-ايه تعبت؟
تفوه بها الطبيب عندما لاحظ شحوب وجهه وأحتقانه على أثر انفعاله وتأثره بذكرياته..فأوما مالك ..ناوله الطبيب كوبا من الماء قائلا له:
– خد اشرب واتنفس بعمق واهدى
فعل مالك ما نصحه به.
-بص يامالك.. واسمعني كويس
تفوه بها حتى يلفت انتباهه له ثم استطرد قائلا:
-عقدتك اتكونت بسبب والدتك او خالتك..أنت كنت بتتمنى الصورة الطبيعية لأي أم..الفطرة ال خلقنا عليها ربنا..اي انسان صورته عن امه هي الصورة المثالية..الأم الا بتسهر على راحة أبنائها..وبتربيهم كويس وبتكون قدوة ليهم ومثال للشرف والأخلاق..ولما صورة الأم بتتشوه..بنفقد الثقة في جميع الستات..وده ال حصلك..وال زود عقدتك صدمتك في أول حب ليك..حتى الفتاة ال انت حبيتها كانت في الصورة ال بتتمناها من جواك..ولما اتصدمت فيها..عززت عندك كرهك ليهم..لكن أنا عايزة اقولك أن قانون الدنيا هو الخير والشر..حتى لو كان الشر اكتر..لكن يبقى الخير في الدنيا..ولازم تقنع نفسك ان زي ما في ستات وحشة في كمان ستات كويسة وشريفة ومحترمة زي أم صاحبك الست ال أنت تمنيت أمك تكون زيها.. انت دلوقت يامالك عرفت عقدتك الباقي عليك بقى أنك تطرد احساسك ده من جواك..وتقاومه وتحاربه عشان تقدر تعيش في سلام ..متعيش وأنت بتتعذب بسبب ماضي انتهى.
انا حسيبك تستريح..وبكرة حتكون اخر جلسة لينا..تمام.
أومأ مالك وهو يهتف:
-تمام.
**********************************
دخل مروان الى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة دارات عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:
-ايه ده؟؛
عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :
-اقري.
القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.
ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلبها ينبض بجنون ..وأذ بها تتسع عيناها عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:
-أكرررررررررررررم.
*******************************
ياترى ماله أكرم.
توقعاتكم بقى.
بااااااي
سهير عدلي
الفصل الثامن عشر
كاره النساء
دخل مروان إلى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة.. دارت عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:
-إيه ده؟؛
عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :
-اقري.
القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.
ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلب ينبض بجنون ..وإذ بها تتسع عيناها في صدمة عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:
-أكرررررررررررررم.
مازالت لا تصدق ما قرأته تحدق في الصورة والخبر بزهول يدها على فمها تكتم شهاقتها ..تهز رأسها يمينا ويسارا في عدم استيعاب..تغمغم بروح واهية:
-أكررم ..م م مات.. أ #..طب أزاي ..أزاي ..دد ده كان كويس ..ك كان كويس وبيكلمني..لا لأ لأ لا ..أكرم اكرم أكرم.
وظلت تهتف باسمه في جنون وتصرخ عله يسمعها حتى يطمئنها عليه….لكنه لا يستجيب.. ظلت تمزق الجريدة بعصبية..رافضة هذا الخبر حتى لو كان صحيح..بل راحت تهشم كل محتويات الغرفة، ما أوقفها غير ظلام حالك ضربها على رأسها فسقطت في غيبات الأنهيار.
على باب حجرتها كانت واقفة خادتها تترقبها كما أمرها سيدها، سمعت جنونها وهي تهشم محتويات الحجرة بغضب عارم..وما ان خفت صوتها حتى ضربت صدرها بانزعاج فركضت الى سيدها تخبره بصوت مضطرب:
-الحقني يابيه..الست هانم فضلت تصرخ و تصرخ، وكان باين زي ما تكون بتكسر في الاوضة وبعدين حسها سكت فجأة، وسمعت حاجة دبت في الارض بينلها وقعت واغمى عليها.
وما إن سمع مروان منها ما سمعه..حتى هرول اليها فتح الباب وجدها مطروحة على الأرض، وجهها محتقنا كأن الدماء تجمعت فيه، شعرها مفرودا فوق رأسها بحزن..اقترب منها وحملها وضعها على سريرها ثم التفت للخادمة وقال لها بنبرة سريعة منزعجة:
-بسرعة اتصلي بالدكتور.
-حاضر يابيه.
أخذ رأسها على ذراعه وظل يضمها اليه وهو يهمس لها :
-وبعدين معاكي في البتعمليه في نفسك ده وفيا، بس معلش..يومين وتنسي دكتور الزفت بتاعك ده..وحترجعي ليا..أنا مروان حبيبك..أنا بحبك.. دفن وجهه داخل رقبتها يلثم رائحتها ويبكي كالطفل..ويوصل همسه وتوسله وبكاؤه:
-بحبك ياجوجو بحبك ..انسيه بقى ودووبي فيا
حبيني وحسي بيا، حسي بقلبي ال محتاجلك أنت ليا، ليا أنا بس فاهمة أنت بتاعتي ،ملكي أنا ومحدش حيقدر ياخدك مني..وال ياخدك مني #..#..فاهمة..#.
قال كلمته الاخيرة وهو يهزها بعنف كأنها تستمع له..كأنها بوعيها.. طرقات الباب جعلته يفيق ،كان في غيبوبة الندم يهزي بحبه لها..ابتلع ريقه ومسح دمعاته وقال في ثبات استجمعه بصعوبة:
-ادخل.
الخادمة: الدكتور يابيه
-خليه يدخل.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
-وبعدهالك يامالك..حتعمل ايه عاد؟ لحد ميتة حتداري حجيجتك..لحد ميتة حتتضحك عليها، أنت عشقتها ياخوي؟؛ وده كان أتفاجنا بردك، مسح على رأسه يحاول أن يبتلع تلك الغصة، ثم تابع حديثه مع نفسه.. يااااابوي أعمل ايه في ال أنا فيه ديه ال لكان عالخاطر واصل، تذكر حديث الطبيب عندما صارحه بحقيقة مشاعره نحوه زوجته ولكن هناك اتفاقا بينه وبينه حماه يحتم عليه وئد ذلك الحب، كان رأي الطبيب أن هذا الاتفاق ظالم لها..ولابد أن يصارحها بحقيقته..وساعتها تستطيع وحدها أن تقبل هذا أو ترفضه.
دلوجت أبوها ياجي ونطلق وأبعد عنها..احسن بردك أنا تعبت من اللعبة دي عاد خليني أبعد عنها..ياريتني ما كنت وافجت من الاول..يارياتني ماشفتك يانريمان ولا عرفتك من أصله..ولا حبيت………
قطع همسه الخفي مع ذاته عندما شعر بذراعين تطوقان خصره من الخلف انتفض والتفت خلفه فوجدها هي نريمان ارتعش جسده وكأن ماس كهربائيا صعقه..فصرخ بها وهو عاقد جبينه قائلا بغضب:
-ايه العتعمليه ديه..مش حتبطلي حركاتك ديي.
كانت نريمان عائدة من العمل تشعر بارهاق شديد، عايناها غائرتان، وجهها شاحب، تتنفس بصعوبة من فرط أرهاقها وكأن الهواء من حولها نفذا، أبصرته واقف في الشرفة يديه مختبئة في جيوبه وظهره لها، يبدو عليه الشرود..لا تعلم لماذا سيطرت عليها رغبة في أن تحتضنه، هل لأنها في حاجة الى الراحة بعد عناء يوم شاق، أم انها اشتاقت له، ولم تتردد بل حققت ما تمنته..وعندما احتضنته أصابها اليأس عندما تلقت رد فعله الذي كانت تتوقعه ولكن لم تتوقع ان يكون عنيفا هكذا..ما كل هذا الغضب، ألست بزوجته ومن حقي أن احتضنه في أي وقت.
وبالفعل وجاهته بمكنون صدرها قائلة:
-أنا عملت ايه غلط أنت مش جوزي؟؛
صمت عاجزا عن الرد عليها كان يتنهد بشدة..اعطاها ظهره نعم انه يهرب منها ولكن هذه الصغيرة تطارده..تطارد مشاعره تركض خلف حبه كأنها تعلم الحقيقة فتلعب على الوتر الحساس دون ان تدري او تخطط لذلك، استدارت حتى اصبحت امامه فسألته :
-مالك أنت بتكرهني ؟؛.
لم يجبها آه انها تتلمس شتاته ومعاناته الآن.. استطردت في اصرار:
-رد عليا ..أنت بتكرهني للدرجادي..لدرجة انك مش بتطيق حتى أني المسك.
ظل صامتا ووقف متنصنعا الجمود.
قالت وقد رققت نبرتها كأنها ترجوه أن يسمعها:
-أنا عارفة اني زودتها قوي معاك في البداية..عارفة أني غلست عليك ورذلت كتير..عارفة أن أحرجتك قدام بابا وماما واني كمان كنت مش طيقاك ساعتها وكنت عايزة اطفشك..بس ده كان في الأول..قبل ما..قبل ما أاحببك..أنا بحبك يامالك..والله بحبك..ومش عارفة اعمل ايه عشان تسامحني..أنا تعبت انهاردة في الشغل قووي تعبت لدرجة اني حاسة أني شايلة حمل فوق طاقتي..نفسي بقى ترجع الشغل وتشيل عني الهم التقيل ده..أنا محتاجلك جمبي..عرفت بقمتك صدقني قالت جملتها الأخيرة واقتربت منه للغاية تلتقط ذقنه بيدها تنظر في عيناه بتعمق كأنها تنقب في عمقهما عن ذرة حب لها..ولكنها لم تجد غير البرود الذي أتقنه..أغمضت عيناها في خزي وانكسار ثم ارتمت على المقعد و اجهشت في البكاء.
كلماتها الصادقة البريئة مزقته، فتت قلبه..انها ومن غير قصد لعبت على نقطة ضعفه وهي دموعها الذي لم يحتملها، ولن يتحمل رؤيتها تلمع على وجنتيها، ظل ينظر لها وهو عاجز حائر..قلبه يأمره أن يضمها الى صدره ويمسح دمعاتها..هو يعلم مدى تعبها انها صغيرة وضعيفة على تحمل تلك المسئولية الجسيمة التي يئن لها أشد الرجال..ولكن عقله ويمينه الذي بينه وبين ابيها يردعه حتى لا يحنث..
عزم أن يعترف لها كما نصحه الطبيب
انحنى والتقط مرفقيها فجعلها تنهض هامسا باسمها ..فنظرت له من بين دموعها تتنتظر ماذا وراء همسه؟ هل سيضمها لصدره ويعترف لها بحبه؟ هل سيكفكف دموعها ، هل سيطلب منها السماح على جفاءه لها وبروده، ابتلع مالك ريقه قبل ان يقول:
-أسمعيني يانريمان زين……
-نريمان؛ قاطعته وهي تردد اسمها في تعجب لتستطرد وهي تبتسم بحب:
-أول مرة من ساعة معرفتك اسمعك تنطق اسمي..يااااه اسمي من بين شفايفك حلو قوووي..أنا حبيت اسمي اكتر لما نطقته.
لم يعد يحتمل هجوم عشقها ..ولا بثها بحبها له اكثر من ذلك حبها الجارف له يزلزله يقضي على بقايا تمسكه..ولكنه صرخ وهو يهزها:
-أكتمي واسمعيني عاد.. أني..أني مش ود عمك.
اتسعت عيناها في صدمة فتمتمت:
-اييه مش ابن عمي؟؛ أمال انت تبقى ايه؟؛
-أنا……
قطع أعترافه رنين هاتفه أجاب الأتصال وما إن تحدث الطرف الثاني حتى اتسعت عيناه بصدمة فصرخ غير مصدقا:
-اييه ..ميين..عمييي؛؛
ملامحه المصدومة جعلت قلبها ينبض بخوف فسألته:
-ماله بابا يامالك.
-لازمن نروح السفارة طواالي.
-لييه؟؛
-مخبرش حنفهم إهناك.
عندما وصلا الى السفارة، كانت الصدمة الكبرى لهما لقد ماتا ابيها وأمها على اثر حادثا تعرضا له، وما إن تلقت الصدمة حتى صرخت فاغشي عليها.
كان مالك في موقف لا يحسد عليه حائر ما بين زوجته التي لم تتحمل الصدمة..ومو*ت والديها ..نقلها الى المستشفى فورا .
شعر أن الامور تعقدت للغاية ماذا سيفعل؟ كل شئ دبر له هدم مرة واحدة..صحيح أنت تريد وأنا اريد والله يفعل ما يريد، ابيها نفسه لم يعمل حسابا للمو*ت..ماذا سيفعل الآن؟ هل ينفذ ما عزم عليه..يطلقها كما اتفق مع ابيها..ام يستمر في اخفاء الأمر عليها..ويستمر في زواجها، فكيف يترك فتاة صغيرة في هذه الدنيا تواجهها بمفردها، ستكون مطمع بثروتها للجميع..زفر بحيرة عاجز عن اتخاذ القرار.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
يومان مرا منذ أن قرأت خبر حادث مو*ت أكرم وجومانة خارج الدنيا، لا تتكلم ولا تستجيب لأحد..كل شئ بها صامت صمت المو*تى..عيناها فقدت بريقهما..كأنها لا تريد الحياة، كم حاول مروان بكل الطرق أن يعيدها للحياة دون فائدة، مربيتها تبكي عليها في صمت ..وردة زبلت وأوشكت على السقوط، دلف مروان مساءا عليها يتفقدها كعادته..وجدها جالسة، شاردة، لا تحرك ساكنا، أشار للمربية بالخروج ..جلس بجوارها يتأملها بنظرات تقطر ندما، لقد #اكرم من أجلها من أجل أن يحتفظ بها..من أجل أن تكون له وحده..ابتلع غصته وحاول أن يبدو طبيعيا همس لها:
– وحشتيني قووي ياجوجو..ايه رايك نخرج انهاردة نتعشى مع بعض واخدك افسحك..تعرفي بفكر نروح الملاهي..ايه رأيك؟ لم تستجيب له، كانت كالصنم ليس به روح ولا حياة، شئ حثه على الأقتراب منها بل تقبيلها لعلها تبتعد عنه أو تلومه أو تبدي أي رد فعل، المهم أن يخرجها بأي ثمن من تصنمها هذا..وبالفعل قبلها في جانب فمها قبلة رقيقة، ود لو يلتهم شفتيها التهاما، ولكنه اكتفى بقبلة رقيقة، ولكنها ايضا تبدي أي رد فعل..أو تخجل أو حتى تبعده عنها، تأسف لذلك أكثر ..هتف بنفاذ صبر
-فوقي بقى خلاص المات مات..لازم تعيشي حياتك..انسي وتعالي نبدأ من جديد.
همست بصوت ضعيف واهن:
-ع عايزة ماما.
-بتقولي ايه؟؛ بتقولي ايه ياجومانة انتي اتكلمتي ولا انا متهيألي..قولتي ايه؟؛
-عايزة ماما.
-عايزة ماما..رددها في تعجب ماذا تعني..هل تريد ان تمو*ت وتذهب لأمها ام ماذا تعني..
مسح على شعرها وهويهمس بحنان:
-جوجو حبيبتي متخافيش أنا جمبك.
تحول همسها الى صرخة :
-عايزة اروح عند ماما..عايزة ازور ماما.
-حاضر..حاضر حوديكي تزوري قبرها بس اهدي حبيبتي.. بكرة باذن الله نروح نزور قبرها.
*********************************
شوفتو مالك مطلعش ابن عمها امال يبقى مين؟؛
حنعرف باذن الله الفصل الجاي.
بحبكوووو قوي
سهير عدلي
الفصل التاسع عشر
كاره النساء
صرخة مدوية أطلقتها نريمان داخل حجرتها بالمستشفى..صرخة لوعة تنادي بها على الذين غادرا الحياة ولن يعودا مرة أخرى:
-باااااابا….ماااااما..مجوش ليه، هما فين؟ مجوش ليه لحد دلوقت، عايزة بابا..عايزة ماما..عايزة أروحلهم.
انتبه مالك الذي كان غافيا على المقعد امامها وقفز من عليه ليهتف في انزاعاج:
-ايه ..حوصل ايه؟؛
بعقل رافض أن يصدق مو*تهما راحت تهذي وتنزع عنها الأنابيب الطبية الموصلة في يدها بعصبية، تحاول النهوض لكي تذهب لهما.
يعيدها الى فراشها ويثبتها في سريرها برفق قائلا بشفقة:
-هدي يانريمان ..هدي ..حاضر حنروحلهم طوالي.
-أكيد الخبر غلط يامالك مش كده؛ هما..هما حالا يوصلوا اكيد حيتصلوا بينا..يلا نرحلهم يلا نروحلهم احنا.
اكيد هما عايزين يشفوني انا وحشتهم انا عارفة انا وحشتهم قوي زي ماهما وحشوووني قوووي..لازم نسافر بسرعة.
-جولتلك حنروحلهم بس هدي طيب.. متعمليش في روحك إكده.
احتقن وجهها على أثر الأنفعال وتمرد صوتها صارخا، تدفع مالك بكل قوتها الذي أمسك يديها حتى يمنعها من ترك سريرها، ثم صرخت:
-مش عايزة اهدى..مش عايزة اهدى انا عايزة بابا وماما عايزاهم..عايزة ارحلهم.
-طيب ..طيب جومي غيري خلجاتك.. وياجي الضاكتور يشيلك المحلول ديه ..وحنفذلك ال انتي ريداه.. حنروحلهم طوالي سوا بس هدي عشان خاطري.
ثم جذبها الى حضنه يربت على ظهرها بحنان..زافرا بأسف..شهقاتها تمزق صدره..نحيبها يوجعه..تعافر لكي تتخلص منه وهي تردد سبني.. سبني اروحلهم سبني أمشي
ولكنه تشبث بها متحملا ضرباتها على صدره يهمس بجوار اذنيها:
-لاه مش حسيبك ياحبيبتي هدي أنا جمبك أهه روقي ياجلبي عشان خاطري، ابوكي وامك في مكان احسن من اهنيه..هما حاسين بيكي دلوك، شايفينك وسامعينك، متخلهمش يشفوكي إكده منهارة..عشان ميزعلوش منيكي.
ثم ضمها اليه بقوة كأنها طفلة في حضن أبيها، ظلت في حضنه حتى أعياها البكاء، ومن فرط المجهود الذي بذلته من صراخ ووعويل نامت على صدره.
بعد يومان خرجت نريمان من المستشفى هزيلة ضعيفة..قد نقص وزنها..وجهها شاحب، انطفأ لمعان عينيها، وزبلت شفتيها، ما إن خطت داخل البيت حتى جادت عيناها بدموع الذكرى فقد أخذت تتجول بعينيها في كل مكان تتلمس فيه أثر أبيها وأمها، حديثهما لها وصوتهما يترددا في أذنيها بصدى الحنين..صوت امها عندما توقظها وترفع عنها الغطاء:
(قومي يانانا بقى بطلي كسل..لحد امتى حتفضلي نايمة)
تقريعها لها عندما ارتدت ملابس غير لائقة في عزاء عمها:
( يابنتي ده لبس تلبيسه في عزا ..جيبة قصيرة، وبلوزة من غير أكمام..أنتي اتجننتي، احنا رايحين بلد أرياف أمتى تعقلي بقى؟)
تعتصر عينيها حسرة على خسارة لن تعوضها
صوت ابيها وهو يدللها وهي صغيرة..مكافأته لها بسيارة حديثة عندما نجحت..لم يثور عليها يوما..ولم يغضب عليها لحظة..دفئ حضنه لها مازال يسري في عروقها تتلمسه بيديها حول ذراعيها..كأنها أصبحت عارية من بعده.
ومالك يراقبها بأسف وحرص.. يعلم أنها الآن تطوف في محراب الذكريات، قال لها محاولا أن ينتشلها من ذكرياتها حتى لا تنهار:
-تعالي يانريمان نطلعوا فوج عشان تستريحي هبابة.
قالت بصوت يملؤه الحسرة وكأنها لم تسمعه:
-خلاص راحوا مش حشفهم تاني ..سابوني يامالك خلاص حتى مش حقدر اودعهم..ولا احضر دفنتهم، طب لييه لييه..طب كان حتى فضل حد منهم معايا، الاتنين يسيبوني كده لوحدي
مش حدلع على بابا تاني ولا اقوله هات وهات وأنا بستغل حبه ليا وضعفه قدامي..مش حياخدني تاني في حضنه ولا اشم ريحته، ولا حشوف الخضة في عنيه لما اعيى.. ماما ال دايما كنت بغيظها مش عارفة ليه؟؛ يمكن عشان كانت بتضايق من بابا وتدليله ليا..كانت دايما بتزعقلي على غلطي..بس أنا كان ولا يهمني، عشان كنت بستقوى بيه، كنت بفرح قوي لما انتصر عليها ورأي انا ال يمشي عشان بابا كان واقف معايا وينفذلي طلباتي.. عمري مقلتلها كلمة حلوة ولا ابتسمت في وشها، كنت دايما حادة معاها..بس والله انا بحبها ..والله بحبها كانت طيب تستنى شوية لما اعتذرلها وتشوفني بعد ما غيرتني يامالك..وبابا كمان كان نفسي يشوفني وأنا بتحمل المسئولية وبطلت الدلع والسلبية.. ليه يمو*تو بسرعة كده ليييييه..لييه يامالك لييه.
اعقبت حديثها بدموع غزيرة اختلطت بشهقاتها ونحيبها وهي تئن وتنادي بحسرة:
-ليه يابابا..ليا يا ماما ليه سبتوني ليه؟
مسح مالك رأسه بأسف..وزفر بشفقة اقترب منها محاوط كتفها بيده وأمسك يدها بيده الأخرى يسوقها الى أعلى نحو حجرتها قائلا لها بخفوت:
– وبعدين معاكي ملوش عازة الحديت ديه تعالي معايا يانريمان ، دلوجت لازمن تنامي وتستريحي .
تحررت منه وهي تدقق في عيناه بقسوة كأنها ناقمة عليه قائلة بسخرية مطعمة بعتاب:
-عايزني انام عشان اصحى والقيك أنت كمان سبتني؟؛ مستني ايه؟ متسبني من دلوقت اتفضل يلا ومتخافش عليا اكيد حتعود على الوحدة.
لا ينكر أنه تفاجأ بحديثها هذا ظن أن مو*ت أبيها وأمها سوف يجعلها تطويه لحين أن تفيق من صدمتها، ولكن أن تذكره برغبته وعهده الذي لا تعرفه وطلاقه لها فهذا مالم يتوقعه، أطرق برأسه وقد عجز عن الرد..فماذا يقول لها؟ خاصة وهي في تلك الظروف وكأنها أدركت عجزه وحيرته فقالت وقد عزمت على معرفة كل شئ:
-اتفضل امشي مستني ايه؟
ابتلع ريقه ثم حدق بها وهو يتناول وجهها بين يديه، هامسا بصدق:
– لو الواحد يجدر يفارق روحه كنت فارجتك من زمان..لكن صدجيني غصب عني .
غاصت في سواد عيناه الحائر وكأنها تنظر لليل ليس له أول ولا آخر فهمست وقد ضيقت عيناها باستفهام:
-يعني ايه مش فاهمة؟؛
-تعالي معاي وأنا حجولك كل حاجة.
قال ذلك وهو يسحبها خلفه من يدها صوب حجرته، وبعد دخوله وهي معه أغلق الباب جلس خلف مكتبه وأشار لها أن تجلس في المقعد الذي أمامه، ثم شرع يحكي لها ولم يبالي بنظرات التعجب الذي رمته به: