منوعات

رواية كاره النساء بقلم سهير عدلى الاول

الفصل السابع
كاره النساء

وكأن قلبها نزع من نومة لذيذة عندما قالت لها أمها أن مالك سيسافر، لماذا فزعت من أمر سفره؟ هل خشت أن يذهب الى بلده ولا يعود مرة أخرى؟ أليس هذا ما كانت ترغب به؟؛ لماذا هي قلقة الآن؟ حتى أن أمها سألتها وهي تضيق عينيها متعجبة للهفتها تلك:
-أيوة يابنتي مسافر مالك اتخضيتي كده ليه؟؛
تداركت لهفتها على الفور وسرعان ما أبدلتها بنبرة متعجرفة توحي بأنها سعيدة:
-ااا..يعني أنا..أها عايزة أتأكد أنه مسافر على بلده، عشان يريحنا منه.
نظرت لها نظرة صادمة مطعمة بالعتاب، يبدو أن احساس وداد خانها فقد شعرت أن سؤال ابنتها عن سفر ابن عمها فيه لهفة او بداية للاعجاب به فهمست على مضض:
-لأ ياختي مش مروح بلده..ده مسافر يجيب شغل لأبوكي.
قالت ذلك ثم انصرفت..ولو التفتت للخلف ونظرت لأبنتها.. لرأت ابتسامتها التي ارتاحت على شفتيها وهي تنام على كفها وقد أغمضت عيناها في سعادة.
لم تنم تلك الليلة ولم تخرج من حجرتها الا في الساعة التي ظلت تترقبها، وهي ساعة سفره التي علمت بها من الخادمة، وعندما سمعت وقع أقدامه، خرجت من حجرتها كأنها تقابله صدفة فنظرت له من طرف أنفها ثم قالت له وهي تشير على حقيبته:
– ايه ده..اخيرا حتمشي وتريحنا منك..احمدك يارب.
فتأفأف مالك وهو يردف في ملل:
-يافتاح ياعليم..اصتبحنا واصتبح الملك لله..
ثم رفع يده أمام وجهها واكمل:
-مكنا مستريحين منيكي ياشيخة وأنتي راجدة.
قالت نريمان معترضة في تزمر وقد وضعت يديها في خصرها:
-ليه بقى ان شاء الله كنت شايلني على كتافك ولا شايلني على كتافك.
مالك ضاحكا:
-لاه كنت شايلك على ايديا زي العيلة عشان اوديكي الحمام..لحسن تعمليها على الفرشة وتجرفينا بعد إكده.
زامت بغيظ وهي تضربه على كتفه فأردفت:
-أنت قليل أدب على فكرة ومقرف كمان.
رد لها ضربتها بضربة على كتفها بظاهر أصابعه وهو يقول:
-اتحشمي يابت..كسحة تاخدك يابعيدة.
-كسحة تاخدك أنت بقى هه.
قالتها وهي تضربه أيضا على كتفه.. وما كان منه الا أنه ظل يدفع وجهها بكفه الذي احتواه كله.. الى الخلف وهو يقول من بين أسنانه:
-بجولك أيه..أنا مش ناقصك وراي سفر أتجي شري أحسنلك وغوري نامي ايه المصحيكي بكير إكده.

كادت أن تكمل معه شوط الشجار..لولا صوت خالد أبيها الجهوري الذي وضع حد لنازعهما عندما قال:
-خبر ايه منك ليها عالصبح هو ديه وجته..يلا يامالك حتتأخر ياولدي.
مالك وهو يسرع خطاه:
-حاضر جاي آهه.
وعادت نريمان الى حجرتها فأغلقت الباب خلفها واستندت عليه..ابتسامة حب ترقص على شفتيها، تنهيدة حارة خرجت من صدرها تنعي بعده..سعيدة هي بمناكفتها له..لأول مرة تناكفه باسم الحب وليس باسم الغرور والعجرفة..خطواتها نحو فراشها خطوات خفيفة كفراشة تتنقل بين أزهار العشق، القت بنفسها على سريرها وكأنها ترتمي فوق أحضانه..تتقلب عليه في استمتاع وكأنها تتمرمغ على بساط أخضر ..كل كلمة منه أصبحت أغنية عذبة تتطرب لسماعها، حتى جملته الملازمة له( كسحة تاخد الحريم كلتهم) تعيدها على نفسها وهي تبتسم بأعجاب، ترددها فيستطعمها لسانها ويظل يكرر فيها دون كلل، فجأة جلست على الفراش وقد عضت أبهامها في تفكير سائلة نفسها:
-الله..مالك يانانا ايه ال جرالك؟؛ مالك مبسوطة قوي كده ليه؟؛ مش ده ال كنتي مش طيقاه، مالك كده فرحانه بمناكفته وكلامه معاكي..ايه انتي حبتيه ولا ايه؟؛ انتي اتجننتي؟؛ ازاي تحبي الجلف ده..شكلك اتخبلتي يانانا؟؛

ثم يأتي صوت آخر بداخلها وكأنه يتولى الأجابة على تلك الأسئلة نيابة عنها:

– لا ..لا حب ايه؟؛ ده ..ده مجرد هدنة واعجاب بس عشان هو بصراحة تعب معايا بقى يشيلني ويوديني أي مكان..من غير ميمل.

ثم صوت ثالث ينضم للمجادلة..صوت هائما..عاشقا..يثبت بتنهداته انه غارق فيه حد المو*ت فيقول لها:
-وليه متحبهوش ..هو يعني عيبه ايه..وقلبي ده ال بيدق كل ما يشوفه..ونفسه يتجنن ويروح يبوسه ويحضنه..ودلوقت أهو واحشني وملوش دقايق بعيد عني.
اغمضت عيناها في حيرة..وزفرت بقوة ثم سألت نفسها بصوت عالي نوعا ما:
-آااااه يانانا..هو أنت فعلا حبيته؟؛
*********************************
تتقدم جومانة نحو أبيها بخطوات بطيئة يشوبها الزعر، رجل طويل القامة ذو شارب عريض، عيناه قاسيتان..ملامحه غاضبة دائما كأنه ناقم على الجميع.
قلبها يزداد خفقانا..تبتلع ريقها بصعوبة وهي ترى أبيها واقفا ينظر لها بكل الغضب والانتقام اللذان تجمعا في تلك النظرات، عاقدا ذراعيه خلف ظهره يسألها بنبرة قاسية:
-أتأخرتي ليه لغاية دلوقت يابنت، أنا مش قلتلك ميت مرة متتأخريش وتكوني هنا قبل الميعاد.
اصفر وجهها ونبض قلبها..وارتعش صوتها وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بحروف خائفة:
– غصب عني والله يابابا ددد..دول كلهم خمس دقايق يابابا..والله ككنت بجري وأنا جاية.

-أنتي مش بتسمعي الكلام ليه..انتي بنت قليلة الأدب عايزة تمشي على حل شعرك، امال لو كنت سبتلك الحبل على الغارب كنت عملتي فيا ايه كنتي جبتيلي العار يبنت ال(……..) وراح يسبها بأفظع اللالفاظ …وهو يجذبها من حجابها ويضربها بعنف ودون رحمة..صفعات تئن لها الأنسانية تدوي على جبينها، وكل هذا بسبب تأخير خمس دقائق و لم يرق لصراخاتها ولا توسلاتها، ولا قسمها له بأنها بريئة لم تفعل شئ.. ولولا ذلك الذي جذبه من ذراعه حتى يخلص تلك البائسة من بين براثنه.. ل كانت الآن جثة بين يديه استطاع أن يبعده عنها بعد أن همس له بعتاب:
-خلاص بقى ياعبد الحميد البنت حتمو*ت في ايدك سيبها بقى.
بمجرد أن تحررت من بين يديه، رقدت جومانة نحو حجرتها بخطوات مزعورة كأن كلاب مسعورة تلحقها، أما عبد الحميد أبيها كان واقفا يلهث من فرط انفعاله يتنفس بقوة، وهو يهمس:
-بنات عايزة قطم رقبيهم.
قال مروان وهو يسحبه صوب المقعد وقد أجبره على الجلوس عليه:
-يا عم أهدى بس كده ..هي عملت ايه يعني لده كله..كله ده عشان اتأخرت خمس دقايق..تلاقي الشوارع كانت زحمة ولا حاجة..وبعدين بقى من دلوقت ملاكش ضرب عليها..دي حتبقى مراتي خلاص.
قال عبد الحميد وهو يشيح بيده بعد أن هدأت انفعالاته:
-اهي عندك اشبع بيها..ونصيحة مني إن مكنتش تشد عليها مش حتسمع كلامك بعدين..دي بنتي وأنا عارفها..قطيعة تقطع البنات وخلفتهم.
-لا متعونش هم الموضوع ده بقى يخصني.. أنا حعرف أربيها أزاي.
قال ذلك وهو يسافر بتخيلاته الى اليوم الذي يحلم به وقد امتلكها بين يديه..منذ أن رآها لأول مرة منذ عامين تقريبا عندما شارك عبد الحميد في بعض الأعمال وعزمه على العشاء في بيته، ورآها وقتئذن كانت طفلة بريئة منكسرة، ضعيفة، جميلة وهادئه، نوعا من النساء يعشقه وظل يبحث عنه كثيرا، ولم يجده بين كل النساء اللواتي عرفهن، فظل يراقبها طوال هذان العامين، لم تكلمه مرة واحدة، وكأنها لا تراه، كلما اقتربا منها ابتعدت، كلما حاول أن يمسك بها..تفلتت منه كالماء عندما يتسرب من بين أصابعه.. لذلك صمم أن هذا الملاك البريئ لن يمتلكه سواه.. أخرج زفيرا حارا يحمل الشوق لقرب ذلك اليوم.
أما جومانة في حجرتها تبكي قهرا..وغلبا..وانكسارا، تلملم شتات نفسها الضائعة، تحتمي بذراعيها اللذان يلتفان حول كتفيها تحمي بهما نفسها من المجهول، تغمض عينيها بأسف على حالها، تضم نفسها بنفسها تحاول السيطرة على الأرتعاشة التي تزلزل جسدها كله، حتى فتحت عزيزة المربية الباب عليها ..سيدة في الاربعون من عمرها هي التي تولت تربيتها بعد وفاة أمها..راحت تضمها الى صدرها تحاول كبح دموع الشفقة في عينيها، تهمس لها بحنان وهي تقبلها في قمة رأسها:
-معلش ياضنايا..أبوكي خايف عليكي.

-خايف عليا يقوم يضربني بالشكل ده قدام أنكل مروان..وكمان يشتمني بالألفاظ دي كل ده عشان اتاخرت خمس دقايق..مش هو القالي روحي عند الكوافير عشان تقابلي خطيبك. .والله هما ال اخروني يادادة هناك في السنتر كان زحمة قووي..
قالت ذلك وهي تدفن وجهها في صدر عزيزة تبكي بكل القهر والذل اللذان أراق كرامتها أمام صديق والدها.
لم تستطيع عزيزة حبس دموع شفقتها على تلك المسكينة، تعلم أن أبيها يبالغ في قسوته عليها، ولكنها تشعر بالعجز.. لا تستطيع فعل شئ لها سوى أن تخفف عنها ما يفعله ابيها بحنانها الذي تغدقه عليها..كم مرة تمنت أن تترك البيت بسبب فظاظة صاحبه ولكن كلما تذكرت تلك البائسة..تتراجع عن قرارها من أجلها فماذا يفعل بها إن لم تكون بجوارها ..مسحت دموعها..وقال لها باابتسامة تحاول أن تخفف عنها الأمر وتهون عليها قسوة أبيها:
-والله أبوكي بيحبك ياجوجو..هو بس بيشد عليكي..عشان مصلحتك..من وجهة نظره أن البنات مينفعش معاهم غير الشدة.

قالت وهي تشهق والدموع تملأ عيناها:
– لا يادادة..بابا مبيحنيش بابا كأنه مستنيلي على غلطة..بيضربني ويزعقلي ويشتمني بمناسبة ومن غير مناسبة..كل ده ليه عملت أيه؟
ثم ذاد نحيبها وهي ترفع عيناها للسماء كأنها تشكوه:
آااااااا.. ليه يابابا بتعمل فيا كده؟ كل ده عشان أتأخرت خمس دقايق، الضرب والشتيمة الوحشة..كأني ارتكبت جريمة..ليه تهني قدام الغرب..لييه؟؛ لييييييييه؟.. ليه بس كده ياربي..خدني وريحني بقى يارب من العيشة دي..انا تعبت من حياتي كلها.

-خلاص ياضنايا متوجعيش قلبي عليكي أكتر من كده.
قالت ذلك عزيزة وهي تشدد من احتضانها..ومرة واحدة انتفضت جومانة داخل حضنها.. وكأنها أصابها مس من الشيطان عندما سمعت أبيها ينادي عليها وهو يأمرها بصوته الجهوري القاسي:
-أنتي يا بنت يالا انزلي بتعملي ايه كل ده عندك.
-لأ..لأ..لأ يا دادة انا مش عايزة أنزل..أنا بكره ال أسمه مروان ده..مبحبوش..أنا بقرف منه، وبخاف كمان.

هتفت بها جومانة بكل الزعر وكأنهم يطلبون منها أن تدخل الى جحر الثعبان، كانت تتكلم وهي تنتفض كل حرف منها يخرج مزعورا.
عزيزة وهي تربت على ظهرها:
-اهدي ياضنايا..ده خطيبك ولازم تنزليله.

بنفس الزعر الذي مازال يسيطر عليها:
-لا..لا أنا مش عايزة اتجوزه يادادة ..الراجل ده مقرف..كل لما اكون قاعدة معاه يبصلي بنظرات غريبة بيخلي جسمي يقشعر، أنا مش عايزة انزل عشان خاطري يادادة روحي قولي لبابا اني نمت..عشان خاطري.
بنبرة أسف وحركة من شفتيها تنم عن قلة حيلتها قالت عزيزة:
-مقدرش أقوله كده يابنتي..ماانتي عارفة ابوكي..اقولك يلا انزلي..وانا معاكي حفضل ارقابك من بعيد ولو شفت اي حاجة كده ولا كده منه ..حتحجج باي حاجة وانقذك منه..يلا يابنتي..يالا ياحبيبتي قومي وضبي نفسك كده عشان تنزلي..اهو انتي لاخبطتي المكياج بتاعك من كتر العياط.
نهضت جومانة معها مجبرة..كأنها ثمثال لا يملك من أمره شئ.

وحينما هلت عليه، التمعت عينا مروان البنيتان ببريق الأعجاب، وراح بابهامه يمسح عن شفتيه شغفه بها، ويخرج سجارة يشعل فيها صبره الذي نفذ..جلست جومانه في مقعد بعيدا عنه تدعو بداخلها أن يأتي أبيها سريعا حتى يجلس معهما..وعلى الرغم من أنها تطأطأ برأسها تدقق في يديها اللتان تتعاركان مع بعضهما البعض في ارتباك..الا انها شعرت بنظراته الوقحة تخترقها..تكاد تعريها، تكتم أهة بداخلها أودعت فيها كل عذابها، انكمشت تلقائيا عندما سألها:
-ازيك ياجوجو عاملة أيه؟
أجابت بخفوت:
-ك..كويسة.
– طب مالك قاعدة كده ليه بعيد..متيجي تقعدي هنا جمبي.
قالها وهو يسلط بصره عليها في جرأة.

ابتلعت ريقها بخوف ثم أردفت بنفس الخفوت دون أن تنظر له:
-لا..لا..أنا..أنا مرتاحة كده يا أنكل.
(أنكل) على الرغم من التلقائية التي نطقتها بها ..ولكنها كأنها صفعته بها..هل تذكره بفارق السن بينهما، أم أنها تقول له أنظر لذلك الشيب الذي غزا فوديك..أنني مازلت برع م أخضر سينكسر فورا ان دعابته خشونتك..ابتلع ضيقه ثم نهض من مكانه ليجلس بالمقعد المجاور لها مما جعلها تنكمش أكثر وتبتعد برأسها عنه..اقشعر جسدها عندما التقط يدها وسجنها بين يده الكبيرة الخشنة..ثم همس بنبرة ارادها أن تكون رومانسية، ولكنها جعلتها تمتعض:
– حد يقول لخطيبه أنكل بردو..ده احنا كلها كام يوم ونتجوز.
وقفت وهي تحاول أن تجذب يدها الصغيرة من بين يديه..تتوسله بنبرة طفلة خائفة:
-سيبني..سيب ايدي ياأنكل ..سيب ايدي.

تلك الكلمة اللعينة تلهبه جعلته يغزو بأصابعه فواصل أصابعها في احتلال مستبد وهو يقربها اليه ويهمس لها بتحذير:
-بطلي الكلمة دي بقى..أنكل..أنكل..أنكل..أنا خطيبك..و قريب حبقى جوزك..يعني تناديني باسمي ..مروان.. فاهمة.
أومئت برأسها في طاعة ولم تستطيع التفوه بكلمة.. علها تنتهي من ذلك الموقف العصيب.

عندما لامس زعرها حرر يدها وهمس وهو يخفف من حدته:
-أنتي خايفة مني؟ متخفيش مني ياجوجو أنا بحبك أنا……

قطع حديثه طرقت عزيزة على الباب ثم دلوفها دون حتى أن تنتظر الأذن بدخولها..تحمل صينية في يدها عليها كأسان من العصير تتحجج بهما، فاثار ذلك غضب مروان فصرخ بها:
-الله انتي ازاي تدخلي كده من غير استئذان.
فاجابت وعيناها على جومانة المنكمشة في نفسها من الخوف:
-انا خبطت والله يابيه.
بطريقة فجة أمرها أن تخرج..ولكنها قالت له:
– اعذرني يابيه..اصلي الاستاذ عبد الحميد قالي اني أبلغك أنه مستنيك في المكتب.
زفر بغيظ قبل أن يخرج وينصرف وهو ينظر لجومانة نظرات ذات مغزى..كأنه يقول لها: صبرا قريبا سوف تكوني بين يدي ولن يغيثك مني أحد.
بعد خروجه همست عزيزة وهي تشيح بيده من خلف ظهره وتقول في نفسها:
-غور ياشيخ الهي مترجع تاني.
وارتمت جومانة في حضن دادتها تبكي على حالها بحرقة.
***********************************
أسبوع مر على سفر مالك كل يوم فيه وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية كأنهم دهر تلظت فيهم على نار الشوق، تؤكد لها أنها غرقت في حبه، بل ذابت في عشقه، كانت تفرغ شحنة اشتياقها له في صورة غضب جم تصبه على من في البيت خاصة الخدم..لم تهدأ ثائرتها الا عندما عاد..لقد سألت نفسها بحيرة كيف تستقبله؟ هل تتزين له وترتدي أفضل ما لديها ..كحال كل حبيبة تنتظر حبيبها حتى يراها في صورة حسنة، ولكنها ليست حبيبته هي الآن في نظره ابنة عمه التي تبغضه وتريد تطفيشه من البيت بأي شكل..كيف لها أن تغير وجهة نظره هذه؟ كيف تجعله يشعر بحبها له.. انها الآن في أشد الحاجة لأن تراه.
تسمع صوته يأتي من حجرة أبيها يحدثه ويثني عليه لأنه قام بمهمته على أكمل وجه..بعد دقائق شعرت بخطواته تترك حجرة ابيها متجهة الى حجرته..وما إن سمعت باب حجرته يغلق حتى فتحت باب حجرتها فتحة صغيرة، ودارت باعينها في الطرقة لتتأكد أنها خالية من أي أحد..بعد ذلك ذهبت إليه بخطوات حذرة، تضع يدها على موضع قلبها، حتى يسكن..كالطفل المتلهف للذهاب الى الملاهي..وبعد أن ارتدت قناع عجرفتها دلفت الى حجرته دون استئذان..ولم تبالي وهو يحدق فيها غير مصدق لوقاحتها..قالت له بعنجهية كاذبة:
-انت مش كنت مشيت..ايه ال رجعك تاني بقى.

كان يفرغ محتويات حقيبته عندما فاجأته ودلفت عليه دون استئذان..فحدق فيها بغضب وعندما ألقت جملتها المستفزة ترك ما بيده واطبق جفنيه بقوة وهو يعض على شفتيه في محاولة لكبح ثورته فقال:
-الله يطولك ياروح.. عايزة ايه على المسا يبتتت..عمي.
أزعنت في مضايقته فقد راق لها وجهه المحتقن بفعل الغضب..ولأنها اشتاقت لمناكفته فقالت وهي تقترب من حقيبته وتمسك ملابسه بين أصابعها باشمئزاز:
-يعني حعوز منك ايه.. أنا قلت انك خلاص ريحتنا منك..وايه الهدوم المقرفة دي..ياه رحيتها وحشة قووي ازاي حتخليها في البيت دي ممكن تجبلنا الأمراض يااااي.

وبحركة خاطفة قبض على معصمها بقوة جعلها تتأوه ثم صرخ فيها:
-بجولك ايه انا مش فاضيلك، أنتي شكلك إكده فاضية وعايزة تتسلي..لكن أنا جاي من السفر تعبان وعايز أنعسلي هبابة يالا غوري دلوك من جدامي..كسحة تاخدك وتاخد الحريم كلتها.

ثم أمسكها من شعرها ودفعها خارج حجرته وأغلق الباب بالمفتاح.
تأفف في ملل وهو يمسح على شعره في ضيق..لقد حضرته صورة عمه وهو يقوم بتوصيله والحوار الذي دار بينهما ولم يكن يتوقعه مطلقا فقد قال له:
-مالك ياولدي..أنا عايز اتحدد معاك في موضوع إكده.
التفت مالك له وهو يسأله:
-خير ياعمي..موضوع أيه ديه.
-شوف ياولدي أنا حاسس أن أجلي قرب خلاص..و……
قاطعه مالك وهو يسأله بلهفة:
– بعد الشر عليك ياعمي في ايه مالك..حاسس بحاجة..في حاجة وجعاك.

-لاه ..لا..متخافش ..مفياش حاجة واصل..سيبني بس أكمل حديتي ومتجاطعنيش عاد.
همس مالك وهو يدقق في ملامح عمه جيدا:
-حاضر ياعمي..جول سامعك اهه.
تنفس خالد بعمق ثم قال:
-المو*ت ياولدي علينا حج محدش عارف حنمو*ت ميتا ولا كيف..أنا مش خايف منيه..أنا خايف على بت عمك ومرات عمك..يتلطموا بعدي..خصوصا ان بت عمك بالذات وانت دلوك عارفها محدش يطيقها بسبب دماغها الناشفة..عشان إكده فكرت مين يشيل عني الحمل ديه..بعد ما أمو*ت..ملقتش غير ود أخوي هو ال يشيل الحمل عن عمه..وهو اكتر واحد حيحافظ على الأمانة..وعلى رأي المثل ياولدي..أخطب لبتك ولا تخطبش لولدك وأنا عايز أجوزك بتي يامالك أنت أكتر واحد حتعرف تمشيها كييف؟.
صمت لحظات وهو يرى الزهول احتل وجه ابن أخيه والمفاجأة جعلت عيناه شاخصتان، بعدها أكمل:
-أنا حسيبك تفكر مدة السبوع المسافره ديه..ومتخافش مش حزعل لو جلت لاه.
لم يتحدث كلمة أخرى..ولم يطلب من ابن اخيه أن يتكلم..مالك ايضا لم يجد ما يقوله..الصمت كان رفيقهما حتى باب الطائرة.

أخرج كل ضيقه في زفير طوييلا حارا وهو يهمس لنفسه:
-الله يسامحك ياعمي بليتني ببلوى ومصيبة كبيرة.
*********************************
في غرفة خالد وزوجته
كادت وداد أن تزغرط بعدما قال لها زوجها أن مالك سيتجزوج نريمان..وأن الأسبوع القادم سوف يكون الزفاف.. لولا أن أسكتها خالد وهو يضع يده على فمها محذرا اياها:
-أكتمي ياولية..أنتي مصدجتي.
وداد بعتاب :
-ايه ياحج أنت مش بتقول أنه عطاك الموافقة وانتو جايين في السكة..وقالك بعضمة لسانه أنا موافق يا عمي..خلاص متسبني أزغرط وأفرح بقى.

-ياولية ..يا ولية اصبري لحد منشوف رأي بتك المعدولة مش يمكن متوافجش.

باابتسامة عريضة همست وداد بثقة:
-لا حتوافق يااخويا ان شاء الله.
قال وهو يشد رحاله للنوم
-عالله..أهو بكرة ابقي خودي رأيها وشوفي حتجولك ايه.
تمتمت مع نفسها:
-حتقول ايه يعني موافقة ان شاء الله ربنا يهديكي يانانا يا بنتي يااارب.
***********************************
بكرة استنوا بقى فرح مالك وناريمان
وال مش حتقول رفيو حلو كده..مش حتحضر الفرح😂😂😂

الفصل الثامن

كاره النساء

– كييف وافجت يامالك على الجوازة دي؟؛ من واحدة بتكره كل حاجة فيها..غرورها، وطريجة لبسها، وتصرفاتها الغبية وجذلة ذوقها معاك.
آااه لكن كان لازمن أوفج ..كيف موافجش؟ وأرفض طلب عمي..كيف أرده و أصغره؟ واكسفه وهو ال وجف جنبي، ولمني في بيته، ومن غيره كنت ضعت..بس أنا مش حكون الرادل ال تمشيه مرته، وحعرف كيف أمشيها على العجين متلخبطوش..حربيها من أول وجديد، أنا مش حكون نسخة مكررة من أبويا..لاه مش حكون زييه واصل.
كان ذلك الحوار يدور بينه وبين نفسه..يرى صورته المعكوسة في المرآه وقد احتقن وجهه وغارت عيناه، يشعر بأن أنفاسه ثقيلة، حتى انه ورغم عنه صرخ في المصفف الذي يعده ليوم زفاف قائلا بحدة:
-متخلصني بجى ياأخينا أنت ليك ساعتين عمال تنحف في راسي..خلقي داق عاد.
وعلى الرغم من حدة مالك الا ان الرجل رد عليه باابتسامة ودود كأنه قد تعود على ذلك من كثرة ممارسة عمله فاردف بهدوء:
-خلاص يا عريسنا اهو قربنا نخلص..وبعدين أنت عريس يعني الشغل لازم ياخد حقه.
مالك متأففا:
-طب خلصني.
-حاضر يا عريسنا.
قالها المصفف وهو يضع اللمسات الأخيرة له.

********************************
في حجرة نريمان كانت هي الأخرى تتزين ليوم عرسها بمساعدة فريق متخصص في التجميل..هي أيضا كانت شاردة تفكر في هروبه منها على مدار الأسبوع..تسأل لماذا كان يهرب منها؟؛ هل كان يتعمد أن يتغيب طول اليوم ولا يأتي الا بعد أن ينام الجميع؟
هل كان يفعل ذلك حتى لا يحتك بها؟ تنفست وهي تشعر بشعور غريب يسري بداخلها، كأنها مقبلة على مغامرة جميلة.. حبها له الذي شب بداخلها فجأة ولا تعلم كيف؟ يجعلها سعيدة ..بل في غاية السعادة..وكلما تذكرت حديث والدتها مع والدها بالصدفة وقد علمت منه أن ابيها قد طلب من مالك أن يتزوجها ساعتها غارت على أنوثتها، واحتجت كرامتها كيف يفعل أبيها ذلك؟ كيف يهينها ويحد من قدرها ..أنها كأي أنثى تريد أن يتقدم لها عريسها ولا تعرض عليه، زفرت ذلك الشعور بالدنو، نظرت لصورتها المعكوسة في المرآة وعندما رأت كيف صارت؟ بعد أن اكتملت وتجملت وأصبحت عروس في أبهى صورة..بهية في طلعتها..جميلة في طلتها فقالت وهي معجبة بنفسها:
-مش مهم بقى هو ال طلبني أو بابا طلبه ليا..المهم أنه خلاص بعد شوية حيبقى جوزي..حيتقفل علينا باب واحد..ولما يشوف حلاوتي دي..مش حيقاوم..وان مخليته يركع وهو بيقولي بحبك مبقاش أنا..أنا صحيح بحبه لكن عمري ماحصرح بحبي ليه..لازم هو ال يعترف..هو ال يجي ويبوس الأيادي عشان أحبه.. عشان أرضى عنه.
مازال الغرور يسيطر عليها ويقحم نفسه حتى في احساسها به.. أخرجها من شرودها دخول أمها وهي سعيدة للغاية قائلة:
-مبروك يانانا ياقلبي..عريسك جاي دلوقت استعدي بقى عشان الزفة حتبدأ من هنا..وعندما انتبهت لصورتها النهائية عروسة جميلة كأنها ملكة هتفت بفرحة ادمعت عيناها:
-مشاء الله عليكي ايه القمر ده.
ثم اتبعت كلامها بأن اطلقت زغرودة جعلت الكل يشاركونها فرحتها..لا تنكر ناريمان بينها وبين نفسها ان تلك الزغاريد جعلت قلبها يخفق بسعادة.
أعتدلت وهي تنصب قامتها وتفرد أمامها فستانها عندما قالت إحدى صديقاتها بلهفة:
-العريس جاي..العريس جاي.

دلف مالك بعد أن طرق طرقات خفيفة منه حينما أذن له، وبعد أن وقع بصره عليها حدق بها في غضب واستياء، تسمر مكانه للحظات واذ به يخطو نحوها خطوات سريعة ناقمة وجذبها من يدها بعنف متوجها بها نحو حجرته تحت نظرات التعجب والدهشة من كل الموجدين في الحجرة.
-في ايه يا جدع أنت بتجرني كده ليه..لا اسمع لما اقولك.. مفيش دخلة غير لما يتعملي فرح آه.. أنا اول مرة اتجوز.
قالت ذلك ثم صمتت رغم عنها عندما دفعها مالك بعنف وهو يغلق الباب خلفه، ويقول من بين أسنانه:
-اكتمي….ايييه مفيش خشى واصل.
قالت وهي تبتعد للخلف في خطوات مرتعدة:
-في أيه؟
-أيه ال انتي لابساه ديه.
قال ذلك وهو يشير على فستان زفافها الذي كان بدون اكمام.
فنظرت لفستانها وسألت بعدم فهم:
-ماله الفستان..مهو زي أي فستان عروسة نافش وحلو اهو.
بحلق في السقف في ملل ثم نظر لها وهو يقول بعد أن جذبها من شعرها فهدم تصفيفه:
-بجولك أيه أنا مش ناجص وخلجي في مناخيري.. لتلبسي فستان زين..ومحترم إكده لامفيش فرح والا ورب العزة أخليكي تنزلي للناس بجلبية أم احمد ..هاه..فاكراها ولا لاه.
ابتلعت ريقها واتسعت عيناها لمجرد التصور..فقالت على الفور:
-لا..لا..خلاص أنا حعمل ال أنت عايزه.
-كسحة تاخد الحريم كليتها.
قال ذلك وهو ينظر لها باشمئزاز من أعلى الى أسفل..ثم خرج وهمس في أذن مسئولي التجميل بما يريد.. واصطحب زوجة عمه لحجرة ناريمان ليفهمها الأمر
-في ايه يا مالك يابني مالها ناريمان عملت ايه.
-تعالي معايا يا مراة عمي وانا افهمك.

افهمها أنه طلب منها أن ترتدي فستان زفاف لائق.. نظرت له باعجاب تصرفه طمئنها وايقنت ان مالك رجل ذو حمية ويعتمد عليه..خاصة انها كانت قلقة للغاية عندما زوج خالد ابنته من ابن أخيه عرفيا..صحيح انه جعله يمضي على تعهد أنه حينما تتم نريمان السن القانوني للزواج عليه أن يتمم الزواج ويجعله رسميا.
بعد برهة من الوقت خرجت نريمان بنفس الفستان ولكن بعد أن ارتدت أسفله ما يستر ذراعيها، وكانت محجبة..خرجت غاضبة فصورتها لم تعجبها بالطبع..ولكن ليس مهم ..المهم أنه ابتسم لها برضا..حتى أمها همست في أذنها:
-والله شكلك كده احلى.
بكل الغيظ همست لأمها:
-بقولك ايه ياماما سبيني في حالي دلوقت ومتعصبنيش.
************************************
وفي حديقة البيت رصت المناضد التفت المعازيم حولها في انتظار العروس المتعجرفة الصغيرة..( كوشة) للعريس والعروسة صممت تصميم رائع ..حيث الوورود البيضاء والستائر من خلفها فضية لامعة..واريكة للعروسين كأنها عرش لملك وملكة.
تأبطت ذراعه ومشت بجواره بخطوات متأنية واثقة..مختالة. تحت عزف الفرقة التي قامت بزفهما، الموسيقا والزغاريد، والتصفيق والأعجاب الذي طل من عيون المعازيم جعلها تنسى أمر الفستان الذي لم يعجبها وتحكمات مالك فيه..كان قلبها يرقص بداخلها، جلسا على الأريكة وصدحت الأغاني المناسبة للحفل..ثم اقبلن البنات عليها يتبخترنا بفساتين السهرة..ورغبوا في جذبها للرقص معهن..ولكن مالك اعادها لمجلسها بعد اعتذر لهن في لباقة..واضطروا الى أن يرقصن بدونها..فنظرت نريمان لمالك في ضيق وقالت له محتدة:
-الله بتشدني ليه..أنا عايزة أرقص..مش ده يوم فرحي يبقى اعمل ال أنا عايزاه بقى.
نظر لها نظرات رادعة ثم همس بتحذير:
– ترجقصي ايه رجصك وجع بطنك. .متجوز راجقصة أنا ياك، لمي روحك يبت الناس عشان الليلة دي تعدي..لحسن ورب العزة أمسخرك جدام الخلق كلتهم.
ضربت بقبضتها على فخذها بغيظ وظلت تنظر للمعازيم كأنها منبوذة بينهم..يوم زفافها حرم عليها الرقص مثلها مثل أي عروس..حتى أن يأخذها بين يديه ويراقصها.
هو أيضا كانت عيناه تتفحص الفتيات التي ترقص في استياء، حركتهن المخضبة بالميوعة تثير استفزازه تحفزه على أنا يقوم ويصفعهن على وجوههن بلا رحمة حتى يتعلمن الحشمة التي لا يعرفونها، أكتافهن عارية..وسيقانهن ترقص وتحتك بأرجل رجولية متعمدة وغير متعمدة، يتمايلنا ويتبخترنا أمام شباب غريب عنهن، وكأنه في مدينة العري والضلال، حتى بعض المسنات من النساء..متبرجات تبرجا غير لائق لعمرهن..تبرجا مقذذ منفر، تلك المشاهد التي يعج به كل مكان يذهب اليه وكأنه في أجواء خنيقة.
كم بات يحلم بمكان نظيف من نساء عريات كاسيات..انه ليس بقديس..ولكنها فطرته التي فطره الله عليها..يعشق التستر والتحشم..أشاح ببصره في نفور بعيدا عن تلك الصور التي تكتم أنفاسه وتجعل صدره ضيقا حرجا، يحاول أن يتنفس..ولكنه يخشى التنفس فالهواء من حوله مختلطا بعطرهن الذي عندما يستنشقه ويخترق أنفه كأنه يستنشق غاز سام، يكاد يقضي عليه..حتى انه بتلقائية مد يده الى رباط عنقه لكي يحرره.
انتهى الحفل أخير واضطر لمجارتهم في تلك الطقوس العرسية في حمل عروسه تحت هتاف الفتيات
والشباب للصعود بها نحو شقتهما التي عدت لهما في الطابق الأعلى مدار هذا الأسبوع..وما إن دلف بها الى حجرتهما حتى ألقى بها على الفراش بطريقة عنيفة جعلها تتأوه وهي تضع يدها أسفل ظهرها:
-الله مش تحاسب.. انت بترمي شوال بطاطس
ولا أيه.
أمسك فكها قائلا بقسوة:
-بجولك أيه حطي لسانك جو خاشمك.. صوتك ديه مسمعوش واصل.. ولحد الصبح مشفش وشك..فاهمة.
ثم خرج وهو يرميها بنظرات مستاءة.
همهمت بغيظ حاولت أن تنهض ولكن فستانها بحجمه أعاقها..ولكنها ظلت تحاول حتى نجحت..وقفت أمام المرآة لتشرع في تغيير ثوبها..وما إن رأت صورتها المعكوسة حتى تمايلت يمينا ويسارا بفستان زفافها معجبة بذاتها تقول محدثة نفسها:
-بقى ياربي الجمال والحلاوة دي محدش يعبرها في ليلة عمرها، تنام زي قرد قطع كده في أوضتها لوحدها، وعريسها واخد جمب لوحده، آه يالوزة حلوة ياصغيرة على النكد.

قالت جملتها الأخيرة وهي تتباكى بتمثيل درامي ساخر، تخلع عنها (طرحتها) مع همهمة يائسة من حالها الذي آلت إليه، تتدقق النظر في سحنتها مرة أخرى ..وجهها المستدير كالقمر، وملامحها الرقيقة..وعيناها السوداء المكحلة بسحر يخطف القلوب..ورموشها المصففة الطويلة وكأنها سهام ترشق في القلوب، وشفتياها الممتلئتان وقد جعلهما الطلاء شهيتان، وما أجمله طابع الحسن المحفور في ذقنها.
تأملت وجهها الذي زادته الزينة حسنا.
في ليلة كهذه تصبح الفتاة من أجمل ما يكون، فتهمس لنفسها بضيق:
-ألم يؤثر فيه هذا الجمال ولو للحظات؟؛
ياله من رجل متحجر المشاعر.
أنها تحبه بل تعشقه، ابن عمها هذا القاسي الذي يعاملها بجفاء دائما، لا تذكر أنه ضحك في وجهها أو ابتسم لها مرة واحدة، كان يتعامل معها كولي أمر فظ يأمر وينهي كما يحلو له.. وويلا لها كل الويل أن عصته، ويسانده في ذلك والدها الذي يحبه حبا جما كأنه أبنه من صلبه، يعتز برأيه جدا، ويعتمد عليه في كل شئ، زفرت بضيق عندما تذكرت أن والدها هو من خطبها له، ودت لو أنه هو من بادر بخطبتها، كأمر طبيعي أن يتقدم العريس لعروسه لطلب يدها..لكنها فرضت عليه، مسح ذلك الحرج حبها الشديد له، ورغبتها في الزواج منه، بل سعادتها عندما أخذ أبيها رأيها وأعلمها بخطبتها له، شعرت بقلبها ينبض بشدة عندما ذكرته، كأن دقاته تزداد أضعافا عندما تأتي سيرته، حتى أنها وضعت يدها على قلبها عله يهدأ، تنفست بقوة، أغمضت عينيها في تمني لأن يرق لها ويأتي الآن ويحتويها بين ذراعيه، فتحت عيونها، عضت شفتها السفلى وقد روادتها فكرة ما، أرادت أن تراه.
-ترى ماذا يفعل الآن في الخارج؟
سألت نفسها هذا السؤال ، ثم اقتربت وهي تخطو على أطراف أصابعها، نحو الباب بخطوات بطيئة حذرة ومن ثقب الباب بحثت عنه بعينيها، رأته على الأريكة يجلس بأريحية، وقدميه على المنضدة واحدة على الأخرى، يبدو على سحنته الشرود.
-ترى بماذا يفكر..لا أظنه يفكر في؟
هكذا سألت ذاتها..رفعت عينيها واستقامت، تتنفس بحب، وتقول لقلبها:
-ليتك ياقلبي تقتبس منه قسوته كنت أرحتني.
ارتمت على فراشها تنام وعقلها يفكر كيف ستتعامل مع هذا القاسي، هل ستستطيع ترويده؟ هل ستستطيع استمالة قلبه لها، وأن تحوله من حجر صلد، الى اللين والحب، أنها ستحاول ولن تيأس. زفرت بتحفز تقسم بداخلها أنه سوف يكون أسير هواها.
خلعت عنها فستانها، ثم رمت بنفسها على فراشها تحتضن وسادتها عيناها تدوران في الحجرة بغير هدى، ترى طيفه قابع في كل ركن فيها.

وها هو ذا الصباح يشرق بأمل وحب، وصوت زقزقة العصافير تتناغم مع دقات قلبها لتعزف سيمفونية عشقها له ، فتحت عيونها باابتسامة سعيدة مشتاقة لهذا القاسي، تفرد ذراعيها في حركة رياضية لتنفض عنها النوم والكسل، تذهب الى المرحاض بعد دقائق تخرج وهي تجفف وجهها، تقف أمام المرآه ترى سحنتها احمرت بفضل الماء ابتسمت برضا عن نفسها، اخذت نفسا عميقا واخرجته مرة واحدة قبل ان تخرج من حجرتها، بحثت عنه فوجدته مازال نائما على الأريكة ابتسمت بحب له، اقتربت ببطء حتى لا يستيقظ، جثت على ركبتيها وظلت تتأمله في حب ونظراتها كلها هيام، تسأل نفسها لماذا تحبه كله هذا الحب؟ وهي تعلم أنه لا يبادلها اياه بل قد يكون يكرها، لماذا تعشقه برغم قسوته ومعاملته الفظة لها، انها لا تعشقه فقط بل تذوب فيه، تحب ذلك الجبين الأسمر العريض باقتطابه الدائم، عيناه العسليتين المعكرتان بالحزن والكآبة ولا تعلم السبب، انفه المستقيم بكبرياء، شفتيه المتمردتين دائما، ثم رفعت عينيها الى شعره لتكمل تفحصها المتيم له، شعره هذا الغزيز الذي تمنت لو تتخلله باصابعها في حركة مداعبة من حبيبة لحبيبها، حتى أنها بالفعل مدت أصابعها نحوه.. ولكنها توقفت بصعوبة خشت أن يستيقظ فيقطع تأملاتها له، ودت لو قبلته في جبينه لكن أكتفت بتقبيل عيونها له، قطع تأملاتها جرس الباب الذي صدح كأنه يقول لها افيقي من غيبوبة الحب هذه.. فانتفضت وهي تنظر للباب واضعة يدها على قلبها حتى يسكن، تزدرد ريقها بتوتر ثم اتجهت ببصرها نحوه مرة أخرى تزفر براحة، وراحت تغمزه في كتفه وتهمس له:
-كبتن..قوم ياكبتن.. ياكبتن أصحى.

ففتح عيونه ينظرلها بقسوة لا تخلو من الدهشة، وتلك التقطيبة التي زدات على سطح جبينه ليغمغم:
-في ايه؟..ومالك جاعدة إكده ليه؟
اخفت كل الحب الذي تكنه له خلف نظرة باردة في عيونها وقالت وهي تعقد ذراعيها:
-الباب بيخبط ياكبتن وميصحش حد يدخل يشوفك نايم هنا على الكنبة.
-ايه كبتن دي؟ نطراني لابس ترنج وقابص كورة في ايدي وبجري في الملعب.

قالها بنبرة قاسية وكأنه على وشك صفعها ثم نهض، تخطاها بقدمه ودفعها بقوة بحركة من راحة يده على كتفها ..حتى انها تأوهت ولوت شفتيها من فعلته هذه التي ليس لها داعي ..وضعت يدها على كتفها تمسده وهي تهمس بغيظ:
-طب متزقش ياكبتن طه

نهضت وتوجهت صوب الباب بعد أن رسمت الأبتسام المصتنع على شفتيها، وكان أبيها يجري بأصابعه على مسبحته يبتسم بفرحة وهو يردف:
– صباحية مباركة يابنيتي.
قبلت ظاهر يده فبادلها بقبلة على جبينها فهمست له:
-الله يبارك فيك يابابا.
من خلف أبيها كانت أمها التي دلفت وهي تزغرد، وقد اشتعلت عيناها بمصابيح الفرحة، تحتضنها بقوة وهي تربت على ظهرها بحنان تهمس لها:
-مبروك ياضنايا الف مبروك.
ثم همست أمها في أذنها بكلمة سرية ، جلعت نريمان تتخضب بحمرة الخجل، وتهمس بصوت خجول وقد أطرقت بعيونها:
-احم..تمام ياماما..تمام.
جملتها هذه جعلت الأم تزيد من ( الزغاريد) بصوت عالي، وتحتضنها بقوة أكثر جعلت ابنتها تهمس لها وقد ازداد تلبكها:
-خلاص بقى ياماما.

انت في الصفحة 5 من 6 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
4

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل