
-اهلا وسهلا.
قالتها زهرة وهي تمد يدها.. ورنين اساورها الذهبية تعلو على رنين نبرتها المفعمة بالدلال.
شعر بعيونها تخترقه..يشعر أنه يجاهد حتى تخرج انفاسه .. بصعوبة أجبر يده على أن تمتد لكي تصافحها وكانت مصافحته لها خاطفة وهو يهمس:
-اهلا بحضرتك.
منذ أول وهلة رأته فيها وهي تعلم أن هذا الشاب الذي أمامها، شاب مختلفا عن كل الرجال الذين عرفتهم، شاب عفيف عن النساء، ينأى بنفسه عنهن، لكنك لست بيوسف وستقع حتما في شباكي.
أخرجها من شرودها وتفحصها الخفي له صوت خالد وهو يقول:
-يلا يامالك ياولدي جوم مع مدام زهرة حضرلها الطلبية وعايزك تهتم بيها زين.
-متشكرة قوووي قوووي ياحج.
قالتها وهي تلتقط حقيبتها وتخطو أمام مالك خطوات تعزف الدلال.
نهض خالد وهو ينظر لعمه نظرات لوم لانه كلفه بهذا العمل الثقيل..حتى أن عمه فهم تلك النظرات فاشاح بيده.وهمس بصوت خفيض:
-يلا..روح ورا الست..بعدين أفهمك.
اصطحبها نحو مكتبه..ثم قال لها وهو يشير على مقعد أمامه:
-اتفضلي حضرتك أستريحي..حيجيب بس أذون الصرف وأعاود طوالي.
قال ذلك وقد انصرف سريعا هاربا من نظراتها المتفحصة.. وعيناها اللتان كادتا تلتهمانه..عاد الى عمه وقد دلف عليه بحركة غاضبة قائلا له بثورة:
-أيه ياعمي الأحراج ديه..كييف تطلب مني اتعامل مع حرمة كيف الحرمة دي؟ وانت خابر زين..أني مباتعملش مع صنف الحريم واصل.
-اهدى يامالك ياولدي بس..دي مش أي زبونة..دي ياولدي ربع دخل المحل من طلبياتها لحالها ..كل شهر بتتعامل معانا بمليون اجنيه.وهي طلبتك بالأسم..مجقدرش اجقولها لاه.
ضيق عينيه مالك بتعجب وتوقف عند جملة قالها عمه فسأله مندهشا:
-أشمعنا آني بالخصوص ال طلبتني بالأسم ..مش غريبة دي.
-لا غريبة ولا حاجة..جالت أنها نضرتك ونضرت كيف معاملتك الزينة مع الزباين..فحبت أن أنت بالذات تجف على طلبيتها..وبعدين ياولدي ده أكل عيشنا..لازمن نتحملو كل الزباين.. ولا إييه؟.
نظر مالك لعمه طويلا يلومه بشدة فتركه دون ينبث بحرف متمتما بداخله.
-( كسحة تاخد الحريم كلتها).
وعند مكتبه..توقف لم يستطيع الدولوف اليها..يشعر بمدى ثقل التعامل معها، فهاتف سامر وطلب منه أن يتعامل مع تلك المرأة..ويقول أذا سأله عمه عنه انه مرض فجأة ورجع الى البيت.
*******************************
زفر مالك براحة ..سعيدا أنه تخلص من تلك المرأة وكأنه تخلص من حية رقطاء..أو هكذا ظن..قد يغضب عمه لدقائق..ولكنه سوف ينسى سريعا ويسامحه..عاد الى البيت متوجها الى حجرته..ولكن في الممر المؤدي الى حجرته توقف عندما صدح هاتفه..كان سامر يحكي له كيف أن المرأة غضبت وشعرت بالمهانة عندما تجاهلها وتركها دون أن يحضر لها طلبيتها. وقررت قطع التعامل معهم..مما أغضب عمه بشدة.. فزفر مالك بضيق لم يتصور أن الأمر سيصل لهذا الحد..أثناء محادثته لم ينتبه لأول الأمر لنريمان، التي عندما رأته مندمج في مكالمته شعرت أنها فرصة لكي ترد له ضرباته ،حيث أن عيناها وقعت على عصى أبيها المعلقة في الطرقة، فتناولتها بهدوء ورفعتها تريد أن تضربه بها على ظهره.. اقتربت وهي تمشي على أطراف أصابعها حتى وصلت لمسافة معقوله لكي تضربه وتجري قبل أن يمسك بها..ولكن لسوء حظها لمح خيالها وهي ترفع العصى وتقترب كأنها سوف تقضي على لص أمسكت به..كان قد انهى المحادثة واذ به وفي لمح البصر وجد هو ايضا عصى، فالتقطها وصد بها ضربتها التي كادت أن تطوله..فتسمرت مكانها من الصدمة..كيف شعر بها؟؛ حدقت فيه بدهشة وخوف، ازدردت ريقها بصعوبة..كان طرف عصاه يثبت عصاها على الأرض، وعيناه تسدد لها نظرات غاضبة..حريق هائل شب في نظراته تلك تجزم بأنها سوف يحرقها بها، نظرات ناقمة جعلت قلبها يخفق بعنف، صرخة فزع اطلقتها عندما رفع عصاه فجأة وكاد أن ينزل بها على رأسها ووتعجبت من نفسها كيف استطاعت ان تصدها بعصاها؟؛ أنه مجنون يفعلها مرة أخرى.. وتصدها ايضا..هجمات منه ودفاع منها كأنهما يحتطبان سويا..خفقاتها تزيد أوصالها ترتعش..انفاسها سريعة لا تعلم ما السبب اهي نظراته القاتلة أم ضرباته لها المتتالية وهل ستستطيع أن تصد تلك الضربات الجنونية المتتالية؟ كأنه يقول لها تحملي عواقب جنونك وتهورك، آه لقد حدث ما كانت تخشاه..بضربة منه أطاح بعصاها وأذ به يحبسها بعصاه عندما دفعها نحو الحائط فارتطمت به بقوة ، فتأوهت ألما..كانت تبعد عصاه بيديها..انها الآن حبيسة عصاه وعيناه أيضا..عيناه تلك التي تسدد لها سهام البغض والحقد..شعرت أنه على وشك أن يقت*لها ويستريح من جنونها، صوته كان مرعب عندما قال وهو يضغط على حروفه:
-أنتي أيييه ياشيخة.. أنتي أييه..خابره لولا أنك حرمة لكنت ..بندقتك وعطيتك عيارين في راسك وريحت الدنيا منيكي.
ثم ضغط على طرفي العصى بيديه فأغمضت نريمان عينيها لتتحمل ذلك الألم:
-آاااه ..أوعى سبني.
رفع عنها العصى فأمسكها من شعرها امرا لها وهو يسوقها أمامه:
-همي جدامي..
نريمان بحروف مرتعشة:
-عع.على فيين؟
جذب شعرها الى أعلى متعمدا ايلامها هاتفا بحدة:
-جداااامي وانتي ساكتة.
الحلقة 5
.
.
رواية / كاره النساء
علقوا هنا ب 10 ملصقات
عايزة مش اقل من 50 كومنت
💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜
الفصل الخامس
كاره النساء
-همي جدامي.
هتف بها مالك بحدة..وهو يسوقها أمامه قابضا على شعرها بقوة غير مباليا لصراخها ولا تأوهاتها..حتى توقف عند حجرتها، فتح بابها فدفعها داخلها ثم أغلق الباب خلفه، ارتفعت دقات قلبها يهيأ لها أنها أعلى من صوت الطبول، سرت قشعريرة في جسدها، يتقدم نحوها بخطوات بطيئة مخيفة، بينما تتراجع هي كالفأر المزعور..عيناه تشدو بأغنية الأنتقام، يشمر أكمام قميصه استعداد للأنقصاض..ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بصوت يشوبه الخوف:
-أأا..أنت حتعمل أيه..وربنا لو قربتلي لحم*وتك.
ابتسامة سخرية على جانب فمه تلقي بشجاعتها المضحكة وراء ظهره.. أمسكها من يدها فكادت أن تصرخ لولا أن حذرها بنظرة من عينيه وهو يهمس بتحذير:
-هشششش..أوعاكي تفتحي خشمك.. أنت لازمن تجولي حجي برجبتي.
خلع حزام بنطاله..مما جعلها تحدق فيه برعب وقد ضمت يدها الى صدرها تحتمي منه، جذبها نحو سريرها وقام بلف الحزام حول يديها وربطها به في قدم السرير..لم يشفق لصراخها ولا استغاثتها..ولا محاولاتها الفاشلة في الفكاك منه:
-أنت بتعمل ايه..يامامااااا..يابابااااا الحقوووني ..فكني ياجلف أنت ..بقولك فكني.
-جلت أجفلي خشمك..اجفلي خاشمك خالص.
قالها وهو يضم شفتيها بيده ويهزها في محاولة لاسكاتها.. بعد ذلك أخرج منديله وكممها به..ولمح ( شالا لها) فقيد به قدميها.
كانت ترفس تتلوى بجسدها في محاولة لفك قيدها..لكن دون فائدة..كان ينظر لها واضعا يديه في خصره هامسا بتشفي:
-حخليكي إكده لحد ميبان ليكي صاحب..ولما تتأدبي يبت عمي..وتعرفي ان الله حج
..ساعتها يمكن احلك ومتجلجيش حجولهم تحت أنك عايزة تنعسي ومش عايزة حد يزعجك.
كانت تزووم غيظا حتى احمرا وجهها وتبعثر شعرها.. تزوم من أسفل كمامتها عله يحل قيودها قبل أن يخرج..ولكنه ينظر لها ويبتسم في تشفي ..وزاد من احتقانها قوله لها قبل أن يغلق الباب:
-تصبحي على خيير يابت عمي.. اشوفك بكرة زي دلوك..ثم قال جملته الملازمة له( كسحة تاخد الحريم كليتهم
************************************
كان شاردا يقلب الأمر في رأسه عدة مرات، ويحسبه من جميع جوانبه، حتى قطع عليه حبل افكاره..دلووف وداد وهي تحمل في يدها كوب الشاي وقالت له بعد أن جلست بجواره على الفراش:
-الشاي اهو يا أبو نريمان عملتهولك بايدي..ضيقت وداد عينيها عندما لاحظت شرود زوجها فسألته وهي تناديه مرة أخرى حتى ينتبه لها:
-ابو نريمان ..ياحج خالد .
خالد وهو يلتفت لها وكأنه للتو يشعر بها:
-هه ..في اييه؟؛
-انا ال فيه أيه ولا أنت؟؛ مالك يا أخويا كنت سرحان فيه؟
-كنت بفكر بموضوع إكده.
-خير يااخويا أن شاء الله..موضوع ايه ده؟؛
-قالتها وهي تناوله فنجان الشاي.
أخذه منها ثم أعتدل في جلسته وقال لها وهو يدقق في وجهها:
-إيه رأيك في مالك ولد أخوي.
أستغربت سؤاله..فسألته:
-من ناحية أيه يعني؟
بنرفزة هتف:
-يعني إييه من ناحية اييه..من ناحية كل شي يا مرة.
-طيب يااخويا متنرفز ليه بس..هو بصراحة الجدع كويس، مؤدب ،وراجل يعتمد عليه اخلاق من الآخر يعني.
خالد وهو ينظر لنقطة ما كأنه يرى من خلالها المستقبل:
-زين..زين جوي.
ثم عاد يلتفت لها ويقول:
-يعني لو اتجدم لبتك توافجي.
حدقت به في سعادة وهتفت بنبرة غير مصدقة:
-الله هو كلمك عليها ياحج يا ألف نهار أبيض مشاء الله.
أشاح بوجهه بعيدا عنها في ضيق وتأفف في غيظ:
-شوف المرة أجولها ايه تجول ايه..جاوبي على جد السؤال وبس يا ولية.
-اوافق يااخويا ..اوافق موافقش ليه..هو ال زي مالك ده حد يرفضه.. بس يعنيي…..
توقف عند ترددها فسألها:
-بس إيه ممتحدتي دغوري عالطول.
بكلمات مترددة اردفت:
-اقصد المشكلة في نريمان ياترى حتوافق..دي مش طيقاه اصلا.
ظل يرتشف من فنجانه وبصره شاخص واخيرا قال بعد فترة صمت:
-تتعدل..وال فيه الخير يجدمه ربنا..يلا همليني دلوك عايز أنعس هبابة.
قال جملته الأخيرة وهو يعطيها الفنجان الفارغ ثم طرح نفسه لينام.
أخذت منه الفنجان الفارغ وانصرفت بعد أن اغلقت الباب خلفها.
***********************************
لا ينكر أن نومه طوال الليل كان متقطعا، كان قلقاً عليها بشدة خشى أن يحدث لها مكروها ويكون هو السبب، كان يقاوم رغبته في الذهاب لفك قيدها..ولكن كلما تذكر عندها وغرورها فيتخلى عن شفقته تجاهها ويشجع نفسه على الصبر علها تتأدب، وأخيرا رحمته الشمس وأشرقت لتملأ الدنيا بأشعتها الذهبية، نظر في ساعته وجدها الثامنة، تنفس باطمئنان لأن في هذا الوقت الكل مشغول في الطابق السفلي لتحضير الأفطار، هم لا يعلمون بأمر حبسها، ولأنهم يعلمون طبعها الصعب عندما علموا من مالك أنها لا تريد اي ازعاج فقرروا أن يلتزمون بما تريد تجنبا لفظاظتها وغضبها الفظيع.
فتح الباب كان شعرها يخفي وجهها بالكامل، يبدو أنها بذلت مجهودا كبيرا في الصراخ ومحاولاتها في فك قيودها..ثيابها أيضا كانت في غاية السوء، كانت هامدة ..لا تبدي حراكا..جثى على ركبتيه أمامها وبأصابعه أزاح شعرها من على وجهها، ضم شفتيه بشفقة فقد استاء لمنظرها ..فقد كان وجهها شاحبا..عيناها غائرتين متورمتان يبدو انها بكت كثيرا، زفر بندم.. هل يعرف المغرورن كيف يبكون؟؛ لام نفسه ..ما كان عليه أن يفعل بها كذلك..نزع المنديل من على فمها وهنا شعرت به فاستيقظت..وعندما أبصرته احتقن وجهها بشدة وضغطت على شفتيها ضغطة حملت فيها كل غضبها..ثم صرخت فيه وقد هيئ له أن عروق رقبتها على وشك الأنفجار:
– هو أنت..ربنا يخدك يا بعيييد..يا متخلف يا حيوان أنا يتعمل فيا كده.
سجن شفتيها بين قبضة يده ليخرسها وهو يقول لها:
-مفيش فايدة فيكي..العفش عفش بردك..تصدجي أنا غلطان عشان صعوبتي عليا وجيت عشان أفكك..خليكي إكده..مربوطة وأفضلي اصرخي بجى عشان يجاوا يفكوكي.
ثم نهض وخطى صوب الباب..فصرخت فيه:
-أستنى هنا ..انت حتسبني كده ..ضهري وجعني من القاعدة دي ..فكني بقولك.
فوقف مكانه يزفر مللا من تلك المجنونة..ثم عاد لها، وسألها:
-عايزاني أفجك يعني؟
-أنت بتسألني..فكني يابني أدم حمووت ..عايزة اروح الحمام..حرام عليك.
ابتسم ببرود واقترب ببطئ ثم أتى بمقعد ووضعه بالقرب منها، جلس عليه واضعا قدم فوق قدم قائلا ببرود:
-ماشي حفكك بس لما تتأسفي لاول..وتجولي أنا أسفة يامالك باشا.
صرخت بغضب:
-مش حتأسف ولا زفت ويلا فكني بقولك.
-يبجى خليكي إكده ..المعروف مينفعش لأمثالك..كسحة تاخد الحريم كليتها.
قال ذلك وهم أن ينهض وهم أن يتركها..ولكنها سرعان ما تخلت عن عجرفتها وقالت سريعا حتى يخلصها من قيودها.. فكانت تشعر أن بطنها على وشك الأنفجار من فرط الألم:
-لأ استنى ..خلاص ..خلاص حتأسف.
أغاظتها بشدة ابتسامة الأنتصار التي تراقصت فوق شفتيه..خاصة عندما نهض وقال وهو يمسك بطرف ذقنها مردفا:
– شطورة ..الأدب حلو برضك.
هزت رأسها يمينا ويسارا حتى حررت ذقنها من بين أصابعه بعدها قالت من بين أسنانها:
– أنا أسفة.. أخلص بقى فكني
قال وهو يربت على احدى وجنتيها بتحذير:
– لاه..عتجوليها من وسط سنانك إكده..معجبنيش..جوليها زين زي الناس.
همست لنفسها وهي تبحلق في السقف وقد فاض بها :
-ألهي يجيلك شلل يابعيد..ويرحني منك.
-بتبرطمي مع حالك عتجولي ايه؟
-دون أن تنظر له وبنبرة جاهدت أن تخرج طبيعية:
-أنا أسفة.
-زين إكده.
وما إن أصبحت حرة حتى هجمت عليه وراحت تضربه بقبضتيها ، وهي تهتف ثائرة غاضبة:
-أنت مالك ومالي..بتعمل ليه كده فيا أنا بكرهك ..بكره…..
توقفت فجاة عن ضربه ..وقد جحظت عيناها ذلك لان الآلام رهيبة هجمت عليها جعلتها تركض نحو المرحاض.
فضحك مالك وهو يهز رأسه يمينا ويسارا متعجباً من أمر تلك الفتاة التي تغضب سريعا..وتثور سريعا ثم قال جملته قبل أن يغادر حجرتها”كسحة تاخدك يابعيدة” مجنونة وحتجننيني معاكي .
******************************
عندما خرجت نريمان من المرحاض كانت في أوج نقمها من مالك ومن أفعاله بها، هو الوحيد في هذا العالم الذي أذلها وكسر أنفها..ماذا تفعل له؟ أنها تريد أن تغيظه كما يغيظها بأي ثمن، تريد أن تنتقم منه، بل تريد أن تقت*له لو استطاعت، بداخلها بركان يغلي، حمم الغيظ في قلبها تفور وتفور.. تشعر أنها عاجزة على فعل شئ حياله فظلت تركل الأرض وتزوم وتدعو عليه من عمق قلبها:
-امممممم…يارب تمو*ت يارب.. يالي اسمك مالك..يارب وانت ماشي يخبطك سواق أعمى ياشيخ، ولا تتزحلق على السلم ورجليك تتجبس وتقعد شهرين تلاتة محبوس عشان استريح منك آااااه منك يااني حطق ياربي.
وكأن فكرة أن يبقى حبيسا في حجرته راقت لها فقد توهمت كيف ستكون حرة وتعود لحريتها، كما كانت قبل أن يقتحم ذلك الجلف حياتها فابتسمت بخبث وهمست لنفسها وهي تداعب ذقنها:
-والله فكرة..آه يبت يانانا لو رجله اتكسرت ولا رقبته حتى.. يسلااام الواحد يرجع بقى يعيش حياته زي الأول..بس مفيش حل غير كده أنا حاروح أتوضى وأصلي ركعتين لله وادعي عليه يمكن ربنا يستجيبلي وياخده ويريحني منه بقى..يااارب.. ياارب رجله تتكسر ويتجبس شهرين تلاتة ميقدرش يتحرك..لدرجة أن يشيلوه يودوه الحمام.. أمييييين..يااااارب.
وبالفعل راحت تتوضأ وتصلي لكي تدعو عليه..وبعد أن فرغت شعرت بسعادة وكأن الله أعطاها ميثاقا بان دعوتها قد قبلت..نهضت بحماس تنفذ فكرة طرأت على عقلها لتنتقم من ذلك الجلف..تناولت علبة الكريم المرطب للبشرة الخاصة بها وخرجت تتلفت يمينا وشمالا لتتأكد أنها لم يراها أحد..وعندما اطمأنت ..وضعت الكريم على السلم حتى إن لامسه مالك بقدميه انزلج من فوقه وتنكسر رجله..هذا ما باتت نريمان تتخيله وتحلم به أن يتحقق.. عادت لحجرتها بسرعة وظلت تتصنت من خلفه وتنتظر بلهفة صرخاته وهو يسقط.
اما في الأسفل كان مالك جالسا على السفرة مع عمه وزوجته لتناول طعام الأفطار، كان مالك يعتذر من عمه عندما وجده عابث الوجه لا يلتفت اليه ولا يحدثه، فهمس مالك بنبرة مفعمة بالﻹعتذار وهو يقبل يده:
-ايييه يا عمي لساك زمقان مني..لاه أنا ما أجدرش على زعلك ..أنت عارف أني مباتعملش مع حريم.
لم يجبه عمه..ولكن مالك ظل يترجاه ويقبل يده مرات ومرات حتى زوجته كانت تساند مالك فتقول لخالد باستعطاف:
-خلاص بقى ياحج.. مالك زي ابنك بردو ..مينفعش تخاصمه كده.
فاستجاب خالد وابتسم له بعتاب قائلا:
-يعني يرضيك إكده تضيع منينا زبونة زي دي.
فرح خالد لمسامحة عمه له فأردف بثقة:
-ولا ضاعت ولا حاجة ..بكرة تاجي غصب عنيها.. حروح أنا بجى أجيب مفاتيحي عشان أروح الشغل بدري.
مالك وهو يربت على ظهره:
-روح يا ولدي ربنا يسترها عليك.
دقيقة واحدة فقط بعد أنصرافه، سمع خالد وزوجته صوت ارتطام جسد من أعلى السلم وصرخات استغاثة من الخادمات . جعلت خالد تتسع عيناه ويتساءل بخوف:
-في إييه ..مين ال وقع ديه؟؛
حتى وداد ضربت صدرها بيدها وهي تردد بفزع:
-يا لهوي ..ايه ال خبط ده؟؛
ثم نهض الأثنان وهرولا ليتفقدا ما الأمر.
وكان………….
ياترى مين ال اتزحلق على السلم مالك ولا حد تاني.. آه منك يانريمان ياشقية عملتك دي جت على دماغ مين؟
.
الحلقة 6
كاره النساء
الفصل السادس
هل يولد الحب من رحم القسوة؟
هل تزهر الأشواق بين أشواك الكره؟
كيف ترميني بسهم البغض فينزف قلبي حبا
أتعجب كيف لنظراتك البغيضة أن
تحي حب توارى تحت ثرى الغرور
قلب أغلق أبوابه أمام قلوب متيمة
وفتحه على مصراعيه أمام كاره النساء.
ظلت نريمان واقفة خلف باب حجرتها تنتظر سقوط مالك من على السلم، بفضل الكريم الذي سوف يجعله ينزلق من عليه وساعتها تقر عينيها بحبسه لمدة أسابيع في الجبس، ولكنه لم يخرج من حجرته عجبا لماذا تأخر؟؛ فهذا موعد نزوله لتناول الأفطار مع أبيها، ظنت أنه بعد أن فك قيدها ذهب الى حجرته ليستعد للنزول، لم تعلم أنه ترجل مباشرة للطابق الأسفل.. بعد أن فك قيدها وذهب لكي يسترضي أبيها بسبب تصرفه الفظ مع العميلة.. ولما طال انتظارها، خرجت بخطوات حذرة لكي تتفقده..فسمعت صوته يأتي من الطابق الأرضي فقوست فمها بخيبة..وقالت لنفسها:
–يبقى نزل قبل ماحطله الكريم نفد منها ابن المحظوظة ..لكن أنت حتروح فين ياجلف أنت هو أنت حتسلم مني.
وكادت أن تعود لحجرتها ..لولا أن تذكرت أنها يجب عليها أن تنظف السلم من أثر الكريم حتى لا تننزلق أمها أو أبيها أو أي شخص من البيت..وانحنت لكي تزيل الكريم ولكن وفجأة أنزلقت قدمها على الرغم من حرصها..وهنا صرخت صرخة قوية وبدأت تتدحرج من على السلم ، حتى أصبحت متكومة على الأرض قدمها مثنية أسفل منها ويديها خلف ظهرها..فاجتمع أهل البيت على صراخاتها المدوية.. وكان في المقدمة مالك الذي رآها وهي تسقط فاتسعت حدقتيه من مشهد سقوطها وكأنه مشهد سقوط عنيف يمثل في السينما، فصرخ فزعا:
-واه..واه..حااااسبي
في ثواني اجتمع الكل في مكان سقوطها..فنادتها أمها برعب:
-بنتيييي..نريمان أنتي كويسة ياحبيبتي؟
وأبيها الذي تسمر مكانه و لم يستطع النطق من فرط خوفه على وحيدته ..وقد خفق قلبه بجنون قلقا عليها..حتى الخادمتين كانتا تحدقان فيها بقلق وهننا تتمتمان:
-يالهوتي ..ست نريمان استر يارب
ونريمان تصرخ وتتأوه..تشعر بألم يفوق احتمالها في ساقها وذراعها وجميع أنحاء جسدها:
-آاااااااااه ياماما..رجلي ..رجلي مش قادرة ألحقيني..ياماما.
-ياضنايا يابنتي.. أنشالله أنا ولا أنتي.
هتفت بها أمها بكل لهفة الدنيا ..وهي تنحني بالقرب منها تحاول أن تأخذها في حضنها.
ولكن مالك صرخ في زوجة عمه محذرا إياها قائلا:
-أوعاكي يامراة عمي تحركيها من مطرحها..لحسن يكون حوصلها كسر لجدر الله حيبجى خطر عليها.
فتوقفت وداد على الفور خشية على أبنتها..فقال خالد لمالك بصوت يملؤه الأضطراب:
– شيلها يامالك ياولدي طلعها فوج على منضرتها..لحد منتصل على الضاكتور.
-حاضر ياعمي.
قالها مالك ثم هم أن يحملها ولكن نريمان هبت به وصرخت فيه بغيظ .. كأنه هو المتسبب في سقوطها..وقد همست لنفسها:
(الوقعة دي كانت ليك الله يخرب بيتك)
-أوعى كده ..أياك تلمسني ..غور من وشي.
فزفر مالك وهو ينظر للسقف في ملل من تلك العنيدة المتعجرفة.. ولكن خالد صرخ فيها ثم قال لمالك:
-وبعدهالك يابتي مش وجته عندك دييه..شيلها ياولدي يلا وسيبك من دلعها الماسخ.
حملها مالك برفق وخفة حتى لا يعرضها لمضاعفات من خلفهما خالد ووداد.. والخادمتين ..عندما انحنى وقارب وجهه من وجهها..ورفعها كطفلة بين ذراعيه، شعرت ولأول مرة يزورها هذا الشعور..وكأن قلبها أرتفع الى عنان السماء وأصبح يرقص رقصا جنونيا عندما لامس دقات قلبه..تناست الألم على الرغم من شدته واضطربت أنفاسها عندما أستنشقت رغم عنها أنفاسه..أرتفعت خفقات قلبها عندما رأت وجهه عن قرب..وتعمقت في عيناه حتى غرقت في عسلهما.. لحظة تاريخية لم ولن تتكرر ، لحظة قد تكون ثواني معدودة ولكن حدث فيها مالم يحدث لها من قبل ولم تتوقع حدوثه خاصة مع ذلك الجلف.. تلك الثواني التي تحيا فيها بشر وتمو*ت فيها أناس آخرين، لحظة خطفت فيها، لحظة كأنها سرقت وبيعت كجارية في سوق الأعجاب.. أفاقت نريمان عندما كاد أن يسقط مالك وقد مال ظهره للوراء قليلا وهو يحملها فلم يعلم بالطبع بوجود الكريم مازال يلطخ السلم.. باعجوبة ثبت قدميه اللتان كادتا أن تنزلق ثم ألقى بنفسه للأمام فوقعت على ذراعيه وتفادى سقوطها عليهما، وهو فوقها ولولا أنه تحامل على نفسه لسقطا على ظهره وهي فوقه من على السلم.. لقد هتف خالد بزعر وهو يصده بيديه:
-حاسب ياولدي.
أما وداد فقالت وقد انخلع قلبها من مكانه:
– خالي بالك يابني..استر يارب.
وعندما مر الأمر بآمان نظر خالد لوداد في أسف.. وقد تيقن أن نريمان هي من وضعت الكريم على السلم..لكي توقع ابن عمها فأمرت الخادمة بان تنظف السلم وتجففه..أما نريمان فظلت تتأوه بشدة حتى تغلوش على فعلتها:
-آاااه يارجلي ..آاااه كده كنت حتمو*تني.
-تصدجي بالله أنا غلطان والوجعة دي جليلة عليكي..كسحة تاخدك يابعيدة وتاخد الحريم كلتها.. أنا بردك ال كنت حمو*تك..معلهش أجول إييه البجاحة ليها ناسها..
قالها مالك بعد أن قام وهو يحملها يسدد لها نظرات الأستياء من جنونها..وقد نفذ صبره..فأدخلها حجرتها ووضعها على فراشها ثم همس في أذنها:
-شوفتي ربك بالمرصاد المجلب ال كنت حاخده شربتيه أنتي، وأديكي ووجعتي على بوزك..من حفر حفرة لأخيه وجع فيها يابت عمي.
احمرا وجهها بفعل كلماته وظلت تزووم بغيظ.. لكنه لم يبالي لغيظها وقال وهو ينصرف:
-أنا حاروح اتصل على الضاكتور ياعمي.
مرت ساعة بعد أن حضر الطبيب وفحصها خرج وفي يده ( روشتة) أعطاها لخالد ذلك الأخير الذي سأله بلهفة:
-كيفها ياضاكتور دلوك.
الطبيب بعملية:
-كسر بسيط في قدمها اليمنى..ورضوض في ذراعها وبعض الكدمات في جسدها أنا جبستلها رجلها لازم يفضل 15 يوم..والجبس ال في ذراعها ده أسبوع أو أقل ممكن تشيله..هي دلوقت نايمة لاني عطيتها مسكن قوي..اهم حاجة الراحة وبلاش تتحرك لمدة أسبوع كامل.. لكن عامة هي حالتها متقلقش.
-الحمد لله .. الحمد لله متشكرين ياضكتور..الف شكر.
هتف بها خالد وهو يصافحه بامتنان ثم قام بتوصيله الى الخارج..
اخذ مالك ( الروشتة) من عمه لكي يشتري الدواء..بعد أن احضره قال له عمه:
-مالك ياولدي أنا حاروح الشغل دلوك..اصلهم رنوا عليا خليك أنت إهنيه ياولدي ..لحسن يعوزوا حاجة معهلش ياولد اخويا حتعبك معايا.
-متجولش إكده ياعمي..أنا زي ولدك بردك.
-تسلم ياولدي.
قالها خالد وهو يربت على كتفه بامتنان..ثم انصرف حيث عمله.
******************************
بعد مرور بضعة ساعات فاقت نريمان من نومها على ألآم رهيبة فصرخت وهي تنادي امها:
-آاااااه…ياماما الحقيني ألم فظيييع في رجلي ودراعي …وجسمي كله واجعني.
هبت والدتها التي كانت جالسة بجوارها فأردفت بحنان:
-يقطعني ياضنايا الف سلامة عليكي..يمكن المسكن مفعوله راح.. استني انا حديكي المسكن تاني عشان الألم ال أنتي حاسة بيه يخف.
قالت و وجهها محتقن بفعل الألم:
-بسرعة ياماما..بسرعة مش قادرة استحمل.
فأعطتها والدتها المسكن..وظلت تمسح على شعرها في حنان بالغ ولسانها يتمتم بالدعاء لها..هدأ الألم قليلا فهمست نريمان لأمها:
-ماما..عايزة أروح الحمام بسرعة.
داعبت وداد ذقنها في حيرة ..كيف تقدر على حملها وهي في تلك الأربطة؟ تخشى إن رفعتها تسبب لها مضاعفات..صرخت نريمان في أمها قائلة:
-أيه ياماما بتفكري في أيه، بقولك عايزة أروح الحمام بسرعة.
-اييه يابنتي خضتيني..أنا بفكر ازاي أشيلك وانتي متجبسة كده..اخاف ارفعك بحركة غلط اوجعك.
-طب وبعدين أنا مش قادرة خلاص.
-بصي أنا حاروح أنده لابن عمك يشيلك لحد الباب وانا اساعدك جوه في الباقي بقى.
حدقت عينى نريمان في صدمة وصرخت قائلة:
-أيييييه.. مييين..مين ده ال يشيلني ياماما الجلف ده..لا لا استحالة طبعا.
– يابنتي المضطر بقى..حنعمل أيه بجبسك ده محدش ينفع غيره..والا خلاص بقى خليكي كده.
زفرت نريمان استسلاما للأمر ..فابتسمت وداد للرضوخ ابنتها وقامت لكي تستدعي مالك من حجرته..دقائق وأتى مالك فأشاحت بوجهها بعيدا عنه عند رؤيته..ليس لأنها لا تطيق النظر له..ولكن لتخفي تلك النبضات التي علت عندما رأته..ولا تعلم لماذا؟ هل لأن مشهد حمله لها عندما سقطت حضر أمام عينيها بمجرد رؤيته، وأنفاسه التي تقسم أن عبقها مازال منتشرا في خلاياها، ودقات قلبها التي أمتزجت مع دقاته.. ومع ذلك طغت عجرفتها على ذلك الشعور ربما ارادت أن توئده أو أنها تكذبه..فقالت له وهو يهم بحملها:
-بقولك ايه أوعى تشيلني بغشامة انا بقولك اهو.
تراجع مالك عن حملها ونصب قامته وهو يزفر بملل مردفا:
-أنا بجول تشوفيلها حد غيري احسن يامرة عمي اجولك هاتيلها ونش يشيلها أحسن
بغضب أردفت نريمان:
-ونش يشيلك انت.
سددت لها أمها نظرة عتاب ثم التفتت لمالك وقالت له بنبرة معتذرة ويدها تطبطب على كتفه:
-معلش يامالك ياولدي متاخدش عليها.. استحملها عشان خاطر عمك وخاطري.
تنهد مالك بمضض ثم انحني وزحف بيده تحت رقبتها واليد الاخرى أسفل ساقيها..فلفت يدها السليمة حول رقبته..وما إن رفعها حتى استنشقت أنفاسه عنوة..فاخترقت رئتيها بقوة..وحرقتها..أججتها، لسعت قلبها..وارتفعت دقات قلبها، وعلت نبضاته..قلبها الذي أصبح مجردا بدونها كطائرة ورقية تطير في الهواء وطفل يلهو بها كيفما شاء.. لم تستطيع التنفس هل نفذ الهواء.. أكل هذا لأنه حملها، تقاوم بصعوبة تلك القشعرية التي تسللت الى جسدها، وتدعو الله أن يسترها أمام ذلك الجلف فانفاسها العالية المضطربة كادت تفضحها.. اجلسها مالك على مايسمى( بالكومبنيشن) بحذر ثم خرج سريعا بعد أن قال:
-بعد متخلصو يامراة عمي ازعقي عليا عشان ارجعها مطرحها.
-ماشي ياحبيبي.
اغلقت امها الباب وراحت تساعد ابنتها في نزع ملابسها وهي تقول لها بتعنيف:
-حرام عليكي ال بتعمليه في الراجل ده..وهو مستحملك بس عشان خاطر ابوكي يباي عليكي بت متتطقيش.
لم تجاوبها نريمان وانما راحت تزفر كل ما تحمله في قلبها من انفعالات التي نتجت عن حمل ذلك الجلف لها.
********************************
-سلامتك يانانا ألف سلامة عليكي ياحبيبتي
قالت ذلك جومانة صديقة نريمان المقربة وهي تقبلها في خديها..فتاة في عمر نريمان في السادسة عشر من عمرها، خمرية البشرة..عيناها واسعة بها جحوظ طبيعي خفيف، ترتدي عوينات طبية محجبة تحب نريمان وتعتبرها بمثابة الأخت، جلست بجوارها على الفراش وهي تسألها بقلق ويدها تعدل حجابها:
-ايه يبنتي..ايه الحصلك وقعتي ازي الوقعة السودا دي؟.
تنهدت نريمان بضيق ثم أردفت بغيظ:
-وقعت ياستي بسبب الزفت الجلف ده ابن عمي..ثم حكت لها ما حدث.
كتمت جومانة ضحكتها حتى كادت أن تستلقي على ظهرها..ثم أردفت ومازال الضحك يعبأ فمها:
-ياااعيني..من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
-أنتي حتقولي زيه.. آه ياغلسة.
قالت ذلك نريمان بنبرة مغتاظة فضربتها بيدها على ركبتها.
عدلت جومانة من حجابها وبالكاد قت*لت ضحكاتها..ثم قالت بنبرة ممزوجة بالجدية:
-يابنتي خفي عالواد شوية..هو عملك إيه بس لده كله..طب احنا ومستحملينك بس عشان بنحبك..إنما هو حيستحمل قلطتك ليه ياختي؟
صرخت فيها نريمان ولم يعجبها مناصفتها له:
-جومانة متلمي نفسك أنتي جاية تتطمني عليا ولا تقطميني.
-لا ..لا ياستي خلاص حتلم اهو
هتفت بها جومانة وهي تضع يدها على فمها على الرغم من فظاظة نريمان..وعجرفتها الا انها تتحملها لانها تحبها..انها رافضة لطريقتها المتعجرفة تلك وكم حاولت كثيرا أن تغير منها ولكنها لم تستطيع..لقد هاتفتها كثيرا وحكت لها عن ابن عمها وسعدت كثيرا برد فعله على تصرفاتها، وشعرت أنه قد يكون أرسله الله لكي يقوم من سلوك صديقتها..هي تعلم أن نريمان بداخلها شخصية طيبة معطاءة ظهر ذلك لها من خلال المواقف التي بينت معدنها وأصالتها فكم من مأزق تعرضت له وقفت بجوارها فيه وكانت خير الصديق وخير المعين..لقد رأت خلف شخصيتها الملطخة بالغرور..تكمن شخصية أخرى رقيقة وحنونة وطيبة..قد لا يعرف ذلك أحد حتى نريمان نفسها لا تعلم بتلك الشخصية المتناقضة المختبئة بداخلها..فجأة احتل الحزن وجهها وكأنه كان مختبئ خلف ضحكاتها لصديقتها..وما أن لاحت له الفرصة حتى هجم على قلبها، وغير وجهها حتى أن نريمان لاحظت ذلك خاصة عندما ظهر ذلك الحزن عندما قالت جومانة بنبرة مفعمة بالمرارة:
-أنا مش عارفة يانانا أنتي ربنا مديكي أهل بيعاملوكي بحرية بتعملي ال أنتي عايزاه، بدل ماتحمدي ربنا..لا بتتمردي ..متبصيلي أنا ال بابا قافل عليا قفلة سودا..لا خروج ولا بص من الشباك ولا باب..وممنوع اتكلم مع أي حد غيرك..حتى الحجاب واللبس فرضهم عليا.
قالت جملتها الاخيرة وهي تشير على حجابها وثيابها المحتشمة بضيق.. ثم اكملت بيأس:
-ومع ذلك متحملة ده كله ولولاكي لكنت انتحرت..لكن أنه يصمم يجوزني زميله ده بقى ال عمري محتمله ابدا..
أجهشت بالبكاء ولم تستطيع أن تكمل حديثها المرير ..اقتربا حاجبي نريمان في ضيق من أجل صديقتها وقوست فمها بأسف فربتت على يدها وهي تقول:
– طب إهدي طيب كده وبطلي عياط.
من وسط دموع القهر راحت تلقي بشكوتها لديها:
-أهدى ازاي بس ..عارفة يعني ايه واحدة عندها ستاشر سنة تتجوز واحد عنده 45 سنة يعني أكبر منها ب 29 سنة..قوليلي طيب أعيش ازاي بعد كده مع واحد قد أبويا.
وانسابت دموعها على وجنتيها انهارا ..فزفرت نريمان باستياء من والد صديقتها المستبد هذا فقالت :
-مش عارفة اقولك ايه بصراحة..أبوكي ده بيعمل كده ليه معاكي ..اكنك مش بنتنه وبيكرهك.
ثم التفتت لها وتابعت:
-طيب ايه رأيك أخلي بابا يكلمه.
-لأ..أوعي يانانا..أنتي عارفة بابا ميحبش حد يدخل في قرارته..وبعدين انتي مش فاكرة لما كنت عايزة اروح الرحلة بتاعة المدرسة السنة الفاتت ومرضيش ولما كلمه بابكي ..ساعتها اخدت علقة مش نساياها لحد دلوقت.
نريمان بقلة حيلة:
-طب وبعدين حتعملي ايه؟؛ طيب اتكلمي انتي تاني معاه.
لوت جانب فمها بيئس وقالت بعجز مفعم بالسخرية:
-مفيش فايدة من الكلام معاه حتى لو اتكلمت..فرحي قبل بداية السنة الجديدة بأسبوع.
-أييييييييه..بتقولي أيه؛ ينهار أسود بالسرعة دي ..يعني ايه شهرين وتتجوزي؟؛
أمنت جومانة على كلامها بايمائة من رأسها اودعت فيها حسرتها.. مسحت دموع الذل ثم نهضت وهي تقول بكلمات تحتضر:
-أنا حقوم بقى لحسن أتاخر وبعدين يبهدلني.
قبلتها جومانة قبلة الانصراف في وجنتيها فهمست لها نريمان:
:طيب ياحبيبتي..أبقى طمنيني عليكي.
وما ان انصرفت جومانة حتى اطلقت نريمان دموع الأسف والحزن على صديقتها.
**********************************
لقد باتت تدمن حمله لها، تدمن أنفاسه التي حلت محل الهواء، تدمن تناغم دقات قلبه مع خفقات قلبها، تدمن حرارة جسده التي تخترق جسدها فتبعث اليه الدفئ كأشعة الشمس في يوم شديد البرودة.
كل يوم من أربع الى خمس مرات يحملها، حتى أنها احيانا تخلق المعازير لحملها حتى تعيش ذلك الجنون الذي يحدث لها ..عندما يرفعها على ذراعيه ويرفع قلبها معها الى عنان السماء..ذلك الأحساس الغريب الذي تتذوقه لأول مرة في حياتها، اهتمامه بها وتحمله لعجرفتها ولسانها السليط يأسرها.
أنها حزينة الآن وفي أشد حالات ضيقها، لأنها سوف تحرم من ذلك الشعور الجميل..هاهم يلتفون حولها سعداء لأن الطبيب ينزع عن قدمها الجبيرة، لكن أين هو؟ لماذا لم يقف معهم حتى يطمئن عليها..يطمئن عليا؟؛ لما؟؛ هل رأى منك شئ حسنا يجعله يسأل عن حالك؟؛ لقد أدى واجبه نحوك و ليس من أجل عيناكي بل من أجل والديكي، فماذا تنتظرين منه بعد ذلك؟
أخرجها من شرودها الحزين صوت الطبيب وهو يقول لها بابتسامة:
-حمدالله على سلامتك ياست البنات..والف مبروك على فك الجبس..دلوقت بقى تقدري تتحركي براحتك.
همست بشرود ونبرة يشوبها الضيق:
– الله يسلمك.
تعجب الطبيب من حزنها البادي في ردها فسألها بمداعبة:
-أيه ياست البنات انتي زعلانة ولا أيه عشان حتفكي الجبس ..ايه نخليه شوية كمان؟؛
ابتسمت نريمان بمجاملة على مداعبته ولم تستطيع النطق..او أنها لا تريد التحدث..حتى انها لم ترد على أحد عندما هنئونها على سلامتها واتمام شفائها..واكتفت بايمائة من رأسها وابتسامة خفيفة، ولما لملم الطبيب اغراضه وانصرف..جلست أمها بجوارها وسألتها بقلق وهي تقربها من حضنها:
-مالك يانانا في ايه؟ شكلك زعلان كده ليه؟أنتي حاسة بوجع تاني في رجلك ولا دراعك.
-لا يا ماما مفيش حاجة بس حاسة بشوية صداع..وعايزة أنام شوية.
قلبها يريد أن يسألها عن مالك.. ولسانها لا يطاوعها.. ابتلعت سؤالها وتوسدت حزنها..فربتت أمها على كتفها وهي تقول لها بحنان بالغ:
-طيب ياقلب أمك أنا حسيبك تنامي يمكن الصداع يخف..وأروح أنا بقى أحضر الغدا عشان ابن عمك مسافر الليلة.
وهنا انتفضت نريمان ورفعت رأسها بحركة سريعة، وهي تسأل بلهفة مطعمة بالخوف لم تستطيع اخفاؤهما:
-أيه؟؛ مسافر؛ مسافر فين؟ وليه؟؛.
الى اللقاء في الحلقة القادمة
سهير عدلي