
ولأن تنبيهي كان صريح أكتر من اللازم، وبابا بيعتبرني صاحبته قبل ما اكون بنته، قالي “ينفع اقولك على سر قبل ما أمك تخرج من المطبخ!؟”.
قللت نبرة صوتي وقولتله “قول متخافش، سرك في بير”، بص تجاه المطبخ وقالي بخوف “بصراحة البت كانت حلوة أوي، مش بومة زي أمك.. وبصريح العبارة كده باستني في خدي بدون ما أشوفها وانا بقطع اللحمة، بس انا مسكتش، وقولتلها عيب كده يا آنسة”.
ماما خرجت من المطبخ وهي ماسكة الساطور وبتقوله “لا كتر خيرك، عملت اللي عليك وزيادة”، معرفش ازاي سمعتنا من المطبخ، وافتكرتها بتهزر ومجرد غيرة عادية بين زوجين، لكن اتصدمت لما ماما حدفت الساطور بنمط التخويف، ورشق في دماغ بابا قدام عيني!
ذُهلت، وقلبي وقف للحظات وأنا بشوف راسه بتنزف ومقسومة نصين… لحظات من الصدمة عقلي رافض يستوعب اللي بيحصل وبيقولي أن كل ده وهم مش حقيقة.
قربت من بابا وقولتله “بابا حبيبي ده هزار صح.. يلا اضحك بقا وقولي ده مقلب فيكي.. انت شاطر دايمًا كده في المقالب”.
لكن للأسف ده مش مجرد وهم.
ماما قعدت في الأرض تقطع في وشها وشعرها من الصدمة، وبابا مازال بينزف وعيونه خارجة من جمجمته.
جرس الباب بيرن بشكل متتالي، وماما على نفس حالها وانا في النص بين ابشع جريمة متخيلتش في يوم أنها تحصل في بيتنا.
بيتنا وأسرتي الصغيرة اللي كل الناس بيحسدونا على استقرارنا وحب ماما لـ بابا، ودلالهم ليا لأني البنت الوحيدة.
كل ده في لحظة انتهى، وبسببي.
ايوا أنا اللي وقفت قدام اللي اكبر مني ودخلت نفسي في حاجات أنا مش قدها، كان هيجرا إيه لو ادتها العضمة؟!.
ما هي اكيد لو ماخدتهاش من عندي تقدر تاخدها من أي جزار تاني، أو حتى تشتري العجل كله بنفسها وحالتها المادية تسمحلها.
لأول مرة أحس أن الوقوف قدام الشر ممكن يكون هو بداية الشر كله.
وبعلو صوتي صرخت وقولتلها “تعالي خدي كل اللي عايزاه، بس رجعيلي بابا.. أنا مش هعارضك تاني خلاص، أنا ضعيفة وندمانة”.
جرس الباب مازال بيرن باستمرار، اتمنيت لو افتح والاقيها هي، قومت فتحت ورجلي مش شايلاني لقيته مسلم بيقولي “ايه يا عزيزة.. أنا جبت الشيخ كل ده بتبدلي هدومك!”.
عقلي وقف فجأة، وحسيت بتوهة.. بصيت ورايا ملقتش بابا ولا ماما؟؟!
يعني الدجالة نفذت الوعد اللي طلبته منها ورجعتهملي من تاني خلاص، ولاني خايفة من خيانة الوعد والعقاب الـ ممكن يحصلي، زعقت لــ مسلم وقولتله “شيخ إيه هو أنا مجنونة! لو سمحت ملكش علاقة بيا ومحدش طلب مساعدتك”.
وقفلت في وشه رغم أنها المرة الأولى اللي أعمل فيها تصرف زي ده، لكن كان لازم احافظ على عيلتي وأخرج من دايرة التحدي اللي أنا مش قدها.
تاني يوم نزلت المحل بكل نشاط ومشوفتش اي كوابيس تانية الليلة دي، غير أن الغجرية جاتلي وهي بتطبطب عليا ومبسوطة وبتديني حاجة حلوة مكافئة لخضوعي ليها.
كنت متأكدة أنها هتجيلي اليوم ده المحل، وبالفعل جت لي مبتسمة وكلها بهجة وبتقولي “صباح الفل يا وش الخير.. ها جهزتيلي طلبي؟!”.
ابتسمتلها رغم الحقد والغل اللي في قلبي وقولتلها “طبعًا طبعًا يا أمي، لحظة هحضرهالك”.
ودخلت بكل كسرة نفس حضرتلها عضمة بيت اللوح على خشبة اللحوم جوا، ودموعي بتسبق على وشي موجوعة على قلة حيلتي اللي معنديش غيرها.
ولقيت اللي بيسحب العضمة من قدامي وبينزل عليها بالساطور وبيقولي “علشان تحمي نفسك بتأذي غيرك، دانتي طلعتي ضعيفة بشكل مش لايق حتى على اسمك يا عزيزة”.
كان مسلم..!