
” أكيد نفسي أكملها ..”
” طب حلو، أنا هساعدك إنك تكملي دراستك ..”
” ازاي ..؟!”
سألته بحيرة حقيقية ليهتف بجدية موضحا لها :
” هقدملك فالمدرسة ..؟! انتِ عندك كام سنه ..؟!”
” 19 سنة ..”
” طب حلو اووي ، ولما سبتي المدرسة كنتِ فسنة كام ..؟!”
” كنت فإولى ثانوي …”
” طب يبنيها ليه..؟!”
أجابته بتردد :
” مرات عمي هي اللي خلتني أسيبها عشان أشتغل وأجيب ليها فلوس ..”
” قولتيلي مرات عمك ..”
أومأت برأسها ليصمتت للحظات قبل أن يقول بحسم :
” انا بكره هروح أقدملك فالمدرسة ، بس أجيب أوراقك الأول من مدرستك الأصلية وأبلغ بيت عمك بجوازي منك ..”
………………………………………………………………………
في مكان أخر مختلف تماما عن هذا المكان وتحديدا في إسبانيا ، تقف هي أمام النافذة تنظر إليها بشرود تام حينما اقتربت منها صديقتها تسألها :
” ساكتة ليه …؟!”
التفتت نحو صديقتها تجيبها :
” ابدا ، بفكر فماما الله يرحمها ..”
” الله يرحمها ، بس انتِ هتتعبي من كتر التفكير ..”
أدمعت عيناها وقالت بألم :
” وحشتني اوي ، مش مصدقة إنها ماتت ..”
احتضنتها صديقتها وأخذت تربت على كتفها ثم قالت لها بمواساة :
” ادعيلها بالرحمة ، هي فمكان أحسن دلوقتي ..”
أومأت برأسها ثم جلست على السرير لتجلس هي بجانبها ..
تحدثت بلهجة تائهة :
” انا معدش ليا حد .. أبويا وأمي ماتوا وسابوني خلاص ، وانا بقيت لوحدي ..”
أزرتها صديقتها بصدق :
” بس انا جمبك ومش هسيبك..”
ابتسمت لها بوهن بينما أكملت صديقتها :
” انتِ ناوية على ايه يا ربى ..؟!”
نهضت ربى من مكانها وأخذت تسير داخل الغرفة وهي تفكر فيما ستفعله ..
تحدثت أخيرا قائلة :
” انا هرجع مصر..”
” انتٍِ بتقولي ايه يا ربى ..؟!”
قالتها صديقتها بعدم تصديق لتومأ ربى برأسها وترد عليها مؤكدة كلامها :
” ايوه يا نهى ، انا هرجع مصر ، معادش فيه سبب لوجودي هنا ..”
” طب وأنا ..؟!”
” انتِ ممكن ترجعي معايا ..، ونبتدي هناك من اول وجديد …”
” ونسيب شغلنا وحياتنا ..؟!”
نظرت ربى اليها بتردد ثم قالت :
” وجودنا فبلدنا احسن .. وهناك ممكن نلاقي وظيفة جديدة وشغل احسن ..”
” انتِ عايزة ترجعي عشانه ..؟!”
سألتها نهى بصراحة مطلقة لترتبك ملامح ربى كليا فأشاحت بوجهها بعيدا عنها بينما أكملت نهى بجدية :
” بصيلي يا ربى ، عايزة ترجعي عشان أمير مش كده ..؟!”
أومأت برأسها دون أن ترد لتقول نهى بعدم تصديق :
” وانا اللي كنت فاكرة انك نسيتيه ..؟!”
” انا عمري مانسيته ، صعب انسى أمير يا نهى ، أمير حب حياتي ، عايزاني أنساه ازاي ..؟!”
” والي عمله هو وأهله فيكي ..؟!”
” هو معملش حاجة ، أهله اللي عمله، وأنا كنت جبانه وهربت ..”
صمتت نهى ولم تعرف ماذا يجب أن تقول بينما أكملت ربى بجدية :
” انا محتاجة أرجع مصر وأشوفه ، محتاجة أتكلم معاه ، وحشني اوي يا نهى ، اوي ..”
” طب انتِ تعرفي أخباره …؟!”
سألتها نهى بحيرة لتومأ ربى برأسها وتهتف بجدية :
” ايوه لسه مرتبطش ، ده معناه انوا لسه مستنيني ارجع ..”
” او يمكن لسه ملقاش البنت المناسبة ..”
” مستحيل ، أمير بيحبني ولا يمكن يرتبط بغيري …”
قالتها ربى بإصرار لتهز نهى رأسها بتفهم بينما أخذت ربى تنظر الى صورته المخزونة داخل هاتفها وهي تفكر بأنها يجب أن تعود إليه في أقرب وقت ..
يتبع
الفصل الخامس
في صباح اليوم التالي ..
أوقف أمير سيارته أمام منزل عائلة تالا ، هبط من السيارة متغافلا عن نظرات الجميع وهمهماتهم ، تقدم نحو المنزل وطرق على الباب لتفتح زوجة عمها الباب له ..
ما إن رأته حتى قالت بضيق :
” خير ..؟! جاي ليه ..؟! اوعى تقولي عايز ترجعها لينا ، احنا مصدقنا خلصنا منها ..”
أطلق أمير تنهيدة صغيرة وهو يرفع عينيه نحو السماء بحركة تدل على نفاذ صبره من هذه العجوز الشمطاء ، عاد ببصره نحوها وقال بنبرة جاهد لتخرج طبيعية :
” انا جاي عشان أبلغكم اني اتجوزت تالا ، وكمان ..”
وقبل ان يكمل ما قاله كانت بنت عمها تصرخ بعدم تصديق بعدما اقتربت منهما :
” اتجوزتها ..!!”
بينما قالت زوجة عمها وهي تحرك فمها يمينا ويسارا :
” والله وعملتها بنت همسة ، واتجوزت ابن الذوات ..”
في نفس اللحظة تقدم حسن ابن عمها نحوهم وهو يتثائب فقد استيقظ لتوه من نومه وقال بصوت ناعس :
” مين دي اللي اتجوزت ..؟!”
ثم اتسعت عيناه ما ان لاحظ وجود أمير والذي قال بدوره :
” تالا ، انا تجوزت تالا …”
” ازاي وهي مش بنت …؟!”
قالها ابن عمها بعدم تصديق فأخر ما توقعه أن يتزوج هذا الرجل المحترم من ابنة عمه الغير عذراء …
هم أمير بالرد عليه لكنه أكمل بسخرية :
” ولا انت بتشتغلنا ..”
” كنت متوقع ده منكم ، عالعموم صورة عقد الجواز معايا .. تقدروا تشوفوه ..”
قالها أمير وهو يخرج ورقة عقد الزواج من جيبه لتأخذها زوجة عمها منه بسرعة وتبدأ بقراءة ما بها قبل أن تشير لإبنها قائلة :
” ده بجد بقى .. المفعوصة دي اتجوزت ده ..”
” احترمي نفسك ومتتكلميش عن مراتي بالشكل ده ..”
قالها أمير بغضب شديد ليرد الابن عليه :
” مراتك ، تحب اقولك مراتك دي تبقى ايه ..؟!”
وقبل أن يكمل حديثه أوقفته والدته بإشارة منها وقالت محاولة إنهاء الحوار :
” اخرس يا ولد ، مبروك الجواز يا بيه ، وياريت منشوفش خلقتها هنا تاني ..”
” ده شيء اكيد ، انا اللي مش هسمح انها تشوف ناس زيكوا اصلا ..”
قالها أمير ببرود قبل أن يكمل بجدية:
” المهم ياريت تدوني كل حاجاتها ومستمسكاتها …”
أومأت زوجة العم برأسها واتجهت الى المنزل لتجمع أغراض تالا ومستمسكاتها قبل ان تعود بها اليه ليقول أمير بجدية :
” ياريت ميكونش فيها نقص لإني ساعتها مش هتردد إني أجيب ليكوا البوليس ..”
ثم رحل دون أن يسمع ردهم ..
…………………………………………………………………………..
دلف أمير الى داخل شقته مساء بعد يوم طويل قضاه ما بين العمل وبين انهاء مراحل تسجيل تالا في مدرسة خاصة ..
اغلق الباب خلفه واتجه الى داخل الشقة وهو يصيح عليها :
” تالا ، انتِ فين ..؟!”
ليتفاجئ بها نائمة على الكنبة ، تقدم نحوها بخطوات متمهلة وأخذ يتأملها بصمت للحظات متعجبا من تلك الهالة الملائكية المحيطة بها وهي نائمة ..
قرر أخيرا أن يوقظها فهتف بها بصوت عالي وهو يهزها من كتفها :
” تالا ، اصحي ..”
وبالفعل استيقظت من نومها على صوته لتنتفض من مكانها ما ان استوعبت وجودها أمامها وهي تهتف بخجل :
” انا اسفة ، نمت ومخدتش بالي ..”
” خلاص اهدي ولا يهمك .. محصلش حاجة عشان تتوتري كده ..”
قالها أمير محاولا تهدئتها قبل أن يكمل بجدية :
” انا جبتلك كل الحاجات اللي نسيتيها فبيت عمك ، وكمان خلصت معاملات تسجيلك فالمدرسة ..”
لمعت عيناها بسعادة وهي تقول بعدم تصديق :
” بجد ..؟!”
أومأ برأسه لتسأله بلهفة :
” فين ها فين ..؟!”
أجابها وهو يبتسم على مظهرها الطفولي الممتع :
” البواب بيجيبهم …”
وبالفعل في نفس اللحظة رن جرس الباب فركضت تالا لتفتحه وتأخذ الأغراض من البواب قبل أن تتجه بها نحو صالة الجلوس مرة اخرى ..
وضعت الأغراض على الطاولة وبدأت تفتحها متناسية وجود أمير الذي أخذ يتابعها بفضول شديد ..
أخذت تقلب الأغراض بسعادة قبل أن تخرج ألبوم صور وتحتضنه بحب جعله يرفع حاجبه بعدم تصديق بينما قبلت هي الألبوم ووضعته جانبا وكأنه كنز ثمين …
ثم أخرجت قلادة ذهبية رقيقة وأخذت تتفحصها بعينين لامعتين قبل أن تقفز من مكانها وتتجه نحو أمير تأمره بلا وعي :
” لبسهولي ..”
تفاجئ أمير من طلبها لكنه أخذ العقد منها وطلب منها أن تضع شعرها جانبا لتفعل ذلك فيظهر عنقها الأبيض الناعم أمامه ..
ابتلع ريقه وتوترت ملامحه من منظر عنقها المثير بينما وضع هو العقد عليه وأغلقه لتعيد شعرها الى مكانه وتهتف بإمتنان :
” شكرا ..”
أومأ برأسه دون أن يجيب بينما عادت هي الى مكانها تعبث في أغراضها ليجد نفسه يقول :
” مش هتوديها أوضتك ..”
نظرت اليه وقالت :
” طبعا ، بس لما ألاقي البيجامة الأول ..”
” بيجامة ايه ..؟!”
” بيجامتي…”
ثم صرخت بفرحة :
” لقيتها أهي ..”
ليجد نفسه يلتقط البيجامة من يدها وينظر إليها بفضول ، كانت عبارة عن بيجامة قديمة للغاية لونها زهري ومطبوع عليها صورة لتويتي …
أعاد البيجامة إليها وهو يقول :
” للدرجة دي بتحبيها ..؟!”
أجابته وهي تحتضنها وتشم رائحتها :
” اوي اوي …”
” تالا ، احنا لازم نشرتي حاجات للمدرسة ، انا استأذنت المديرة انك تبتدي دوام بعد بكره ، عشان الحقي تجهزي نفسك ..”
” بجد ..؟!”
أومأ برأسه لتقول بتردد :
” طب هنشترى الحاجات امتى ..؟!”
أجابها وهو يجلس بجانبها :
” دلوقتي ، روحي غيري هدومك ، هنروح للمول ونشتري من هناك ..”
لمعت عيناها كالعادة عندما سمعت اسم المول ، ذلك المبنى الضخم الذي لطالما حلمت بزيارته ..
نهضت من مكانها وركضت بسرعة نحو غرفة نومها تاركة اغراضها كما هي بينما أخذ أمير ينظر بتردد الى البيجامة قبل أن يحملها ويضعها على أنفه ليشتم رائحتها ..
لا يعرف لماذا إرتفعت نبضات قلبه ما إن شم رائحتها التي تسللت داخله واحتلت قلبه …
ابتسم بخفة وهو يعيد البيجامة الى مكانها وشعور غريب تسلل اليه في اللحظة التي ضم بها البيجامة اليه ، الدفئ ..
…………………………………….