..ولكن قلبه يأمره وبقوة، أنه ولأول مرة ينبض تلك النبضات النادرة ويدق دقاته الغير طبيعية..تسللت يده رغم عنه الى شعرها يمسح عنها كل ما تشعر به.
ودون انذار سمع صوت جعله ينتفض ويبعد يده سريعا كأنه ماس كهربائي أصابه.. أنه صوت مراون الذي صدح بسخرية مطعمة بالغضب العارم:
– ايه يادكتور دي طريقة جديدة للعلاج ولا ايه؟؛
ابتلع أكرم ريقه محاولا السيطرة على هدوءه، معدلا من معطفه الأبيض قائلا بثبات مفتعل :
-ايه يا أستاذ مروان هو في حد يدخل كده من غير استئذان.
مروان بضحكة سخرية من جانب شفتيه:
-لا والله عايزني أستئذن وأنا بدخل أوضة
مراتي.
أكرام بنظرات ثابتة متحدية :
-أوضة مراتك في بيت حضرتك لكن هي هنا في مستشفى يعني حضرتك لازم تراعي الأصول قبل ما تدخل.
احمرا وجه مروان بفعل الغضب وتحدي اكرم السافر له فاشتعلت عيناه غيظا فقال وهو يمسك بتلابيبه:
-أنت بتتكلم عن الذوق والأصول يادكتور؛
وهو من الأصول بردو انك تحط ايدك على شعر مراتي..هي دي أخلاق الدكاترة؟
وبعينان مليئة بالتحدي والأحتقار أيضا أردف أكرم:
-أنا عشان دكتور لازم يبقى في قلبي رحمة خاصة لبنت اتعاملت بحيوانية.
مروان وقد احتقن وجهه واتسعت عيناه بشدة:
-أنت تقصد ايه؟
أكرم: شيل ايدك لحسن أخلي الأمن يرميك بره.
وكاد أن يحتد الشجار بينهما لولا صريخ جومانة الذي انطلق في الهواء كأنه طلقات نارية جعلتهما يتوقفا وينظران لها في انزعاج.
لقد تسلل صوت مروان لأذني جومانة ..عندها استيقظت وعندما فتحت عيونها ورأته يتشاجر مع الطبيب راحت تصرخ وتصرخ..وتزحف على فراشها وتحبس نفسها في أخره.. وعندما تطور الأمر تخلت عن فراشها وركضت نحو النافذة تريد أن تلقي بنفسها منها..لولا أن لحقها أكرام وهو يهتف باسمها في صرخة تحذير:
-لا يا جومانة اوعي تعملي كده أنت لازم تعيشي ..فاهمة لازم تعيشي.
وجومانة تصرخ وتعافر تتلوى كالحمامة بين ذراعيه تحاول أن تحرر أسرها منه بالقوة لكي تتلخص من حياتها:
-اوعى سبني..سبني أمو*ت..أنا عايزة امو*ت.
رأى مروان ذلك المشهد فتمزقت أحشائه من الغيرة..كاد قلبه أن يلفظ دقاته الأخيرة فضم قبضته بقوة ضاما شفتيه بغضب ..ضاربا الهواء بتلك القبضة الغاضبة.. ترك الحجرة يركض ركوض الليث الغاضب.
أما أكرم فضم جومانة الى صدره يحكم قبضتها بين ضلوعه يحميها من نفسها.. ولكن من يحمي قلبه من هواها؟.
********************************
دلفت الممرضة الى الحجرة بعد ان اذن لها أكرام قائلا لها:
-في ايه منال؟
منال:
-المدير عايز حضرتك يادكتور.
-انا رايحله..خلي بالك منها يا منال متسبيهاش لحظة.
قالها وقد ألقى نظرة أخيرة عليها قبل أن ينصرف.
طرق باب حجرة المدير الذي سمعه يأذن له بالحضور قال بعد جلس أمامه
-ايوة يا افندم تحت أمرك.
المدير بنبرة عاتبة ممزوجة ببعض الحدة:
-ايه يأاكرم ال أنت عملته ده.
-أنا عملت ايه ياافندم.
المدير وعيناه تحذره:
-ياأكرم..ياأكرم مروان خارب الدنيا ومصمم انه ينقل مراته مستشفى تانية وده من حقه طبعا.
هنا نهض أكرام بحركة حادة وقد خشى أن ينفذ مروان تهديده بالفعل.. فماذا يفعل إن أخذها الى مستشفى أخرى..أو اصطحبها الى بيته فصرخ رافضا:
-لا ياافندم مينفعش ..ازاي ينقلها مستشفى تانية.
نهض المدير بدوره واردف:
-هو ايه ال مينفعش..دي مراته يعني محدش يقدر يمنعه.
-يا افندم حضرتك عارف حكايتها كويس وعارف ان جوزها ده حيوان ازاي نقبل أنه ياخدها..دي كانت حتنت*حر من شوية.
-منقدرش نمنعه يااكرم..كل ال نقدر نعمله اننا نمضيه على اقرار.. بانه مسئول عن أي أضرار يحصلها لو خدها من هنا.
-يا افندم..ياافندم. ……
قاطعه المدير قائلا بنبرة حاسمة ليس فيها رجعة:
-خلاص يا أكرم..كل ال اقدر اعمله اني أحاول أقنع مروان أنه يخليها على شرط انك مش حتابع حالتها بعد كده.. ودكتور تاني هو ال حيتولى حالتها الطبية.
فكر أكرم لدقائق ووجد أن هذا أفضل حل لكي ينقذ جومانة من قبضة هذا الحيوان..على الاقل انه سوف يكون متواجدا في نفس المستشفى القاطنة بها..فأومئ برأسه موافقا على الحل الذي طرحه المدير.
******************************
يومان ومالك في غيبوبته لم يفق بعد.. كان راقدا على فراشه وهي بجواره، دموعها لا تنضب..تتأمله بحب وافتقاد..أنها تفتقده بشدة وتشتاقه بقوة..تشتاق حتى لقسوته عليها..لجملته التي باتت تعشقها (كسحة تاخد الحريم كلتها) تغمض عينيها بقوة فتفيض دموع على وجنتيها بسخاء..التقطت كف يده تقبلها بتضرع..وتضعها على موضع قلبها لعل دقاته تنعش روحه الغائبة عن الوعي.
طرقات الباب أنتشلتها من حزنها الذي كاد يقضي عليها..مسحت دموعها وقالت:
-مين؟
-أم احمد من الخارج:
-انا يا ست هانم الأستاذ سامر تحت وعايز يقابلك ضروري.
-طيب يادادة قدميله حاجة لغاية ما أنزل.
-من عنية.
قبلت جبهة مالك ومسحت وجنتيه بكفها في بحب قبل أن تتركه.
تجردت من شخصيتها المنهارة لسقوط زوجها الحبيب..وارتدت شخصيتها الأولى القوية الغير مبالية بمن حولها..لكن بغير عنجهية ولا تكبر كانت تتقدم نحو سامر بخطوات واثقة وكأن عمرها زاد أضعافا.. حتى أن سامر نفسه قد لمح تلك الجدية التي تحيطها فنهض وكأنه ينهض احتراما لها مدت يدها قائلة له بترحاب رزين:
-أهلا أستاذ سامر .
-أهلا بيكي ياست البنات
حينما جلس قالت وقد وضعت ساق فوق ساق ..ثم أشارت له بالجلوس:
-اتفضل اقعد..خير يااستاذ سامر
-خير يا ست ياالبنات ان شاء الله..بس طمنيني الأول على الأستاذ مالك عامل ايه دلوقت.
اجابت با اقتضاب ولم تستطيع أخفاء حزنها عليه:
-الحمد لله أحسن.
-تمام ..ربنا يعجل له بالشفاء ان شاء الله..طيب دلوقت حضرتك الشغل هناك متعطل..وفيه حاجات كتير احنا محتاجنيها من الاستاذ مالك..فبقول يعني حضرتك صاحبة المال ..وتقدري تشرفينا وتتابعي مالك بنفسك.
-أيوة بس أنا حفهم ايه في الشغل..واقدر افيدكم بأيه؟؛
لمعت عيناه بشئ خفي يدبر له فهمس بحماس:
-ياافندم مجرد وجودك وسط العمال والموظفين حيحمي اموالك من السرقة..ويخليهم يعرفوا أنه مش مال سايب ووحدة وحدة تتعلمي الشغل ماشي ازاي..لحد ما الأستاذ مالك يخف ويرجعلنا بالسلامة.
شردت قليلا في كلامه فوجدته منطقي..يجب أن تباشر أموالها بنفسها..شئ آخر طرأ على عقلها يضخ بداخلها الحماس اكثر وأكثر..شئ يريد أن يثبت لمالك بعد شفائه ويرى كم هي على قدر المسئولية وأنها ليست من النساء التافهات قد يجعل ذلك الأمر يقترب منها ويغير نظرته لها ..نظرت له في ثقة وقالت:
-خلاص أوكي أستاذ سامر من بكرة حكون في الشغل.
ابتسم سامر في انتصار اخيرا سوف يحقق ما خطط له بالتأكيد.
*********************************
بالفعل وافق مروان على أن تظل جومانة في المستشفى، لقد خشى أن يحدث لها مكروها ويكون هو السبب.. لا يريد أن تتسع الفجوة بينه وبينها أكثر من ذلك.. صحيح أنه يتمزق بداخله..ونار الغيرة تحرق فؤاده لكنه سوف يصبر حتى تتماثل للشفاء، سوف يحاول ويستميت لكي يكتسب قلبها من جديد..من داخله يعلم أن الامر صعب بل أنه مستحيل ولكنه سيبذل أقصى جهده لأنه يحبها..لولا سفره هذا الذي حتمه العمل لكان اصطحبها الى البيت فورا ولكن لا ضير..أسبوع واحد وسيعود ويعيدها لبيته مهما كان الثمن.
عندما علم أكرم أن مروان سافر تنفس الصعداء اخذ سماعته وذهب الى حجرة جومانة ليتفقدها، وجدها شاردة تبكي في صمت فزفر في أسف من حالها زين وجهه باابتسامة وقال:
-مساء الخير .
التفتت له ولم تجيبه ..هي لا تستطيع أن ترد تحيته فكل شئ بداخلها صامت كبيت مجهور خرب..تجاهل صمتها هذا وراح يكلمها حتى لو لم تبادله الحديث كل همه أن يسري عنها بأي طريقة، استطرد وهو يلتقط يدها لكي يتفقد نبضها:
-عاملة ايه دلوقت؟؛
-أنا عايزة أمو*ت..أديني سم أو حاجة تمو*تني بسرعة..عشان خاطري يادكتور.
أنها تكلمت اخيرا وليتها صمتت..هنا ترك يدها وتأملها بضيق، وانزعاج أنها في حالة رفض تام للحياة، ولو ظلت هكذا سوف تبحث عن أي فرصة لكي #نفسها ولم تتوانى حتى تحقق أمنيتها تلك..فماذا عساه ان يفعل..هل يعطيها محاضرة عن حرمة الأنت*حار..هل يعطيها نصائح يوصيها أن لا تقدم على #نفسها وهي صغيرة.. وان الدنيا مليئة بالمصائب وعليها أن تتحمل وتصبر حتى يعوضها الله..لأن الله يوفي أجر الصابرين..هل فتاة بمثل سنها؟ تستوعب هذا الكلام وتعمل به ..وجد نفسه وقد حدق بها بقسوة..نظراته حازمة غاضبة منها..وصوته رافضا استسلامها فهتف في حدة:
– ايه مالك كل شوية عايزة امو*ت..عايزة امو*ت..ايه الأستسلام ال أنتي في ده..ايه الضعف ده، ليه ترضي بواقع انتي مش عايزاه..قومي كده وارفضي واصرخي..لكن متستلسميش بالشكل ده..وكأنك طفلة عندك سنتين مش عارفة تروحي فين ولا تيجي منين..اقفي في وش جوزك وارفضيه..اخلعيه حتى القانون دلوقت في صفك..قومي كده ومتضيعيش حياتك في اليأس والبكا.
صوته المحتد ونبرته القاسية..ونظراته الصارمة ويديه اللتان وكأنهما على وشك صفعها..كل ذلك جعلها تنكمش على نفسها تلملم جسدها بين ذراعيها، تتراجع في خوف ودموعها تسيل بغزارة على وجنتيها.
اطرق رأسه بندم على ما تفوه به ماكان عليه ان يحدثها في تلك اللحظات..تنفس بعمق ثم قال:
-متخافيش ياجومانة ..انا بقول كده عشان تبقي قوية..مش عشان تخافي مني متزعليش مني.
فوجئ بها تقترب وتلقي نفسها في حضنه وتقول وهي تتشبث بذراعيه تشبث الغريق الذي يأمل في النجاة:
-متسبنيش خليك جمبي..عشان خاطر ربنا..أنا خايفة لما يرجع مروان من السفر ياخدني معاه في البيت زي ما قالتلي دادة أنا مش حقدر أستحمل اعيش معاه.
لقد زغرط قلبه بداخله..لأن حديثه أتى بنتائجه..وحقق ما اراد..لقد ايقظها من نوبة الضعف التي كادت أن تهوي بها الى هوة الأنهيار..لكنه ارتبك خشى أن يدخل أحد ما ويرى هذا الوضع ويفهمه خطأ..فأبعدها عن صدر برفق وقال لها باابتسامة حنونة..ونظرات مفعمة بالود:
-متخافيش انا معاكي أوعدك واني مش حتخلى عنك..ومش حسكت غير لما أعملك كل ال أنتي عايزاه..وأخلصك من اي حد عايز يأذيكي..بس بشرط توعدينك أنك متفكريش في المو*ت أبدا ..ها توعديني.
أومئت برأسها ثم همست:
-حاضر
بهمس ودود هتف أكرم:
-حاضر أيه.
-أوعدك..اني مش حفكر امو*ت نفسي.
حدق فيها لثواني في حب وابتسامته العذبة كادت ان تصرخ بكلمة احبك.
لقد بدالته تلك الأبتسامة..باابتسامة امتنان..وثقة كأنها تقول له لقد وضعت ثقتي بك فلا تخذلني.
سريعا انتشل نفسه بعد أن ابتلع ريقه بصعوبة وقال وهو يدثرها:
-نامي دلوقت ومتفكريش في أي حاجة..كله خير باذن الله.
وتركها بخطوات سريعة حتى يلحق نفسه قبل ان تخونه..ويقبلها بين عينيها تلك البريئتين.
*********************************
دمتم بخير يارب
سهير عدلي.
الفصل الرابع عشر
كاره النساء
لم تجد نريمان الرغبة في الذهاب الى العمل كما وعدت سامر، وذلك بسبب قلقها على مالك ، لم يطاوعها قلبها أن تتركه وهو مازال غارقا في غيبوبة، ولا تعلم كيف ومتى سيفيق منها، حتى عندما سألت الطبيب متى سيعود للواقع؟ قال لها لابد أن يعرف بعض المعلومات عن أيام طفولته، فاخبرته أنها لا تعرف الكثير عن حياته لأنهما كان تقريبا شبه منقطعين، فأخبرها أنه يجب عليها أن تسافر الى بلدته مسقط رأسه ،وتسأل جيرانه أو أصدقائه لعلهم يعرفون أشياء قد تفيده في علاجه.
ولكن مع اصرار سامر وكثرة اتصالاته والحاحه على حضورها اضطرات أن تذهب الى العمل، استقبلها سامر بترحاب مبالغ به، وطلب منها أن تجلس في حجرة مكتب والدها..وما إن جلست عليه شعرت بشئ غريب كأن على كاهلها جبال..مسئولية جسيمة حطت على رأسها..شتان مابين حضورها سابقا عندما كانت تحضر وهي ابنة صاحب المحلات الشهيرة، الفتاة المدللة التي تأتي فقط لكي تأخذ اموال منه وتنصرف على عجل لكي تذهب للتسوق..وبين حضورها الآن كمسئول عن كل تلك الأعمال..شعور غريب جعلها تشعر أنها قد هرمت..خاصة عندما أخذها سامر في جولة لكي تتابع الأعمال عن قرب..شعرت برهبة ورجفة في قلبها..كيف لها أن تتحمل كل تلك الأمور..الآن أدركت قيمة أباها..كيف كان يشقى ويتعب لكي يوفر لها كل أسباب الراحة والمتعة..وجدها سامر شاردة وكأنها طفلة تائهة فسألها في فضول:
-مالك يامدام نريمان..في حاجة مش عجباكي في الشغل؟
قالت وهي تنفض عن نفسها ذلك التيه فغمغمت:
-هه..لا لأ مفيش حاجة…أ أنا تعبت شوية وبقول كفاية كده..أنا حروح بقى.
سامر وهو يخفي ضيقه:
-تحت أمرك..بس بقول يعني في شوية أوراق ياريت توقعيهم.
قالت وهي تضيق عينيها باستفسار:
-أوراق ايه دي؟؛
أردف بثبات وقد هز كتفيه في حركة أن الأمر عادي:
-لا دي شوية أوراق بس خاصة بفواتير وأذون صرف وكده يعني.
لم تفهم نريمان شئ ولكنها قالت له:
-طيب خليهم بكرة لأن أنا فصلت ومش حعرف أركز في حاجة.
-وبنبرة غير مبالية حتى لا يثير شكوكها:
-تمام..مفيش مشاكل خليهم لبكرة.
ثم أمر السائق أن يقوم بتوصيلها الى المنزل وذهب هو الى مكتبه..يخرج بعض من الأوراق درج مكتبه قابضا عليهم بغيظ قائلا:
-مش مهم ..نستنى يوم كمان مش حيجرا حاجة حتروحي مني فين.
ثم زفر في عدم صبر وعيناه تشعان في اصرار حتى يحصل على مراده.
لم تمكث كثيرا في العمل كانت قلقة على مالك للغاية توجهت الى حجرته مباشرة، وجدته نائم ولكنه يبدو عليه كأنه يحلم ..يحلم بشئ مخيف هكذا اتضح من صورته، فقد كان وجهه يتصبب عرقا، ينازع ويصدر اصوات غير مفهومة، وهماهمات كأنها أواجع، ينتفض جسده على الفراش كأنه في نوبات صرع.. ركضت نحوه بانزعاج تهزه وتناديه بهلع:
-مالك..مالك..في ايه حبيبي..قوم يامالك ..اصحى ..اصحي فيك ايه ياحبيبي .
بأصابع ترتعش وانفاس لاهثة خائفة، اخرجت هاتفها تتصل بالطبيب وتخبره باكية:
-الحقني يادكتور.. مالك كأنه بيحلم بكابوس وعمال ينازع..وبيقول كلام مش مفهوم، وشه اصفر ومليان عرق.
الطبيب باهتمام:
-طب كويس ده معناه انه قرب يفوق ..مسافة السكة واكون عندكم.
جلست بجواره على الفراش تمسح عنه عرقه..وهي تزرف دموع الخوف عليه.
عندما حضر الطبيب حقنه ببعض المنشطات حتى تساعده على تنشيط وعيه..وسألها:
-قولي لي قدرتي تجيبي اي معلومات عن حياته؟
هزت رأسها بالنفي قائلة بأسف:
-للاسف يادكتور مقدرتش أروح ..اولا لاني معرفش اروح لوحدي وكمان خفت لانها بلد أرياف وأنا مش حقدر أتعامل معاهم ..ثانيا انا كنت مشغولة جدا عشان شغل والدي وكمان اهتمامي بمالك مقدرتش أسيبه لوحده وأسافر..عشان كده انا بفضل اننا نستنى والدي لما يرجع من السفر هو حيقدر يفيدك اكتر ويجبلك المعلومات الحضرتك عايزها.
أومئ برأسه تفهما فقال على مضص:
-تمام ..ياريت يفوق بقى عشان أسمع منه شخصيا.. المهم أنا عايزك تفضلي جمبه..واظن ان مراعاتك ليه وقعادك معاه وكلامك له كان ليه أثر كبير بانه بيحاول يقاوم غيبوبته..أنا حمشي وأي تطورات اتصلي بيا فورا.
-حاضر يادكتور.
قال وهو يصافحها:
-ربنا يشفيه يارب
-يااارب.
جلست بجواره تتأمله بشفقة جعلت ذراعها فوق رأسه، وأراحت خدها على جبينه مقربة رأسه نحو حضنها أكثر وأكثر وراحت تهمس له باشتياق:
-ياااه يامالك قد ايه أنت واحشني قووي..واحشني صوتك حتى لو كان زعيق وشخط..وحشتني نظراتك حتى لو كانت نظرات كره..وحشتني أوامرك ..وحشني وجودك معايا..قوووم بقى أنا محتجااالك قوووي..حاسة أن جزء مني سايبني وضايع مني..ربنا يشفيك ياحبيبي ويرجعك لي بالسلامة.
جادت عيناها بفيض من الدموع.. دموعها تسقط على وجهه علها تغسله من غياب طال لأيام وكأنها سنوات..وبالفعل دموعها أتت مفعولها فقد ظل يتململ وكأنه يقاوم لكي يخرج من غيبوبته تلك وعندما شعرت بحركته رفعت رأسها وحدقت به بشوق بالغ ولهفة تنتظر وتتمنى لكي يستيقظ.. فظلت تساعده وتخفزه بصوتها الحنون:
-قوم ..قوم يامالك..اصحى..قاوم ياحبيبي.. فوق..فوق ياروحي.
لم تصدق عيناها عندما فتح عيناه ونظر لها بأعياء وكأنه كان نائما مع أهل الكهف حدق بها وغمغم بضعف وأعياء:
-أ أ أنتي مين..أنتي ميين…
فرحتها باستيقاظه جعلتها تصرخ وتنادي على دادتها بصوت ضال اعمى لا تدري ماذا تفعل في ذلك الموقف:
-دادة …ددداداة ..مااالك فاق ..مالك اتكلم.
حتى انها تركته وذهبت اليها..لكي تشاركها تلك اللحظة فقد شعرت أنها لحظة قوية لن تتحملها بمفردها.
*********************************