منوعات

رواية بقلم تقي حامد

جلست أماني بجانب الخادمة التي تساعدهم «يسرية» وساعدتها في تقشيـر البطاطس بوجه شارد وعينين غائمتين في ماضٍ مرير كان أثـره على ابنها البكـري سلبي…
تنهـدت بـإرهاق ونظرت لما تفعله، فـ تحدثت يسرية بـهدوءٍ تحاول التخفيف عن حدة مشاعر أماني المُضطربة

– معلش يا حَجة، كلنا لينا ماضي.

قـالت أماني بـحزن

– بس مش لدرجة انه يفضل فاكر ألم ماضي عدّى عليه ست سنين يا يسرية!

ضغطت يسرية على شفتيها بـحزن، وأجابت بعدها

– هينسى وهتبقى عال، ما انتي عارفة ان ياسين طول عمره قوي وبيعافر.

تابعت أماني بشرود

– ياسين بيعافر آه، بس اكتـر ما يكرهه ياسين الخيانة!

ابتسمت ساخرة وأكملت

– وتخيلي بقا خيانة من مراته اللي بيعشقها واللي كانت حامل منه.

– ربنا يقدم اللي فيه الخيـر يا حَجة، ربنا يسترها على اللي جاي، ومتظهرش تاني فجأة تقلب علينا المواجع.

تنهـدت أمـاني بـتعب مرددة

– آمين..آمين.

❀❀❀

وقف ناصر أسفل المبنى يُتابع عمل العمال و جدّهم بـحماس…

– باشمهندس ناصر.

استدار ناصـر سريعًا، لتقع عينيه على مصدر الصوت..
فتاة قصيرة القامة تمتلك خصلات بنية ليست بالناعمة تعكصها على هيئة كعكة، ترتدي نظارات كبيرة تأكل نصف وجهها تخبئ خلفها عينين خضراوتين، تمتلك شامة أسفل شفتيها من الجهة اليُسرى، دفعت نظاراتها لتلتصق بأنفها وقالت في خجل

– آآ…أنا عملت الرسومات اللي حضرك قولت عليها.

تحدث ناصـر بعملية

– تمام يا باشمهندسة دمشق..حطيهم هناك واستني جاي وراكي اهو.

تنحنحت بـحرج وهمست بما لم يسمعه، فـ قال بتعجب

– بتقولي حاجة؟

تحدثت بصوتٍ خاجل مبحوح

– عشق يا باشمهندس..مش دمشق.

اومأ بلا مبالاة مبتسمًا بمجاملة، فـ بادلته البسمة بأخرى متوترة واستدارت ذاهبة نحو مكانٍ أسفل الشمس القارصة يوضع به مقعدين وطاولة صغيرة، جلست على المقعد بـتوتر وبدأت تهز ركبتيها بإرتباك، فـ تلك هي مرتها الأولى في التدريب، ولا بد من وجودها بجانب «ناصر» كي تتعلم جيدًا ما جاءت لأجله، لم يكن أمامها خيارًا سوى التعامل مع رجل، هي من كانت تكره الرجال وتسبهم دومًا، تخجل فقط من نظرة تخترق جسدها أو تسخر من نظاراتها الكبيرة، أو ملابسها الفضفاضة التي لو خلعتها لأظهرت انوثتها التي تداريها من الأعين!
زفـرت حانقة وهي تعقد حاجبيها منزعجة من أشعة الشمس اللاذعة التي تكوي وجهها كيًا..
تحرك ناصـر إليها وهو يسير على الرمال بصعوبة حتى وصل لها فـ جلس على المقعد المقابل لها وابتسم بـسخرية بعض الشيء

– لازم تتعودي ع الشمس يا باشمهندسة، وإلا من أول مهمة ليكي هتقعي مننا.

غاظتها نبرته الساخرة المستترة تحت ستار الجدية، فـ بدت كـقطة شرسة مستعدة للإنقاض عليه بعد أن سخر منها وهذا اكثر ما تكرهه واكثر ما يعقدها من الرجـال..السخرية الدائمة، فـهي تراهم مجرد كائنات لزجة لا مجال لوجودهم على الأرض، وبـالإجبار يجب التعامل معهم والتغاضي عن كل تخيلاتها العدوانية تجاههم…

اردفـت بـحدة مفرطة تعجب لها

– نبدأ في الشغل.

اعتلى ثغره بسمة ساخرة بعدما تأكدت شكوكه تجاه تلك الفتاة غـ،ـريبة الأطوار، واومأ ببطء…

انت في الصفحة 4 من 23 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل