
هل يتحدث عن الصلح ذلك القاسي؟
ويكذب ويقول أني حبيبته؟ منذ متى وأنا حبيبته وأنا لم أرى في عيونه إلا القسوة والجحود.
حدقت فيه رافضة لكلامه وكأن قلبها يتلقاه، ثم يرمي به عرض الحائط، صرخت به وقد احتقن وجهها:
_ مراتك مين دي ال انت عايز ترجعها، وانت عمرك ما حسستها إنها مراتك اصلا، و حبيبتك بإمارة ايه؟؛ بإمارة انك عمرك ماقلت لها كلمة حلوة تحسسها فيها انك بتحبها فعلا، دانت سبتها ٣سنين تتعذب وتتقهر لوحدها ومفكرتش مرة وحدة تسأل عليها، مراتك مش موجودة يااستاذ دور عليها في حتة تانية.
أنهت كلامها وهي تخلص ذراعها منه بحركة ساخطة، ثم ركضت بعيد عنه، تمسح دموعها التي سالت على وجنتيها رغما عنها وقد حاولت كبتها ففشلت، أوقفها مرة أخرى وقد أمسك يديها بقوة خشية أن تضيع منه ويخسرها للأبد، قائلا بإصرار يلاحق عيونها التي تفر منه ولا تريد الصفح:
_ غصب عني يا ناريمان، لو تسمعيني هتعرفي أنه كان غصب عني، انا عارف اني عذبتك جوي معايا، حججك عليا ياحبيبتي.
_ متقولش حبيبتى دى ، ومش عايزة اسمعك ومش عايزة أشوفك اصلا، انا بكرهك ..بكرهك غور بقى.
صرخت بها ويديها تبعده عنها، وكل ذرة فيها تصرخ وتعاني مما فعله بها. تفلتت منه وظلت تركض ودموع العذاب الذي عانته طوال السنوات العجاف اللاتي عاشتهم بعيدا عنه سالت على وجنتيها دفعة واحدة.
ركض خلفها واستوقفها مجدداً قبض على كتفيها صارخاً فيها وهو يهزها :
_حتسمعيني، برضاكي ..غصب عنيكي حتسمعيني، فاهمة ولا لاه.
_ قلتلك بكرهك.. بكرهك ومش عايزة اسمع منك حاجة انت ايه مابتفهمش حل عني بقى.
قبض يده بقوة يمنعها من صفعها، أغمض عينيه وضم شفتيه ليحد من غضبه، فحملها بحركة خاطفة لم تتوقعها ورماها على كتفه وسار بها قائلا:
_ شكلك إكده لساتك عايزة تتربي من أول وجديد.
صرخت هي وتضربه بيديها على ظهره :
_انت بتعمل ايه وحتوديني فين..نزلني يا جلف انت..نزلني ي
لم يبالي لصراخها ولا ضرباتها وركلات قدميها، واستمر في طريقه صوب حجرتها.
من بعيد شاهدت جمانة ذلك الشد والجذب بينهما، ولما حملها وسار بها، وضعت يدها على فمها تضحك بخجل، سعيدة من أجل صديقتها داعية وهي ترفع عيونها إلى السماء:
ربنا يهديكي يا نانا يارب ويسعدك ياحبيبتي.. آه لو عرفت إن أنا ال قلت لمالك على مكانها وكنت ببلغه اخبارها حتنفخني..يلا كله في سبيل الصداقة و الحب.
تنهدت وهي تشبك أصابعها وتمدهم إلى الأمام، ثم تدور بخفة ووجهها مشرق بالفرحة، وإذ بها تصتدم به فتهتف وهي تحدق فيه:
_أكرم!!
_ياستي يامن والله اسمي يامن تحبي تشوفي البطاقة.
فأطرقت خجلاً وهمست:
_أنا أسفة .
حدق في عينيها التي ترتد في حياء، وفي شفتيها التي تغني انشودة الاشتهاء، في وجنتيها التي أوشكت أن تطرح تفاحا، قائلا:
_ اسفة على إيه؟!
تحديقه بها اربكها، وحتى تتخلص من ذلك الارتباك قالت لتصرف عيناه عنها:
_ هو انت ايه ال جابك هنا؟!
بهجوم ساحق من عينيه لعينيها همس:
_جيت عشانك.
بنظرة مستفهمة من عينيها وهي تشير على ذاتها سألته:
_ عشاني أنا؟! خير .
ببساطة وتلقائية هتف:
_تتجوزيني؟
لا تعلم لماذا خفق قلبها بسرعة، وكيف توقف ريقها في حلقها وكأنها فقدت القدرة على بلعه، أمن المفاجأة أم من نظرات عيناه الوالهة، ولكن سرعان ما استفاقت لنفسها، الزواج كلمة حزفتها من قاموسها فتهفت بحزم:
_لأ
_لأ ليه؟! عشان مش قادرة تنسي أكرم، ولا عشان ال حصلك من مروان؟!
اتسعت عيناها غير متوقعة ما قاله إذا هو بحث وعرف عنها كل شئ ..انزوى ما بين حاجبيها فتهتفت بضيق:
_أنت عرفت عني كل حاجة بقى، وازاي تسمح لنفسك تدور وتعرف حاجات متخصكش.
_ أنا آسف بجد ..بس ال خلاني دورت هو اهتمامي بيكي، ومن حقي اني اعرف كل حاجة عن الأنسانة ال عايز ارتبط بيها.
قالت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :
_ وحضرتك عايز تتجوزني عشان صعبت عليك مش كده شفقة يعني.. أسفة أنا مش بفكر في الجواز اصلا بعد اذنك.
وهمت أن تنصرف لولا أنه استوقفها بأنه وقف أمامها قائلا بنبرة صادقة:
_جمانة استني واسمعيني من فضلك، الجواز مفهوش شفقة ولا صعبتي عليا، ده ارتباط حيبقى العمر كله، لو انتي صعبتي عليا اقدر اواسيكي بكلمتين. لكن اني اربط اسمي باسمك للأبد وابني حياة معاكي على الشفقة، مينفعش، جمانة صدقيني، أنا من أول ما شفتك حسيت بحاجة شدتني ليكي، حاجة كده خلتني عايز اعرف كل حاجة عنك، حاجة مخلتنيش سكت غير لما عرفت كل حاجة وقررت اني اتقدملك، حاجة خلتني اجاي وراكي من بلد لبلد واسيب شغلي ومصالحي.
صمت قليلا عندما وجدها تزفر وتشيح بوجهها بعيدا عيناها حائرة، تصدقه ولكن تكابر، تهرب منه ، لكنه لن يدعها سوف يطرق الحديد وهو ساخن ويهجم على قلبها عله يلين فتابع بحماس:
_جمانة لازم تدي نفسك فرصة تانية، مهما حصلك لازم تنسي وتعيشي حياتك. اديني فرصة اثبتلك أن لسة في أمل، في حب، في خير، في أيام حلوة جاية زي أيام صعبة عدت.
حديثه لامس شغاف قلبها فرغما عنها بكت فمسحت دموعها وهمست وهي تهم للانصراف:
_ من فضلك سبني دلوقت أنا عايزة أمشي.
قبل أن تخطو خطوة واحدة قال لها:
_فكري ياجمانة، أنا مش حيأس، حستنى ردك .
انصرفت دون أن تجيب خطواتها سريعا كأنها تلحق بنفسها قبل أن تسقط في شراكه.
*******************************************
دخل بها حجرتها وانزلها ولكنها ظلت حبيسة بين ذراعيه، لفت يديها خلف ظهرها لتحرر يديه المتشابكتان وهي تغمغم غاضبة:
_سبني بقى حوش ايديك الله.
_ جولتلك لاه، لازم تسمعيني الاول
قالها وهوويضربها بصدره. . تنهد بحب تنهيدة حملت كل تعبه وخوفه أيضا من أن يفقدها، يتأملها يحاول أن يبحث عن كلمات يسترضيها بها، وهي تهرب بوجهها وعينيها عن سهام تأملاته اخيرا همس وهمسه محملاً بالعشق والأشتياق:
_اتوحشتك جوي
ابتسمت من جانب فمها بسخرية في عدم تصديق وأشاحت بوجهها بعيداً عنها.
تابع همسه الشغوف:
_عارف انك ممصدجاش، بس والله توحشتك جوي.
تنفس بعمق ونظر للسقف ثم استطرد
_ أوعاكي تفكري إن ال ٣ سنين ال سبتك فيهم كنت مرتاح ، لا والله، أنا كل دجيجة فيهم عدت عليا كأنها سنين، كنت تعبان من بعدي عنك، تعبان من جلجي عليكي، تعبان من نفسي ال الشايلة فوج طاجتها، تعبان من ال حوصل ليا وال شفته من خالتي ومن الإنسانة ال كنت فاكر أنها حتعوضني وحتكون بالصورة ال نفسي فيها، لكن صدمتني، بعديها كنت حالف إني متدوز واصل، لجيت نفسي كرهت كل الستات، كرهت انضرهم، كرهت حتى أفكر فيهم، كنت فاكر إن جلبي ديه اتجفل بالضبة والمفتاح وإن مفيش وحدة تجدر تفتحه تاني.
همس وكسى صوته كل حب وصدق وداعب وجننتيها بظهر أصابعه ثم تابع:
_ أنتي جدرتي تفتحيه تاني جدرتي تخليني أحبك من دون النسوان كلتها خلتيني أحبك.
زفر كأنه يخرج عبء جاثم على صدره، التقط يدها وجذبها نحو أريكة وجلسا عليها وظل محتفظا بيدها بين يدها واستطرد:
_ أنا مجدرتش أعيش الحب ديه، مجدرتش احس بيه، مجدرتش اديكي حجك واخد حقي منه، فاكرة اليوم ال جيت فيه وكنتي لابسة جميص نوم مخابرش حوصلي ايه لما شفتك وجتها، حسيت اني شفت واحدة مايصة من بنات الليل، لجيت نفسي بضربك من غير ما أوعى، بس بعديها وبعد ماسبتك لمت حالي وبكيت عليكي، وندمت على قسوتي معاكي، أنا يا ناريمان بكره العري ، كرهته من كتر ما بشوفه جدامي، في النت عري، في الشارع عري، في السوق عري، حتى لو غمضت عيني الاقي عري، وداني تسمع عري الصوت والمياصة، كل ما اشوف وحدة كاشفة جسمها وصوتها، بفتكر طوالي خالتي، واحس أن كل الستات إكده تشبهلها، كلهم زيها، حتى انتي كان لبسك كله مكشوف كنت بقسى عليكي عشان أجولك لاه انتي غيرهم كلتهم، انا جلبي مفتوحلك، مينفعش تعملي زييهم، كنت بتعذب بتألم، مكنتس جادر حتى احكيلك، ولا أنا نفسي عارف فيا ايه، وأيه ال بيحوصلي ، وليه مش جادر اجرب منيكي، ولا أجولك اني حبيتك، عشان إكده كان لازم أبعد عنيكي، وسيبتك غصب عني، رحت للضاكتور عشان اعرف أنا مالي، وايه بيا كنت حاسس أني عيان، بعيا مش حخف منيه، عيا مستعصي، فطلجتك، زمبك ايه انتي تضيعي حياتك مع واحد معجد زيي، وكمانيتي انتي لساتك صغيرة، يمكن حبك ليا كان حب مراهجين، لما تكبري تحسي انك ضيعتي حياتك مع حب وهمي، ومع انسان معجد، بس أنا دلوك خفيت، رحت للضاكتور واتعالجت، دلوك مستعد اكمل حياتي معاكي، أنا مجدرش أستغنى عنيكي، ٣سنين عشتهم من غيرك كنت حاسس أني ضايع، واني مجطوع من سدرة.
التقط يدها الأخرى وجعلا الاثنين على صدره ثم همس :
_انسي ال حوصل وتعالي نبدأو من جديد.
ماذا ستفعل ياقلبي؟
هل ستسامحه بعد كل الذي عانيته منه؟
هل ستقاوم ذلك التوسل الذي يطل من عينيه يريد أن يقبل يدك لتصفح عنه؟
هل ستقاوم تلك الدقات التي تصرخ تحت يدك ترجوك أن تسامحه؟
لا تنكر انك تحبه وتعشقه حد المو*ت، ولكن وجعك منه أكبر من الصفح، وحديثه لم يمحو وجعك، انك حائر #وتتعارك مع عقلك، انت تريده وعقلك يرفضه، وأنا بينكما أتمزق، عاجزة لا أعلم ماذا أفعل؟
كل تلك التساؤلات التي دارت في عقلها وهي تتأمل نظراته التي تنتظر حكما بالبراءة وتخشى الأعدام، وهي حائرة .
ويبدو أنه لم يطيق صمتها #فسألها:
_ساكتة ليه؟! اتحددتي جولي أي حاجة، متسكتيش إكده.
همست والدموع خرجت من مقلتيها:
_ عايزني اقول إيه، كلامك وجعني أكتر ما أنا موجوعة، تعبني وزود غضبي منك، ليه مقلتليش كل ده، ليه مشاركتنيش وجعك، كنا نتحمله مع بعض، وايه كل شوية صغيرة ..صغيرة وان حبي ليك حب وهمي، وحب مراهقين.. ولو انا صغيرة ومش فاهمة ايه هو الحب؟ أنت ياكبير يافاهم، مقدرتش تفهم أنا ليه اتحملت منك كل قسوتك دي ؟ وليه بعد ٣ سنين مقدرتش أنساك، لأني……
لم تستطيع أن تنطقها، گانه لا يستحقها بل اطرقت رأسها تخفي دموع الحب والأشتياق.
فرفع رأسها ليجد وجهها أغرقته الدموع، فخفق قلبه لبكاءها فهمس :
_ كملي..جوليها عشان خاطري، متكتمهاش جوات جلبك، انطقي بجى.
_لأ. .أنت متستحقهاش .
_لاه عتجوليها من ورى جلبك.. أنتي بتمو*تي فيا.
وقفت وقالت بدلال غاضب:
_كان زمان.
وقف بدوره وحدق في عينيها هامسا:
_طب عيني في عينك إكده.
مازالت تماطل ولا تريد أن ينول الصلح بسهولة فصرخت وهي تهم أن تنصرف :
_قلتلك مبحبكش ..مبحبكش افهم بقى.
أوقفها وكاد أن ييأس فقال :
_خلاص عاد يانانا ميبجاش جلبك اسود.
تلفظه بنانا ولهجته الصعيدية جعلتها تضحك، فقد خرجت منه مضحكة، خاصة أنها لم تتعود منه على التفوه بها.
فسألها متعجبا:
_عتضحكي ليه؟!
_اصلك أول مرة تدلعني بالطريقة دي.
_لو أعرف أن دلعي حيخليني اشوف ضحكتك الحلوة دي..كنت دلعتك من الاول ووفرت على نفسي العذاب ال شفته ديه.
ثم ظل يحدق فيها بظمئ، عيناه ترتشف قسمات وجهها التي اشتاق لها، هي الأخرى تنهل من نبع رؤيته، كانا قلبيهما يعزفان لحن الاشتياق ، لم يقوى على التحمل فخطفها إلى حضنه يضمها بقسوة ويديه التي تبعثر شعرها وظهرها..هي تركته يفعل بها ما يشاء، تغمض عينيها لتستقبل روحها التي فارقتها وها هي تعود لها بعد سنوات من القحل، كان يعزز ضمه لها بهمسه المشتاق:
_ وحشتيني جوي، وحشتيني جوي يبت.
أخرجها من حضنه، وكان لا يريد ذلك، فقال وانفاسه متلاحقة:
_ انا مجدرش اصبر أكتر من إكده حاروح أجيب المأذون .
طأطأت رأسها بحياء وقد تخضب وجهها فابتسم لتلك الموافقة الملونة بلون الخجل فقبل جبهتها وهما أن ينصرف ولكنه خبط على جانب جبهته كأنه تذكر شئ فقال:
_ فرحتي بيكي نستني، بجولك ايه، يامن طلب يد جمانة مني ، كلميها وحاولي تجنعيها الرادل زين جوي، ومعجب بيها.
_بجد يامالك..يااريت خلاص سيبها عليا.
همست بها بسعادة وقد تمنت أن تكون هذه فرصة لها تتذوق السعادة بعد المرار الذي مازال عالق في فمها.
_خلاص أنا حاروح اظبط الدنيا وانتي بجي عليكي الموضوع ديه..سلام ياحبيبتي.
_مع السلامة.
وبعد أن اختفى أغمضت عينيها بسعادة تضم نفسها بحب. ثم تذكرت جمانة فركضت نحو حجرتها وهي مصرة أن تقنعها على الارتباط بيامن.
**********************************************
_مين يامن ده انطقي.
قالتها وهي تدفع الباب كالشرطة فجعلت جمانة تقفز فزعا وتصرخ وهي تعنفها:
_يخرب بيتك خضيتني ايه دخلتك دي.
قالت وهي تجلس على الفراش متربعه :
_حرام عليكي حتخربي بيتي قبل ما انيه انا مصدقت أنو حيبقالي بيت.
جلست جمانة في مقابلتها وقد أشرق وجهها فقالت بفضول:
_ الله بقى..لا أسمع الحكاية من الأول.
_لا مش حتعرفي حاجة غير لما اعرف حكاية يامن دي، يابتاعة يامن .
_يوو بقى ابو راخمتك..قولي بقى.
قالتها جمانة وهي تقوس فمها بضيق وكان الفضول #.
_انطقي انتي الأول ايه حكايته..الواد باينله وقع فيكي من أول نظرة ومقدرش يقاوم وجه وراكي لحد هنا وطلب ايدك من يامن.
ضيقت جمانة عينيها وقد تفاجأت فسألت مندهشا:
_ايه يامن طلب أيدي من مالك امتى ده.
_ مش عارفة .
_اصله طلبني للجواز وأنا رفضت.
_ايييه ..امتى ده ..لا احكيلي بالتفاصيل .
وبالفعل قصت عليها كل ما قاله لها وماوحدث بينهما، وأنتظاره ردها على طلبه.
_طب وافقي بقى ياجوجو بقى كفاياكي حزن ووجع عيشي حياتك.
هتفت بها ناريمان بعد أن سمعت منها كل ما حدث.. ثم تابعت بلهفة:
_هاه حتوافقي؟
زفرت جمانة بحيرة ثم غمغمت:
_مش عارفة.
بنبرة كادت #صرخت ناريمان وهي تكذ على أسنانها: