
الفصل الثالث
كاره النساء
يهيأ لي أن الحجرة وكل شئ فيها يصرخ ويستغيث من كم الغضب الذي صبته نريمان على محتوياتها، فقد راحت تهشم أثاثها وكل شئ تناله أيديها بعنف، لأول مرة تشعر بالخوف، تشعر أن أنفها المستقيمة بكبرياء انكسرت..وأن رأسها المرفوعة بشموخ تهشمت، من هذا حتى يفعل ذلك بنريمان خالد مجحوب؟ ما كنيته؟ ما صفته؟ أيها اللعين الجلف سوف (أوريك النجوم في عز النهار).
صرخت بذلك في نفسها وهي تتوعده.
كل ذلك الخراب الذي أحدثته في حجرتها، وكم الوعيد والويل له لم يطفئوا نار غضبها، بل راحت تركل الأرض بقدميها بضيق بالغ..وتضرب الهواء بيديها في حركات طفولية متزمرة..جعلت جميع من في البيت يتساءلون بفزع، ماذا يحدث في الطابق العلوي؟ ما سر هذه الضوضاء والجلبة التي تصدر من حجرة نريمان؟ هل تحدث حرب بداخلها؟ خاصة والديها لقد خفقا قلبيهما قلقا عليها.. عندما أتاهم صوت التحطيم والتهشيم الذي صدر من حجرة ابنتهما
فركضا ليتفقدا الأمر؟ واذ بمالك في منتصف السلم يسد عليهما الطريق ويقول لهم:
-متتفزعوش إكده ياجماعة..مفيش حادة
فسأله عمه وقد اصفر وجهه من أثر خوفه على ابنته:
-فيه إييه ياولدي ..اييه الخبط والرزع ال سامعينوه ديه؟؛ ده جاي من حادا نريمان مش إكده؟
فضربت وداد على صدرها وهي تصيح بقلق:
-بنتييي..جرالها أيه؟؛
-مفيش حادا صدجوني..دي بس زمقانة شوية،وبتفش غلبها في منضرتها.. وأنا حجولكم السبب.
قال مالك ذلك وهو يصطحبهم أمامه صوب حجرة الصالون وهما متخشبان لا يفقهان شئ..ثم أخذا يقص عليهما ما حدث بينه وبينها، وكيف أنه قمع جزء كبير من غرورها؟ وكسر أنفها وأعطاها أول دروس اللياقة والذوق في التعامل معه..ثم ختم سرده بانه قال:
-ودلوك همولها تفرغ غضبها في الأوضة محدش ياجي يامتها.
فتبدل قلقهما وخوفهما الى ضحكات على ردة فعل ابنتهما المبالغ فيه.
ومن بين ضحكاته قال خالد وهو ينهض ويشير لهما بالنهوض:
-بتي اتخبلت …ربنا يهدي همولها لحد ما تتهدي لحالها..ويلا احنا نروح ننعس عشان ورانا شوغل بكير.
***************************
في الصباح ذهب مالك مع عمه الى عمله، لم يراها ولم يشأ أن يراها أنه يكره غرورها وعنجهيتها، ينقبض قلبه لرؤيتها..حتى أن عمه طلب منه أن ينتظر حتى يتناولا الأفطار سويا ولكنه اقترح عليه أن يتناولاه في المحل.. وانصاع عمه له حتى لا يضغط عليه..عندما توقفت السيارة أمام محل عمه فقال باعجاب:
-اللهم صلي على النبي
كان محلا ضخما لم يكن يتوقعه كذلك.. على رأسه ( يافطة بالنيون) كبيرة واسم عمه مكتوب عليها بخط عربي كبير وعريض عندما دلف المحل.. وجد اقسام كثيرة وكبيرة كل قسم يرأسه عامل ومن خلفه مساعدين يتولى عرض صنف معين من الملابس على الزبائن، اقسام بجانب بعضها البعض يفصل كل قسم عن الآخر مساحة فارغة ..المحل مضئ بألوان براقة تعكس اضاءة خلابة على الملابس مما يجعلها تغري الزبائن..أرضيتها من ( السراميك الأبيض الناصع واللامع أيضا) لا شك أن مالك انبهر بكل ذلك ودعا في نفسه بالبركة لعمه والزيادة.. ولكن ما عكر صفو نفسه حتى ان قلبه انقبض عندما علم أن نشاط المحل كان في بيع الملابس الحريمي.. معنى ذلك أنه كل يوم سيضطر للتعامل مع أصناف من النساء ..وهذا ما كان يخشاه ويبغضه.. أنه لا يطيق رؤيتهن..ولا سماع كلامهن، ولقد لاحظ عمه تغير وجه ابن اخيه فجأة فسأله بقلق:
-خبرك ايه يامالك.. وشك أتغير لييه ومجلتليش يعني رأيك.
اخفى مالك بسرعة مدهشة مخاوفه وهمس باابتسامة:
– لاه مفيش حاجة..المحل زين ..زين جوي ياعمي ربنا يملهولك بركة.
فربت عمه على ظهره وابتسم له بامتنان.
استقلبلهم شاب أسمر حليق الرأس كثيف الحاجبين، على عينيه عوينات طبية، متوسط القامة، يرتدي بنطال من الجينز وفوقه ( بليزر أزرق) مد يده مرحبا بمبالغة:
-اهلا ..اهلا ياحج صباح الفل.
خالد مبتسما:
-صباح النور يا سامر ياولدي.
نظر خالد لمالك ثم قال له:
-اجدملك يامالك يابني..سامر مدير أعمالي..شاب زين جوي وطموح.
مالك وهو يصافحه:
-أهلا بيك.
ثم نظر خالد لسامر قائلا وهو يربت على كتف ابن أخيه:
-ديه ياسامر يا ولدي ..مالك ولد اخويا من اينهارده حيساعدك في المحل.
لم يلاحظان تلك الرفة التي هجمت على عين سامر، وهو يخفي بالكاد ضيقه من مالك عندما علم انه سوف يكون مساعده في الادارة.. بل يجزم انه سوف يكون مجرد تابع له.. اخفى شعوره بمهارة، ورسم على شفتيه ابتسامة سعادة مزيفة برؤيته لمالك وبنبرة ترحاب مبالغ فيها قائلا وهو يشدد على يد مالك قائلا:
-أهلا..اهلا يا أستاذ مالك..نورت المحل والله..أنا حاسس اننا حنبقى أصحاب..وسعيد جدا بمعرفتك.
لا يعلم مالك سر قلقه من ذلك السامر..ولم يروقه ايضا ترحابه المبالغ به..فكيف له أن يرحب به بهذه الحفاوة وهو لم يراه الا من ثواني..ولكنه اضطر أن يخفي قلقه مؤقتا عل الأيام تخلف ظنه..فهمس له وهو يبتسم:
– اهلا بيك يااستاذ سامر.. انا اسعد يا اخويا.
بعد ذلك اصطحب خالد مالك الى مكتبه وقال له:
-ايه رايك دلوك احنا ناكل ايتها حاجة وبعدين أفرجك على باجي المحل..وبعد إكده حخلي سامر يعرفك الشغل ماشي كيف.
-زين ياعمي..لكن جلي يا عمي اشمعنا سامر ديه بالخصوص ال ممسكه الأدارة.
اجابه خالد متعجبا من سؤاله:
-شاب زين ياولدي..وكمنيته متعلم..وشاطر يعرف كيف يجنع الزبون زين ويعرف كيف يراضيهم.
حرك مالك رأسه تفهما ولكنه مازل القلق يعزف على أوتار قلبه ضد هذا السامر ولا يعلم لماذا؟
********************************
أكملت نريمان زينتها وراحت تتأمل نفسها في المرآه وهي راضية عن نفسها، شعرها الذي صبغته بالأصفر، والتي كانت تتفنن في تصفيفه وتغير قصاته تبعا للموضة..قد قامت مؤخرا بقصه فجعلته قصيرا ناعما ومن الأمام كان جزء منه يتدلى على وجهها طويلا والجزء الآخر قصيرا صبغت وجهها بالمساحيق المبالغ فيها والمناسبة لبنطال بلون( الكاشمير) يحدد جسدها ويبين تفاصيله..ومن فوقه ( تيشرت اسودا على اكمامه كرانيش اعطتها جمالا ) بعدما ان تأكدت من اكتمال مظهرها كما تريد، أخذت حقيبتها واتجهت صوب حجرة مكتب أبيها وعندما فتحت الباب كعادتها دون استئذان، تجهم وجهها لرؤية مالك وبلفتة كلها غرور تجاهلته تماما كأنه سراب.. كان مالك جالس في المقعد أمام مكتب والدها وأمامه دفترا كبيره يخط فيه بقلم لمراجعة الحسابات..تخطته دون أن تسلم عليه او تحدثه حتى، وقفت بجوار أبيها فاردفت بنبرة كلها ميوعة ودلال:
-بابا أنا عايزة مفاتيح العربية..أنهاردة الجمعة ورايحة النادي واتأخرت على اصحابي..يلا بقى.
استاء مالك كثيرا من تصرفها بل من مظهرها وطريقة حديثها المفعمة بالغنج، يعبث في قلمه.. وهو يقظم غيظه منها بالكاد ..رغبة ملحة بداخله تدعوه لأن يعطيها علقة ساخنة..ولكن للاسف ليس له من سلطان عليها اتضطر أن يحتملها حتى تحصل على ماتريد وتنصرف بعيد عن وجهه ،ويستريح من عجرفتها..خالد نفسه يزداد حرجه من تصرفات ابنته أمام ابن أخيه ويستاء من ضعفه أمامها، وعدم القدرة على مواجهتها والخوف من أن يقول لها لا.. ولكن كيف يعطيها السيارة وتذهب بها الى النادي بهذه الصورة التي لا تليق.
-يلا يابابا اتأخرت الساعة بقت خمسة .
هتفت بها نريمان بصوت عالي.. جعلت مالك يضم شفتيه بضيق أكثر فأكره ما يكون إليه صوت المرأة العالي.. اضطر خالد أن يرفض وعيناه تتحاشى عيناها وذلك حفظا للرجولته أمامه إبن أخيه:
– أجليها الأسبوع الجاي يانريمان ..اا ..العربية عند الميكانيكي يابتي.
نريمان بتزمر:
-يعني ايه يابابا ءأجلها الأسبوع الجاي..لا مينفعش طبعا أنا لازم أروح النهاردة.
خالد هاربا من تصميمها:
-جلتلك بعدين يابتي..انا ورايا شوغل همليني دلوك مش فاضيلك..يلا عاودي على منضرتك.
بنفس الصوت العالي..وتصميم وعند قالت وهي تترك حجرة المكتب:
-يوووه بقى يابابا ارجع اوضتي ايه بس بعد ما جهزت..أنا حروح بتكسي وأمري إلى الله.
بعد انصرافها..زفر خالد بقلة حيلة وهمس في يأس:
-أنا مبجتش جادر على البت دي..خايف لعيارها يفلت.. مبجتش تخاف مني ولا تعملي حساب..بتمشي ال في دماغها مهما حوصل.
-متخافش ياعمي..من اهنيه ورايح محتروحش في أيوتها حتة غير باذنك..ليه الردالة ماتت ياك.
قال ذلك مالك وقد أخذته الحمية..فقد غضب من أجل عمه.. فأقسم أن يعيد تربيتها من جديد..لحق بها قبل أن تنصرف..وبصوت كالرعد صرخ:
-وجقفي مطرحك.
لا تنكر أن صوته قد جعل أوصالها ترتجف وأن قلبها نبض خوفا..ولكنها سرعان ما إن استعادت عجرفتها واستدارت له برأسها وهي تقول له بنبرة كلها اشمئزاز منه:
– نععم .. في أيه؟؛
كان قد اقترب منها لم يفصلهما الا بضع خطوات فسألها بحدة، وكانت عيناه تسدد لها غضب جم وتنذرها بعاصفة من الغضب الذي سوف يصبه عليها:
– رايحة وين؟
قلبت شفتيها باستياء وكأنه ليش شيئا مهما فهمست:
-وأنت مالك أنت.
اكتست ملامحه بجمود مخيف، وضاقت عيناه تحفزا لأنتقام رهيب..لا تعلم لماذا تمنت أن تفر من أمامه؟ انها على يقين الآن أن قلبها قد توقف عن النبض من الخوف.. حاولت أن تخفي ذلك خلف حائط الغرور، فعقدت ذراعيها أمام صدرها تشاهد تقدمه إليها بلا مبالاة وكأنها تقول له: أريني ماذا ستفعل؟.. وبهمس مخيف قال مهددا لها:
-اطلعي على منضرتك طوالي إكده..من إهنيه ورايح مفيش مرواح لأيوتها مطرح غير باذني فاهمة يابت عمي.
ضحكت باستهانة من كلامه ثم اردفت وكل لمحة في وجهها تعج بالعجرفة:
-ننعم..أخد.. أذن ..منك..أنت؟؛ ليه بقى إن شاء الله تطلع مين أنت عشان لما أخرج أخد الأذن منك بقى.
احتوى وجهها المتعجرف هذا بعينيه الغاضبتين، ثم فجأة أمسك شعرها واجبرها على السير خلفه بعد أن همس بوعيد وويل:
-أنا ال جيت عشان أربيكي من إجديد.
كانت تصرخ وهو يسوقها خلفه ولم يبالي بصراخها ولا سبه له:
-أنت مجنوون..ايه ال بتعمله ده..اوعى سبني ..متغور على بلدكم..آه ياماما ألحقيني.
تركها في حجرتها..بطريقة قاسية..ارادت أن تخرج..ولكنه لوى ذراعها خلف ظهرها فتألمت كثيرا لقد حبست دموعها بالكاد، كبريائها حبسه في مقلتيها، همس لها وهو ينذرها:
-اجقفلي خاشمك..وصوتك ديه ميطلعش واصل..حتفضلي محبوسة اهنيه ومش حتطلعي غير باذني.فاهمة..دي حاجة.. والحاجة التانية حسك عينك انضرك بلبسك العريان ديه.. وربي وما أعبد لو ما اتحشمتي وحطيتي تطريحة على شعرك جدامي وجدام الناس لحشرب من دمك.. ولبسك ديه تجقعدي بيه لحالك في منضرتك وبس..ثم بصوت جهوري مرعب صرخ وهو يدفعها على فراشها:
-فااااااهمة.
ثم خرج وأغلق عليها الباب بالمفتاح..وهو يتمتم بعبارته الملازمة له( كسحة تاخد الحريم كلتها).
صعدت وداد على صريخ ابنتها فوجدت مالك يغلق الباب عليها بالمفتاح..وهي تصرخ من الداخل وتشتمه:
-افتح ..افتح ياجدع انت..أفتح بقولك..أنت ملاكش دعوة بيا..غور بقى على بلدك وريحنا منك..ايه ال مقعدك هنا..أنا مش طيقاااك..افتح بقى…ياماما…ياماما افتحيلي.
تصرخ ..وتصرخ وتطرق الباب بكل قوتها.. عندما لمح مالك حجم القلق على زوجة عمه قال لها حزم:
-متجلجيش يامراة عمي..دلوك تسكت لحالها..حتزعقلها زعقتين..وبعدين تتهدى.
قلب الأم يدعوها لأن تحقق لها ما تريد فهو لا يحتمل دموعها..ولكن عقلها يرفض عندها، ويبغض غرورها وعنجهيتها وتعاملها الفظ الغير لائق مع الناس..وتعلم أن ابنتها تحتاج لقوة تحد من ذلك الغرور..تحتاج لشخص يعيد تقويمها من جديد..لذلك حاولت ان لا تستجيب لصوت قلبها..وتستمع فقط لصوت العقل..قال مالك وهو يعطيها مفتاح حجرة نريمان:
-خدي يامراة عمي المفتاح آها..ساعة إكده وخشيلها..وهديها ..وفهميها أنك بالعافية خدتي المفتاح مني لكن كماان حذريها مني وجوليلها لو ماسمعتيش الكلام حطين عيشتها.
بعد مرور ساعة دلفت وداد على ابنتها فرأت ابنتها ممدة على الفراش، تدفن وجهها بين ذراعيها وتبكي بكاء مريرا، حاولات ان تهدئها ولكن نريمان ابت.. بل صرخت فيها كي تتركها بمفردها وتخرج..كادت وداد ان تضعف امامها وتفتح لها الحجرة وتطلق سراحها..لكن سوء خلق ابنتها جعلتها تنحي قلبها وتعاملها ببعض الجفاء وقامت بتهديدها ان لم تسمع الكلام سوف تكون العواقب عليها. وخيمة ثم خرجت وتركتها وغلقت الباب لكن بدون مفتاح.
في المساء بعد أن حان موع العشاء استئذن مالك عمه في أن يصعد لحجرة نريمان كي يحضرها لتناول العشاء معهم ..فاذن له..ثم ذهب اليها وكان في يده حقيبة بلاستيكية ..ثم دلف اليها دون استئذان مما جعلها تصرخ فيه وهي تحدق وقد تفاجأت بدخوله المفاجأ عليها:
-الله ..أنت اتجننت ياجلف أنت.. أزاي تدخل عليا أوضتي كده من غير استئذان أيه مافيش ذوووق خالص.
لم تكن نريمان في وضع تخجل منه ومع ذلك أحتدت عليه وصرخت به، ولكن أغاظتها أبتسامته التي تراقصت ببرود على شفتيه، وعيناه اللتان سددت اليها سخرية لاذعة لا تعلم سببها؟ وجدته يقترب منها بخطوات تحفزية أرادت أن تتراجع لا تنكر أنه بالفعل يثير بداخلها الخوف..ولكنها استدعت كبرياؤها وقوتها وحاولت ان تثبت قدميها في الأرض.. بكل هدوء همس:
-زين انك عارفة أنه ميصحش حد يخش على ناس إكده من غير مايستئذن..ياريت يبت عمي من إهنيه ورايح تتعلمي كيف جبل ما تخشي منضرة تخبطي على الباب.
التفتت بوجهها بعيدا عنه في حرج أخفته تحت ملامح متعجرفة.
-هذا الجلف يعلمها كيف تتعامل في بيتها.
هكذا هتفت لنفسها.
سمعته يتابع في هدوء مستفز:
-أييه الحبسة عجلتك ولا لساتك راسك ناشفة.. بس متجلجيش أنا حعرف أكسرهلك كييف..وأعلمك تتصرفي زين كيف الناس ال حداها ذوج.. ويلا أقبصي دي البسيها بسرعة عشان تندلي تتعشي معانا.
قال ذلك وهو يضع في يدها الحقيبة البلاستيكية..نظرت له باستفسار فتساءلت:
-أيه ده انشاء الله.
-دي حاجة حشمة عشان تندلي بيها.. بدل خلجاتك العريانة دي.
ثم أخرج لها بنفسه من الحقيبة العباءة وفردها بيديه وعرضها أمامها..واذ بها تحدق فيها بغضب جم وكادت أن تهشم أسنانها من كثرة الضغط عليها فصرخت به في غيظ:
-أيه ده..أنا ألبس دي..هي حصلت أني ألبس جلبية ام احمد الخدامة بتاعتنا..أنا مش لابسة الزفتة دي..ويلا أطلع بره من أوضتي.
-مالك منفوخة على أييه..وشايفة نفسك جوي إكده لييه.. اييه مش أم أحمد دي بني أدمة برضك زيها زيك ويمكن تكون أحسن منك كمنيتي، أومال لو كنتي حلوة حبتين كنتي عملتي إيه في الخلج..دي عيوشة العمشة ال في بلدنا جمب منك مارلين منوووره.. يلا خلصيني والبسي مش فاضي لدلعك ديه..( كسحة تاخد الحريم كلتها).
جذبت منه الجلباب بعنف ورمتها على الارض ودعسته بقدميها، وراحت تدفعه خارج الحجرة وهي تصرخ بكل غيظها.
-أنا مش لابسة الزفتة دي..جتك القرف أنت وبلدك كلها ..اخرج بررره…يلا اتطلع بره اوضتي..وغور بقى على بلدك.
لم تستطيع زحزحته من مكانه ..كانت أضعف من أن تحركه قيد أنملة..مما ذاد من غضبها وجعل وجهها احمرا.. واحتقن بشدة..عندما تلقت صفعة قوية على خدها..بعدها لوى ذراعها خلف ظهرها وقال لها بحزم وقسوة:
-أسمعي شكلك إكده متربتيش زين..بس أنا حعرف أربيكي كيف من أول وجديد..أنا عملك الأسود يبت عمي..أسمعي أنا حدله خمس دجايق تكوني لابسة الجلبية دي ومدلية ورايا ..فاااااهمة.
ثم حررها وقد دفعها أمامه بعنف..فراحت تمسد ذراعها وهي تبكي وتشتمه..وتضرب الأرض بقدميها فصرخت فيه بكل غيظها الذي تملكها حتى انتفخت عروق رقبتها :
-أنا بكرهك.. بكرهك، بكرهااااك.
خرج بخطوات ثابتة وفتح الباب ولكنه قال بكل برود قبل أن يغلقه:.
-من الجلب للجلب يابت عمي.
*********************************
-شفتي ياام احمد ست نريمان وهي لابسة جلبيتك.
قالت ذلك زينب الخادمة وفي نبرتها الدهشة..فما كان من ام احمد الا انها ضربت على صدرها في اندهاش فهتفت وهي لم تزال غير مصدقة:
-بتقولي ايه يا منيلة ست نريمان لابسة جلبيتي أنا؟؛ ازاي وليه
ثم اتسعت عيناها عندما تذكرت مالك وهو يطلب منها جلبابا لها وتعجبت لطلبه ذلك وعندما سألته لماذا يريده قال انه سيعطيه صدقة لواحدة مسكينة..فداعبت ذقنها في تعجب وهتفت بصوت شبه مسموع:
-يالهوي بقى الجلبية الرخيصة بتاعتي والكالحة أنا أديتها لسي مالك عشان يديها لست نريمان لو كنت اعرف كنت نقت*لها وحدة كويسة يامصيبتي..دلوقت ست نريمان تطلعه عليا.
فجرت لكي تراها من خلف باب المطبخ وعندما رأتها وضعت يدها على فمها لتكتم ضحكها عندما شاهدتها..كانت مضحكة فالجلباب واسع جدا عليها حيث أنها تفوقها في الحجم بكثير .
كانت صورتها بذلك الجلباب مثير للضحك..عندما هلت عليهم به حبسوا دهشتهم وابتلعوا مفاجأتهم .. ولكنهم لم يستطيعوا أن يحبسوا ضحكاتهم، ابيها الذي ظل يضحك ضحكا مكتوما لم يستطيع أن يوقفه..حتى أمها كانت تخفي ضحكها بين يديها كأنها تمسح وجهها..اما مالك فقد ابتسم بتشفي لقد بدأ رداء الغرور يسقط عنها رويدا رويدا..ظلت تنقل بصرها بينهم تشاهد ضحكاتهم عليها فتقبض يدها بقوة لتحد من غيظها..ودت لو ان تقلب عليهم المائدة..ظلت تأكل بصمت تلعن في سرها ذلك الجلف الذي مسخرها في البيت..هم ايضا فضلوا الصمت حتى لا يثيروا غضبها اكثر وأكثر.
الحلقة 4
.
.
كاره النساء
الفصل الرابع
قابعة في حجرتها يخيم عليها الظلام..وظلام غضبها من ذلك الجلف أشد.. تتقلب على فراشها وقد جفاها النوم، تلوم نفسها كيف ارتدت ذلك الجلباب؟؛ انها نفسها لا تعلم، وتتعجب من حالها كيف ارتدته؟؛ كيف ارتضت لنفسها أن تنزل به وتكون موضع سخرية لمن في البيت جميعا.. تحسست موضع الصفعة التي صفعها اياها مالك.. فتسأل نفسها هل تلك الصفعة السبب؟ أنها أول مرة يضربها أحد..لماذا خافت منه؟؛ لأول مرة تتذوق طعم الخوف، هي التي تعودت منذ صغرها على التدلل وتلبية كل متطلباتها ولا تعرف للخوف سبيلا، قد يكون التدلل شئ جميل، والعند قوة كما تظن..وأن تكون كلمتها هي العليا شئ يجعل شخصيتها تزداد زهوا وغرورا، ولكن في بعض الأحيان نتوق للقيود..حتى نتذوق جيدا طعم الحرية، كقالب الكيك..لا يتبين حلاوته الا اذا اضافنا على خليطه ذرات من الملح.
هكذا خلقت الدنيا الشئ وتضاده..الأنفعالات ونقيضاها، في بعض الأحيان كانت نريمان تشعر بالسأم من فرط تدليلها..نعم..لقد شعرت بالتشبع من كثرة الحرية التي يغدقونها عليها..فتهفو نفسها الى أن تجرب أن تكون مجبورة على الأنصياع، ولكن أباها وأمها لم يعطونها فرصة الا للتمرد ..النفس كما تحب الحلو تشتاق أيضا للحادق، نريمان لا تدرك كل ذلك.. لا تدرك أنها تشتاق للقيود..تشتاق للانصياع، لأن تجرب مرة واحدة أن تقول(حاضر) لكنها شبت على التمرد..وعلى أن يلبى لها كل حاجيتها، كرهها لمالك كدخان كثيف يملأ عقلها فيحجب عنها التفكير الصحيح، قلبها ناقم عليه..كل ما تفكر فيه الآن هو كيف تضايقه وتغيظه كما يغيظها..كيف تكرههه في حياته حتى يترك البيت والبلد كلها..هذا التفكير بخر النوم من عينيها.. وكأنها تأبى أن تنام إلا أن تفعل أي شئ يعكنن على ذلك الجلف..فنفضت عنها الغطاء وقامت وبداخلها يشتعل غضبا..فكرت في شئ تعكر عليه صفو ليلته فذهبت لخزانتها وأخرجت شئ ما ثم ارتدت ثوبا بأكمام ودست ذلك الشئ في جيبها ..فتحت باب حجرتها بهدوء شديد حتى لا تلفت انتباه أحد..الكل يغط في نوم عميق..نظرت لساعة يدها فوجدتها الثالثة صباحا ..مشت على أطراف أصابعها واتجهت صوب حجرته..وفتحت بابها بهدوء وحذر كان الظلام دامس..ومالك نائم وصوت شخيره كاد أن يجعلها تتراجع..لولا عزمها على تنفيذ ما خططت له انحنت وحبت على الأرض حتى لا يراها أذا استيقظ..توقفت في الجهة التي ينام صوبها، رفعت رأسها قليلا فوجدته يتنفس بانتظام.. لا يشعر بشئ فخفضت رأسها سريعا وأخرجت من جيبها الزجاجة، ثم رفعت رأسها مرة أخرى بحذر فبخت أمام أنفه من تلك الزجاجة، ثم خفضت رأسها مرة أخرى عندما تحرك مالك بعفوية بفضل ذلك الرزاز الذي اخترق أنفه..كان ذلك السائل عبارة عن مخدر موضعي انتظرت قليل حتى يقوم المخدر بفعوله، ثم أخرجت أيضا من جيبها ( مشبك للاوراق فوضعته في أرنبة أنفه) كان في تصورها أن المخدر سيجعله لا يشعر بالمشبك عندما يمسك في أنفه بقوة..فاذا قام في الصباح تكون قد أحمرت أنفه وتورمت بفعل المشبك الذي حبس بداخله الأنف لساعات.
لقد فعلت نفس الشئ مع صديقتها جومانة..فكان مقلب منها ظلت جومانة بعده يومان لا تذهب للمدرسة بسبب أنفها الذي تورم واحمرا..عندما انتهت ورأت منظره كتمت ضحكة كادت أن تفلت منها ..بدأت تحبو عائدة أدراجها قبل أن يصحو ذلك الجلف وينتقم منها ..عندما وضعت نريمان المشبك على انفه شعر بألم رهيب وكأن أنفه قد بترت..بعدها فتح عيونه ليرى ماذا حدث له؟ وجدها تحبو بحذر متجهة نحو الباب..وبدون أنذار وجدت من يقبض عليها و يجذبها من شعرها…فتأوهت ناريمان واتسعت عيناها عن آخرها، وكأن قلبها قفز داخلها من المفاجأة..أجبرها على أن تقف على قدميها وهو يهمس بتوعد:
-رايحة وين تعالي إهنيه..هو دخول الحمام زي الطلوع منيه.
ترددت الكلمات في حلقها وهي تحاول أن تخلص شعرها من بين براثن يده:
-شعري..شعري..آه أوعى سيبني.
نهض من على فراشه ومازال شعرها يئن بين أصابعه، أتجه لكي يضيئ الحجرة وهي مغمضة العينين تئن من الألم :
-أوعى ياجدع انت سبني بقولك.
جذبها بقوة من شعرها حتى جعل رأسها تنحني فتلامس رقبتها فنظر إلى وجهها الذي احمرا من فرط الألم، وعيناها اللتان تغلقهما بقوة حتى تتحمل تلك الجذبة التي شعرت فيها أن شعرها قد انخلع في يده، وشفتيها اللتان تزووم بغيظ فقال وهو يضغط على كلماته وفحيح صوته مخيف:
-أهملك ليه؟؛ هو أنا أل جبتك إهنيه غصب عنيكي..ولا أنت ال جيتي برجليكي يبجى تتحملي بجى نتيجة عمايلك.
-بقولك أوعى لاصرخ وألم عليك ال في البيت كله.
-زين جووي..أصرخي يبه..أصرخي وريني شجاعتك..خلي أبوكي يشوف بته المصونة وهي داخله في عز الليل أوضة رادل غريب.
رفعت ابهامها في الهواء لتقول له بتحذير:
-لأ بقولك ايه..بابا عمره مايصدق فيا حاجة وحشة..وأنا ال حقوله انك انت ال خطفتني ووخدرتني من أوضتي.. وأنا نايمة وجبتني في أوضتك بالعافية وانا فضلت اصرخ.
ضحكة ساخرة من بين شفتيه على كلماتها البلهاء التي تتفوه بها قائلا:
-لا ياشيخة ..طب لما تخترعي كدبه جوليها زين..عشان يصدجوقي ..كييف تصرخي بعد ما خدرتك تاجي كيف دي ياأذكى اخواتك..صوح (ناقصات عقل ودين).
-أأأ..أوعى بقى سبني.
شدد على جذبها لشعرها وقال وهو يحذرها:
– عارفة ال يحكمني عليكي لكنت قطعت لسانك ديه….كنت جطعت رجبتك اصلا آسمعي..شغل العييلة بتاعك ديه تعمليه مع حد غيري..وأتجي شري أحسنلك..أنا مش حاحسبك دلوك..ﻻنه مش وجته حساب..دلوك تعاودي على منضرتك..وتنعسي وبكرة يحلها ألف حلال.
ثم حررها من بين يديها وتابع بقرف:
-يلا غوري ..كاسحة تاخد الحريم كلتها.
لكنها قبل ان تخرج ضربته على كتفه بغيظ ثم ركضت بطفولية..فهز رأسه يمينا ويسارا جامعا اكبر قدر من الهواء داخل رئتيه ثم يخرجه بغيظ وضيق تلك الفتاة.
**********************************
كل خلية فيها تئن بالغيظ من ذلك الجلف..كلما حفرت له حفرة لتكدر عليه صفوه وقعت فيها..ما صدقت أن يشرق الصباح حتى توجهت الى حجرة أبيها وكعادتها دخلت عليه بدون أستئذان ثم صرخت باندفاع:
-بابا .بقولك أيه أنت لازم تطرد الجلف ده حالا وبسرعة..لحسن وربنا اولع في نفسي وأخلص.
-خلعتيني يابتي..مش حتبطلي عادتك دي..تخشي إكده من غير استئذان..أنتي أييه كل مادة بتعاودي تصغري ولا بتكبري ميتا تعجلي بجى.
قال ذلك خالد وقد فزع عندما دلفت نريمان عليه دون انذار..وكان يضع شاله الصعيدي على كتفه استعدادا للخروج..ولم تبالي نريمان لحديث والدها ولا تقريعه لها وكأنها لم تفعل شئ غير لائق بل راحت تكمل ثورتها وهي تتباكى:
-ايه يابابا أنت عمرك ماكنت كده كنت أول ما اطلب منك حاجة تعملهالي عالطول..أي حاجة تضايقني تبعدها عني في ايه يابابا؟؛
لم يعد خالد يحتمل تصرفاتها الصبيانية فصرخ فيها وهو يجذبها من ذراعها بقسوة جعل نريمان تحدق فيه بعدم تصديق ..لم تكن تتوقع من ابيها ذلك الغضب ولا تلك الثورة:
-وأييه الحوصل بعد ما دلعتك..وكل شي تعوزيه أجولك حاضر بجيتي مستهترة..هي حصلت تدخلي اوضة نوم واد عمك في نص الليالي ..عليه العوض في تربيتي ليكي.
وضعت نريمان يدها على فمها في دهشة.. كيف عرف أبيها؟ هل رآها وهي تدلف حجرة مالك.. ابتلعت ريقها بحرج كادت أن تتفوه بشئ ..لكن خالد قطعها وهو يحتدت عليها اكثر:
-اييه بتبصيلي إكده لييه فاكره أبوكي شراب خورج..نايم على ودانه مش داري بالبيحصول حواليه..أييه زمقانه لييه من واد عمك..عشان جه يوريكي زين حدود نفسك ..ويعلمك الأدب..يعلمك ال أني معلمتهولكيش..يجولك على الصح والغلط وين..لكن كييف؟؛؛ أنتي عايزة تمشي على حل شعرك..مش إكده؟
ثم أكمل وهو في في أشد الغيظ منها:
-لما نضرتك رايحة عنديه مصدجقتش عيني، فضلت واجقف عايز أعرف داخله عنديه ليه؟ وسمعت كل ال دار بناتكم كنت عايز أدخل أديكي جلمين..لكن سكت خابرة ليه..عشان منظرك جدامه.. معاوزش أقل بيكي ويعرف أني تربيتي ليكي تربية عفشة.
لأول مرة في عمرها كله كلمات أبيها تبكيها.. وهي التي كانت بلسم وشفاء.. تكون كوخزات في قلبها.. وهي التي كانت كنسمات الهواء في الحر الشديد..كلمات لازعة.. هل هذه فكرة أبيها عنها..يظن أن تدليله لها جعلها بهذا السوء..هل لأني أحب الحرية وعدم القيود اللتان منحهما لي بنفسه.. فأنا كذلك أبيح لنفسي أي شئ..وكأني فتاة عاهرة مسحت دموعها بكبرياء ثم اردفت بعتاب ..تدافع عن نفسها:
-ياااه يابابا..هي دي فكرتك عني..أنا وحشة قوووي كده في نظرك..انا بنت مستهترة وناقصة رباية.. أنت دلعتني آه..عطتني الحرية آه..لكن علمتني ازاي استعملها..أنا نريمان خالد الراجل الصعيدي..أعرف ازاي احافظ على كرامتي وموطيش راسه أبدا.
ثم ازداد بكاؤها ..دموعها تعاتبه ..تلومه على ظنه السيئ بها..كلامها الذي خرج بصدق ودموعها جعلا فيضانا من الحنان يتفجر داخل قلبه..ود لو يضمها ويعتذر لها..ولقد سعد بها كثيرا واطمئن لها وكأنه يرى نريمان أخرى لم يكن يعرفها..ومع ذلك بدا متجمدا يرسم على وجهه قناع القسوة..لقد تعلم أن يقسو حتى يحد من جموح عندها..كفاه حنانا أغدقه عليها مما جعلها تمتطي جواد العند والتمرد..قال دون أن يلتفت لها:
-عاودي على منضرتك يلا..كفايكي لحد إكده.
خرجت وعيناها عليه ترجوه أن لا يشيح بوجهه عنها.. ويبتسم لها ابتسامة الصفح ..لكنه بقى كما هو جامدا ..أين ذهبت حنيتك ياأبي؟؛
عادت الى حجرتها وهي ناقمة على مالك أكثر لقد تسبب لها في خصام ابيها لها لأول مرة في عمرها.. في خضم غضبها رن هاتفها كانت جومانة صديقتها فردت عليها وصوتها محشرجا من أثر البكاء..مم جعل جومانة تسألها بقلق:
-نانا مال صوتك؟؛ انت كنتي بتعيطي.
نريمان وهي تبكي وتتشجنج:
-حطق ياجومانة..حتشل.
-في ايه يابنتي..قلقتيني زيادة
ثم راحت تحكي لها معاناتها منذ أن حضر ابن عمها.. وقام معهم في البيت ليصير بعد ذلك الأمر الوحيد في هذه الحياة الذي يعكر صفوها.
**************************
في المحل
ها هي الايام تحقق مخاوف سامر.. لقد أيقن الآن أن البساط قد بدأ ينسحب من تحت قدميه، وهو يرى مالك وقد فهم العمل سريعا واتقن كل كبيرة وصغيرة به، ولكنه سوف يحبس تلك المخاوف حتى يفكر في طريقة للأطاحة به ..فقط عليه أن يصبر..ويستمر في اظهار الحب والصداقة المزيفة له. ابتسم بصعوبة عندما رآه مقدم عليه وفي يده دفتر كبيرا قائلا بمزاح:
-ايه يابني مترحم نفسك..من الصبح مااخدتش نفسك.
كان مالك بالفعل يشعر بالارهاق ..ومع ذلك يقاوم تعبه وهو يعطيه الورقة التي في يده وصوته يشوبه التعب:
-اعمل اييه ياسامر يااخوي.. الطلبية داي مهمة جوي لازم تكون جاهزة عشان صاحبها حياجي ياخدها بعد ساعة..المهم الكشف اها تعالى معاي عشان نراجعوه سوا.
-ربنا يقويك..ويسلموا يارب
قالها وهو يتمتم لنفسه ويمشي خلفه:
-مبقاش حتة فلاح كمان ال حيتأمر وينهي بعد كده علينا..لكن ده بعدك.
انتهى مالك من تسليم الطلبية للعميل ثم جاءه عامل يبلغه أن عمه يطلبه على الفور.. عندما ذهب اليه في مكتبه وجد معه سيدة أربعينية..بيضاء البشرة، عيناها واسعتان، نظراتها جريئة، تتكلم وتتحرك والعلكة في فمها لا تهدأ، يثقل يديها كم الأسوار الذهبية التي تلبسها..عندما رآها مالك هجم على صدره الضيق..غض بصره عنها دلف بخطوات ثقيلة كأنه يريد أن يعود أدراجه، أردف دون أن ينظر نحوها:
– السلام عليكم ورحمة الله
ردا عليه السلام:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ردت السلام عليه بنبرة تشوبها الميوعة.. جعل صدره يضيق اكثر وصل لحد الأختناق.
-أجقعد يامالك ياولدي.
هتف بها خالد وهو يشير على المقعد الموازي للمقعد التي تجلس عليه تلك السيدة..فجلس وكأنه يجلس أمام شيطان..سمع عمه وهو يقول له:
-اجقدملك مدام زهرة أكبر وأهم زبونة عندينا.
حاول مالك أن يتحاشى النظر لها وهو يهمس بفتور:
-أهلا بيكي يامدام.