منوعات

ذنوب على طاولة الغفران بقلم نورهان العشرى الثانى

«سعاد» باستفهام:
_ أنت فين يا عمر؟
«عمر» باختصار:
_ في المستشفى. في حاجه؟
_ لما ترجع عدي عليا عيزاك في موضوع مهم .
_
«عمر» باختصار:
_ حاضر.
أنهى المكالمة مع جدته ثم التفت الى «محمود» صديقه قائلًا بتهكُم :
_ ها يا سي روميو.رجعت لعقلك ولا لسه ؟
«محمود» بسخط:
_ عمر أنت مش فاهمني؟ بقولك بحبها؟
استند بثقله على المقعد خلفه قبل أن يقول باستخفاف:
_ ليه بتحبها؟
«محمود» بحنق:
_ هو في كدا؟ دا سؤال أصلًا !
_
واصل استخفافه من حديث صديقه قائلًا:
_ في حكمة قديمة بتقولك الحبّ وهم يصوّرلك أنّ امرأة ما تختلف عن الأخريات، و عشان كدا عايز اعرف منك ايه المُميز فيها ؟ تفرق ايه عن غيرها!
تدخل «أمجد» صديقهم بسخرية :
_ أسئلتك غريبة يا عمر بصراحة!
اجابه «عمر» بتعقُل:
_ لا مش غريبة . طريقة تفكيركوا هي اللي غريبة. دا واحد دكتور، و من عيلة كبيرة، مكانته مرموقة وسط الناس، و دي بنت عادية في كل شيء. تعليمها، بيئتها، عيلتها. في اختلاف كبير بينهم في الطبقات و المستوى المادي و الاجتماعي و بالتالي في اختلاف كبير في الطباع. عمره ما هيقدر يتكيف معاها و العكس بالنسبالها.
صمت لثوان قبل أن يستفهم باستنكار :
_ ليه يحكم على نفسه أنه ياخد حد أقل منه ؟ و يسمح لشعور تافه زي دا يحكم عليه أنه يدخل في علاقة غير متكافئة زي دي مصيرها الحتمي هو الفشل.
تدخل «مصطفى» صديقهم الآخر باندهاش:
_ ليه تحكم عليها بالفشل لمجرد أنهم من بيئتين مختلفتين يا عمر؟ انت مُتعنت في حكمك أوي. جوازات كتير زي دي نجحت.
_
تخلل نبرته غرور كان دائمًا يُلازمه حين أجاب «مصطفى»:
_ مش مُتعنت ولا حاجه. أنتوا اللي غير منطقيين، ليه تقبل على نفسك ان شريكة حياتك تكون أقل منك، و متقوليش الحب. الاختلاف بينكوا قادر اصلا يموت أي شعور بينك و بينها وقتها نرجع نقول ياريت اللي جرا ما كان!
«محمود» مغلولًا من نمطية تفكيره التي تُذكره بمصيبته الكبيرة مع عائلته :
_ أفهم من كدا يا حضرة المتحدث الرسمي للمنطق انك لو حبيت واحدة أقل منك هتسيبها عشان الهبل اللي قولته دا!
فاحت رائحة الكبر من بين كلماته حين قال:
_ و اسمح لنفسي ليه اني اقع في فخ الحب مع واحدة مش مناسبة ليا؟ يوم ما هاجي أختار هختار انسانه مناسبة ليا تصلُح تكون زوجة افتخر بيها وسط أهلي و المجتمع اللي انا منه، و الحب كدا كدا بييجي بعدين.
صمت لثوان قبل أن يقول بوقاحة:
_ و بعدين يا رجالة حتى لو محبتهاش كدا كدا أول ما النور يتطفى الستات كلهم بيبقوا زي بعض.
قيل سابقًا بأنه إذا حلّ القدر عمي البصر، فما هو مصير من ظنوا يومًا بأنهم مُسيرين وأن أقدارهم رهن إشارتهم؟ وذلك الذي ظن بأنه يملك زمام قلبه، و نسى بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلبهمَا كيفما يشاء هل سيستطِع تجاهل ما سخر منه سابقًا ؟ أم سينضم إلى صفوف العاشقين مُرغمًا لا حيلة له ولا مفر ؟
اللهم ارزقني الرضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهرًا ولا تصعب لي حاجة ولا تعظم عليّ أمرًا، اللهم لا تحني لي قامة ولا تكشف لي سترًا. اللهم إن عصيتك جهرًا فاغفر لي، وإن عصيتك سرّاً فاسترني، اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همّي، اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي ولا في مالي ولا في أهلي♥️
_
★★★★★★★★★★
يجني الإنسان ما زرعته يداه، و أن كان شوكًا كان هو أول من تأذى منه، و في كثير من الأحيان خطأ واحد من شأنه أن يُبدل الورود إلى صبار قاس لا يرحم، ولا يُمكن التبرأ منه، فحين ينطلق السهم فهو يُصيب ولا يُفرق بين الجان و الضحية.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
جاء الصباح مُغبرًا مليئًا بالألم الدامي الذي كان يعج به جسدها، كما تفشت به الجروح و الكات التي كانت أضعافها بقلبها، و خاصةً حين تذكرت ما حدث بالأمس.
عودة لليلة الماضية
تفاجئت حين انقض عليها يُقبلها بنهم دون أي مقات مما جعل جسدها يرتجف فزعًا لتحاول مقاومته دون جدوى، فقد كان كالوحش الذي لا يرى ولا يسمع فقط يُريد الفتك بفريسته، و كأنه يُريد انتزاع مُعجزته من جسدها الضئيل، ولكن ما نفع الماء فوق تربة قاحلة، عقيمة غير مُثمرة؟ لن تنتج ولو غمرتها جميع مُحيطات العالم.
أخذت صرخاتها تعلو مثلما كان توتره يزداد وهو يحاول تأدية دوره كرجل غير عابئ بألمها ولا تخبُطها لتبوء جميع محاولاته بالفشل، فخرجت منه صرخة غاضبة افزعتها وهو يصيح كالمجانين:
_ اخرسي بقى.
أخذت ترتجف أسفله تُناظره و كأنه وحشًا تخشاه بشدة، فتعاظم جنونه، و علق شماعه اخفاقه المُخزي على تلك المسكينة ليقوم برفع كفه و صفعها بقوة وهو يصيح بصوت اهتزت له جدران الغرفة:
_
_ مش عارف اعمل حاجه منك. أنتِ السبب.
تعالت شهقاتها جراء حديثه و كذلك رعشة جسدها، فهتف بتحذير :
_ أسكتِ.
لم تسمعه فقد كانت ترتجف و تبكي رغمًا عنها، و لسوء حظها فقد دفعه مظهرها إلى الجنون أضافة إلى شعوره القاسي بالنقص ، فقام بالانقضاض عليها باللكمات و الات المتلاحقة بيد و بالأخرى كان يُكمم فاهها حتى لا يخرج صوت استغاثتها، وهو يُردد كال:
_ أنتِ السبب. أنتِ السبب.
غريزة البقاء كانت تدفعها لمقاومته بكل ما أوتيت من قوة لتنجح في غرس أسنانها في جلد كفه، ليتراجع عنها لاهثًا و هو ينظر إلى أثار عضتها فيجن جنونه و يقوم بتوجيه ة عنيفة إلى جزئها السُفلي لتخرُج من فمها صرخة قوية وهي تناظر ذلك المجذوب الذي أخذ يُحطم كل ما تطاله يداه وهي مُلقاة أرضًا كالذبيحة التي فقدت كل اتصال لها بالحياة حين رأت تلك المرأة عنايات التي ظنت أنها ستنقذها من بين براثنه و إذا بها تِطلق زغرودة قوية و كأنها تعلن عن فرحتها بما فعله ابنها بهذه المسكينة.
عودة للوقت الحالي
أخذت تبكي من فرط الألم الداخلي و الخارجي لتجد تلك المرأة عنايات تقترب منها وهي تقول بسماجة:
_ عاملة ايه يا عروستنا؟ كدا بردو حد يعمل اللي عملتيه دا ؟
برقت عيني «غنى» المتورمتان من كلمات المرأة التي تابعت بتقريع:
_
_ هي أمك مقالتلكيش تتعاملي مع راجلك ازاي ولا اي؟
برقت عينيها ذهولًا من حديث المرأة فهتفت ببهوت:
_ انا. انا. معملتش حاجه.
شهقت عنايات بطريقة سوقية قبل أن تقول بتهكم:
_ يا بت ! طب عيني في عينك كدا! بقى يا هبلة مش عارفه تتدلعي و تجيبي جوزك على بوزة في ليلة دخلتكوا؟ عاجبك اللي حصل فيكِ دا؟
تناثر الع من بين عينيها قهرًا، فما أصعب أن تكُن الضحية و تُلام على دناءة الذئاب.
ارتدت قناع الحنان وهي تقترب منها و تُملس على جبهتها وهي تقول :
_ بتعيطي ليه يا هبلة؟ هو أنتِ فكرك انك أول واحدة ت ولا آخر واحدة ؟ دي البيوت ياما فيها، و بعدين أنتِ اللي غلطانه عصبتيه، و الراجل في الأمور اللي زي دي مبيتفهمش!
كانت تتعمد اللعب بحديثها فتارة تشتد نبرتها و تارة ترخي حبال الكلمات حتى تتشرب الضحية سموم نواياها ولا تعطي فرصة لأي ظنون في التلاعب بها :
_ بس أنا عارفه انك بت جدعة، و ملكيش في اللوع، و مصدقتش أي كلمة من اللي ولاد الحرام قالوها عنك أول ماجيت اخطبك، و أنك بت من إياهم. مانا بردو ليا نظرة.
_
كانت تُشير بحديثها إلى قصة عشقها الذي قُتِـ,ــ,ـل دون أن يتردد صداه في الأرجاء، فلم تُعطيها المرأة الفرصة للتفكير حين تابعت بنبرة ذات مغزى:
_و عشان كدا هتوسطلك عند رأفت يسامحك. أنتِ بردو زي بنتي. لكن اسمعي احنا هنا لينا قوانين . أنتِ في بيت عبد الحفيظ الصباغ، و هنا لو ات قتيل محدش بره بيعرف. لا تقوليلي أمي ولا خالتي، فهماني طبعًا يا غنى؟
فهمت المغزى خلف حديثها الذي لم يكُن يُقارن أبدًا بنظراتها المُحذرة و ملامحها المُخـ,ـيفة، و في تلك اللحظة علمت بأنها علقت للأبد في شباك أُناس لا تعرف الرحمة سبيل إلى قلوبهم.
طرق خافت على باب الغرفة جعلها تنتفض ًا، و خاصةً حين أطل «رأفت» برأسه إلى الداخل وهو يقول بنبرة خافتة :
_ خالتي صابرين تحت. جاية تصبح علينا.
تفاجئت «غنى» حين هتفت عنايات بتهليل:
_ يا ألف مرحب. تيجي تنور. بيتها و مطرحها. صباحية مباركة يا عرسان.
قالت جملتها وهي تلتفت إلى« غنى» تُناظرها بأعيُن التمع بهم التحذير الذي خالط نبرتها حين قالت:
_ كدا ولا ايه يا غنى ؟
لم تستطِع فعل شيء سوى إيماءة بسيطة من رأسها و بصدرها آهات تتناحر للخروج إلى العلن، ولكنها قمعتها مُزعنة لما آل إليه حالها.
_
هبطت عنايات الدرج متوجهة إلى شقتها وهي تُطلِق الزغاريد في وجه الجميع و خاصةً زوجات أشقاء زوجها. ثم تقت إلى حيث تجلس «صابرين» و حولها اقاربها من النساء لتحتضنها و تقبلها بطريقة سوقية وهي تقول بتهليل:
_ أهلًا بنسايبنا الغاليين. أنستونا و شرفتونا.
تبادلت النساء العناق و السلامات لتقول «عنايات» بجانب أذن «صابرين»:
_ عيزاكِ لوحدنا.
شعرت «صابرين» بالقلق من طلب عنايات لتهمس قائلة :
_ في حاجة ياختي؟
لم تُجيبها عنايات إنما حدجتها بنبرة لائمة ثم انخرطت في الترحيب بالزائرين و توزيع واجب الضيافة إلى أن استجابت لفضول المرأة أخيرًا بعد أن تعمدت أن تُطيل الوقت حتى تجعلها تقع فريسة للقلق كطاهي يترك طبخته تنضج على نار هادئة هذا هو ما فعلته تمامًا معها.
_ في ايه يا أم رأفت قلقتيني ياختي؟
«عنايات» بلوم:

انت في الصفحة 3 من 5 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل