منوعات

رواية فريد ونور الفصل الأول للكاتبة ساره الحلفاوي

أعاد إسمها مجددًا على لسانه، متلذذًا بثلاثة أحرُف كان وَقعهم وِقع سمفونية موسيقية حالمة على أذنيه، أغلق مع الطرف الآخر الخط و وضع هاتفه جانبًا، ليضغط على زر السيارة ثم تحرك بها متجهًا إلى شركتُه التي تُعد من أضخم الشركات بفروعها المتعدده في أغلب فروع مِصر، إبتسم ساخرًا لا يصدق كون رجل أعمال مثلُه في منتصف الثلاثينات ينتظر فتاة لم تتخطى ربيعُها الثاني بقلبٍ مُتلهف يحسب بالدقيقة و الثانية ميعاد مغادرتها عملها ذلك!

عاد إلى نفس النُقطة التي يقف بها دائمًا ينتظر خروجها، تهتز قدمُه اليمين بتوترٍ ينظر في ساعته الثمينة المُحتضنه رسغُه، تأخر دقيقة و خمـ,ـسة و أربعون ثانية .. ماذا تفعل!
تتفس الصُعـ,ـداء عندما وجدها تخرُج من العمل و علامات الإرهـ,ـاق بادية على وجهها الفـ,ـاتن، إقتـ,ـضبت مٍحياه بضـ,ـيقٍ من ذلك الوهن الذي بدى عليها يتمنى لو بإستطاعته جرّها من يداه عنوةً ليريها كيف تكون الراحة، يُريح بدنها من عملٍ شاق لا يليق بـ عذوبتها
نظر إلى الشارع حولها و الذي كان في حارة لا يمر بها أحد، و يكاد يجزم أنه الوحيد الواقف في ذلك الشارع، عيناه تسير عليها و هي تسير بتعبٍ تتجه إلى الشارع الرئيسي، لـ تلمح عيناه شاب في يبدو في مِثل سنها يخرج من ذات البناية التي ولجت منها، يسير خلفها مسرعًا بملامح متوترة، ليزمجر فريد عندما وجده يقبض فوق ذراعها الغض يُديرها له يتمتم بكلمات لم يسمعها، إندلعت النيران من حدقتّ فريد و لأول مرة يشعر بـ حرائقٍ تشتغل في قلبُه بتلك الطريقة، همّ بالنزول و لأول مرة يجعلها تراه بعد أسبوع كامل من مراقبتها، لكن لم يترجل من سبارته عندما وجد وكأن وحشًا قد تلبّسها ليُمحى بوادر الإرهاق من على وجهها و يتبدل بـ شراسةٍ جعلتُه يبتسم و تلك من النوادر، وصل إليه صوتها و هي تنهر ذلك الشاب تبعد ذراعها عنه:
– ورحمة أبويا لو ما مشيت دلوقتي من وشي لـ أخلي اللي ميشتري يتفرج عليك!!

ظهر بعض الخوف على ملامح الشاب فإبتسم فريد و أسند مرفق ذراعه فوق مكان فتح الباب الداخلي و سبابته أمام شفتيه ينظر لذلك المشهد بإستمتاعٍ، فـ ها هي الشراسة يراها لأول مرة بعيناها، لكن ما هزّ قلبُه غـ,ـضبًا إصـ,ـرار ذلك الشاب على مُضايقتها و تعالي صوته يردف بـ نبرة لم يراها فريد سوى وضيعة:
– إنتِ فاكرة نفسك مين يا روح أمك! ده أنا هطلع عين أهلك دلوقتي!!

لم يتحمل فريد و لم ينتظر دة فعلها، ترجل من سيارتِه على وجه السرعة بـ بنيتُه الضخمة التي لم تكُن سوى عبارة عن عضلاتٍ عنيفة، و لأنه لم يكن يرتدي چاكت بذلته و إكتفى فقط بقميصٍ أسود إلتصق بجسدُه فجعلُه يتحكم أكتر بذراعيه، و في ثوانٍ كان يقبض بكفُه على تلابيب قميص الآخير يسدد له لكمة أوقـ,ـعتهُ أرضًا و هو يهتف به بصوتٍ عالٍ:
– ده أنا اللي هـطـلـع مـيـتـيـن أهـلـك دلوقتي يا خـ**

شهقت الأخيرة بصدمةٍ وتراجعت و هي تراه قد أبرحهُ أرضًا حتى ترجاه الأخير أن يتركُه فهتفت فريد بلهجةٍ قاسية:
– لو شوفتك قربتلها تاني .. قول على نفسك يا رحمن يا رحيم!!

– حـ .. حاضر!!

دفعهُ فريد فـ زحف الأخير ليبتعد عن مرمى يداه حتى ذهب من أمامُه و هو يركض و كإنه يركض من جان يود أن يتلبسُه، إلتفت إلى تلك الواقفة على مقربة منه، لفظ بداخلُه “يا الله”! إن كانت ملامحها من بعدٍ فاتنةٍ، فهي من كثب باهية! وقف صامتًا يحاول السيطرة على نظرات عيناه التي سارت بدايةً من منبت خصلاتها البنية نزولًا لأعين حائرة من نفس لون خصلاتها، و تلك الشلاه المكتنزة الذي ودّ لو أن يتذوق حلاوة مذاقهمها، و عنقها المرمريّ الذي تمنّى لو بإستطاعته وصمُه بعلاماتٍ كـ صك ملكيته لها، و قبل أن يتنـ,ـحدر عيـ,ـناه لما هو أكثر من ذلك عبر صوتها العالٍ على أذنه يخرجه من شرودٍ كادت أن تجعلُه يجن، تردف بنبرةٍ حادة عنيفة:
– إنت مين!! و مين سمحلك تدّخل و تعمل اللي عملتُه ده أصلًا!

و لأول مرة تتلبسُه دهشةً من ردة فعل إحداهن، ألن تشكرُه و تخبره أن لولاه لكانت الآن بيد أيادي عديم الشرف ذاك؟ ألن تُخبره بأنها بالغة الإمتنان له؟ ألن تعطيه إبتسامة ودودة شاكرة؟
عادت تقول بحدة:
– إنت يا بني آدم! أنا بكلمك .. ولا الكلام مش واصل عندك فوق!

هتفت ساخرة من طوله مقابل قامتها التي كانت طويل بين أقرانها لتشعر الآن بأنها أمامه باتت قزمًا، حاول الإحتفاظ بهدوء أعصابه فـ قال بهدوء لم يكن سوى هدوء ظاهري:
– ده بدل ما تشكُريني؟ كان زمانك دلوقتي مهروسة منُه!!

شهقت بصدمة ليتعالى صوتها قائلة بحدة:
– نــعــم!!! مين دي اللي تتهرس يا أخينا ده إنت رحمتُه مني، ده أنا كنت هخليه يندم إنه عرفني في يوم من الأيام!!

– ششش!! مش عايز لَت كتير، تعالي إركبي هوصلك!!!
هتف و هو يشير بعيناه لسيارته ذات الباب المفتوح الذي لم يهتم بقفله بعدما رآى ما تتعرض هي له، نظرت لسيارته و بعنف صاحت به:
– رِكبك عفريت يا بعيد!!! إنت شكلك مجنون و عيلتك عارفة!! أركب مع مين إنت فاكرني واحدة من اللي بيتاخدوا ورا مصنع الكراسي ولا إيه ده أنا آآ!!

بتر عبارتها مصدومًا و لأول مرة من تصرفات فتاة أمامه يقول بحدة:
– إخرسي!! بكابورت زبالة إتفتح عليا ولا إيه!!! أنا غلطان إني إعتبرتك زي أختي و جيت أساعدك وىمش عابزك تمشي في إنصاص الليالي لوحدك، بس إنتِ متجيش ربع تربية أختي و لا أدبها، م هي اللي تخرج في إنصاص الليالي و تجّري الرجالة وراها تبقى زبالة و اللي بيتاخدوا ورا مصنع الكراسي أحسن منها!!!

و لأول مرة يشعر بأنه قد ندم على شيء، رأى عيناها تمتلئ بالعِبَرات المكتومة رافض كبريائها نزول دمعاتها، لتصمت للحظات ثم تقول و قد شعر بغّصتها:
– إنت بني آدم زبالة و مش محترم!

ثم إستدارت و تركتُه تذهب للشارع الرئيسي بخطواتٍ بطيئة، وقف مكانه ولم يتحرك خطوة واحدة، لِمَ الذهاب الآن؟ كيف تذهب هكذا و الدمعات مكتونة داخل عيناها لربما ستشوش عليها الرؤية، و لِمَ تلك الرغبة المقيتة في معانقتها و إخفاء جسدها داخل جسدُه لكي لا يرى نظرة الحزن تلك بعيناها، وقف بنظر لها حتى إستقلت ميكروباص و هي شاردة بالفراغ، فـ ءهب لسيارته ليضربةبقدمه بقسوة سيارته ثم إستقلها يذهب بأعلى سرعة لـ مكان بيتها حتى قبل ذهابها هي إليه، صف سيارته بعيد عنها قليلًا كي لا تراه، فـ وجدها تترجل من السياره تسير بعيناها قوّّة تحاول بها مداراة حزنٍ قد تغلغل بمقلتيها ليصل لقلبُه فينخر به كما ينخر السوس بالخشبِ، تنهد بإرتياحٍ عندما إطمئن من دخولها للمنزل، ليشعل محرك سيارته ثم غادر حارتها المتواضعة.

• • • • •

انت في الصفحة 2 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل