روايات

نجمة الباشا

-هسيبك عند أهلك!

ضربت نجمه على السيارة أمامها في جنون وذعر وهي تزمجر:

-أنت مجنون يا سيدي أنا مش محترمة، مالك ومالي بتتدخل في حياتي ليه!

ضرب سليم كفه في السيارة بقوة أكبر وقد اشتعل بسبب موافقتها المستمر على كلماته بأنها غير سوية وكأنها تؤكد له سوء ظنونه، يدري انها تتغني بتلك الكلمات لمضايقته لكن رجولته ونخوته لا تتحمل سماع تكرارها على التوالي، فدوى صوته الهادر يشق عنادها والحرب في عينيها:

-انا اللي مش عايزك، ومش عايز أعرف حتى انتي محترمه ولا لا!

انغرست كلماته في قلبها فقبعت ساكنه في مقعدها وقد تملكها البكاء الهستيري، كارهة حياتها وكلماته ولما آلت عليه الأمور بينهما، لم يهتز سليم الغاضب ببكائها الذي يمزق نياط قلبه…
فلم يعد للحديث بقية……
مالت تستند برأسها على المقعد تحاول تجفيف دموعها وإيقاف تأوهاتها الباكية بأي طريقة، لكن قلبها يفور ويت.ألم لظنونه بها، مر الوقت بينهما وكلاهما غارق في هذا اليوم المشؤم الذي تحولت بعده مجريات علاقتهما للأبد….

***
وقف سليم امام سيارته يستند بجسده فوق مقدمتها ناظرًا لساعة يده في ترقب، يتنظر خروج “نجمة” من “الكورس” بفارغ الصبر.
مرر أصابعه بين خصلات شعره القصيرة يحاول الحفاظ على إطلالته المهندمة أملًا في إثارة إعجابها، ويتملكه شعاع من التوتر لأنها المرة الأولي التي يخاطر بلقائها خارج إطار دائرة أصدقائهم المشتركين.
ابتسم يتذكر أحاديثهم التي بدئت منذ ليلة الميلاد الخاصة بصديقه المفضل، تنهد فالمشاكسة لاتزال تسلب عقله بدلال نظراتها وكلماتها مع تمنعها المستمر، لكنه لم ييأس متأكدًا أن الإعجاب بينهما متبادل ولم يهدأ حتى وصل لجميع حساباتها على مواقع التواصل الالكتروني وصارا يتحادثان طوال اليوم وبدون توقف حتى سحرته وصار يتطلع لها أكثر من تلك النجمة المنتظرة بعد نسره فوق كتفه.
عض شفتيه متذكرًا كيف استمر في رسائله المؤكدة بانه لا يرغب سوى في صداقتها وكيف استسلمت في نهاية الأمر رغم جملتها الشهيرة التي صار يحفظها عن ظهر قلب “احنا مجرد أصدقاء مش حاجة اكتر”، لمعت عيونه بلمعة مكر وما اجملها من صداقة مليئة بالمُغازلة والحب، وكأن هناك رجل سيستطيع مقاومه سحرها الساذجة، لكنه قرر مجاراتها في اللعبة واثق من رضوخها الوشيك لمكنونات قلبيهما.

-بالله عليك اديني خمسة جنيه افطر، مكلتش من اسبوع!

قطع تفكيره الرومانسي، دخول “صابر” غلام سمين في سن المراهقة ممن يمتهنون التسول كان متخذ من الدائري القريب من عمله مقرًا لتسوله، ولكن الصغير لم يتعرف عليه دون بدلته الرسمية، فمد سليم أصابعه يضع فوق السيارة حقيبة ورقيه كانت في يده قبل أن يمسك مقدمة قميصه قائلًا:

-خد ياض بخدودك دي هنا، اسبوع ايه اللي مكلتش فيه ده انت واكل اخواتك قبل ما تنزل!
هو أنا مش قايل تبطل تسول وبعتك لواحد تسترزق منه باليومية.

ارتبك “صابر” ما أن خلع سليم نظارته الشمسية وتعرف عليه فأجابه في ارتباك وتلعثم:

-باشا!
والله يا باشا الراجل طلع مفتري وبهدلني والدنيا جت عليا أوي نزلت اشحت بدل ما اسرق ولا أموت من الجوع يباشاا.

انهى كلماته بمسرحية محترفة فمط سليم خدي صابر في استنكار واضح مردفًا:

-تموت من الجوع ودي تيجي بردو، بقولك أيه انا الشغل ده ميمشيش معايا،
انت شكلك مش هترتاح غير وأنت في الأحداث .. صح ؟!

-لا والله العظيم يا باشا اقسم بالله، أنا عايز اشتغل بس هو جه عليا جامد!

اخبره “صابر” في سرعة وقد سيطر عليه الخوف من تهديدات سليم المبطنة فربت سليم على وجهه مرة اخرى يهدئه بصوته الرخيم:

-يا ابني انت صعبان عليا، احنا نازلنا قرار نلم اي حد بيشحت مش عايز مستقبلك يضيع في الأحداث..

حرك صابر رأسه يعبر عن فهمه للحديث وكاد يبكي من ضيق الحال وقلة الحيلة لكن سليم استكمل يحثه في صدق:

-انت بقيت طول بعرض وكلها سنتين وتبقى راجل، متتنازلش عن كرامتك وتهين نفسك عشان القرش،
بلاش تضيع فرصتك واسمع كلامي!

-حاضر يا باشا اخر مرة والله.

اخبره الغلام في نبرة منخفضة صادقة وهو يخفض رأسه كالمذنب، فأخبره سليم بخشونة وحنو متناقضان:

-انا هبعتك لواحد تاني قوله انك من طرفي ولو عملك اي حاجه انت عارف مكاني تعلالي فورًا، فاهم !!

تحرك سليم نحو سيارته يبحث عن ورقه يدون عليها العنوان والاسم ثم أعطاها لصابر الذي حاول الابتعاد عنه سريعًا لكنه اوقفه من جديد مخرجًا محفظته قبل أن يعطيه بعض المال قائلًا:

انت في الصفحة 13 من 29 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل