منوعات

رواية كاره النساء بقلم سهير عدلى الاول

تراجع عبد الحميد فجأة ولم يوقع فجعل مروان يضيق عينيه ويسأله متعجباً:
-ايه ياعبد الحميد متمضي..مالك اتراجعت ليه، ايه مش واثق فيا ولا أيه..ياراجل داانت ممضيني على وصل أمانة بعشرين مليون جنيه اخده لما اكتب على بنتك رسمي..تكون ساعتها بلغت السن القانوني.
نظر عبد الحميد لمروان بعد أن شرد عقله لحظات بعدها أردف:
-أنا ليا شرط ومش حمضي غير لما تنفذه.
مروان وقد قارب ان ينفذ صبر:
-شرط ايه ياعبد الحميد تاني بعد كل طلباتك ال طلبتها..ده أنت نحلت وبري ياراجل.
دار عبد الحميد حوله واضعا يده على كتفه قائلا:
-متخفش الشرط ده ملوش دعوة بالفلوس..ده شرط يخصني أنا.
زادت حيرة مروان فهمس وقد شعر بقلق خفي:
-شرط أيه ده يا عبد الحميد.
همس عبد الحميد دون أن ينظر له:
_ أنا عايز دخلة بنتي تبقى بلدي.

الى اللقاء في الحلقة القادمة.
سهير عدلي

الفصل التاسع

كاره النساء

تراجع عبد الحميد فجأة ولم يوقع فجعل مروان يضيق عينيه ويسأله متعجبا:
-ايه ياعبد الحميد متمضي..مالك اتراجعت ليه، ايه مش واثق فيا ولا أيه..ياراجل داانت ممضيني على وصل أمانة بعشرين مليون جنيه اخده لما اكتب على بنتك رسمي..تكون ساعتها بلغت السن القانوني.
نظر عبد الحميد لمروان بعد أن شرد عقله لحظات بعدها أردف:
-أنا ليا شرط ومش حمضي غير لما تنفذه.
مروان وقد قارب ان ينفذ صبر:
-شرط ايه ياعبد الحميد تاني بعد كل طلباتك ال طلبتها..ده أنت نحلت وبري ياراجل.
دار عبد الحميد حوله واضعا يده على كتفه قائلا:
-متخفش الشرط ده ملوش دعوة بالفلوس..ده شرط يخصني أنا.
زادت حيرة مروان فهمس وقد شعر بقلق خفي:
-شرط أيه ده يا عبد الحميد:
-أنا عايز دخلة بنتي تبقى بلدي

حدق فيه مروان غير مصدق ما هتف به عبد الحميد فسأله متعجبا:
-أنت بتقول أيه ياعبد الحميد ؟؛
بنظرات جامدة قال عبد الحميد:
-السمعته.
مروان ومازال مصدوما من حديثه:
-أيوة ازاي تقبل كده على بنتك..طب صارحني أنت بتعمل كده ليه؟ مش واثق فيها؟
سدد عبد الحميد لمروان نظرات جامدة، قاسية متوهجة كأنها سوف تحرقه حينما قال له بنبرة تضع حدا لقراره:
-بقولك ايه ده قراري النهائي ومن غير ماتفهم حاجة ،ولو مش موافق خلاص نفضها سيرة بقى.
بعد قوله هذا كاد أن ينصرف لولا أن أوقفه مروان قائلا وقد خشى أن يخسر عروسه:
-لأ خلاص موافق طبعا.

أثناء حديثهم هذا كانت عزيزة على الباب تحمل الصنية عليها القهوة..ورغم عنها سمعت الحديث الذي دار بينهما، فصعقت ولم تستطيع الدخول لتقدمها لهم.. ان ما سمعته كان أقوى من احتمالها فرجعت الى المطبخ والصدمة سببت لها دوار، تهمهم بينها وبين نفسها بهيستريا كأنها تهزي:
-يقطعني يضنايا ايه ال بيعملوه معاكي ده معقول ..معقول كده؛ يارب ..يارب استرها معاها دي عيلة وغلبانة.. أعمل ايه دلوقت ياربي ..أعمل إيه بس دبرني يااارب؟

قررت عزيزة أن تحدث عبد الحميد وتتراجاه ان يتراجع عن ما ينتويه لعله يستجيب لها.. فإن جومانة طفلة ولن تتحمل مثل هذا الأمر..انتظرت حتى انصرف مروان فدخلت عليه تحمل قهوة له كانت مترددة خائفة من ردة فعله..لكن خوفها الشديد على جومانة حفزها أن تكلمه فقالت له بصوت يملؤه الرجاء:
-عبد الحميد بيه..أنا ..أنا بترجى حضرتك ببلاش حكاية الدخلة البلدي دي ..عشااا. ..
قاطعها عبد الحميد بنظرات صارمة ونبرة زاجرة وقد هب فيها صارخا:
-انتي بتتصنتي عليا ياعزيزة.
عزيزة مدافعة عن نفسها:
-لا والله ياسعادة البيه ده انا سمعتكم صدفة والله وانا بجبلكم القهوة..بالله عليك بلاش الحكاية دي..ست جومانة لسة عيلة ..ابوس ايدك ياساعة البيه بلاش.
فصرخ بها وهو يشير لها أن تخرج:
– وانتي مالك بتدخلي ليه في مالكيش فيه يلا اخرجي وسبيني دلوقت ..أنا مش فاضيلك وروحي جهزي البنت عشان بكرة الفرح..يلا اخرجي برره.

خرجت عزيزة ودموع القهر على خدها..والحسرة والأسف على جومانة يمزقان قلبها..تلك المسكينة سوف تذبح على يد زوجها بأمر من أبيها..ماذا عساها أن تفعل لها؟
عند خروجها لم ترى جومانة التي كانت واقفة عند الباب.. كانت على وشك أن تدخل لأبيها لكي ترجوه أن يعدل عن زواجها من مروان، فسمعت ذلك الحوار ولكنها لم تفهم شئ فسألت نفسها؟ ما معنى دخلة بلدي؟؛ ومع ذلك قلبها انقبض..تشعر أن ما سمعته أمر سئ صعدت الى حجرتها وفتحت حاسوبها ، واستعلمت عن هذا الأمر في البحث قرأت مقالات وأبحاث عن الدخلة البلدي وكيف تكون، وياليتها ماعرفت كأن صاعقة من السماء نزلت على رأسها..جعلتها تشعر بالدوار، وقلبها يخفق بجنون كأنها تحتضر..مسحت عرقا نضح من جبينها، وضعت يدها على فمها تكتم آهة استغاثة، تريد أن تصدح في الآفاق تشكو من ظلم أبيها كيف لأب يرضى لأبنته بذلك، كيف لأب يطلب من زوج ابنته أن يفض بكارتها أمام الغرباء لهذا الحد أبيها لا يثق فيها..اغمضت عينيها وهي تتخيل ذلك المشهد ..فاقشعر جسدها وارتجفت أوصالها.. أجهشت بالبكاء فلا تملك غيره..ترتمي على فراشها تتنتحب وتتشنج..وتنادي على أمها الميتة تأتي لكي تأخذها معها في عالم قد يكون أرحم عليها من ذلك العالم البغيض الذي يحيط بها.
***********************************
جلس مالك على الأريكة يشاهد مبارته التي يعشقها..مبارة الأهلي والزمالك، أما نريمان كانت في حجرتها حائرة هل تتزين وتخرج له تجلس بجواره كأي زوجة تجلس بجوار زوجها، ولكنها عدلت عن التزين فتركت أدوات الزينة وهي تقول في كبرياء:
-ﻻااا اتزوق عشان يقول اني بتزوق عشانه.. ويشوف نفسه عليا ده بعده..لازم ميحسش أني مدلوقة عليه.
خرجت إليه بمظهر عادي..جلست بجواره على الأريكة..كانت تنقل بصرها بينه وبين التلفاز تراه مندمج معه..حتى أنه لم يشعر بجلوسها بجواره..فابتسمت بخبث وقررت بينها وبين نفسها أن تعكر صفوه..وبكل برود تناولت( الريموت) وغيرت المحطة التي تعرض المبارة الى قناة تعرض فيلما تحبه.
وبفعلتها هذه أثارت غضبه كأنه الآن فقط انتبه لوجودها، فنظر لها بنظرات نارية متحفزة كأنه أسد شاكسه فأر فصرخ بها قائلا:
– أييه بتجلبي القناة لييه غورتي الماتش عشان تجيبلي فيلم.
لا تنكر أن صوته الغاضب زلزل قلبها ولكنها ابتلعت غضبه وحاولت أن تبدو هادئة فقالت ببرود:
-أنا مبحبش اتفرج على الماتشات ..وعايزة اتفرج على فيلم.
ابتلع تفاهتها ولم يرغب في الرد عليها بل زفر في نفاذ صبر وخطف منها( الريموت) بعنف وهو يقول مهددا:
-بجولك أييه أوعاكي تاني مرة تغيري الماتش حتبجى بمو*تك ..وهاتي الريموت ديه ويلا فزي جومي اعمليلي شاي.

وكأن مشاكسته تحلو لها، والعند أمامه له مذاق خاص، ومخالفة أوامره تنعش روحها فقالت له وهي تسترد الريموت منه مرة أخرى:
-لا بقى أنا عايزة اتفرج على فيلم وأنت مش حتتحكم في التلفزيون وتاخده لنفسك.
ضم شفتيه بغيظ وهو يغمغم:
-الله مايطولك ياروح.
وهم أن يأخذ منها الريموت.. ولكنها أبعدت يدها عنه بل انها قامت تركض لكي لا يأخذه منها، فصاح بها وهو يزوووم:
-تعالي اهنيه بجولك.
قالت وهي تضحك ضحكات طفولية كأنها تلعب معه:
_ لأ..مش حدهولك.
فركض خلفها.. تجري خلف المقاعد وهو خلفها..هو يزوم بغيظ وهي تضحك باستمتاع..تصعد فوق الأريكة وهو خلفها فيمسك بها وهي مازلت ترفع يدها القابضة عليه وكأنه قطعة ذهب غالية الثمن تخشى فقدها، يتعاركان سويا من أجل الحصول عليه..فجذبها من قدميها فجعلها تنبطح وتنام على الأريكة وهو فوقها ومع ذلك تقاوم في استماتة تحولت ضحكاتها.. الى صرخات تخشى أن ينتصر عليها.. في لحظة تأمل وجهها..تأمل برائتها وعيونها الضاحكة، هي تلعب معه، وهو في قمة غيظه..شئ خفي في رجولته جعله ينهض عنها سريعا يبتلع ريقه بصعوبة وكأنه يهرب منها قائل لها بضيق:
-غوري بيه مش عاوزه سديتي نفسي..
ثم دخل حجرته وأغلق على نفسه الباب..أما هي فقد اعتدلت وقد ذادت ضحكاتها تحرك الريموت في يدها بانتصار وتهز قدميها في استمتاع.
**********************************
منذ أن فهمت جومانة وعلمت ما ينتوي عليه أبيها منذ تلك اللحظة و عقلها يحارب لكي يفهم، لماذا يفعل بها أبيها ذلك؟ أنها تطيع أوامره كالعمياء ..تسمع كلامه..وتتجنب مخالفة أوامره..فما الخطأ الذي فعلته ليقسو عليها هكذا، أنها تخشى حتى التنفس أمامه اتقاء غضبه فإن غضبه أسود وعقابه عسير.

منذ صغرها ومعاملته لها جافة..لم يسبق له أن ضمها الى صدره ولو مرة واحدة..لم يحدث أن قبلها في جبينها قبلة أبوية تحصنها من الضياع، كم من مرات فكرت في الهروب..كم من مرة فكرت في انهاء حياتها ، ولكنها تتراجع كانت تقنع نفسها أن ابيها يفعل ذلك من فرط خشيته عليها أي خوف هذا يجعل الآباء يتعاملون مع أبنائهم معاملة السادة للعبيد..لا يعلمون أن مساحة من الحرية تأمن لهم توازنا نفسيا وخلقيا، فكرت في التخلص من حياتها ولكن عزيزة لم تتركها لحظة واحدة كأنها تشعر بما هي مقدمة عليه، كانت أسوء ليلة قضتها في حياتها..عقلها كاد أن ينفجر من كثرة التفكير ..وقلبها تصدع من فرط الحزن عيناها تورمتا من كثرة البكاء..حتى عزيزة لم تفلح في مواساتها..لا تعلم كيف تزينت ولا كيف ارتدت فستانها وعزيزة بجوارها تتألم من أجلها تربت على يدها وتمسح على ظهرها، ولكنها لا تستطيع أن تنزع عنها حزنها، وأتى أبيها لكي يأخذها ليسلمها لعريسها أو لعشماوي كما شعرت، قلبها خفق بعنف كأنه دقت طبول، وجهها اذداد شحوبا كأنها تحتضر، نظرات مروان لها وهو يتأملها بثوب زفافها كأنها نظرات ذئب يلثم شفتيه استعداد لألتهام فريسته، قبض على يدها ودسها بين ذراعه مما جعلها تنكمش، زفا سويا وكأنهم سيزفونها نحو القبر..وبعد انتهاء الفرح جاءت اللحظة التي جعلت قلبها يسقط في قدميها لحظة صعودها إلى حجرتها تنظر لعزيزة نظرات استغاثة ..وعزيزة تخفض بصرها بعجز..في الحجرة وقفت ترتعش كعصفور بلله المطر كل خلية فيها ترتعش رغم عنها، ساقيها ترتجفان..عيناها تجود بدموع الأستغاثة الغزيرة ولكن قلب أبيها حجر صوان نفذ منه حنان الأبوة..تتشابك يديها مع بعضهما في خوف مستطير..مروان ينظر لها برغبة متوحشة، والمنديل الأبيض يلفه على ابهامه في استعداد لذبحها دون أدنى شفقة ركضت نحو ابيها تصرخ وهي تتوسله وتقبل قدميه..ترجوه وتتوسله باستماتة ودموعها تغرق وجهها:
-لا يابابا..بلاش.. بلاش اقت*لني احسن ومتعملش فيا كده..أنا بنتك يابابا ..ازاي اهون عليك ..عشان خاطري يابابا ..عشان خاطر ربنا .. ارحمني يابابا..وخرجني من هنا بالله عليك يابابا ..لو بتحب النبي ارحمنيييي.

ارتعشت عينه اليسرى بحركة لا أرادية.. يضم يده بقوة حتى يستطيع السيطرة على قلبه الذي يتمزق..ولكنه أشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يقول لمروان بنبرة جافة مطعمة بالقسوة والبرود:
-خلصني بقى يامروان.
جذبها مروان من ذراعها حتى أجبرها على النهوض..وهي تصرخ وتستغيث..وعزيزة في الخارج تبكي بمرارة وتدق الباب بقوة طالبة من عبد الحميد الرحمة..ولكن عبد الحميد قلبه قد مات.. أتى من خلفها وقيدها من ذراعيها يشير لمروان بعينيه أن ينتهي وكانت نتيجة مقاومتها المستميتة لهما أنها لم تتحمل تلك الجريمة البشعة..فقدت وعيها، تدفقت الدماء من أسفلها غزيرة تشهد على بشاعة ما يفعلانه.. دماء لا تريد أن تنقطع.

حتى انزعج مروان فقال وهو ينظر لابيها بانزعاج:
-عجبك كده البنت بتنزف.. أنا ايه ال خلاني طاوعتك.
تجاهل مروان نظرات عبد الحميد الشاخصة والغير مفهومة، والتي تنظر لأبنته بزهول كأنه على وشك أن يفقد عقله.. اتصل بالأسعاف وعندما فتح الباب دخلت عزيزة ولطمت عندما رأت منظرها البشع..أباها يحتضنها من ظهرها شاخص البصر عيناه تدوران في محجريهما في زهول..رأسها مرتخيا على ذراعه..ثوبها ثائر حولها باهمال ودماء عذريتها فرشت الأرض من تحتها.
صرخت عزيزة:
-بنتييييييي.

*******************************

بعتزر لو كان مشهد ليلة زفاف جومانة وصفته باستفاضة شوية.. بس عشان ابين مدى الجرم ال بيقع على الفتاة بمثل هذه العقليات المتحجرة.
دمتم بخير.

الفصل العاشر

كاره النساء

وضع مروان جبينه على باب حجرة العمليات، الندم يمزق أحشائه، هو الذي ظن نفسه ذئب بشري..قد ماتت الرحمة في قلبه، للحظات ظن أنه كفر بكل النساء..وأنهم كلهن في نظره مجرد أداة للتسلية..للمتعة، للقضاء على الوقت، جومانة وحدها احتلت مكانة خاصة في قلبه، استولت عليه واستحوذت على نبضاته..عينيها أداة التحكم التي تتحكم به كل نظرة منها تزلزله..في لحظة غباء مضى على ثق ذبحها، في لحظة خوف من فقدها قبل أن يمزقها أربا بدم بارد.
همس لنفسه وهو يضرب جبينه في الباب عدة مرات والندم يأكل قلبه:
-ما كانش المفروض أوافق، ما كانش المفروض أقبل..أنا غبي حمار..وحش مفترس ..ضيعتها قبل ما تبقى ملكي.
ظل يخبط رأسه في باب الغرفة ندما.. ويجلد نفسه ويلومها أشد اللوم.. يشعر أنه يريد أن يضرب نفسه بالرصاص عقابا لها على ما فعلته.

على بعد متر واحد جلس عبد الحميد أبيها على مقعد الأنتظار، وكل شئ بداخله متوقف نبضه ..قلبه الذي لا يخفق.. عقله المشلول ، ضميره الميت ..هكذا كان يشعر..صمت رهيب بداخله ينذر بشئ خطير..يريد أن يلوم نفسه ولا يستطيع..يريد أن يتكلم يعاتب ضميره يحاسبه..لكنه عاجز ..فقط كان لسانه ينطق بكلمة ينطقها بروح تحتضر..تخرج بحروف ضعيفة ميتة:
-بنتي..بنتي..بنتي..بنتي.

ساعتين بعدها خرج من الحجرة طبيب نسائي عمره ثمانية وعشرون عاما..أشقر..شعره أصفر ذو تعاريج..شفتاه غليظتان مقلوبتين باشمئزاز من فعلته، وجهه غاضب مستاء لم يخفى ذلك على مروان الذى أطرق وجهه خجلا من نظراته المحتقرة له وحينما قال له الطبيب:
-أنت جوزها.
أومئ مروان برأسه ايجابا.
استطرد الطبيب بنفس تعبيرات وجهه المستاءة:
-ايه ال أنت عملته في مراتك ده..ال أنت عملته ده جريمة، جريمة بشعة.. يحاسبك عليها القانون.
نبض قلب مروان بخوف ليس خوفا على نفسه بل خوفا عليها..حتى انه سأله وهو يحدق فيه باضطراب:
-حصلها ايه؟؛ قولي حصلها أيه.
وكأن الطبيب الشاب أراد أن يعذبه فلم يريحه بل قال له وهو ينظر له باحتقار:
-أدعي ربنا أن يلطف بيها.
ثم تركه وانصرف..كل ذلك وأبيها لم يتحرك قيد أنملة ولم ينظر حتى للطبيب وهو يتحدث وحديثه يسلخ قلبه، لم يهم ليسأله عنها.. والصمت بداخله تحول الى براكين من الغضب ونارا تنتشر بداخله حتى كادت أن تحرقه.. لم ينهض الا عندما رأى ابنته تسوقها الممرضة أمامها على السرير المتحرك ..غائبة عن الوعي معلق في ذراعها المحلول.. حينها قام بصعوبة ساقيه مقيدتان كأنه لا يملك ارادة لتحريكهما ينظر لها وقد جادت عيناه أخيرا بدموع غزيرة يهتف بلوعة:
-بنتي ..بنتي..بنتي.
جذبه مروان من ياقته وظل يهزه بعنف قائلا له من بين أسنانه متوعدا:
-دلوقت بنتك..عارف ياعبد الحميد لو بنتك جرتلها حاجة وربنا محخليك دقيقة واحدة على وش الدنيا.
تعجب مروان من ردة فعله أنه لم يقاوم ولم يحاول حتى أن ينزع يديه عنه..أو حتى أن يدافع عن نفسه..بل تركه يفعل به مايشاء..كأنه تمثال من خشب لا يملك لنفسه أي حول، كأنه يستحق لنفسه ذلك.. ظل مروان يتفرس وجهه الذي بدأ يشحب بشدة ..شفتيه أصبحت سوداء..عيناه اغلقت بأعياء شديد ..ثم سقط فاقد للوعي..رغم عنه صرخ مروان باسمه فزعا:
-عبد الحميد.
حمله بين ذراعيه وتوجه به نحو طبيب ليفحصه..والذي شخص حالته أنه تعرض لجلطة قلبية دخل على أثرها العناية المركذة.
************************************
كان مالك عائد من عمله فوجد نريمان جالسة على مائدة الطعام، دافنة وجهها بين ذراعيها تبكي بحرقة فسألها منزعجا:
-ايه عتبكي ليه؟؛ ايه الحوصل؟؛
رفعت رأسها كان وجهها أحمرا بشدة مبتلا بدموعها قالت بكلمات سريعة:
-جومانة صحبتي حتمو*ت يامالك ..حتمو*ت.
-طب اهدي إكده وفاهميني مالها صاحبتك دي حوصلها ايه.
قالت وهي تشهق:
-معرفش أنا كلمت عزيزة بطمن عليها قالتلي انها في المستشفى، وفي العناية بس مقالتش مالها وايه ال حصلها..عشان خاطري يامالك وديني ليها عايزة أشوفها عشان خاطري أنا قلقانة عليها قوووي.
ثم ارتمت في حضنه وقد تفاجأ بذلك فتسمرت ذراعيه.. حائر هل يضمها اليه أم يبتعد كما يأمره عقله، وبالفعل استجاب لعقله فقال لها وهو يبعدها عن صدره برفق:
-طب ماشي روحي غسلي وشك .. عشان نطمن عليها.
ابتسمت له في امتنان وركضت في حماس بعد أن قبلته في خده.
بعد أن اختفت من أمامه وضع يده على أثر القبلة زافرا بضيق رافضا اياها.

*******************************
-خلاص يابنتي من ساعة ما جيتي من المستشفى وانتي حتمو*تي نفسك من العياط.

قالتها وداد وهي تشدد من ضمها لابنتها ..ولكن نريمان لا تكف عن البكاء والشهلقة تقبض على حضن أمها بقوة تحتمي بها من مصير كهذا قالت وكلماتها ضائعة من كثرة البكاء:
-مش قادرة ياماما مش قادرة من ساعة ماشفت جومانة راقدة ومش حاسة بالدنيا وأنا حمو*ت عليها..الدكتور قال انها بين الحيا والمو*ت لو النزيف موقفش حتمو*ت ياماما حتمو*ت.
ثم واصلت البكاء بهستريا..ووداد تشدد من ضمها وهي تقول:
-بعد الشر عليها ياحبيبتي ربنا يلطف بيها يارب ويشفيها..والله البنت دي صعبانة عليا مش عارفة أب ايه ده..ال يعمل في بنته كده..ربنا يحرقه البعيد.
رفعت نريمان رأسها من على صدر أمها تسألها بانزعاج:
-ماما..فين مالك..سابني وراح فين.
وداد:
-مالك يابنتي بعد موصلك راح الشغل أبوكي عايزه هناك ضروري.
نريمان بتزمر:
-يووووه بقى هو ده وقته ازاي يسيبني في الحالة دي أنا محتجاله قووي.
أشفقت وداد على ابنتها من شدة تعلقها بزوجها فقالت لها وهي تمسح على شعرها:
-حالا يجيلك يابنتي متقلقيش روحي أنتي بس اغسلي وشك ونامي شوية لحد ما مالك يرجع.
انصاعت نريمان لنصيحة أمها وصعدت الى شقتها وهي في أشد الحاجة الى وجوده بجوارها.
*********************************
في حجرة العناية المركزة القابع بها عبد الحميد، راقد على سريره موصول بأنابيب طبية، وأجهزة تشير لنبض ضعيف وحياة على وشك الأنتهاء، رأسه يروح يمينا ويسارا تحت كمامة التنفس كأنه في معركة..نعم هو الآن في معارك وليس معركة واحدة..معارك الماضي الذي حضر وكأنه يحدث للتو شاهدا على فعلته الشنعاء، حضرت أمامه ذكرى ليلة زواجه..تلك الليلة التي كان ينتظرها على أحر من الجمر في هذه الليلة سوف يتحقق أكبر حلم في حياته وهو زواجه من أجمل فتاة في القرية التي عين بها مهندسا زراعيا.. وهي سلمى ابنة عمدة هذه القرية، فتاة كالفرسة العفية..تملك كل مقومات الجمال، حلم كل رجال القرية ومطمعهم في نفس الوقت.. ذلك من أجل أموال أبيها التي سترثها بمفردها..كان عبد الحميد عريس لقطة بالنسبة للعمدة فهو مهندس، وسلمى لا تجيد حتى القراءاة والكتابة،( العمدة سيناسب المهندس يابلد ) هكذا كان يتحدث العمدة بين رجال القرية.
اقيم عرس كبير بالطبل البلدي، عرس يليق بالعمدة ونسيبه الباش مهندس، في مثل هذا الوقت كان من عادات هذه القرية أن يدخل العريس على عروسه ( دخلة بلدي) لكي يخرج أبيها بعد ذلك بعلم الشرف مرفرفا عاليا أبيا بين أهالي البلدة.. ولكن عبد الحميد رفض تلك العادة المتخلفة، فهذه الليلة ملك له لا يجب أن يتعدى عليه أحد، وأصر عبد الحميد على أن تكون ليلة زفافه له وحده بينه وبين عروسه لا شريك بينهما، ولكن العروس ليست بكرا، يالعارك ياعمدة..خرج عبد الحميد في تلك اللحظة هائجا..سائر وعلم الشرف ناصع البياض..منتكسا بين يديه، يضعه أمام وجهه وهو ينظر لعيناه المزلولة قائلا:
-هو ده الشرف ياعمدة..بتغشوني بتضحكو عليا هي دي بنتك البكر المصون.
لم يستطيع العمدة التفوه ببنت شفة.. كان عرقه يسيل على جبينه بغزارة يشعر أن روحه تزهق بالبطيئ قال له بصوت محشرج:
-استر عليا ياعبد الحميد وال عتطلبه انا حدهولك.. أنا حكتبلك ثروتي كلتها.

توراى الشرف خلف سلطان المال..لمعت عيون عبد الحميد طمعا.. أمام الثروة تنازل عن كل شئ حتى الشرف.
وعاشت سلمى معه مكسورة مقهورة، مسجونة بجريمة عارها، كان عبد الحميد يعاملها معاملة العبيد..لم يغفر لها خطيئتها حتى ابنته التي جاءت بعد عام من زواجها لم يتقبلها، شك بها ولولا التحاليل التي أثبتت بنوتها له ، لكان ألقى بها في الشارع، أو في ملجأ، رحم الله سلمى عندما قبض روحها أثناء ولادتها..ولم يرحمها زوجها.. ذنبها الذي ارتكبته جعلها موصومة بالعار حتى مماتها، بل أنه لم يرحم أبنته التي ليس لها ذنب، عاش بوهم هذا العار ويقينه أن ابنته سوف ترث من أمها سلوكها السيئ..وحتما ستجلب له العار كأمها، فضيق عليها الخناق، وأغلق عليها الأبواب، حبسها في سجن الماضي، كان متزمتا معها..يعد عليها أنفاسها، ويحسب لها خطواتها كل ذلك لكي يحميها أو يحمي نفسه من عارا ظن أنه واقع لا محالة..ولكنا دمائها العفيفة الغزيرة التي فرشت الأرض أحييت ابوته بعثت حنانه من جديد..وولدت أيضا ندما شديدا.
ظل يهمس لنفسه بهستريا ودموعه تسقط من جانب عينيه:
-ابنتي أشرف من الشرف..أبنتي ضاعت بسببي..ضايعتها ..خسرتها بقسوتي..ظلمتها..بنتي جومانة ..جومانة..
وعلى صوته المحتضر باسم جومانه حتى أن الأجهزة ارتفعت أزيزها تنذر بتوقف قلب المريض.. ركضت الممرضة في عجلة..لتنادي على الطبيب..بعد أن حضر الطبيب وبذل كل ما يمكن لأنعاش قلبه.. مرة أخرى دون جدوى فالروح لفظت أنفاسها الأخيرة.

الى اللقاء غدا باذن الله حلقة جديدة.
سهير عدلي

الفصل الحادي عشر

أربعة أيام وجومانة هاربة في غيبوبة ..عقلها الباطن الذي يشجب ما حدث لها، أراد أن يريحها من عذاب الدنيا..فأخذها لعالم الأحلام..دنيا نظيفة خالية من شرور البشر وقسوتهم..استطاع الطبيب الشاب بكل ما أوتي من قوة أن يوقف النزيف ليس من أجل زوجها ذلك القابع بجوارها ليل نهار. والذي يزرف دموع الندم من أجلها دموع تشبه لدموع التماسيح..لقد أنقذ حياتها من أجلها هي..من أجل زهرة شبابها المقهور، كانت رموشها ترتعش..تجاهد أن تفتح عيونها، لكنها خائفة أن تصطدم بواقعها المؤلم، عندما لمح مروان تململها وعيونها التي تحاول فتحهما ابتسم بفرحة وراح ينادي أسمها:
-جومانة..جومانة أصحي..أنا جمبك اهو ..اصحي ياحبيبتي.

كانت ما بين النوم واليقظة..صوته يتسلل لأذنها فينقبض قلبها بخوف..انه هو صوته صوت الذئب الذي نهشها..فتعود للنوم من جديد.
عندما وجدها عادت لغيبوبتها اختفت فرحته فركض لكي يستدعي الطبيب عله يساعدها للعودة الى الحياة من جديد فصرخ بلهفة:
– دكتور أكرم ..يا دكتور.
دلف الى حجرته باندفاع..واستطرد وهو يعتذر:
–أنا آسف..بس جومانة فاقت شوية كانت حتفتح عنيها وبعدين أغمى عليها تاني.

خطف اكرم سماعته وخطى بنشاط نحو حجرتها.. ظل يتفحصها، يفتح عيونها ويسلط عليها ضوء من كشاف طبي صغير..ثم حقنها بحقنة لتنشط خلاياها..بعد لحظات بدأت بالفعل تفيق ..فاقت على صوت مروان وهو يهتف باسمها:
-جومانة ..اصحي..فوقي ياحبيبتي.
عندما اتضح لها صوته الذي باتت تكرهه..ووقعت عيناها على صورته المهزوزة أمامها.. حضر مشهد ليلة زفافها وهو ينقض عليها كالذئب المفترس.. فاختنقت أنفاسها..وشحب وجهها.. وراحت تصرخ وتصرخ..وتبتعد عنه منكمشة كأنها رأت عفريتا يريد أن يتخطفها.
انزعج مروان لرعبها منه وقال محاولا أن يهدأ من روعها:
-جومانة مالك ..جوما…….
ولكن اكرم اوقفه وهو يحذره قائلا:
-من فضلك يا أستاذ مروان لازم تخرج حالا ..واضح أنها بتنهار لما بتشوفك.
مروان معترضا:
-أزاي أخرج و أسيبها بالحالة دي.
اكرم وهو يشير على جومانة:
-لازم تخرج وحالا أنت مش شايف حالتها..لو عايزها تخف لازم تبعد عن وشها..لحد ماتعدي مرحلة الخطر..وجودك قدامها بيسببلها انهيار..لو يهمك يعني مصلحتها.. وعلى فكرة هي محتاجة لدكتور نفسي يتابع حالتها وانا رشحت واحد من أصدقائي.
زفر مروان بضيق..واضطر أن يخرج.
في تلك اللحظة حقنها دكتور أكرم بحقنة مهدئة حتى تهدأ.

جلس مروان على مقعد الأنتظار..يمسد جبينه بضيق..فانتقلت يده نحو رقبته عسى أن يمحو الأختناق الذي انقض عليه..فهمس لنفسه:
-منك لله كله منك يا عبد الحميد..الله يسامحك ياشيخ.
وصدح صوت بداخله يلومه ويقوله له:
( وهل عبد الحميد وحده مسئول عن ما حدث لتلك المسكينة)
وهنا أدرك أنه طرف في ذنب عظيم..لقد أصدر عبد الحميد الحكم بالأعدام..وكان هو عشماوي الذي نفذا هذا الحكم.
-أنت مذنب أيضا يامرون..يكاد ذنبك يكون أعظم.
هكذا هتف ضميره..واستطرد يعاتب نفسه :
-ياترى حتقدر يامرون تصلح ال عملته؟
************************************
ظلت تقلب في يدها جوزات السفر بغير تصديق وهي تهتف بفرحة تخرج من القلب:
-معقول..أنا مش مصدقة عنية.. أخيرا ربنا كتبهالنا وحنروح نزور النبي..ياما أنت كريم يارب..تسلملي ياحج..ربنا ما يحرمني منك يارب.

كان يتأمل سعادتها الطاغية ويبتسم لفرحتها قائلا وهو يربت على ظهرها:
-كل شي لما يعوز ربنا يا أم نريمان..وآهه ربنا رايد أننا نبجى زواره.
قالت وهي ترفع عيناها اللامعة بدموع السعادة للسماء:
-ونعم بالله.
استطردت وهي تنظر له بامتنان:
-بس بصراحة دي مفاجأة حلوة قوووي.

-أنا كنت مأجلها لما نريمان تتدوز واهاه بجت في عصمة رادل..اعتمد عليه..عشان لما أسافر أبجى مطمن عليها.
وداد بابتسامة حامدة:
-بس ياترى نريمان حيكون رد فعلها ايه؟
خالد:
-حتجول ايه يعني حتفرح لينا ..همتك أنتي عاد وجهزي الشنط.
قالت وداد وهو تنظر للجوازات كأنها تتأكد أن الأمر حقيقة وليس أحلام:
-متقلقش يا حج اعتبر كل حاجة جهزت خلاص ان شاء الله.
*********************************
عندما علمت نريمان بأمر سفرهما فرحت من أجلهما ولكنها شعرت بوحدة..وخوف رهيب هجم على قلبها فجأة..ومما زاد من وحدتها اهمال مالك لها وعدم ادراكه لحبها له.
بعد أيام ذهبت مع مالك ليودعا أبيها وأمها وفي العودة وهي جالسة بجواره كان يقود السيارة وكأنها غير موجودة بجواره، شارد أمام الطريق لا يكلمها كلمة واحدة..زفرت بضيق وأجبرت نفسها على النظر من نافذة السيارة..في هذه اللحظة بالذات ودت لو تبكي في حضنه، علها تصب حزنها ووحدتها وخوفها داخل صدره..ضمت نفسها بيديها ولا تعلم اهي تحتمي من هواء النافذة أم من برد مشاعرها.
-يلا أنزلي ..وصلنا.
ترجلت من السيارة دون تعليق منها ركضت صوب حجرتها، وارتمت على فراشها تفرغ كل انفعالاتها على وسادتها.
أما مالك عاد الى عمله دون حتى أن يلقي عليها السلام، كان عقله مشغول في حديث عمه الذي قاله لها قبل أن يسافر.

بعد أن أعياها البكاء رفعت رأسها، مسحت دموعها بأصابعها، وضعت الوسادة على فخذيها وظلت تفكر، تحاور نفسها قائلة:
– هو انتي يعني يانانا عايزاه يحبك وانتي بتتعاملي معاه كده بقرف ..من أول ما جه البيت وعاش معانا وانتي مطهقاه في عيشته وعالطول مقالب فيه لما زهقتيه ..عايزاه بقى يتعامل معاكي ازاي بعد ده كله..مستحيل طبعا يحبك ولا يفكر فيكي أصلا.
أسندت رأسها على السرير ثم استطردت تقول لنفسها كأنها تحلل علاقتها به وتحاول ايجاد حلول له:
– أكيد كرهك من كتر عاميلك فيه عشان كده لازم تصلحي ال أنت هببتيه فيه. . بخيبتك القوية.
طب أعمل ايه دلوقت أنا بجد تعبت من كتر الشد والجذب البينا ..هو دلوقت جوزي نفسي يحبني ويحس بيا.. آاااه ياربي حاسة اني ضايعة من غيره..لما بيبقى جمبي بحس بالأمان مع أنه مش طايقني ..نفسي بقى أشوف نظرة حب في عنيه أمتى ده يحصل؟

تركت فراشها وهي تزفر في يأس تتجول في حجرتها على غير هدى..ثم توقفت خطواتها أمام المرآه تنظر لصورتها المعكوسة ترى الحزن على وجهها..والبؤس في نظراتها.
داعبت شعرها بأصابعها في ملل..ثم ابتسمت فجأة وهي تتمايل يمينا ويسارا في دلال انثوي تهمس لنفسها بأمل:
-طب ليه مفحتش صفحة جديدة معاه..وأحسسه بحبي واسبني بقى من كبريائي ده..والعند ال بيبعده عني أكتر .

اتسعت ابتسامتها وكأن ما قالته لنفسها راق لها، فشعرت بحماسة لأن تتخذ مثل هذه الخطوة..مشوار الحب يبدأ بخطوة..اتجهت لخزانتها وتناولت منها قميصا عاريا يجسد جسدها القد المتناسق..صففت شعرها وجمعته كله على كتفها الأيمن، وضعت عطرها طلت شفتيها بلون وردي زادها جاذبية.
وفي الأخير راق له حسنها وشكلها النهائي، وباتت تتخيل نظراته الولهة المعجبة بجمالها حتما لن يقاوم فتنتها.. سمعت صوته فخفق قلبها وضعت يدها عليه لتهدأ من دقاته.
لا تعلم سر خفقاته اهي فضولها لمعرفة رد فعله عندما يراها هكذا لأول مرة..أم خفقات حب واشتياق .. أم خفقات لشئ مجهول تخشى حدوثه.
فتح مالك باب الحجرة ولما لمحها بذلك المنظر تسمر مكانه ولم يكمل دخوله، أطرقت برأسها خجلا، من نظراته تلك.. رفعت رأسها علها تلمح الأعحاب في عينيه..لكن نظرات عينيه ليست حب..ولا وله ولا أعجاب..بل نظرات نارية، قاسية، نظرات حاقدة كأنها عدائية، حتى انها جعلتها ترتبك وتتراجع للخلف في خوف، خاصة عندما تقدم هو الآخر نحوها في تحفز.. حاولت أن تتماسك وتبتسم له..لكن رغم عنها وجدت نفسها تبتلع ريقها بصعوبة، لا تستطيع أن تتنبأ برد فعله ترى ماذا سيفعل بها.. وعندما أصبح أمامها تمام لا يوجد غير خطوة واحدة تفصلهما.. وجدته يضم شفتيه بغيظ الدنيا كلها وظل يصفعها على وجنتيها صفعات مجنونة..غبية كأنه فقد السيطرة على نفسه يردد:
-مجرفة..مجرفة..كلتكم زي بعض كلتكم زي بعض..كلتكم زي بعض.
تصد صفعاته بذراعيها ،وهي تضرخ متعجبة لا تعلم ما الذنب الذي اقترفته لكي تستحق كل هذه الصفعات:
-بتضربني لييه..بتضربني ليه..عملت ايييه آااااااه؟؛
وكانت صفعاته لها بدون وعي..لم يكف عن صفعها الا بعد أن غابت عن الوعي وخيوط الدماء تنسال من جانب شفتيها..بعدها شعر بداور من فرط الانفعال.. وعيناه أرتخت في تعب وكلل..ثم تركها وانصرف بخطوات مترنحة كأنه سكير أسكره الغضب.. وهو يردد
كسحة تاخد الحريم كلتها.
********************************
في صباح اليوم التالي فاقت جومانة كانت تشعر بخواء ..ضعف يتملكها، قوتها متلاشية..ظلت تتأمل الحجرة حولها وهي تقول باعياء شديد:
-أنا فييين؟؛؛؛
رأت وجه يبتسم لها ويقول:
-متخافيش أنتي في المستشفى.
بنظرة مريضة ونبرة ضعيفة..سألته:
-أنت مين؟؛
-بنفس الأبتسامة أجابها:
-دكتور أكرم سليمان .
هتفت عزيزة بسعادة واحتوتها بنظراتها الحنون:
-حمدالله على سلامتك ياضنايا الف حمدالله على سلامتك .
ابتسمت جومانة بضعف لعزيزة ولكنها لم تستطيع التحدث..
التفتت عزيزة للطبيب عندما قال لها:
-بقولك ايه ياست عزيزة مهمتك بقى انك تأكليها كويس عشان تسترد عافيتها بسرعة .
بحماس هتفت عزيزة:
-من عنية يادكتور حاضر حأكلها.
ثم التفت لجومانة وقال لها باابتسامته العذبة:
-عروستنا بقى الحلوة تقوم وتحاول تاكل.

قبل أن يخرج أوصى الممرضة أن تعطيها الدواء في مواعيده ..وأن تمنع زوجها مروان من زيارتها..ذهب الى صديقه دكتور حافظ رجب استشاري الأمراض العصبية، والنفسية شرح له حالة جومانة فوعده حافظ أن يمر عليه في المساء لكي يراها.

وبالفعل مر دكتور حافظ على جومانة بصحبة أكرم تحدث معها مدة قصيرة وفهم ما هي حالتها.

في حجرة أكرم

بلهفة سأله أكرام:
-حالتها ايه بالظبط ياحافظ طمني عليها.
ضيق حافظ عينيه وهو يتفرس وجه صديقه والاهتمام البادي على وجهه المبالغ فيه، والذي يبديه لاول مرة لمريضة..فهمس له:
-مالك ياأكرم أول مرة أشوفك قلقان كده على مريضة.
تدارك أكرم قلقه بسرعة فقال سريعا وهو يخفي خوفه:
-اا عادي يعني ياحافظ ..يمكن بس عشان صعبت عليا..المهم قولي حالتها ايه؟؛
-قال حافظ وهو يحاول أن يقتنع بتبريره على الرغم من أن بداخله يشعر أن أكرم به شئ مختلف.. فقال بنبرة طبيب يشرح حالة مريضة:
-شوف ياسيدي..هي اتعرضت لصدمة نفسية عنيفة خلتها ترفض الوقع وتغيب عن الوعي اربعة أيام..بالاضافة الى انهيار عصبي لما شافت جوزها لأن رؤيتها له بتفكرها بالحادث البشع ال حصلها على ايديه..دلوقت ياريت تبعدوها عن أي مؤثر يفكرها بالحادثة عشان ميأثرش عليها تأثير سلبي عليها.. ياريت كمان اهلها يحاولوا ان يفرحوها بأي طريقة أو شكل من الأشكال.. وبكده ممكن تخف بسرعة.
استمع أكرم له وهو يهز رأسه بتفهم .
ثم شكره من كل قلبه.

سهير عدلي
الى اللقاء في الفصل القادم
دمتم بخير

انت في الصفحة 6 من 6 صفحاتالتالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل