منوعات

ذنوب على طاولة الغفران بقلم نورهان العشرى الثانى

_ بابا أرجوك مترهقش نفسك الدكتور قال إن الكلام الكتير غلط عليك.
هكذا تحدثت «شروق» بقلب مُلتاع وهي ترى والدها بين الحياة و الموت ولكنها لا تعلم بأن تلك اللحظات هي الأثمن في حياة والدها لأنها الأخيرة، و هذه الكلمات التي يود إخبارها بها تأخرت لأكثر من عشرون عامًا، ولم يعُد هُناك مجال لتأجيلها أكثر.
_ مبقاش في وقت يا بنتي اللي هيتأجل دلوقتي هيموت العمر كله، و عشان كدا عايزك تسمعيني و تبطلي تقاطعيني.
تحدث «صابر» بوهن فامتثلت «شروق» لرجاءه و اومأت برأسها، فتابع «صابر» بنبرة أثقلها التعب:
_ انا بعت جواب لأهل أمك و عرفتهم مكانك أنتِ و أختك. آن الأوان تعرفوا أهلكوا يا بنتي.
_
شهقت «شروق» مُستنكرة:
_ بتقول ايه يا بابا؟ أهل مين ؟ مش دول الناس اللي ظلموا أمي زمان! عايزنا نروح برجلينا للي أمي هربت منهم!
« صابر» ب:
_ بطلي عند واسمعيني. الناس بتتغير، و أمك هربت عشاني، و خلاص هي ماتت. دول ضهركوا و سندكوا دلوقتي. عايز أموت و أنا مطمن عليكوا يا بنتي.
«شروق» بعناد مُستميت كان سلاحها في مواجهة ها المُضني من فقدان والدها:
_ هتعيش يا بابا. بإذن الله هتقوم بالسلامة، و هنرجع نكون سوى زي الأول.
لم يجد مفرًا من إجبارها لذا هتف بكل ما يمتلك من قوة:
_ قولت اسمعي الكلام. ليكوا ورث عندهم بتاع أمك، و ليكوا عيلة على الأقل تعيشوا في حماهم بدل ما الدنيا تخبط فيكوا وأنتوا بنتين لوحدكوا. الموت علينا حق يا بنتي، و أنا عارف ان خلاص قرب اوي. دي وصيتي ليكِ يا شروق. نفذيها يا بنتي. خليني أموت وانا مرتاح.
كانت تود الصُراخ حتى ترتج الجدران من فرط ألمها، ولكنها كممت أصوات عذابها و قالت مُذعنة :
_ حاضر يا بابا. أنت قولتلهم ايه بالظبط؟
_
_ ” سعاد هانم. معرفش جوابي دا هيوصلك ولا لا؟ بس لو شوفتيه . كنت عايز افكرك بلحمك اللي رمتيه زمان، و دوستي عليه لمجرد أنه قرر يختار حياته بنفسه. نسمة بنتك اللي اتبريتي منها عشان حبت و اختارت شريك حياتها خلفت بنتين زي القمر شروق و جميلة. للأسف نسمة توفت من خمس سنين، و لما طلبت منها اني ابعتلك تشوفيها قالتلي أمي نسيت أن كان ليها بنت من الأساس. بنتك ماتت موجوعة منك، و أبسط شيء تعمليه أنك تحافظي على اللي باقي منها. انا صابر النجار جوز نسمة الله يرحمها. متفكريش اني طمعان فيكِ. انا خلاص بموت، و كل اللي عايزه منك تحافظي على بناتي و متسبيش كلاب السكك تنهش في لحمهم، ولولا تعبي مكنتش فكرت ابعتلك. معرفش الدنيا عملت فيكِ ايه؟ ، ولا قلبك فاق من غفلته ولا لسه؟ لكن عندي أمل انك تصلحي أخطاء الماضي، و تحتضني البنتين دول، يمكن لما تقابلي وجه كريم و تقفي أنتِ و نسمه قدام ربنا تكون قادرة تسامحك وقتها. عنوانهم في ضهر الجواب، و ياريت بلاش نبيلة تعرف حاجة عن الجواب دا لو مش هتقدري تحمي بناتي منها. كفاية أوي اللي عملته في أمهم زمان. ”
ارتجفت أناملها المُمسِكه بالورقة، و انهمرت عبارات الأسى و الن من مقلتيها، فقد كان كل حرف مطبوع في تلك الورقة يُذكرها بذنبها العظيم و مصابها الأليم، فقد توفت ابنتها الوحيدة بعيدة عنها ناقمة عليها.
أهة موقدة بلُظى الن شقت جوفها حين تذكرت جبروتها بيوم من الأيام ضد أعز الناس على قلبها، فقد كانت تظُن بأن قوتها و شبابها سيدوم إلى الأبد، ولكن هاهي نفس المرأة ولكن بجسد قعيد و قلب اهترأ من فرط آثامه و تلك الذنوب التي تُرهِق كاهلها لتأتي تلك الرسالة، و تُضيف إثمًا آخر إلى وعاء ذنوبها الغير قابلة للغفران إلا لو حاولت تصحيحها.
انقضت عدة ساعات وهي تحاول التغلُب على أحزانها لتُعيد ارتداء قناع القوة من جديد وتُقرر ما عليها فعله، فقامت بإلتقاط الهاتف و إجراء مكالمة عاجلة ليأتيها الرد من الطرف الآخر:
_ أيوا يا تيتا

انت في الصفحة 2 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل