منوعات

كاره النساء بقلم سهير عدلى الثانى

لأول مرة منذ أن جاءت الى المستشفى في حالة يرثى لها يراها وهي تبتسم ..عندما دلف الى حجرتها وألقى عليها تحية الصباح:
-صباح الخير
فردت عليه تحيته باابتسامة عذبة صنعتها شفتيها خصيصا له:
-صباح النور
قال وهو يدقق في ملامحها التي تبدلت من اليأس الى الأمل ومن التعاسة الى السعادة:
– ايه ده هو انتي بتعرفي تبتسمي زينا؟؛
أطرقت رأسها خجلا وهي تبتسم من مزاحه.
تناول يدها لكي يتابع نبضها وحتى يرفع عنها خجلها:
-وريني ياست الكل.
بينما هو محدق في ساعته كانت هي تراقبه في صمت ملامحه الرجولية ووسامته اللتان آسراها، والأهم حنانه الذي يغدقه عليها ومعاملته الطيبة لها..والتي افتقدتها وحرمت منها من قبل والدها وزوجها..وراح عقلها ينقم على والدها ذلك الوالد القاسي الذي لم يكلف نفسه أن يسأل عليها وكأنه ماصدق وتخلص منها..أي أب هذا..مازالت تجهل خبر مو*ته فلقد فضلوا أن لا تعرف به حتى تتحسن حالتها..هتف باسمها عندما وجدها شاردة:
-مالك ياجومانة..ابتسامتك اختفت ليه مرة وحدة.
-مفيش.
قالتها وهي تضم شفتيها تحاول ان تخفي مشاعرها.
ولكنه طارد تلك المشاعر باصرار حتى لا تختزنها بداخلها #:
-مفيش ازاي..وشك باين عليه ايه ال فكرتي فيه خلاكي اضيقتي كده مرة وحدة.
ولم طال صمتها سألها باصرار حتى تبوح بمكنون نفسها:
-قولي ياجومانة مالك في ايه؟؛ أحنا مش اصدقاء..واتفقنا انك متخبيش علياحاجة .
حدقت فيه لثواني هي بالفعل تشعر تجاهه بقرب وراحة فقالت له كأنها تشكو اليه:
-بفكر في بابا ال مسألش عليا ولو مرة وحدة من ساعة ما جيت.
أشاح بوجهه بعيد عنها في حيرة هل يخبرها عن أمر مو*ته..أم لا ؟
وكأنها شعرت أن هناك شئ خفي لا يريد أن ببوح لها به فسألته في توجس:
-فيه ايه يا دكتور..أنت مخبي عليا حاجة؟؛
– ابوكي مات ياجومانة من أول يوم جيتي فيه مستحملش الصدمة ومات .
وجد نفسه يقول ذلك وظل يراقب ردة فعلها لأستقبالها مثل ذلك الخبر .راقب انفعالاتها ووجهها الذي ظل جامدا للحظات وعيناها الشاخصة، محدقة فيه بعدم تصديق وعدم استيعاب..حتى أنه خشى عليها فهتف اسمها بانزعاج:
-جومانة..جومانة قولي أي حاجة.
كانت جومانة في صراع مع نفسها..في تلك اللحظة لم تنقم على أبيها على الرغم مما تسبب لها من متاعب..لقد شعرت بعد أن فقدته كأنها ورقة شجرة سقطت فتلقفتها الريح تطير بها في الهواء..لقد بكت عليه بكت بشدة..برغم من كل ما حدث منه..تبكيه برغم كل الضغوط النفسية التي سببها لها ..تبكيه برغم سجنه لها وحرمانها من حنانه تبكيه.
حب الأبنة لأبيها حب فطري..لا تهدمه أي ظروف حتى لو كانت قاسية.
ارتاح أكرم لدموعها تلك فهي علامة صحية..دموع طبيعية، لقد أطمأن أن هذا الخبر لم يحدث لها أي انتكاسات ربت على يدها وقال مواسيا:
-متبكيش..اكيد ابوكي ليه ظروف خلته قست عليكي كده هي ايه الله اعلم .لكن في النهاية لازم تتطلبيله الرحمة.
لم ترد عليه ولكن راحت تبكي بحرقة ودموعها تسيل بغزارة.. حتى حضرت في تلك اللحظة مربيتها ام أحمد وقد بدى عليها الانزعاج عندما رأتها تبكي ولما سألت الطبيب قال لها بأسف:
-عرفت ان باباها مات خليكي جمبها متسيبهاش.
فاقتربت منها تضمها الى صدره وتمسح على شعرها مرددة في أسف:
-ياضنايا يابنتي..ربنا يزيح عنك ياااارب.
شيعها أكرم قبل أنصرافه بنظرات آسفة..كل يوم يرتبط بها أكثر من الأول..فكيف السبيل من التخلص من هذا الحب المستحيل.
*********************************

-وبعدين الساعة بقت عشرة الصبح ونريمان ماجتش لازم تمضي الورق قبل ما مالك يخف ويرجع الشغل.
قال ذلك سامر وهو يزفر بضيق قاطعا الحجرة ذهابا وإيابا في قلق بالغ قرر أن يتصل بها وتكون حجته سؤاله عن مالك لعله يعرف سبب تأخرها وبالفعل اتصل بها.
وعندما سمع صوتها كسى صوته الطيبة قائلا:
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ورحمة الله
-أتأخرتي قوي يامدام نريمان فقلقت قلت اتصل اطمن عليكي.
صدمته عندما قالت له:
-معلش يا أستاذ سامر أنا مش حقدر أجاي مالك في حالة مش طبيعية ..بيفوق ويغمى عليه تاني وأنا جمبه مستنية الدكتور.
أخفى ضيقه بالكاد وقال بلهفة مصتنعة:
-سلامته الف سلامة ..طبعا لازم تفضلي جمبه..طيب لو احتاجتي حاجة رني عليا.
-متشكرة قوي.
اغلق هاتفه وضرب راحته بقبضته في غيظ..وظل يفكر وهو يعض ابهامه في قلق جم ماذا يفعل الآن ..فهداه عقله الى أن يذهب اليها بحجة أن يجب أن يكون بجانبها في مثل هذا الموقف.

كان مالك قد استفاق ولكنه لا يتكلم..عيناه مفتوحة ولكنه لا يرى أحد، بعد أن فرحت نريمان بعودته.. عادت سعادتها لتتحطم من جديد، كانت تحدق في عيناه مباشرة تحدثه ووجهها قريب من وجهه يكاد يلامسه، انفاسها تلفح وجهه كأنها رياح تريد أن تقت*لعه من ذلك الجمود..راحت تهمس له وكلماتها تقطر عذاب وألم:
-أنا تعبت يامالك..أنت في عالم تاني..ومش حاسس بيا..أنا تايهة من غيرك..عنيك مفتحة بس مش شيفاني..طب سامعني يا مالك.. طيب فيك أيه..حاسس بايه..كنت فين وجرالك أيه..كنت مع مين..الدكتور ليه ساعة بيكلمك ومقدرش يستفسر منك عن حاجة..بيقول إنك لو اتكلمت حتخف..لو عرف أنت كنت فين أخر مرة حيقدر يعرف سبب الحصلك، في حاجة حصلتلك خلتك منهار كده..ايه الحصلك ياحبيبي.
ولما لم يجيب عليها وكأنها تحدث صنما..أغمضت عيناها بقوة فتولدت دمعات ساخنة ألهبت خديها ولكنها استطردت بصوت محشرج ونبرة مفعمة بالأصرار لكي تجبره على التحدث فأمسكت كتفيه بقبضتيها وراحت تهزه بقوة قائلة:
-أتكلم يامالك..أتكلم..اتكلم بقى حرام عليك تعبتني..تعبتني..فووق…فوق عشان تشيل الحمل عني..قلبي قرب ينفجر من كتر خوفه عليك أتكلم بقى.
ولكنه كالصنم ..حجر ليس فيه روح فاراحت رأسها على صدره تبكي بيأس بكاءا حارا كاد يصدع قلبها.
أخرجها من بكائها صوت مربيتها أم أحمد وهي تقول من خلف الباب:
-ست نريمان الأستاذ سامر تحت وعايز يطمن على الأستاذ مالك.
رفعت رأسها من على صدره..تنهدت بقوة..وكأنها سوف تخرج قلبها مع تلك التنهيدة..واردفت وهي تمسح دموعها:
-طيب قدميله حاجة لحد ما أنزله.
-حاضر يابنتي.. بس بعد أذنك حروح مشوار كده لحد بنتي..وآجي عالطول.. ساعة زمن مش حتأخر.
نريمان على مضض:
-طيب يادادة
ثم غمغمت لنفسها:
-هو ده وقتك أنت كمان
راحت تبدل ثيابها بثياب لائقة لأستقبال سامر.. وقبل أن تخرج نظرت لمالك فرأته على حالته زاهلا متصنما لا يبدي حراك..فاقتربت منه وساعدته أن يرقد بجسده كله دثرته ثم أنصرفت.
فتحت باب حجرتها واذ بها قد اتسعت عيناها فجأة..فتراجت للخلف بعض الخطوات فلقد رأت سامر يدخل ويقول بعد أن تحمحم:
-أنا آسف أضطريت أني اطلع لحد هنا كنت عايز اطمن على مالك وأشوفه لاني قلقان جدا عليه.
المفاجأة أربكتها وقيدت لسانها وعقلها فلم تستطيع أن تبدي أي رد فعل. غير أنها قالت له وهي في قمة حرجها:
-هه ..لا عادي اتفضل.
جلس على مقعد أمام فراش مالك ..فقال سامر بعد أن نظر له ورآه نائما:
-هو عامل ايه دلوقت:
أجابت بخفوت :
-تمام..الحمد لله بقى أحسن.
لحظات صمت ثقيلة مغلفة بالحرج..وراح سامر يتحدث حتى يقضي على ذلك التوتر:
-طيب هو الدكتور قال أيه؟
قالت دون أن تنظر له وكانت خجلة ومازالت تحت تأثير الحرج:
-قال أنه بيتحسن الحمد الله.
جذبه خجلها ..لأول مرة يرى خجلها ذلك، كان دائما لا يرى الا الكبرياء مرسوما على وجهها وكأنه جزء من قسماته، ظل يتأملها بإعجاب وهو يحدث نفسه كأنه وهي في خلوة وليس معهما أحد:
-( كل شئ اتمنيته راح مني أتمنيتك قووي..من أول ما اشتغلت مع أبوكي وكان عمرك عشر سنين وأنا حبيتك وكل ما تكبري يكبر حبك في قلبي.. تعبت وشقيت معاه وفي الآخر مانبنيش غير مرتبي.. أبوكي كبر بفضلي وفضل أفكاري ال كانت بتكبر شغله..من غيري مكنش بقى أكبر تاجر جملة..صحيح كان بيكبر مرتبي ..لكن ده مكنش كفاية ..ثروتكم دي كبرت بفضل عقلي أنا وأنا استحملت وفضلت معاه على أمل لما تكبري أجوزك. . كنت مستني تخلصي دراستك واتقدملك..لكن للأسف أبوكي جوزك بأسرع مما توقعت..استنيتك على الفاضي..كان ممكن أسيب أبوكي واشتغل لحسابي لكن مرتضتش أمشي عشان خاطرك.. بس أنا لازم آخد حقي فيكي وفي فلوس أبوكي ..وحتمضي على الورق ال معايا..ورق يثبت أنك سحبتي مني فلوس لحد ما أبوكي يجي من السفر)
كانت عيناه تخترقها نظراته خليط من الحب والحقد والرغبة..نظرات شعرت بها نريمان حتى أنها وبحركات عفوية راحت تسدل ثوبها.. وتغلق فتحة جيدها بيدها.. نظراته اصبحت صريحة تتحدث بوقاحة حتى شعرت بالأختناق..فقالت حتى تصد نظراته تلك علها تصرفه:
-طيب يا أستاذ سامر هو في حاجة مهمة في الشغل عايزني اعملها.
نطقتها مغلفة باابتسامة مجاملة، ونبرة جاهدت أن تخرج طبيبعية وقد أخفت توترها بالكاد.
لكنه لم يجيبها..وأصر أن يحدق فيها بوقاحة وجرأة لا تفهم لهما سبب..فخفق قلبها وراح ينبض بعنف..وأذ به وبدون سابق أنذار..وجدته ينهض وكأنه فقد عقله فهجم عليها يقبلها ويضمها عنوة وهو يغمغم بحقد وانتقام:
-أنا عايزك أنتي..عايزك أنتي أنا فضلت صابر عشان تكوني ملكي ..لكن خسرتك.. خسرتك..كانت تصده..بكل ما أوتيت من قوة..وهو راح يكمل اعتداؤه عليها كالمجنون المغيب عن الوعي..وهي تصرخ وتصرخ..ضعيفه لم تقوى على صد هجومه الغاشم..فبدأت تستغيث:
-آااااه ..انت اجنننت ..انت بتعمل ايه..سبني ياكلب..سبني..ماااااللك ..مااااالك الحقني..الحقني يامالك..آااااااااه ..لالاا ماااااالك.
********************************
-مش عايزة أروح معاه يادادة بلاش..بلاش تروحيني الله يخليكي.
هتفت بها جومانة، بصوت ضعيف عاجز وقد لجئت لحضن مربيتها كأنها تلوذ به، ضعفها هذه اوجع قلب مربيتها فضمتها اليها بقوة ليتها تستطيع ان تخميها وتصد عنها أي سوء تشعر بها ما حيلتها حيال ذلك غير انها تبث لها كلمات حتى لو بالكذب علها تقويها:
-ياحبيبتي مروان بيه مش حيأذيكي متخافيش..وأنا معاكي مش حسيبك.
رفعت رأسها بحركة حادة وهتفت بحدة:
-لأ أنا خايفة منه ومش طايقة اشوفه..وبعدين ايه ال رجعه بدري مش كان بيقول انه حيفضل اسبوع رجع ليه بعد تلات ايام بس.

-يابنتي مهو خلص شغله بدري ،وبعدين هو انتي حتفضلي هنا في المستشفى عالطول مكان مسيرك تروحي.

اخفت وجهها بين كفيها وهي تغمغم لنفسها:
-ياريت افضل هنا عالطول..لكن حتى ال كنت حقعد عشانه من امبارح مش باين ..هو زهق مني ولا ايه..راح فين ..رحت فين يااكرم

-يلا يابنتي استهدي بالله وقوي غير هدومك عشان مروان بيه مستني بره.
قالتها مربيتها وهي تربت على ظهرها وتجبرها على النهوض.

في النهاية اضطرت جومانة أن تمتثل لارادتها..تشعر أنها سلبت كل شئ..ضعيفة منكسرة..وحيدة..وأنها في أخر مطاف حياتها، دلفت الى المرحاض ظلت ساكنة لفترة لا تعلم ماذا تفعل؟ وجهها جامد ليس به حياة..كأنها تتأرجح بين السماء والأرض، فردت يدها أمامها تنظر لعروق يدها وتضم قبضتها بقوة حتى انتفخت تلك العروق..دموعها تسيل على وجنتيها بصمت مخيف..لماذا تعيش؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟ تلك الأسئلة كانت تدور في رأسها ..ودقات قلبها اليائسة تحرضها على انهاء حياتها .. في خضم لحظاتها اليائسة تلك سمعت الممرضة تطرق عليها الباب ولم تنتظر اجابتها وفتحته بحركة سريعة..وجزعت عندما رأت منظرها ذلك وهي على وشك التخلص من حياتها فهتفت بانزعاج:
-انتي حتعملي ايه في نفسك؟ .. اوعي تعملي حاجة..الحمد لله لحقتك ..دكتور أكرم كان قلبه حاسس..خدي.. ده جواب منه بيشرحلك فيه كل حاجة اقريه ونفذي ال فيه بالظبط فاهمة.
نظرت لها جومانة بعيون زائغة لقد انقذت حياتها في اللحظة الأخيرة..راحت تتأمل الخطاب كأنه طوق نجاة القشة التي انقذتها..راحت تضمه الى صدرها تشكره لأنه اتى في ميعاده..قرأت خطابه وابتسمت وادعمت في سعادة لقد اعادت كلماته اليها الحياة ومدتها بالقوة.. ارتدت ثيابها وخرجت وهي تقول لمربيتها بثبات:
-يلا يادادة أنا جهزت
-يلا يابنتي.
قالتها وهي تتعجب من سر تبدل ضعفها هذا الى تلك القوة ..والثبات الذي بدى عليها فجأة.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
ان شاء الله الحلقة الجاية مهمة جدا..حتعرفوا فيها حكاية مالك وايه الحصله..وجومانة لما ترجع بيت مروان حتعمل ايه وتوجهه ازاي وياترى اكرم قالها أيه عشان تبقى بالقوة دي
كل ده حتعرفوووه الفصل الجاي باذن الله
يلا بس رفيوهات حلوة بقى شجعوني..والا لو أحبطت مش حتلاقوا الفصل😢😢
تشجيييييع ياهوه..تشجيع بقى😍😍😍😍
بحبكوووووا في الله دمتم سالمين

سهير عدلي

الفصل الخامس عشر
كاره النساء

صراخاتها تخترق سمعه، واستغاثتها باسمه تصعق قلبه، فيولد لديه صراع مرير.. بين قلبه الذي يصارع حتى يهب لنجدتها، وعقله الذي يصارع حتى يفيق ويلبي ندائها، فيتململ بقوة كأنه ينازع حتى تعود له الروح..صوتها الحنون الدافئ طوال فترة غيبوبته مازال يتردد في أذنيه..كلمة حبيبي التي أطعمت بها قلبه وغذته إياها كانت لها الفضل في أنعاش روحه ومقاومة غيبوبته، لمساتها مازالت بصمة سوف يجد أثرها حتى بعد أن يفيق..دموعها التي صبتها على صدره أنبتت داخله حنينا لها.
تصرخ باسمه وتستنجد به..اسمه بين شفتيها المستغيثتين تصفع عقله الباطن الذي يتشبث بقوة بعقله الواعي ليظل نائما في غيبات الزهول..ولكن عقله الواعي يصرخ به وكأنه يقول له:
-قم..وهب لنجدتها..انها الآن في أمس الحاجة إليك.
في خضم الصراع الذي يعانيه مالك وهو يحاول أن يقاوم زهوله وخروجه عن الواقع.. صرخات نريمان أسواط تجلده وأخيرا تغلب عقله الواعي واستفاق قلبه ونهض ليراها تسحق تحت ذلك السافل..الذي استباح عرضه أمامه ظنا منه أنه بلا وعي..وأذ بسامر يفاجأ بيد تجذبه من دبر قميصه ويكيل له ضربات سريعة متتالية..قوية.. ولم يتركه حتى سقط ذلك الذئب مغشيا عليه..ونريمان واقفة في ركن الحجرة منزوية على نفسها، شعرها أشعث ثيابها مقطعة..وجهها شاحب تلون بألوان شتى واضعة يدها على فمها وهي ترى مالك يضرب سامر بعنف..وما إن أنتهى وكان كالذي دخل معركة ببقايا قوته ولا يعلم من أتت له تلك القوة..وسرعان ما انهار أو كان على وشك. . ركضت نحوه سريعا ترتمي في حضنه تصب كل دموعها على صدره..دموع الخوف الذي تحول الى أمان بفضله. دموع الضياع الذي أنقذها من براثن ذلكن الذئب..دموع السعادة لعودته الى الحياة..دموع رجولته التي هبت لنجدتها وصارعت غيبوبته من أجلها..كانت تلصق نفسها به بشدة كأنها تريد أن تخترق ضلوعه حتى تشعر بأمان أكثر..ظل لحظات ساكن يديه بجواره مرتخيتين.. وإذ به يرفعهما بتردد وخوف ليحتويها بهما.. فاتسعت عيناها غير مصدقة أنه ضمها اليه.. ولأول مرة يفعل ذلك..فابتسمت وأدمعت حتى انها نظرت لوجهه المرهق كأنها تسأله هل أنت حقيقي ضممتني اليك..فعادت واسندت رأسها على كتفه تثتثمر تلك اللحظات النادرة وتمنت ساعتها الا تنتهي تلك اللحظات..بل أنه شدد من ضمه لها ..وشددت هي بدورها من ضمه اليها كأنه ترجوه أن لا يتركها..فهذه أول ضمة لها منذ أن تزوجها..أول مرة يلمس جسدها جسده..أول مرة يكون قريب منها..أول مرة تشعر أنه زوجها ،سندها، أمانها، رجلها..أنه كل شئ في حياتها..وإذ بها شعرت بجسده يترنح ويديه تخلتا عنها فنظرت له بانزعاج وهي تصيح :
-مالك ..في ايه…مااااالك.
كان قد سقط بين يديها ولكن عيناه مازالتا مفتوحتين بضعف وإعياء يهمس بصوت ضعيف كأنه #ويستميت حتى يبقى مستيقظا من أجلها ومن أجل أن تشعر بالأمان:
-مت..مت متخفيشي.
لم تتخلى عنه بعد أن سقط وانما ظلت يديها الضعيفتان تحملانه وتساندنه وهي تقول وصوتها المنهار تتوسله:

-أوعى يامالك يغمى عليك تاني أنا مصدقت انك رجعتلي تاني..قاوم ..قاوم أرجوك..أنا ..أنا حتصل بالدكتور..بس مش عارفة أعمل ايه أسيبك ولا أستنى داداة ولا أعمل ايه..ساعدني يامالك ساعدني عشان خاطري.
بعينين مرتخيتين..ووجه أصفر شاحب..وشفتين زرقاء أومأ برأسه رافعا يده نحو وجنتها يربت عليها بمعنى لا تخافي، ابتسمت له وحاوطت كتفها بساعده، والتف ذراعها حول خصره ترفعه حتى ينهض تهمس بصوتها الذي يعاني وهي ترفعه:
-قووووم..قوم معايا نام على السرير لحد ما يجي الدكتور.
قاوم مالك حتى استقر على فراشه.

نظرت نريمان باحتقار لجسد سامر المسجي ثم خرجت مسرعة لكي تتصل بالشرطة..وهاتفت ايضا الطبيب الذي سردت له كل ما حدث واستبشر خيرا وأخبرها أنه سوف يحضر على الفور وقد أوصاها أن تضع له طعاما حتى يسترد بعض من قوته.
***********************************
أين تماسكها الذي كانت تتحلى به، أين شجاعتها التي اقتبستها من كلمات أكرم حتى أنها شعرت أن بمقدورها أن تواجه الليث في عرينه، لماذا تبخرتا الآن؟ وبمجرد دخولها حجرتها ومروان خلفها وقد أغلق الباب بالمفتاح..حتى شعرت بخوار داخلها وتبخر تلك القوة، وماتت شجاعتها، وارتعش جسدها، وانتفض قلبها كأنه يدق آخر دقاته، خطواته التي تقترب منها جعلت نبض قلبها يسرع بجنون كأنه في سباق للركض..ولقد حضر مشهد ليلة زفافها وكأنه مشهد سينمائي يعاد تصويره..حتى أنها تراجعت للخلف في زعر..وبدأت تصرخ وتصرخ بأعلى صوتها:
-لا..لأ..ﻻ..ﻻ..متقربيليش..أبعد..أبعد..أبعد..أب….
لم تكمل استغاثتها فقد سقطت في بئر الأنهيار.
-جوماااانة.
هتف بها مروان بانزعاج..وهو يسرع اليها ..يحملها ويضعها على فراشها..رأسها مستريحة على ذراعه..ويده تزيل شعرها من على وجهها الشاحب..الغاضب..ازعجه خوفها منه..وتذكرها لليلة زفافه..شعر بغصة في حلقه، يغمض عينيه بقوة وألم يضم رأسها الى صدره قائلا في مرارة:
– متخفيش مني ياجومانة..متخفيش مني ياحبيبتي..سامحيني..سامحيني ياروحي..أوعدك أني مش حأذيكي تاني..أوعدك أني حعوضك عن كل الشفتيه مني ومن أبوكي الله يرحمه.. متخفيش من جوزك ..أنا جوزك وحبيبك .
كانت في عالم آخر لم تسمع توسلاته..ولم ترى دمعاته..ولم تشعر بندمه ولا حبه الذي يبثه لها.
لقد اتصل بطبيب وبعد أن فحصها علم منه أنها في حالة انهيار عصبي، وتحتاج للراحة وعدم تعرضها لأي تأثيرات نفسية سيئة حقنها الطبيب بمهدئ يجعلها تنام حتى الصباح..لم يستطيع مروان النوم..لقد مكث بجانبها يتأمل وجهها الشاحب المكسو بالخوف بل الرعب، وللأسف هو السبب في ذلك ماذا يفعل لكي يزيل عنها هذا الخوف الشديد ، كانت زفراته حارة كأنه يقتبس حرارتها من جهنم..يضم رأسها الى صدره علها تشعر بالنار التي تكوي فؤاده نار الندم التي يتلظى بها..ولم يشعر بنفسه حتى غفى على وضعه هذه..غفى وهو ضاما لها.
********************************
لقد عادت أم أحمد مربيتها وهي ترى الهرج والمرج الذي سباباه خروج الشرطة وهي قابضة على سامر تدفع به أمامها بقسوة، فاتسعت عيناها في انزعاج..ضربت على صدرها وهي تتمتم لنفسها بجهل للأمور:
-ياخرابي ايه الحصل في غيابي.
ثم هرولت متجهة صوب حجرة نريمان فطرقت الباب ثم دلفت وهي تتفقدهما بعيون تملؤها الجزع ثم هتفت :
-ست نريمان ايه الحصل..أنتو كويسين.

التفتت نريمان لها وأجابتها بعد أن تركت مكانها بجوار مالك وتقدمت نحوها:
-متخافيش يادادة احنا كويسين الحمد لله.
-طب البوليس ده ال ساحب سي سامر ليه ..هو عمل ايه؟؛
-تعالي معايا في المطبخ وأنا احكيلك.
قالتها بهمس وهي تسحبها من يدها متجهة بها صوب المطبخ.
ثم قصت لها ما حدث تحت نظرات الزهول التي بدت في عينان ام احمد..هذه الأخيرة التي هتفت بانزعاج:
-يخرب بيته بقى كل ده يطلع من الأستاذ سامر..
-اهو ده الحصل يادادة ..المهم دلوقت بقى عايزاكي تعملي اكل لمالك عشان ياكل ويشد حيله قبل ما يجي الدكتور.
– بس كده من عنية حاضر ..ده كفاية انه ربنا خد بايده وفاق ياما انت كريم يارب.
هتفت بها في سعادة وراحت تشرع في اعداد الطعام في حماس.

مرت أكثر من ساعة على الأحداث التي حدثت..بعدها حضر الطبيب كان مالك وقتها قد أكل واسترد القليل من عافيته، ألقى عليه الطبيب تحية مغلفة باابتسامة تنم عن سعادته بعودته من الغيبوبة:
– السلام عليكم.
ردت نريمان ومالك بصوت خافت ضعيف:
-وعليكم السلام ورحمة الله.
جلس الطبيب في مقعد بجوار مالك فهتف وهو يفحصه:
-عامل ايه دلوقت؟
مالك بصوت خافت:
-زين.
الطبيب وقد انتهى من فحصه المعتاد:
-طيب تقدر تتكلم دلوقت ولا حتتعب؟
مالك باعياء:
-لاه حجدر.
قبل أن يتحدث مالك التفت لنريمان ثم قال لها:
-أتركينا لحالنا دلوك لو سامحتي.
طلبه تسبب لها في الضيق ولكنها اخفته مؤقتا، وفضلت أن تخرج حتى يستطيع الكلام..وكم كانت تتوق لسماع حديثه فالفضول #لكي تعرف سبب ما حدث له ولكن هي الآن تتمنى عافيته قبل أي شئ.
ما إن خرجت حتى تنهد مالك براحة..وعلى أثر هذه التنهيدة سأله الطبيب :
-ليه مش عايزها تعرف ال حصل.
-إكده أحسن .

انت في الصفحة 3 من 8 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل