
ليخرج المحامى مظروفا مغلقا من حقيبته و يقول : بسم الله ، و يفض المظروف و يخرج منه عدة اوراق مرصوصة بعناية فائقة فوق بعضها البعض ، ثم يبدأ فى القراءة قائلا : ابنى الغالى عابد
و ابنى و حفيدى و عكازى اللى كنت بتعكز عليه .. داوود ، و حبايب قلب جدو و عيونه اللى كنت بشوف بيهم .. رنيم و يقين
انا خلاص بقيت فى دار الحق ، و عشان كده مش عاوز اى حد فيكم يزعل منى لاى سبب او لاى حاجة عملتها
فى حاجات .. منكم ما يعرفهاش ، و حاجات منكم ماتعرفوهاش ، لكن ان الاوان ان كلكم تعرفوا كل حاجة و اتمنى انكم تنفذوا وصيتى اللى فى الجوابات اللى سيبتهالكم الاول مع المحامى
و اول حاجة لازم الكل يعرفها .. ان رنيم بقت زوجة داوود
و قبل ان يكمل المحامى قراءة الوصية .. ارتفع صوت اللغط و الاستنكار و الدهشة و خصوصا من سليم و ليلى اللى قالت بغضب و هى تنظر لداوود : ده كلام فارغ ، ازاى يعنى الكلام ده ، يعنى ايه تتجوزها من ورانا انا مش فاهمة ، و امتى حصل الكلام ده
ليقول سليم بغضب اكبر : انتى زعلانة عشان ابنك اتجوز من وراكى ، اومال انا اقول ايه ان بنتى تتجوز من غير ما تبلغنى
ليلى بحزم : الجوازة دى لازم تنتهى حالا .. انا بقوللكم اهو
سليم بتأييد : طبعا لازم تنتهى و فورا
داوود بغضب : ياريت كل واحد لما يحب يقول رايه فى اى حاجة ، يختار الحاجة اللى تخصه عشان يتكلم فيها
سليم : و انا بنتى تخصنى
داوود : ماتخصكش اكتر منى .. لانها ببساطة تبقى مراتى
سليم بحدة حازمة : انا هاخدها معايا و انا مسافر
داوود : الباسبور مثبت فيه انها مراتى و ماتقدرش تسافر من غير موافقتى
لتنظر رنيم الى داوود لتجده يومئ إليها برأسه علامة التاكيد ، و لكنها تنتفض من صوت ليلى التى قالت بجنون : طبعا جوزهالك عشان يغسل عارها بعد عملتها السودة و لبسهالك و انت زى الاهبل رضيت و سكتت زى عادتك
داوود و عابد بحدة : مامااا .. ليلى
ليلى بغضب : ايه .. مش هى دى الحقيقة
سليم : ايه الكلام الفارغ اللى انتو بتقولوه ده ، عار ايه و عملة ايه اللى بنتى عملتها
ليلى بحدة : بنتك المحترمة كانت ..
ليقترب منها عابد بغضب و هو يقول اليها بتحذير : مش عاوز كلمة زيادة .. انتى فاهمة ، و يا تقعدى تسمعى باقى الوصية من سكات ، يا ترجعى البيت على ما اجيلك
لتنظر له ليلى بغيظ واضح للعيان .. ثم تتركه و تنصرف اتجاه الشرفة
اما سليم فقال : بس انا كمان مصمم على الطلاق يا عابد
عابد : متهيالى تسمع باقى الوصية الاول يا سليم و بعد كده كل واحد يقرر هو عاوز ايه و يعمله
ليعود الجميع الى اماكنهم مرة اخرى بين رفض و ذهول ، اما رنيم فكانت تراقب كل ما يحدث دون ان تنبث ببنت شفة و كأن الامر لا يعنيها ، و لكنها وجدت داوود يميل عليها متسائلا بهمس : انتى كويسة
لتحرك رأسها رفضا ، لتنتبه على يده تربت على قدمها و هو يقول : اوعى تقلقى و لا تخافى و انا جنبك
لتنظر اليه لتجده يومئ اليها بابتسامة بسيطة ، و لكنها ذهلت من نفسها عندما وجدت دقات قلبها المتسارعة بدأت فى الهدوء و كأن قلبها كان ينتظر سماع تلك الكلمات ليهدئ من دقاته المتسارعة
لينتبهوا على عابد و هو يقول للمحامى : ما تآخذناش يا متر ، هى بس المفاجأة هى اللى عملت كل ده
المحامى و الذى كان يراقب كل ما يحدث و يقال و كأنه مسلسل معاد مل من متابعته : الحقيقة المرحوم تقريبا كان حاسس ان ده اللى هيحصل و عشان كده خلونا نكمل اللى المرحوم كاتبه و اللى كان بيقول فيه ..
ليبدأ المحامى فى اكمال قراءة الوصية قائلا على لسان المنشاوى : يا ريت تهدوا و بلاش تحولوا الحكاية لخناق و زعيق .. و كمان لوم و عتاب
اولا .. انا مش عاوز اى حد يلوم على داوود او رنيم انهم خبوا عليكم لأن دى كانت رغبتى انا ، لانى كنت عاوز اضمن وجود رنيم جنبى فى اخر ايامى ، و كمان كنت عاوز احميها من كل اللى طمعانين فيها
و كمان مافيش انسب لداوود من رنيم و لا رنيم هتلاقى اللى يحبها و يحميها زى داوود
و الاهم ان دى مش الشراكة الوحيدة اللى هتبقى بينهم
انا قررت اقسم كل الممتلكات بنفسى و على حياة عينى ، يعنى مافيش ميراث زى ما انتم فاكرين
انما اللى هيحصل دلوقتى ان كل واحد منكم هيعرف انا كتبتله ايه و هيستلم اوراق الملكية بتاعتها من المتر لانى سيبتلكم كل حاجة بيع و شرا
اولا .. عابد .. انا كتبتلك ارض راس البر كلها باسمك لوحدك لانى عارف انت بتحب الارض دى اد ايه و عشان كده ماحبيتش ان حد يشاركك فيها و اتمنى لك يا ابنى انك تبقى مبسوط بده ، و تقدر تعمل فيها كل اللى كان نفسك فيه و اتمنى انك تكون راضى
اما المصنع فالمصنع هيكون شراكة مابين داوود و رنيم و يقين ، داوود و رنيم شركا بنسبة تمانين فى المية بالتساوى ما بينهم ، و يقين بنسبة العشرين فى المية الباقية ، و ده مش تقليل منك يا يقين يا حبيبتى بس ده يعتير حق عمتك و بالتالى راح لرنيم
طبعا عابد لو حب .. فهو هيفضل محتفظ بوظيفته و مرتبه فى المصنع بالكامل الا لو هو حب يعمل حاجة تانية ، و طبعا لو يقين حبت تشتغل معاكم حقها
اما بقى الفلوس اللى فى البنوك .. فالفلوس كلها تحت تصرف داوود اللى هيقسمها بينكم بالشرع بعد ما يحجب مصاريف المصنع
اما الفيلا .. فالفيلا بقت بتاعة داوود و رنيم و بالنسبة للارض اللى فى ضهر الفيلا فدى بقت بتاعة يقين تبنيها على ذوقها زى ما كانت دايما تخطط و ترسم ويايا
و بالنسبة لباقى العقارات فانا قسمتها ما بينكم برضة و كل الاوراق مع المتر و حاسس انكم كلكم ان شاء الله هتبقوا مبسوطين و مستريحين من اللى انا عملته ده
و اخيرا بطلب منكم كلكم تدعولى بالرحمة و ماتنسونيش ابدا من دعائكم
و بدأ المحامى فى فرز الاوراق و ناول كل منهم ما يخصه من ممتلكات تحت اعين سليم التى يطل منها بريق الطمع و الخبث
و بعد ان فرغ المحامى من عمله نهض واقفا و قال : استأذن انا بقى و طبعا انا تحت امركم فى اى وقت
عابد و هو يقوم بتوصيله الى الباب : تعبناك يا متر
اما رنيم .. فلم تنظر الى ما بداخل الاوراق و ظلت شاردة لثوان قطعها سليم عندما اقترب من مجلسها و عينيه على الاوراق و قال : ايه يا رنيم ، مش ناوية تتكلمى و لا تقولى حاجة
رنيم : عاوزنى اقول ايه يا بابا
سليم : تقوليلى ازاى تتجوزى من غير ما تبلغينى
رنيم و هى تنتقل بعينيها بين سليم و داوود : ما انت سمعت بنفسك .. ده طلب جدو
سليم : و لو .. ده انا ابوكى
عابد : و انا برضة ابوه يا سليم و ماعرفتش غير دلوقتى زيى زيك
سليم : بس انا مش شايف ان الجوازة دى تناسب بنتى ، و شايف ان الانفصال احسن حاجة
داوود ببعض الحدة : يا سليم بية .. مش المفروض اصلا تشوف اصحاب الشان رايهم ايه
سليم : انا ولى امرها
دلوود ببرود : مابقيتش .. حاليا انا ولى امرها .. رغم انها مش قاصر اصلا
سليم و هو ينظر لرنيم بشبه تهديد : انتى موافقة على الكلام ده
رنيم و هى تغمض عينيها بتعب : ايوة
سليم بدهشة : ايوة .. ازاى يعنى ، انا كنت جاى و ناوى اخدك معايا و انا راجع
رنيم بسخرية : معلش بقى .. جت متأخرة
سليم بتملق : انا عارف ان خالك و ولاده هم اللى كانوا معاكى على طول ، بس انتى حاليا مشوشة و مش عارفة ايه الصح و ايه الغلط ولا عارفة ايه اللى فى مصلحتك و لا اللى ضدها
رنيم : داوود و خالو عارفبن
ليجذبها سليم من يدها قائلا : طب قومى تعالى اقعدى معايا شوية فى الجنينة ، و هاتى الاوراق دى اشيلهالك لا تقع منك
لتبعد رنيم يدها الممسكة بالاوراق بعيدا عن يد سليم و تقول : الاوراق كلها هتفضل مع داوود على ما نشوف هنعمل ايه
سليم بذهول : و ليه ماتفضلش معايا او حتى معاكى
رنيم : خلاص يا بابا من فضلك و اتفضل معايا على الجنينة زى ما كنت عاوز
لتناول رنيم جميع الاوراق التى سلمها لها المحامى الى داوود الذى نظر اليها بابتسامة رضا جعلتها تشعر انها تفوقت فى شئ ما لا تعلم عنه شيئا ، و لكنها جنبت حيرتها جانبا و تقدمت والدها الى الحديقة .. ليتبعها سليم الذى كان الغضب مسيطر على خطواته الى الخارج
لتعود ليلى الى الداخل مرة اخرى بعد ان رات انصراف المحامى و قالت بحزم صارم : داوود .. عاوزاك حالا ، تعالى لى على المكتب فورا
ليتبادل داوود النظرات مع بقية الاعين المسلطة عليه ثم ذهب من فوره الى غرفة المكتب و اغلق الباب دونهما .. لتظل يقين بمفردها بصحبة نانسى و ابنتيها و اللتان كانا منذ وصولهما بصحبة والديهما لا يفعلان شيئا سوى الحملقة فى وجوه الجميع بنظرة غامضة و مبهمة
و خاصة سالى و التى كانت تنظر لداوود باعجاب شديد لم تفكر لحظة ان تخفيه او تواريه عن انظار الجميع
لتجد يقين سالى تقول لها بلكنة عربية قد تبدو غير سليمة : انتى اخت داوود مش كده
يقين : ايوة