
الفصل الواحد والعشرون
كاره النساء
قضيتا جمانة ونريمان يوم رائع وممتع..عندما عادتا الى البيت ظنت انها سوف تجد مالك قد وصل للبيت وفي انتظارها ،ولكن رأت آخر شخص توقعته.. شخص لأول مرة تراه في حياتها أو هكذا ظنت، توقفت فجأة وهي تتبادل مع جومانة نظرات الاستغراب عندما أبصرتا شابا لا هو بالقصير ولا الطويل طليق اللحية والشارب بشكل منمق، رافعا شعره كعرف الديك، وجهه بيضاوي بيضاء البشرة عيناه بداخلها فيروزيتان تبتسم بثقة تكاد تصل لحد الغرور، كان جالسا بأريحية وضعا ساق على ساق كأنه في بيته.
عندما أقبلتا عليه نهض وتقدما نحوهما يحدق فيهنا بتمحص كأنه يحاول أن يكتشف من منهنا أبنة عمه، وبالفعل توقف بجوار نريمان كاد يلتصق بها مما جعلها تبتعد بتلقائية متعجبة من فعله الجريئ هذا، قائلا بصوت خافت استفزها:
-انتي نريمان أنتي أحلى من الصور بكتييير.. ياااه والله زمان.
ثم نظر لجومانة وسأل:
-والأمورة بقى تبقى مين؟
طريقته في الحديث..واقترابه منهما بشكل غير لائق أثارت غضبهنا وجعل وجهه نريمان يحتقن فسألته بعصبية:
-وأنت مين بقى ان شاء الله وتعرفني منين؟؛
طلت ابتسامة قميئة من جانب فمه وضيقت عيناه وهي تكاد تضحك بغرور.. وكأنها لأول مرة في حياتها ترى عينان تضحك بكبر، اقترب منها وقرب رأسه من وجهها للغاية جعلها تنظر له بتحذير مطعم بغضب قائلا دون أن يهتم بغضبها هذا أو تحذيرها له باقتربه:
-معقول مش فاكراني يانار تؤتؤ أنا زعلان منك.
جمانة تلوي شفتيها بامتعاض من اسلوب هذا الرجل المستفز..ولكن فضولها # وسؤال يتردد بداخلها بقوة..من هذا السمج..من يكون؟.
ما إن تفوه بنار حتى تراجعت للخلف بضع خطوات ..وتراجع عقلها أيضا سنوات وكأن شريط حياتها أمام عينيها يمر بسرعة يعرض عليها ذكريات طفولتها، وتوقف عند لحظات معينة كان عمره في تلك اللحظات ثلاث سنوات تلعب في الشارع بعروستها..ثم يأتي طفل يكبرها بخمسة أعوام طويل جدا هكذا كانت تراه وهي طفلة، يأخذ منها لعبتها عنوة وهي تجذبها منه وتبكي وتنادي على أبيها ليغيثها منه..كان صوته غليظ تنفر منه دائما وهو يقول لها:
-نار هاتي العروسة دي العب بيها.
فترد عليه ووجهها عابس فمها مضموم باعتراض وبغض.. واعتراضها هذا على منادته لها بنار فهذا ليس اسمها:
– مس تأول نار دي.. ومش حتاخد لحبتي..انت وحش وخلس( مش تقول نار دي ومش حتاخد لعبتي أنت وحش وغلس).
كيف ينعتها بنار وهي جنة والديها.. ولكن ذلك الغليظ يأخذها منها عنوة ويشد لها شعرها حتى يؤلمها.. ثم يأتي أبيها و يخلصها منه يضربه على يده ويأخذ منه العروسة ويعطيها لابنته، يراضيها بقبلة وحضن مفعمان بالحنان.
تهدجت أنفاسها بقوة وهي تعود للواقع وتهمس بغير تصديق:
-أنت أاا……؛
ضحكت فيروزيتاه ضحكة الغرور وهو يقترب منها حد الالتصاق هامسا بصوت صادح من مذياع الشغف :
– نااااااائل..ابن عمك نائل افتكرتيني يانار اهو.
-نعممم ..أفندم..ايه الجابك بعد السنين دي كلها؟؛
صرخت بها وهي تدوس على كل حرف بأسنان البغض، والكره، والأشمئزاز قالتها وهي تبتعد وتنظر له باستياء.. وجمانة تردد باندهاش وعدم فهم ، ابن عمها؟؛
-ايه يابنت عمي الأستقبال البارد ده ..بعد السنين دي كلها ال مشفتنيش فيها تكون مقابلتك ليا كده…تؤتؤتؤ.. مكنتش منتظر منك كده بصراحة.
صرخت نريمان وقد بلغ الغيظ منه مبلغه:
-نعم امال كنت منتظر اقبلك ازاي ..اخدك بالحضن مثلا.
-ده أقل واجب.
قالها بنبرة تؤكد انه يعنيها. . جعل عيناها تتسع غير متوقعة رده.. أودعت صوتها الصبر وضغطت على أعصابها لكي تتحمل هذا الرجل وقالت من بين اسنانها:
-لو حضرتك جاي تعزي..شكرا ليك وسعيكم مشكور.
-هو عزا بس يا بنت عمي انتي ناسية إن في ورث كمان.
تبدلت ملامحها من الغضب والضيق الى الخيبة لقد نست أمر هذا الورث ..فلم لم تستطيع النطق وابتسم هز بانتصار
-قوليلي بقى اوضتي فين عشان استريح شوية من السفر.
-ايه أنت حتقعد هنا؟؛
-امال يعني حبات في اوتيل وانا عندي ملك..
فزفرت بقلة حيلة وقالت وهي تتجه نحو غرفتها بخطوات سريعة:
-يلا ياجمانة نطلع نستريح شوية لحسن انا جبت أخري خلاص.
في حجرة نريمان
ظلت نريمان تقطع حجرتها أيابا وذهابا في جنون هاتفها على اذنيها وعن أخير ألقت به على الفراش بعنف وقالت بضيق:
-بردو تليفونه مقفول مش عارفة في ايه..مالك مش بيرد ليه مش عارفة.. وكنت ناقصة ابن عمي ده كمان.
-ابن عمك ده ايه امال مالك يبقى مين انا مش فاهمة حاجة فهميني يانانا؟؛
تنهدت بقوة ثم استطردت:
-مش عارفة اقولك ايه الموضوع طويل قوي . أنا ححكيلك ياستي ال حصل شوفي………
**********************************
-بتقول ايه أتخطف مين دول ال خطفوه؟؛
تفوه بها مروان عندما سمع تلك المعلومة من أحد رجاله حينما بلغه بها.
-مش عارف يابيه انا راقبته من بعيد لبعيد زي ما قلتلي..بعدين لقيت واحد راكب عربية نزل منها ومعاه جركن شاورله ولما وقف له مالك ويظهر كان حيديله بنزين ولا حاجة، بعد ما اداله ظهره جه الراجل من وراه طلع منديل حطه على بقه وفي ثواني خدره وشاله وحطه جوه عربيته وطلع بيه..وطبعا ساعتك انا طلعت وراهم لحد مالقيته نزله وراح بيه العنوان ده ساعتك.
قال منعم احد رجال مروان ذلك كله ومده له يده بورقة بها العنوان.
-اخذ مروان الورقة وفتحها ثم بعد أن قرأ العنوان قال متحيرا :
-عنوان مين ياترى ؟؛
طوى الورقة وخبأها في جيبه بعدها استطرد:
-تعالى معايا واجمعلي الرجالة كلها..وبعدين نشوف حكاية العنوان دي ايه.
منعم بحماس وطاعة:
-أوامرك يا باشا.
*******************************
-ايه الحكاية الغريبة دي .
تفوهت بها جمانة بعد أن قصت عليها نريمان كل ما حدث لها وحكايتها مع مالك.. تنهدت نريمان بقلق ثم غمغمت:
-أهو ده الحصل ياجوجو ..أنا قلقانة قوي على مالك ..قلبي مخطوف كده ومش عارفة ايه ال حصل.
-متقلقيش ..خير ان شاء الله..يمكن تليفونه فصل شحن ولا حاجة..بس ابن عمك ده غلس قووي ورخم كده..وباين عليه بجح وجرئ ..ايه ده انسان مستفز قوي.
-أيوة أنا قلبي اتقبض من ساعة ما شفته ومستريحتلوش خالص. تنفست بعمق ثم زفرته على مهل وتابعت:
-مضطرة استحمله لحد ما مالك يجي يتصرف معاه ويغور من هنا.
فجأة وبدون أنذار سمعتا طلقات نار فصرختا وهنا يضعنا ايديهما على أذنيهما قائلة جمانة مستفسرة:
-فيه ايه..ايه ضرب النار ده؟.
نريمان باضطراب:
-مش عارفة يمكن مالك رجع وبيتخانق مع نائل ده.
-طب تعالي نشوف ايه البيحصل.
هرولتا الى الطابق الأسفل ليتفقدا ما حصل، وجدتا مروان ورجاله يشهرون أسلحتهم في وجوه الحراس الذين عينهم مالك لحراستهم ومنهم من كانت رقابهم تحت قبضتة تلك الرجال، وقف مروان في المنتصف يقول لهم بنبرة تهديد وعيناه تتسع بشر ووعيد:
-بقولكم أيه انا مش عايز اتهور عليكم و# كلكم ادوني مراتي بالذوق عشان امشي ويادار ما دخلك شر.
كانت ناريمان وجمانة خلف مروان.. فتواريتا خلف ستار المطبخ المجاور للسلم الذي يؤدي للطابق العلوي.
وضعت جمانة يدها على فمها عندما رأته يهدد وينذر بالشر.. ونريمان اتسعت عيناها بخوف وقد همست بصوت خافت:
-الله يخرب بيتك هو انت.
همست جمانة لها وهي تبكي:
-أنا لازم اروح معاه لحسن يأذي حد فيكم بسببي.
صرخت نريمان بصوت خفيض باعتراض:
-لأ مش حتروحي معاه استني يمكن نائل يمشيه.
كان نائل قد استيقظ على أثر الصوت فقال بنبرة تجمع بين الدهشة والتساؤل:
-فيه ايه ..انت مين وعايز ايه؟؛
وبادله ايضا مروان الدهشة فرد عليه سؤاله بسؤال:
-وأنت مين بقى؟
نائل: أنا البسألك.
مرون وهو ينظر له من اسفل وأعلى ولا يعنيه من هو المهم أن يستعيد زوجته ويعود به الى بيته:
-أنا عايز مراتي ومنعا للمشاكل خليها تروح معايا بهدوء.
اقتربا حاجبا مروان في عدم فهم فسأله:
-مراتك مين؟؛
-جمانة
صرخ بها مناديا وظل ينادي وهو يبحث بيعينيه في كل اتجاه :
-جمانة جمانة..تعالي معايا.
لقد خمن نائل ان جمانة هي صديقة ابنة عمه فقال بهدوء:
-وطي صوتك لو سمحت ومراتك حنجبهالك.
زاد بكاء جمانة ونحيبها وهمست لنريمان بقلة حيلة:
-انا حخرج يانانا مفيش فايدة محدش حيقدر يقف قصاده المرة دي.
-لأ ياجوجو بلاش لحسن يعمل فيكي حاجة أنا حخلي نائل يطرده.
وعندما اقترب نائل من أمام المطبخ وكان متجها الى اعلى لينادي جمانة سحبته نريمان وقد تفاجأ هو بمن يجذبه وقالت له:
-من فضلك ساعدنا..اطرد الراجل ده من هنا جمانة مش عايزة تروح معاه.
بكل هدوء وبرود قال نائل:
-أنا مالي أتدخل بين راجل ومراته ده شئ ميخصناش..ثم التفت لجمانة وتابع، من فضلك روحي مع جوزك احنا مش عايزين مشاكل .. مشاكلكم دي تحلوها في بيتكم من غير متزعجوا معاكم الناس.
اتسعت عيون البنتين في صدمة..ينظرون له بأسف ولم يستطيعا التفوه بكلمة..وبهدوء انسحبت جمانة وخرجت لمروان وقالت له بصوت يائس كالمقبل على الأنتح*ار:
-أنا اهو ..جيت عشان اروح معاك.
ابتسم مروان، والتمعت عيناه بانتصار التقط يدها في استحوز وخرجا أمرا رجاله أن يتبعوه.
*******************************