
كان الألم أبلغ من اي وصف، يفوق تحمُل البشر مما جعله يصرُخ حتى انجرحت أحباله الصوتية :
_ حنااااان.
تكالبت عليه جميع أوجاعه إضافة إلى ذلك الخزي الذي شعُر به ليجد نفسه يهرول إلى سيارته و ينطلق نحو الجبل. لا يعلم إلى أين سيذهب، ولا متي سيعود؟ فقط يُريد الاختفاء حتى تخمد تلك الحرائق، و يهدأ هذا الألم الدامي، فاتخذ من أحد الكهوف ملجأً له، فصار يبكي و يبكي مُطلقًا العنان لنهنهاته أن يتردد صداها في ذلك الكهف المُظلِم حتى اخترقت أسماع الخفير «شعبان» الذي كان يظن بأنه حزين على زوجته و قد تألم قلبه على ما ألم بسيده لذا اقترب منه قائلًا بتعاطُفـ:
_ وحد الله يا عمده. محدش فينا له في نفسه حاچة.
_
كان في حالة لا تسمح له لسماع شيء، فقد كان ضائع في غياهب أحزانه و آلامه ليُتابع «شعبان» قائلًا :
_ طب عايز ايه واني اعملهولك لچل ما تهدى.
كان يشتهي الغياب عن الواقع. أو بمعنى أصح الهروب من ذلك الألم الذي على وشك الفتك به لذا همس دون وعي:
_ عايز انسى. عايز مفكرشي.
طرأت فكرة هوجاء في عقل« شعبان» الذي نظر إلى تلك القنينة في جيب سترته فتراجع إلى الخلف و هو يُقلِب أفكاره داخل رأسه إلى أن هتف قائلًا بنفاذ صبر:
_ واني هضره يعني ! اني هريحه شوي، و بكرة لما يفوج مش هيفتكر حاچة.
هكذا اقنع نفسه وهو يجلب أحد الأواني الفخارية التي يوضع بها الماء و قام بسكب نصف قنينة الخمر خاصته ثم أخذ يرج الآنية بقوة حتي يختلط الخمر بالماء ليقترب من «رحيم» وهو يقول بتوتر:
_ رحيم بيه. خد بل ريجك بشويه مية.
كان قد جف حلقه من فرط البكاء و الصُراخ ليتناول الآنية الفُخارية من يد «شعبان» و يقوم برفعها فوق فمه لينهل من المياة بنهم علها تُطفيء تلك الحرائق بداخل صدره.
اللهم أبدل قلقي سكينة وهمي انشراح وسخطي رضا وي طمأنينة وعجزي قدرة وحزني فرح و ضيقي سعة وعسري يُسر وضعفي قوة. اللهم لجأتُ إليك بحزني، همي ضيقتي و ي اللهم فاستبدل كل حزني بسعادة تنسيني بؤسي وقلة حيلتي. اللهم آمن ي واشرح صدري وفرج واشر همي وبدل حزني فرحا.♥️
_
★★★★★★★★★
_ بت يا نجاة . جومي چبيلي الأعشاب اللي جولتلك عليها يا بت.
هكذا هتفت «بدرية» والدة« نجاة» التي كانت تجلس على أحد الأرائك الباليه تنظر إلى نفسها في المرآة بأعجاب، وهي تتذكر ذلك البطل الوسيم الذي رأته في تلفاز أحد البيوت التي تخ بها لتنفخ بضيق وهي تقول بملل:
_ حاضر يامه. بس استني النهار يشجشج. هخرچ في نصاص الليالي أكده ازاي ؟
«بدرية» بتقريع:
_ فزي جومي يا به. لاهو أنتِ رايحة تجطفي الزرع! أنتِ راحة تسرجي. جومي يالا، و بعدين هي أول مرة يعني ؟!
زفرت «نجاة» ب و ارتدت عبائتها السوداء التي كانت تُغطيها من رأسها حتى أخمص قيها، و أيضًا كانت فضفاضه تُخفي جسدها الذي كان ملفوفًا كالفاكهة الناضجة يُغوي القديس على إشتهائه، و تناولت أحد المصابيح اليدوية و خرجت في الهواء الطلق لتلفحها رياح قوية و كأنها إنذار إلهي بضرورة التراجع ولكنها لم تعبأ لها و تقت إلى حيث تلك الكهوف التي بعمق الجبال تتسلل بخفة حتى لا يُلاحظ وجودها أحد الخارجين عن القانون أو المُجرمين التي تعج بهم تلك الكهوف، و بالفعل وجدت تلك الزهور التي تستخها والدتها في وصفاتها الطبية لتعاود طريقها من جديد، و لكن فجأة شعرت بشيء طري أسفل قها لتخرج صرخة فزع من فمها، فقد كان ما تعثرت به مُجرد أرنبًا بريًا مما جعلها تهتف بسخط:
_ الله يحرج ابوك كنت هتموتني من الرعب.
وقفت تسترد أنفاسها قبل أن تشعر بأن هُناك حركة خلفها فقامت بإطفاء مصباحها اليدوي وهي تحبس أنفاسها و قلبها ينتفض رعبًا جعلها تُطلِق قيها للريح لتسمع خطوات تهرول خلفها مما جعلها تعدو بسرعة كبيرة إلى أن تعثرت بصخرة جعلتها تسقط أرضًا، و ما هي إلا ثوان حتى وجدت ظل ضخم يجثو فوقها لرجُل مُلثم فأطلقت العنان لصُراخها ليُكمم فمها بيده الضخمة، و باليد الأخرى حاول تجريدها من ملابسها وهي تقاومه بيديها بضراوة إلى أن تلقت صفعة قويه من يده جعلتها تسقط في هوة سوداء ابتلعتها تزامنًا مع سقوط تلك العمامة من على وجهه.
اللهم إنك سلطت علينا عدوًا بصيرًا بعيوبنا، مطلعًا على عوراتنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم فأيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك♥️
_
( الدعاء دا حلو اوي لو قلتوه صباحًا و مساءً)
★★★★★★★★★
مرت الأيام على ظهر سُلحفاة، وهي مُلقاة في غرفتها تجلب لها تلك المرأة الطعام و تثرثر معها و تخرج لتتركها تغرق في بحر أحزانها من جديد، و لكن اليوم كان مُختلفًا، فقد جاءت صباحًا وهي ترتدي عباءة سوداء تناظرها بتلك العينين التي يتساقط منها المكر، وهي تقول بسماجة:
_ صباح الفل على عروستنا.
«غنى» بخفوت:
_ صباح النور.
«عنايات» بحنق حاولت اخفاءة فقد قاربت على تحقيق هدفها :
_ يالا يا حلوة قومي غيري هدومك. ورانا مشوار مهم.
لا تعلم لما انقبض قلبها حين سمعت كلمات «عنايات» التي كالعادة لم تُعطها المجال للتفكير فقد جذبتها من يدها وهي تقول بتبرُم :
_ يالا ياختي خلاص بقيتي زي القردة مفيش وقت نفكر.
_
اطاعتها «غنى» ب و ارتدت ملابسها بعد أن شُفيت جراحها بنسبة كبيرة و توجهت معها إلى السيارة التي كان يقودها سائقهم الخاص ليتوقف أمام أحد المشافي مما جعل «غنى» ترتعب فالتفتت إلى «عنايات» قائلة بارتباك:
_ احنا رايحين فين ؟
«عنايات» بنبرة جامدة و نظرات مُحذرة:
_ متخافيش يا حبيبتي. انا معاكِ. دا مشوار صغير كدا لابد منه.
لم تفهم ما تقصده، بل لم تكن تتوقع أن يصل تفكيرها الشيطاني إلى هذه الدرجة!
دلفوا إلى أحد العيادات الخاصة، و التي كانت فارغة إلا من ممرضة و كأنها كانت في انتظارهم لترحب كثيرًا ب«عنايات» التي قالت بتكبُر:
_ الدكتورة جوا؟
_ اه طبعًا مستنيه حضرتك. اتفضلي.
رغمًا عنها احتضنت ذراع «عنايات» وهي ترتجف ذعرًا تجلى في نبرتها حين قالت :
_ والنبي قوليلي في ايه؟ أنا خايفة اوي.
_
احتضنتها الأفعى وهي تقول بنعومة تُخفي الكثير من الشر بداخلها:
_ متخافيش. يا بت أنتِ بنتي و مرات ابني . يعني محدش هيخاف عليكِ قدي. تعالي بس.
لم يكُن هُناك مفرًا أمامها سوى الوثوق بها لذا دلفت معها إلى غرفة الطبيبة التي حدجتها بنظرة لم تُريحها قبل أن تُرحِب ب«عنايات» قائلة :
_ أهلًا يا حاجه عنايات اتفضلي .
جلست «عنايات» وهي تقول بسماجة:
_ أهلًا يا دكتورة. دي غنى بنتي، و مرات ابني. عيزاكِ بس تكشفي عليها، و تطمنيني.
تبادلت الطبيبة النظرات الخاصة مع «عنايات» قبل أن تقول بلؤم :
_ عنيا. تعالي يا حبيبتي اطلعي على .
كانت ترتعب لدرجة أنها رجعت خطوة إلى الخلف فتوجهت «عنايات» إليها وهي تقول بتخابُث:
_ تعالي يا حبيبتي. قولتلك متخافيش . دا مجرد كشف.
_
اقتادتها «عنايات» إلى حيث سرير الكشف لتُساعدها في الاستلقاء عليه ثم قامت بفرد الغطاء فوقها لتقول الطبيبة بجمود:
_ ارفعي رجليها و اكشفي فستانها.
ارتعب قلبها من تلك الجملة ولكن «عنايات» لم تدع لها مجال للإعتراض فقد قامت بتنفيذ أمرها لتتراجع الطبيبة و تقف في الطرف الآخر و تُضيء مِصباح مُعلق بجانب ليتثنى لها فحصها قبل أن تنظر الى« عنايات» نظرة ذات مغزى قابلتها الأخيرة بإيماءة بسيطة من رأسها لتلتفت الطبيبة إلى« غنى» و هي ترسم ابتسامة كانت كافية لبث الرعب أكثر داخل صدرها قبل أن تقول بنبرة خادعة:
_ متخافيش يا حبيبتي دا فحص عادي جدًا بنعمله لكل العرايس.
اومأت «غنى» برأسها ولكن داخلها كانت مُرتعبة، و لم تمر ثوان أخرى حتى شعُرت بشيء يخترق جسدها السُفلي. لتخرج منها صرخة قوية ارتجت لها جدران الغرفة تزامنًا مع تناثر بعض قطرات من الاء على الشرشف مُلطخة ثوب الطبيبة الأبيض.
يتبع….
بعتذر عن المشهد الأخير ولكن والله انا حاولت اخفف من حدته و قللت الوصف فيه لكن حرفيًا الموقف أقسى و أصعب من كدا بكتير
أن شاء الله الفصل الجاي يوم الخميس و قولولي اي قصة متشوقين ليها أكتر ؟
و متنسوش تقتنوا روايتي الورقية
ميثاق الحب و الياقوت ♥️
_