
نظرت حولها فلم تجد أحد لتصرخ بـ عنفٍ:
– مين عمل كدا!!! مين اللي خبطها!!!
سمعت حارس ڤيلا فريد خلفُه يقول بأسف:
– خبطها و هرب يا مدام!!!
– آآآآه!!!!
تآوهت من فرط ألمها و ضمت رأس أمها لصدرها، لتجد هو جالس على عاقبيه خلفها يضم بدوره رأسها لصدرُه، بكت بحُرقة تصرُخ بـ عنفِ شاعرة بأورظة قلبها تتمزّق:
– مـــامـــا!!!!!!
• • • • • •
واقفة أمام ذلك التابوت الذي يأوي بداخله جثتها، تحاوط نفسها بذراعيها و جوارها يقفن العديد من السيدات، الدمعات تنهمر على وجنتيها فتؤلم عيناها .. تُغمضها تارة و تفتحها تارةً على كابوسٍ بشع متجسدًا أمامها، ترى زوجها و رجال آخرين يفحرون في الأرض حفرةٍ مستطيلة لكي تسع جسدها، بالكاد تصلب طولها و هي تراهم يفتحون التابوت، يأخذونها بالملاءة البيضاء التي تخفي جسدها و وجهها، شهقاتٍ باكية كتمتها و هي تضع أناملها فوق شفتيها و كامل جسدها يرتجف، عيناها الحمراء باتت كـ غاباتٍ تحترق من شدة إحمرارها، تشعر بالتربيت على كتفها من بعض السيدات لكن تقسم أنها حتى لا تشعر بيدهم .. يبدو و كأن جسدها قد تخدّر كـ تخدُّر عقلها تمامًا، وضعها و في قبرها و أزاحوا التراب عليها فـ أشاحت بعيناها تغمضها لا تستطيع أن ترى هذا المنظر، أبعدت عنها الواقفين جوارها و ركضت على شقة أمها، تعلّقت عيناه بها مُتأثرًا بحالتها و لكنه أكمل ما كان يفعلُه، دلفت هي للشقة تنظر لها و لخوائها بإنفطارٍ، هُنا كانت تصرخ عليها أمها، و هنا من المرات القليلة التي إبتسمت لها، هُنا عانقتها نور غصبًا وسط تأففاتها، إنهارت نور أرضًا تشعر بفراغ في قلبها يتوسع حتى يملأ روحها، ضربت الأرض بكفيها و قد تعالى صوت بُكائها من فرط ألمها، ظلت هكذا لأكثر من ساعتان، تبكي دون توقف حتى شعرت بصوتها لا يخرج و بالصداع يفتك رأسها بلا رحمةٍ، أنفاسها بالكاد تلتقطها و شحوب وجهها لا يُحتمل، حتى سمعت خطوات تعلم من يخطوها عن ظهر قلب فـ إلتفتت له، جزع قلبُه عندما رآها بتلك الحالة. أغلق باب الشقة التي تركتها مفتوحة، و دنى منها جالسًا على الأرضية أمامها، مكوبًا وجهها بين راحتيه، عيناه إمتلئت شفقة و هو يزيل تلك الدمعات من فوق وجنتيها بـ إبهاميه، تمسكت بكفيه تقول بصوت خافت مُتقطع تخرج بين الفينة و الأخرى منه شهقةٌ:
– مـ .. ماتت يا .. فريد!!!
تابعت و عيناه تنظر لها بحُزنٍ على حزنها:
– أنا ماليش حد دلوقتي!!
– و أنا؟ أنا يا روح فريد؟
قالها بحنان و إبهاميه يسيرا على وجنتيها برفقٍ، أغمضت عيناها و شهقت ببكاءٍ قائلة بإنهيار:
– إنت لو زعلتني أنا .. أنا هفضل مستحملة عشان مبقاش ليا حد!!
إبتسم يقول بحنو:
– يا غبية .. أنا لو كنت هزعلك .. فـ دلوقتي عُمري ما هزعلك للسبب ده
– أنا قلبي واجعني أوي يا فريد!!!
قالتها تُميل للأمام رأسها إقتربت من معدته فـ تنهد يشعر بثقل على قلبُه، يأخذها بأحضانه يضم رأسها لصدرها بأقوى ما لديه ويداه تربت على خصلاتها تارةً و تتغلغل بها تارةً أخرى، ظلت بأحضانه تبكي حتى غلبها الإرهاق، فـ همست له بخفوتٍ:
– تعبانة .. أوي!!!
تنهد و وضع ذراعه خلف ركبتيها و الأخر أسفل ظهرها ثم حملها لينهض بها بتوازن، يسير إلى غرفة عشوائية لا يعلم لمن، لكنها كانت لها، وضعها على الفراش و مسح على خُصلاتها يميل بجزعه العلوي عليها، ينظر لجفنيها المتهدلان من شدة البكاء، و إلى مُعذبته التي ترتعش أسفل أنفها المتورد، تنهد و طبع قبلة فوق كفها البارد، ثم إعتدل في وقفته و هم بترك كفها لكنها شددت عليه تقول بـ جزعٍ:
– هتروح فين؟
شدد هو الآخر على كفها يقول برفق:
– إهدي يا حبيبتي .. هروح أعمل أوردر غدا .. إنتِ مكلتيش حاجه من إمبارح!!
نفت برأسها فورًا تقول متعلقة بيدُه:
– لاء لاء .. أنا مش جعانة خليك .. خليك جنبي، متسيبنيش زي ما هُما سابوني!!
علِم أنها قد وصلت لأعلى مراحل الحُزن و التوجس، فـ جلس جوارها، يمسح على خصلاتها و فوق وجهها، يُطمئنها بكلماته الحنونة:
– أنا جنبك .. و لو الدنيا كلها سابتك أنا هفضل جنبك!!
أخذت كفُه بين كفيها تضمه لصدرها لتتأكد أنه لن يذهب، تلتفت على جانبها محتبسة يده في زنزانة قبضتيها تغمض عيناها تحاول كل المحاولات أن تنام، ظل جوارها لا يمل من التربيت على خصلاتها حتى نامت نومًا عميقًا، حرر كفه من راحتيها و نهض ليُحدِث أحد المطاعم المشهورة يخبرهم بـ طلبية الطعام التي يريدها و أملاهم العنوان، ظل جالسًا في بهو الشقة يستند برأسه للخلف يفكر بها، يتمنى لو بإستطاعته إخراج ذلك الكم من الوجع و دفنه بصدره هو، دق باب المنزل فنهض فورًا يفتح لهم قبل أن تستفيق، حاسبهم و أخذ الطعام ثم وضعه في الثلاجة، عاد لها و نزع عن جسده قميصه ثم أغلق الأنوار و إستلقى جوارها، جذبها بحذرٍ لتنام بحضنه لكي يستطيع أن ينام هو الآخر، و نام بالفعل بعد دقائق، ليستفيق على صوت صراخها الذي صدح بالغرفة بأكملها و أنفاسها اللاهثة و هي جالسة على الفراش، نهض مفزوعًا يظن أن مكروهًا قد أصابها، ليجدها جالسة تدفن وجهها في كفيها تبكي بإنهيار، نهض مسرعًا جوارها يلفها له قائلًا و القلق قد تجسد بصوته:
– في إيه؟!!!
أبعد كفيها عن وجهها برفق عندما لم تجيبه لينظر لجبينها المتعرق، و لأنفاسها المبعثرة و عيناها التي باتت تشبه الدماء في إحمراراها، فـ علم أنه كابوس مفجع، أغمض عيناخ و أطلق نفسًا مرتاحًا أنها بخير، لكنه فتح عيناها على بكائها فـ مسح حبات العرق من فوق جبينها يهدهدها هامسًا أمام شفتيها:
– ششش إهدي .. إهدي!! كان مُجرد كابوس يا حبيبتي إهدي!!