل