
-عارف أنه مش وقته بس تصدق بالله أنا متحمس اشوف رد فعل ابوك لما يشوف يونس ابنى
توقف “نوح” عن السير بدهشة لينظر لأخيه وهو يقول:-
-هى مرتك وولدك وياك اهنا فى الصعيد
أومأ “نادر” له بعفوية ثم قال:-
-اه، وصلتهم على البيت وجيت
هز “نوح” رأسه بهدوء ثم دخل المكتب ليركض “نادر” نحو والده “على الصياد” ليعانقه بسعادة وحماس بعد غياب طال بينهما وقبل رأسه ويده ثم صافح عمه “حمدى الصياد” وجلس الجميع معا حتى صلاة المغرب وبدأ فى استقبال الرجال لتقديم التعازي لهم فى وفأة الجد “حافظ الصياد”….
____________________
كانت “عليا” جالسة على مقعدها مع النساء فى الأسفل والمنزل يعج بالنساء وحريم البلد، صامتة وهادئة رغم معرفتها بأن البعض تسامرون خلسًا عليها، كانت “حورية” جالسة بجوار والدتها “فاتن” وتهمس فى اذنها:-
-هاين عليا ياما اجوم اجيبها من شعرها على جلة ربيتها دى
أربتت “فاتن” على يدها بخفوت وهى تقول:-
-متستعجليش يا بتى كله بأوانه
تحدثت سيدة بجدية تقول:-
-دى بجى المُدرسة مرت ولدك يا حجة سلمي
أومأت “سلمي” لها بإحراج فى صمت لتتحدث “عليا” بفخر قائلة:-
-أنا مبشتغلش مُدرسة
أعادت السيدة السؤال فى حين أن “سلمي” كادت أن تشتاط غضبًا من هذه المرأة وهى على وشك جلب العار لهم لتجيب “أسماء” بمكر شديد وكأنها ترد لها الأهانة قائلة:-
-رجاصة، بتشتغلش رجاصة يا خالة
أتسعت عيني الجميع بذهول وبدأ يعلو أصوات الجميع فى التنمر عليها فغادرت “عليا” المكان وهى غاضبة وتحاول كبح هذا الغضب لأجل زوجها فقط….
سكنت غرفتها حتى عاد زوجها مساءًا بعد يوم طويل وفور دخوله قالت:-
-أنت جيت، ممكن ترجعنى القاهرة حالاً
جلس “نادر” على الفراش ينزع حذائه وهو يقول:-
-أهدي يا عليا، اهدي يا حبيبتى
جلست جواره وهى تزيد فى الصراخ قائلة:-
-بقولك قوم رجعني بيتى دلوقت حالًا أم هرجع لوحدي
مسح “نادر” على رأسها وقال:-
-الصبح يا عليا على الأقل، راعي يا حبيبتى أنى منمتش بقالى يومين ووقف على رجلى من الصبح، أنام أرتاح والصبح نحلها
تأففت بأختناق فحقًا زوجها مُرهق ومُتعب ويظهر هذا بوضوح فى ملامحه لتؤمأ له بنعم….
أستيقظت صباحًا على صوت صراخ فى المنزل لتفزع من فراشها ولم تجد زوجها فى الجوار وكان طفلها غارق فى نومه، خرجت من الغرفة بتعب ووجه شبه نائم لتنظر بالأسفل من الأعلى لترى “سلمي” تصرخ وتلطم وجهها بحرقة وطريقة هستيرية وتقولى:-
-ولدي… جتلوك يا ولدي
أتسعت عيني “عليا” بدهشة وقد فاقت تمامًا الآن لتُصيبها الصدمة الكبري التى ألجمتها عندما سمعتها تقول:-
-جتلوا ولدي يا فاتن… جتلوا نادر……
سمعتها تلفظ اسم زوجها لتشعر بإنقباض قلبها وبرودته غير مصدقة ما تسمعه، وعدها بالأمس أن يعيدها للمنزل اليوم فكيف غادر هكذا، لم تقوى على تخيل الخبر أو تصدقه فسقطت على الأرض فاقدة الوعي من الصدمة…..
_________________
توقفت سيارة سيدان كحلي اللون فى الطريق ثم ترجلت من الباب الخلفي فتاة ترتدي بنطلون أسود وقميص نسائي أسود اللون وشعرها الأسود مسدول على ظهرها والجانب الأيسر وترتدي حذاء رياضي أبيض اللون ثم أوقفت اول رجل مر من جانبها قائلة:-
-لو سمحت كنت عاوز أروح بيت عائلة الصياد
نظر الرجل لها ثم صاح بنبرة عالية يقول:-
-خالد بيه الأستاذة بتسأل على دواركم
وقف “خالد” من مكانها وترك طاولته على المقهى ليقترب نحوها مُتطلع بها، فتاة فى أوائل العشرينات بعيني ذهبية عسلية فاتحة وبشرة بيضاء وملامح وجهه صغيرة وجسد نحيف جدًا وقصيرة تشبه بجسدها الضئيل هذا فتيات المراهقة ليقول بفضول:-
-أنتِ مين؟
أجابته بحدة قائلة:-
-وأنتِ مالك، أنا بسأل عن الطريق
رفع حاجبه إليها بحدة من ردها الغليظ ثم قال:-
-أيوة عاوزة مين يعنى من عائلتى
تأففت بضيق وهى تنظر للجهة للأخرى بغيظ ثم قالت:-
-أنا عهد أخت عليا مرات نادر
قوس شفتيه بغيظ ليقول ببرود:-
-المرحوم
قالها وفتح باب السيارة الأمامى ليجلس جوار السائق ويرشده على الطريق ليقول بعفوية وهو يتغزل بها:-
-أنا خالد ولد عمه
لم تُعقب بل نظرت بهاتفها وعندما توقفت السيارة أخرجت المال من حقيبتها لتعطيهم للسائق ثم ترجلت من السيارة وهى تنظر إلى المنزل، أخذت نفس عميق ثم قالت مُحدثة نفسها:-
-أسبوع يا عهد أستحملي وبعدها لازم تأخدي أختك وتمشي من هنا
تركها “خالد” ورحل دون أن يُدخلها المنزل فوضعت حقيبة ظهرها على أكتافها وصعدت الأربعة درجات الموجودين أمام الباب…
خرج “نوح” من غرفة المكتب مُنفعل وهو يتحدث فى الهاتف بحدة ويقول:-
-جولتلك ما هنخدش عزاء غير لما نعرف اللى عملها
أغلق الهاتف وتابع سيره إلى الخارج ليرى “عهد” تقف فى ساحة المنزل مُنتظرة أن يظهر أى شخص فى هذا المنزل المهجور تقريبًا، وضع الهاتف فى جيبه وهو يقول بانفعال:-
-أنتِ مين؟
تمتمت بضيق وهى تتطلع به:-
-مش هنخلص من أم دا سؤال
كبحت غضبها ثم قالت بحدة وصوت مسموع:-
-أنا عهد أخت عليا مرات نادر.. أكتبها لكم على رأسي، ممكن حد يقولى أختي فين
صاح بنبرة قوية وهو يمر من جانبها قائلًا:-
-حُسنة يا حُسنة
جاءته الخادمة سيدة فى الخمسينات من عمرها ليقول بحدة:-
-وصلي الأستاذة لأوضة الست عليا
أومأت له بنعم وغادر المنزل، صعدت “عهد” مع “حُسنة” إلى غرفة أختها لتصدم عندما رأتها تتشاجر مع إمراة أخرى وتقول:-
-جدمك جدمك الشوم والنحس، وعزة لا إله إلا الله لو ما طلعتِ من دارى لأكون جاتلكى أنتِ وولادك
هرعت “عهد” إلى أختها الحزينة ذات الجسد الضعيف لتحتضنها وهى تقف بالمنتصف وتقول:-
-فى ايه، مين دى يا عليا
صاحت السيدة بها بغضب قائلة:-
-أنا أم نادر
أغمضت “عهد” عينيها قبل أن تفقد أعصابها على هذه السيدة ثم قالت بهدوء:-
-طب ممكن تهدي يا طنط، الأعمار بيد الله وأختي مش هى اللى ضـ,ـربت جوزها بالنار وهى موجوعة ومقهورة زى حضرتك تمامًا
دفعتها “سلمي” بقوة من كتفها وهى تقول بصراخ:-
-أخرسي، أنا محدش جلبه محروج على ولدى جدى … أطلعوا برا دارى يا أنجاس أنتوا
قالتها وهى تسحب “عهد” و”عليا” من ملابسهن بالقوة و”عليا” تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها وتبكي بحسرة وقلب أفتكت الألم به وفتته من فراق زوجها، أخذتهن إلى الدرج ومعها “فاتن” وفى مشدات الدفع سقطت “عهد” منهن وهى تحاول الإمساك بأختها حتى لا تسقط بطفلها…
كادت “عليا” أن تصرخ بهلع على سقوط أختها لكنها رأت “نوح” يمسك بجسد “عهد”، شعرت بأحد يلتقط جسدها من خصرها قبل أن تسقط لترفع رأسها وتراه هو نفس الشخص الغاضب فأعتدلت بغضب من أفعال هذه السيدة ليقول ”نوح” :-
-بتعملي أيه يا أمى؟ تعالى ويايا
أخذ والدته بعيدًا لتترك ملابس “عليا” وهى تذهب مع ابنها فأحتضنت “عليا” اختها بلطف وذعر أصابها من رؤيتها تسقط هكذا، سار “نوح” فى الرواق مع والدته وهو يقول:-
-كيف تعملى أكدة فى مرات ولدك وام ابنه
جهشت “سلمي” باكية وهى تقول:-
-جلبي محروج يا ولدى
أدخلها غرفتها وهو يقول:-
-يعنى هيعجبك الحال لو خدت ولدها ومشت ومتشوفش ولد ولدك تانى
صمتت “سلمي” بهدوء وهى تفكر فى هذا الحديث، كيف يمكن أن تهرب بحفيدها للأبد لذا قررت أن تجعلها سجينة غرفتها طيلة فترة العدة وتجبرها على الزواج من “نوح” بالقوة….
_________________
عودة للواقع
جلس “نوح” مع والده و”عليا” و”عهد” بغرفة المكتب ومعهم المأذون فى صمت يعم الجميع ليقول المأذون بهدوء:-
-البطايج
أعطاه “نوح” بطاقته الشخصية بوجه عابس وهو لا يصدق بأنه سيتزوج زوجه أخيه بالإكراه وأخرجت “عليا” بطاقة “عهد” الشخصية ليدون المأذون الأسماء ويطبق الصور الشخصية وربما جرت الخطة كما خطط “عليا” وأختها بفضل شرود “نوح” وجلوس “على” بعيدًا فلم ينتبه أحد لصور “عهد” ولا أسمها حتى، بصم “نوح” أولاً ووقع ثم وقف من مكانه ليذهب إلى والده فنظرت “عليا” إلى أختها بترجي لتوقع وتبصم سريعًا قبل أن يعود وبالفعل نجحت “عهد” فى مهمتها ثم تبسمت “عليا” بمكر وهى تقف بصحبة أختها ثم قالت:-
-أنا هروح ألبس الفستان
أخذت أختها وفرت هاربة من أمامهم بعد أن زوجتها له بغباءه وشروده فهو لم ينتبه لذكر أسمها وهو يردده خلف المأذون بوضوح…
فى مساء اليوم بعد نهاية الحفل والزفاف وعقد القرآن، دلف “نوح” من باب غرفة نومه ثم أغلق الباب لكنه صُدم عندما كانت الغرفة فارغة ولم يكن هناك أحد، بحث عن عروسته ولكنها لم تكن هناك…
خرج يبحث عنها فى المنزل ليراها من الأعلي عبر النافذة وهى تركض فى الأرض هناك بين الحديقة تحت ضوء القمر الخافت وهى ترتدي فستان زفافها الأبيض وتتلألأ فصوصه اللامعة مع ضوء القمر ليجز على أسنانه وهو ينزل الدرج…
عبرت من باب المنزل الكبير لتغادره ثم ركضت فى الأراضي الزراعية المحيطة بالمنزل وبين المحاصيل الزراعية بصعوبة وهى تمسك فستانها بيديها الأثنين وذيل فستانها الطويل يُصعب عليها الركض أكثر بإحتكاكه فى الأرض، توقفت تنزع حذاء قدمها ذو الكعب العالي فأرتدائه فى وعورة الأرض هذه تؤلم قدميها وتجرحها، أكملت ركضها بخوف وهى تحاول الهرب بعيدًا قدر الإمكان وتنظر خلفها لتتأكد بألا يوجد أحد وراءها لتصطدم بجسد صلب وقوي لتكاد أن تسقط فشعرت بيد تحيط خاصرتها، لفت رأسها للأمام بهلع لترى وجهه بوضوح فى ضوء القمر بينما أتسعت عيني “نوح” على مصراعيها من رؤيتها فلم تكن هذه زوجة اخيه المتوفي بل كانت “عهد” أختها الصغري…