
” بس اهم حاجة يا تالا ، الكلام هيفضل سر بينا ، يعني محدش هيعرف فجوازنا غير اهل الحارة وعيلتك..”
ابتلعت ريقها واكتفت بإيماءة من رأسها ، قال أمير :
” هاتي بطاقتك بقى ، بكره الصبح هنروح للمأذون ونكتب الكتاب ..”
أخرجت بطاقتها الشخصية من حقيبة يدها وأعطتها إياه ليأخذها منها ويضعها داخل جيب سترته ..
…………………………………………………………………….
خرج كلا من أمير وتالا من عند المأذون ، اتجها نحو السيارة بعدما شكر أمير الشاهدين اللذين استأجرهما ، ركبا السيارة بجانب بعضيهما وبدأ أمير في قيادة سيارته ..
” امتى تحبي نبلغ اهلك والحارة بجوازنا .؟!”
سألها بجدية لترد بخفوت :
” وقت متحب ..”
نظر إليها للحظات ثم قال عائدا بأنظاره نحو الأمام :
” هروح انا ابلغهم بنفسي ، ملوش لزمة تيجي معايا ..”
تنهدت تالا بإرتياح فهو قد حمل عبئا ثقيلا من عليها ، هي لم تكن مستعدة لمواجهة عائلة عمها وأهل الحارة ، ليس بعد كل ما حصل ..
أوقف أمير سيارته أمام الشقة التي يقطن بها وقال :
” انا ساكن هنا .. وانتِ هتسكني معايا اليومين دول لحد ملاقيلك شقة مناسبة .. وهحاول ألاقي شقة بنفس العمارة عشان أكون مطمن عليكِ..”
” ملوش داعي تتعب نفسك ، انا هدبر أمري ..”
قالتها بخجل لينظر إليها قليلا قبل أن يقول بضيق :
” مينفعش الكلام ده ، انتِ دلوقتي مسؤولة مني ..”
صمتت ولم ترد ليأمرها:
” انزلي يلا ..”
هبطت من السيارة واتجهت معه الى داخل العمارة وتحديدا الى داخل الشقة التي يقطن بها أمير ، فتح أمير باب الشقة وفسح المجال لتالا كي تدخل ، ولجت تالا الى داخل الشقة وأخذت تتأملها ،كم غريبة هي الحياة ..؟! البارحة دخلت الى هذه الشقة كخادمة واليوم هي زوجة صاحبها ..
أفاقت من شرودها على صوت أمير يقول :
” الشقة صحيح صغيرة بس فيها أوضتين ، وحدة بتاعتي والتانية ليكي ..”
ثم أشار الى احدى الغرف قائلا :
” تعالي شوفي أوضتك ..”
سارت خلفه ليفتح لها باب الغرفة فتتطلعت إليها بسعادة لا إرادية وهي لا تصدق أنها ستنام في غرفة كهذه بعدما كانت زوجة عمها تجبرها على النوم في المطبخ ..
” هسيبك عشان تستريحي شوية .. انا هروح الشركة ..”
التفتت نحوه واومأت برأسها متفهمة ليكمل :
” فيه اكل كتير بالثلاجة ، اعملي منه اللي تحبيه …”
أومأت برأسها مرة أخرى ليخرج من غرفتها والشقة بأكملها متجها الى شركته ..
اما تالا فجلست على السرير تتلمسه بعدم تصديق ، تمددت عليه وهي تحتضن المخدة بفرحة كبيرة ، أخذت تدعو ربها ألا يكون هذا مجرد حلما سوف تستيقظ منه وينتهي كل شيء ..
…………………………………………………………………….
جلس أمير على مكتبه لتقترب منه السكرتيرة وهي تحمل له فنجانا من القهوة وتضعها أمامه قائلة بحب :
” اتفضل القهوة ، امير بيه ..”
شكرها بصمت وهو يتناول فنجان القهوة لتخرج السكرتيرة من مكتبه بينما ُفتحت الباب ودلف فراس صديقه إلى الداخل لينهض أمير من مكانه مسرعا ويقول بدهشة :
” انت مسافرتش…؟!”
” للاسف، السفرية اتلغت..”
ابتسم أمير وقال :
” كويس ..”
اتجه فراس نحو الكنبة الموضوعة في احد اركان الصالة وقال :
” طبعا انت فرحان دلوقتي ..”
” أوي ..”
قالها أمير بخبث ليقول فراس بجدية :
” اخبارك ايه … ؟! فيه جديد ولا لا ..؟!”
أجابه أمير :
” مفيش جديد ، بس انا تجوزت ..”
” بلاش هزار يا أمير، مش فايقلك أنا ..”
ابتسم أمير وقال :
” انا مش بهزر يا فراس .. انا لسه متجوز من ساعتين ..”
نهض فراس من مكانه ووضع كف يده على جبين أمير ليقول بعد لحظات :
” لا حرارتك كويسة ، امال بتقول كده ليه ..؟!”
أجابه بجدية :
” عشان انا بتكلم بجد ، انا اتجوزت ..”
” مين ..؟! اتجوزت مين ..؟!”
” وحدة متعرفهاش ..”
” طب ازاي..؟! ”
تنهد أمير وقال أخيرا:
” هحكيلك ..”
يتبع
الفصل الرابع
مساءا
دلف أمير الى شقته ليجدها مظلمة تماما ، فتح الضوء ليسطع في أجزاء الصالة التي بدت فارغة وكأنه لا يوجد بها أحد ..
لا يعرف لماذا شعر بالقلق يغزو كيانه وهو يتخيل أنها رحلت فجأة دون أن تخبره ، اتجه مسرعا نحو غرفة النوم خاصتها ليجدها خالية أيضا .. ابتلع ريقه بتوتر وهو يفكر في سبب إختفائها ، هل يعقل أنها ذهبت الى عائلتها مرة أخرى ..؟! ألم يحذرها من الذهاب إليهم ..؟!
نهر نفسه لأنه لم يأخذ رقم هاتفها ثم ما لبث أن قرر إنتظارها في الشقة علها تعود بعد قليل وإن لم تعد سيضطر أن يبحث عنها ..
جلس على الكنبة بتعب ورغما عنه أخذ يفكر بها وسبب غيابها ، زفر أنفاسه بقوة ونهض من مكانه متحركا ذهابا وإيابا داخل الصالة حينما فُتح الباب فجأة وولجت هي الى الداخل …
ركض نحوها بلهفة وسألها بسرعة ونبرة خرجت منه حادة :
” كنتي فين ..؟!”
شعرت بغضبه الشديد فتوترت ملامحها ونبرتها وهي تجيبه بتقطع :
” أناااا …”
” انتِ ايه ..؟!”
صرخ بها لتنكمش على نفسها وتترقرق الدموع داخل عينيها ليشعر بخطأه الجسيم فأخذ نفسا عميقا ثم قال بلهجة هادئة بطيئة :
” انا اسف ، بس انتِ ازاي تخرجي من غير متقوليلي ..؟؟”
” انا اسفة ..”
قالتها أخيرا بنبرة باكية قبل أن تكمل وسط شهقاتها :
” انا كان لازم أقولك اني خارجة بس انت نسيت تديني رقم تليفونك ..”
” رحتي فين ..؟!”
سألها بجدية لتجيبه بتوتر ظهر جليا عليها :
” كنت بدور على شغل …”
التمعن عيناه غضبا لا إراديا حينما سمع سبب خروجها لكنه قرر تهدئة نفسه فأخذ نفسا قويا عدة مرات قبل أن يسألها بهدوء مخيف :
” بتدوري على شغل ليه ..؟!”
” امال هعيش ازاي ..؟!”
قالتها بعفوية ليرد بنبرة قوية مجهدة :
” وانا هنا بعمل ايه ، كيس جوافة ، مش أنا جوزك اللي لازم يصرف عليكي ..؟!”
خرجت جملته الأخيرة عالية أرهبتها بشدة لتبدأ تثرثر بخوف :
” والله اسفة ، انا نسيت ده ، سامحني ارجوك ، مكنش قصدي …”
” اهدي …”
صرخ بها لتتوقف عما تقوله وتنكمش على نفسها من جديد أما هو فإبتعد عنها واتجه الى الشرفة ليتنفس القليل من الهواء ..
ظلت تالا منكمشة على نفسها داخل الصالة ترتجف خوفا منه ومن عصبيته ، لقد أخرجت غضبه الكامن بسهولة ، هنيئا لها حقا..
دلف أمير الى الصالة مره أخرى ليجدها بهذه الوضعية المثيرة للشفقة ، تنهد بوجع لا يعلم سببه واقترب منها قائلا بلهجة حنون :
” تالا ، اهدي من فضلك ومتخافيش..”
” انا اسفة والله ، بجد مكانش قصدي ..”
قالتها والدموع اللاذعة بدأت تهبط من مقلتيها ليشعر أمير بإنقباضة قوية داخل قلبه ما إن رأى دموعها ..
لم يفهم بعد سبب تأثره الغريب بها وببكائها وخوفها لكنه وجد نفسه يهدئها :
” خلاص اهدي ، متعيطيش ..”
ثم جذبها من كف يدها وأجلسها على الكرسي قبل أن يتجه نحو المطبخ ليحضر لها كوبا من الماء ..
أعطاها كوب الماء لتأخذه منه وتتناوله على دفعه واحدة بشكل طفولي جعله يبتسم لا إراديا فكانت تبدو عطشة للغاية ..
انتهت من تناول كوب الماء لتعطيه إياه فأخذه منها وأعاده الى المطبخ ..
عاد وجلس أمامها متسائلا بقلق :
” بقيتي احسن دلوقتي ..؟!”
أومأت برأسها ليسألها :
” يعني كنتِ بتدوري على شغل .. ويا ترى لقيتي شغل …؟!”
أومأت برأسها وقالت بفرحة عفوية:
” لقيت شغل كويس اووي …”
” فين ..؟!”
سألها بغموض لترد بسرعة :
” فإوتيل فخم ..”
” وهتشتغلي ايه هناك ..؟!”
” عاملة نظافة ..”
رفع بصره الى الأعلى بنفاذ صبر بينما أخفضت هي رأسها خجلا ..
عاد ونظر إليها وسألها :
” انتِ معاكِ شهادة ايه ..؟!”
” شهادة اعدادية ..”
قالتها بخجل ليحك ذقنه بحيرة قبل أن يقول أخيرا :
” بصي يا تالا ، سيبك من موضوع الشغل ده دلوقتي ، يعني انا من رأيي إنك تركزي فدراستك.. ”
” دراستي ..؟!٠
قالتها تالا بذهول قبل أن تسأله بحيرة :
” دراسة ايه ..؟! ”
” انتِ مش عايزة تكملي دراستك ..؟!”
وضعت خصلة من شعرها خلف أذنها وقالت :