
«فـي المسـاء»
– مساء الخيـر، طلقني!
امتعضت ملامحه وقـال
– يا ستير يا رب، طلاق كدا ع الريق؟
صرخت فيه بـإندفاع
– انا مبهزرش يا عصام، طلقني بقولك
زفـر حانقًا وتـابع
– يا بنتي اهدي بس، أطلقك ليه انتي مش مكلماني الصبح وقايلالي انك مستنياني أرجع بخير وعملالي مفاجأة؟
ابتسمت بـسماجة
– ايوه ما هي دي المفاجأة، طلقني
ضرب كفيه ببعضهما
– لا حول ولا قوة إلا بالله، انتي عبيطة يا بنتي؟
شهقت بعنف وهـدرت بإنفعال
– عبيطة؟ آه قول بقا انك معدتش طايقني وانك شوفتلك شوفة تانية في لندن، ما أكيد هناك المُزز على قفا مين يشيل
تنهـد بـهيام وأردف
– الحقيقة..فيه كتير
لكزته في صدره بقوة قائلة بحنق
– اتلم!
انفجر ضاحكًـا والتقط كفها مُقبّلًا إياه بـحب وقال
– انتي عارفة اني مبشوفش غيرك اصلًا
ردت في تهكم
– ليه؟ اتعميت!
نفض كفها وأنتفض واقفًا وقال في ضيق
– انا غاير من وشك، دا انتي بت تسدي النِفس
تخطاها وتوجه ناحية المطبخ لأماني، فـ هدرت من خلفه بعلو
– بكرا تجيلي حافي عشان ارجع معاك البيت يا معفن..
هبطت چويرية من الأعلى ببطء، تُقدم قدم وتبطئ الآخرى، ولكن ما باليد حيلة..إضطراب بطنها والزقازق الصادرة منها جعلتها تهبط مجبرة، لم تعتاد على العيش بلا طعام!
وقفت على عتبة المطبخ تتابع أماني التي ترص طعامًا على الصنية، وما إن التفتت حتى اختلست الصغيرة الصنية وحملتها بصعوبة، وركضت بها خلف الدرج ووضعتها أرضًا وتربعت تُعطي ظهرها للدرج وبدأت تأكل بـنهم…
– صباح الريحة الحلوة يا أحلـ…..ايييه داااا الأكل فين يا ولية؟؟
صـاح بها عصام عندما وجد الطاولة خالية من الطعام..فـ استدارت أماني سريعًا بفزع، نظرت للطاولة بعفوية ولم تجد شيء، فـ قالت مُدافعة
– والله يا ابني كانت هنا!
ابتسم متهكمًا وقال
– لأ بصي، الكلام دا ميدخلش عليا، اطلعي بالأكل يا حَجة متخلنيش أعملها معاكي
عنفته بـحدة
– اتلم يا ولا
ربع يديه بعبوس وزم شفتيه حانقًا
– يبقا اتفضلي هاتيلي أكلي وانا هتلم، بدل ما والله أكلك انتي!
دخلت براعم من باب المنزل المفتوح فقد كانت تجلس بالحديقة الخلفية للمنزل ودخلت عندما شعرت بالعطش، في نفس الوقت الذي كان ياسين يهبط فيه وآسر بجانبه يبحث عن چويرية التي أختفت فجأةً أثناء لعبهم سويًا…
اصطدم الثلاثة في طريقهم للمطبخ بـچويرية الجالسة أسفل الدرج تلتهم الطعام في جوعٍ شديد، شهقت أماني التي خرجت للتو وهي وعصام يبحثون عن صنية الطعام، وجحظت أعين براعم من هذا المشهد المُحزن! أما ياسين فـ تسمر مكانه بصدمة يحملق فيها بعدم تصديق، ربما رقّ قلبه ولو مثقال ذرةٍ لتلك الصغيـرة الشبيهة به!
توقفت عن الأكل واستدارت لهم لتجدهم متجمهرين خلفها ويطالعونها في شفقة، حاولت إبتلاع الطعام الذي حُشِر في فمها ولكنها لم تستطع، إذ توقف في حلقها فـ سعلت بـقوة، وكان أول من اندفع..هو ياسين!
التقط كفها الصغير بين كفيه الغليظين بهدوءٍ، وربت على ظهرها بـقوة بعض الشيء، جاءته وداد بكوب ماء فـ التقطه وأسند الصغيرة لترتشفه رويدًا،
زالت الغصة..وزال الحاجز..واحتضن الأب كف الإبنة..وسـار بها إلى طريق الحنان..!
تنهـدت أماني بسعادة وهي ترى إبنها قد بدأ يتقبل وجود قطعة منه، بينما ارتفع جانب شفاه ثروت ببسمة هادئة رزينة، أمـا وداد وبراعم قد ناظرا بعضهما البعض بإبتسامة سعيدة..
آسر المشاكس الذي همس لـناصر بشقاوة
– عقبال ما نشوفك ماسك ايد بنتك
تغضن حاجبي ناصر بـإنزعاج وهدر به
– اتلم يا مقصوف الرقبة
وكان عصام وكأن على رأسه الطير، هو فقط أراد طعامه! لماذا كل هذه الدراما!!!
– يعني انا الوقتي هآكل ايه؟
قالها بتساؤل وحيرة وسط سعادة الجميع!
❀❀❀
انتهى ياسين من غسل يدين الصغيرة وبدّل لها ثيابها بهدوءٍ، أما هي فـرغم قوتها الظاهرية إلا انها طفلة تخشى عقاب هذا القاسي متحجر القلب…
انتهى وجلس على الفراش، فـ هبطت الصغيرة من وقفتها على الفراش جالسة بجانبه، كان مظهرها يوحي بأنها ابنته بالفعل، فـ الشبه يُذهل المشاهد..
تنهـد بـتعب، فـ تنهدت بإرهاق..لعب في خصلاته لا يدري كيف يبدأ الهُدنة معها، فـ لعبت هي الأخرى بخصلاتها في حيرة كيف تبرر له انها كانت جائعة..
وبين هو وهي تحدثا في الوقت ذاته
– أنا…..
أشـارت له بالحديث قائلة
– الكبير الأول
فـ تنفس بعمق وقـال
– ممكن نتصالح؟
ابتسمت ببلاهة ونظرت له بعدم فهم، فـ عاود القول
– نعمل هُدنة يعني من غير خناقات وكدا
ضيّقت عينيها بـ شك، فـ تابع بحزم
– متبصليش كدا، عاجبك ولا لأ؟
تنهـدت بعمق وردّت
– والله..موعدكش
عقد حاجبيه بتعجب
– ليه بقا إن شاء الله؟
– انا مثلًا واحدة بتموت في المقالب، مقدرش أقعد من غير ما أعفرت حد جنبي، يعني المقالب مطلوبة في علاقتنا
هـدر بصدمة من كلماتها التي تشي بكبر سنها
– علاقة مين يا طفلة يا مهزقة!
رفعت حاجبها بتحذير
– حسن ملافظك يا ياسين
جحظت عينيه بصدمة وردد
– ياسين؟
تخصرت وقالت ساخرة
– اومال أقولك يا عمو؟
قـال بـجدية
– يا بابا مثلًا؟
هزت رأسها بنفي قاطع
– لااا بابا دي لأ، عمو أفضل علفكرة
– بس انا أبوكي!
زمت شفتيها بإستنكار
– كلاااام
ابتسم بعدم تصديق ورمقها بتعجب هاتفًا
– انتي متأكدة انك طفلة ست سنين؟
تأتأت مُكذبة إياه
– تؤ، مش طفلة لأ
هز رأسه بقلة حيلة وضحك لبرهه، ومن ثم عاد بنظره لتلك العابثة وما إن وقعت انظاره على ملامحها التي تشبهه إلى حد كبير حتى قال
– تآكلي آيس كريم ولا شوكلاته؟
أشـارت بإصبعيها السبابة والوسطى تخبره بهما “الإثنين” وإبتسامة عابثة ترتسم على محياها!