
الفصل الثامن
فتح شاهر الغرفه المحتجزين بها الفتيات ، و ضرب بقوه عليه صائحاً بغضب شديد :” كفايه يا *** أنتِ و هى !”
كان صياح شاهر كافياً لتنفض الأشتباكات بين الفتيات ، فأبتعدت تلك الفتاه عن مى و نفضت ملابسها قائله بضيق :” هى اللى لسانها بيطول علينا يا باشا !”
” أخرسي أنتِ !”
كانت هذه جملة شاهر قالها للفتاه بنظرات مُميته جعلتها تصمت تماماً ، ثم أقترب من مي بخطى ثابته و هو ينصب ظهره و وضع يديه فى جيب بنطاله قبل أن يقول :” أيه .. بتعملى مشاكل ليه .. شايفه نفسك أوى كده ليه .. لازم تعرفى يا ماما أنك هنا علشان *** و بس !”
نظرت إليه بغضب و كره و أعين مشتعله و لكنها لم تستطع الكتمان أكثر من هذا قأنفجرت صارخه ببكاء :” حراااام عليك .. سيبنا نمشي .. هو بالغصب .. أنت مش إنسان ليه بتعمل فينا كده لييييه !؟”
أخرج يده من جيبه و حك ذقنه قائلاً ببرود :” علشان أنا بحب كده ”
” لأ علشان أنت وسخ و ..ااااااه .”
لم يمهلها شاهر أستكمال تماديها عليه فصفعها بقوه أسقطتها أرضاً ، ثم ركلها بقدمه فى بطنها بقوه جعلتها تتأوه صائحاً بغضب :” لازم الكل يعرف مكانه هنا .. البنت اللى اسمها نوره علشان فكرت إنها تتمادى معايا أهلها طلعوا عليها القرافه تانى يوم ”
ملأ الفزع قلوبهن و هن يستمعن إلى كلامه ، و زادت الرهبه و الخوف من طغيانه عليهن ، و من منهن كان لديها أمل و لو بنسبة واحد بالمئه من الوقوف قبالته ، فباتت هذه النسبه الضئيله معدومه لديها بعد ما سمعته .
نظر إليها بأشمئزاز و هى ملقاه على الأرضيه ثم بصق و خرج سريعاً من الغرفه و أمر الحراس بأحكام أغلاق الباب عليهن .
توقف عن السير عندما أعلن هاتفه عن أتصال ، فأخرجه من جيبه ليجد أن المتصل هو شهاب ، فضغط على زر الرد و وضعه على أذنه قائلاً بضيق :” أيه يا زفت أنت التانى بتتصل ليه !؟”
” مصيبه يا شاهر .. مصيبه ”
عقد حاجبيه متسائلاً :” أنجز .. أيه اللى حصل !؟”
” لازم تيجى حالاً على سنتر صافى .. حالاً يا شاهر لو أيه اللي فى أيدك سيبه و تعالى !”
” طيب خلاص دقايق و أكون عندك ”
…………..
أنهى شهاب المكالمه مع شاهر و نظر إلي سمرا و هى مقيدة الأيدى و الدماء يسيل من أنفها و الكدمات بمعظم جسدها و ملقاه على الأرضيه بتلك الغرفه التى كانت تخشاها ، ثم أنتقل بنظره إلى صافى التى كانت تقف مستنده على الجدار و أبتسامه شماته تزين ثغرها ، فتحدث قائلاً بهدوء :” شاهر جاى و هو يتصرف مع الـ *** دي ”
أطلقت ضحكه رقيعه معلقه بـ :” أنا بقول تاخدوها تشغلوها معاكوا منها تكمل العدد اللى ناقص ، و منها تتعاقب على اللى عملته .”
نظر شهاب إلي سمرا بأشمئزاز قائلاً بسخريه :” أحنا نشغل أشكال زباله زى دى برضو !”
أغمضت سمرا عيناها بقوه لتنساب العبرات على وجهها و هى تطلق أنيناً مكتوماً بسبب ذلك الوشاح الموضوع على فمها .
…………….
بالحاره ،،،،
خرجت فاطمه من غرفتها بعد أن أرتدت عباءتها السوداء و هى تضع الحجاب على رأسها قائله بقلق و توتر :” لا البنت اتأخرت أوى .. أنا مش هستنى أكتر من كده !”
” هتروحى فين يا ماما ”
” هروح أدور على أختك .. سمرا اتأخرت أوى و أنا قلبي مش مطمن !”
و توجهت ناحية الباب قائله قبل أن تخرج :” خليكِ هنا يا آلاء ، و أنا هشيعلك البت رباب تونسك ”
حركت آلاء رأسها بالأيجاب ، بينما توجهت فاطمه إلى الخارج ..
…………….
لمح جمال فاطمه و هى تخرج من المنزل فتوجه ناحيتها متسائلاً :” خير يا حماتى على فين العزم !؟”
كبحت غضبها بصعوبه ، و نفخت بضيق قائله :” حل عنى السعادى يا جمال أنا مش نقصاك .. و سيبك من الدور ده ”
حك ذقنه قائلاً بخبث :” طيب يا خالتى .. بس هى فين سمرا .. أنا ملاحظ إنها بتتأخر أوى بره !”
لم تدرى بنفسها إلا و هى ترفع كفها ليهوى على وجهه صائحه بغضب جذب أنتباه كل من بالحاره :” أياك .. أياك تجيب سيرة بنتى على لسانك ده .. و ربي يا جمال لأكون قاطعهولك لو كررتها ”
لم تمهله الفرصه ليرد و تحركت مسرعه إلى حيث تذهب ، بينما شعر جمال بالأحراج الشديد و كل من بالحاره يحدق به ، فوضع كفه مكان الصفعه قائلاً بغضب :” ماشي .. ماشي أنتوا اللى جبتوه لنفسكوا ”
ثم صاح بغضب فى من ينظر إليه :” أييييه .. كل واحد يتنيل يخليه فى حاله و يشوف كان بيعمل أيه .. حاره بنت *** ”
……………
جلس عامر مع خطيبته نجلاء بأحدى الكافيهات على النيل ..
أبتسمت نجلاء و مدت يدها لتمسك كفه قائله :” أنا مبسوطه أوى يا عامر .. بجد مبسوطه !”
حاول رسم الأبتسام و سحب كفه بهدوء قائلاً :” و أنا كمان مبسوط يا نجلاء ”
” لأ يا عامر .. أنا مش حاساك كده خالص .. كل ما أحاول أقرب منك بحسك بتبعد !”
عقد حاجبيه معلقاً بـ ّ” يعنى أيه تحاولى تقربي منى !”
لوت فمها بضيق و أرجعت ظهرها للخلف و عقدت ذراعيه أمام صدرها و أشاحت بوجهها تجاه النيل و لم تنطق .
لم يشأ عامر أن يتمادي معها في النقاش و فضل الصمت ، ثم فتح هاتفه ليتصفح بعض الأخبار ، و لكن جذب أنتباهه خبر محتواه …
( تم العثور على جثة فتاه منتـ,ـحره ملقاه بالقرب من أحدى الطرقات الصحراويه ، و قد بلغ أهلها مسبقاً عن أختفائها ، و لكن بفحصها تم التأكد إنها قد تعرضت للتعذيب و الضرب ) و كان الخبر مرفق مع صوره للفتاه
لانت تقاسيم عامر متمتماً بحزن :” لا حول و لا قوة إلا بالله .. الله يرحمها ”
ألتفتت نجلاء برأسها ناحيته قائله :” مالك يا عامر فيه أيه !؟”
وضع الهاتف جانباً على الطاوله ، و شبك أصابع يديه معاً قائلاً بحزن :” خبر نازل على النت .. إنهم لقيوا جثه لبنت منتـ,ـحره في الصحرا ”
هزت كتفيها بعدم مبالاه قائله :” عادى بتحصل كتير .. أيه اللى مزعلك أوى كده !”
نظر إليها بضيق قائلاً :” لأ مش عادى .. لأنهم لقيوا الجثه فى الصحرا .. أزاى بقي ، راحت بنفسها الصحرا و أنتـ,ـحرت هناك .. كمان كان في أثار تعذيب على جسمها و ضرب ”
” يعنى أعملها أيه أنا .. و أنت مهتم أوى بالموضوع كده ليه !”
” مهتم بيه ليه ..!
ماتنسيش إنى ظابط شرطه و مسئول عن جرايم الخطف و الأختفاء ، و البنت دى أهلها كانوا مقدمين خبر بأختفائها من أسبوع تقريباً ”
” ياعم سيبك .. تلاقيها كانت مصاحبه واحد و هربت معاه ، و لم خد اللي عايزه منها رماها ، فأنتـ,ـحرت ”
صاح بغضب قائلاً :” نجلاء .. ماينفعش اللى أنتِ بتقوليه ده ، بلاش تظنى فى الناس حاجه وحشه و أنتِ ماتعرفيهمش !”
” طيب خلاص خلاص .. سيبك منها ”
ثم تابعت بأبتسامه :” تعرف أنا نفسي في أيه دلوقت !”
أجابها بأقتضاب :” أيه !؟”
” نفسي تاخدنى في حضنك ”
صُدم من صراحتها .. مهلاً بلى من وقاحتها و وقف قائلاً بغضب :” قومى .. قومى يلا ”
رفعت وجهها قائله بأبتسامه :” أيه هتتجنن و تحضنى دلوقت !”
ابتسم بسخريه قائلاً و هو يضع الهاتف بجيب بنطاله :” لا ياختى هتجنن و أخدك على بيتكوا .. قومى يلا الوقت اتأخر !”
نفخت بضيق و وقفت لترحل معه .
……………..
بسنتر صافى ،،،،
وصل شاهر إلى المكان و كان شهاب ينتظره ما أن رآه حتى توجه ناحيته قائلاً بسرعه :” شوفت يا شاهر مصيبه !”
رفع كفه ليضعه على كتف شهاب ، ثم عقد حاجبيه متسائلاً بهدوء قاتل :” اهدى بس كده ، و فهمنى أيه اللى حصل !”
” البنت اللى جابتها صافى تشتغل عندها شافـ..”
” استنى بس كده .. هى صافى لحقت تلاقي واحده تشتغل عندها !”
” اه ياعم و بقالها اسبوع كمان ”
” طيب كمل ، مالها عملت أيه !؟”
” عرفت كل حاجه .. دخلت الأوضه اللى جوه و شافتنى و أنا مشغل الشاشه و البت فى البروفه ، راحت صرخت و جريت على بره و قالت للبنت ، و البنت خافت و هربت .. و ..”
” هى فين البنت دى .. هربت و لا لسه موجوده !؟”
تحدث شهاب قائلاً بغضب :” أنت أيه الهدوء اللى أنت فيه ده .. بقولك زفته اللى شغاله هنا عرفت و ممكن تبلغ !”
أبتسم بسخريه معلقاً بنفس الهدوء :” هى البت جوه يعنى !”
” اه ملقحه جوه .. بس أنا عملت معاها الواجب ”
توجه ناحية الغرفه قائلاً :” طيب تعالى معايا .. و كل حاجة ليها حل ”
……………
بالغرفه ،،،
ظلت صافى تنظر إليها و هى مقيده و ملقاه على الأرضيه ، ثم وضعت كفها فى منتصف خصرها قائله ّ” أنا قولتلك و حذرتك يا سمرا .. قولتلك كلي عيش و خليكِ فى حالك ، بس مناخيرك دى اللى أنتِ حشراها فى كل حاجه هى اللي هتجيبلك الكافيه و وقعتك فى أيد اللى مابيرحمش !”
رفعت وجهها ناحيتها و هى تنظر لها بغضب و اشمئزاز رغم الألم المسيطر عليها .
فى هذه اللحظه دخل شاهر ، و بمجرد أن رآها حتى تسمر مكانه و كادت عيناه أن تخرجا من مقلتيها قائلاً بصدمه :” نسـ.. نسرين !”
تبادل كلاً من شهاب و صافى نظرات التساؤل ، ثم تحدث شهاب موجهاً حديثه لشاهر :” سمرا يا شاهر .. البنت اسمها سمرا ”
ظل يحرك رأسه مستنكراً ما يقوله صديقه قائلاً :” لا يمكن .. مش معقول ، أنتِ يا نسرين و قدامى هنا !”
لم ينتظر شاهر أى تساؤل أخر من كلاهما و هجم على سمرا و ظل يصفعها بقوه و غضب مكبوت بداخله صائحاً بهيستريا :” جيتيلى برجلك يا *** و أنا هدفعك تمن اللى عملتيه زمان .. مش كل حاجه عندك هى الفلوس يا زباله !”
و أخيراً استطاع شهاب أبعاد شاهر عنها ، و لكن كانت سمرا قد فقدت الوعى من كمية الضرب التى أنهالت عليها فلم تستطع تحملها .
ظلت صافى تقف جانباً و هى تضع كفها على فمها من هول ما فعله شاهر بتلك المسكينه ، بينما أخذ شهاب صديقه و توجه به إلى الخارج .
جلس شاهر بغضب على الأريكه بالخارج و كأنه بركان قد أعلن عن وقت ثورانه ، و فك رابطه عنقه بغضب و ظل يلتقط أنفاسه بسرعه ، ثم دفن وجهه بين كفيه حتى يخفي معالم وجهه العاصفه .
تطلع شهاب إلى صديقه بتعجب ، و أقترب منه متسائلاً :” أيه اللى حصل لده كله يا شاهر .. البنت و هنحاسبها على اللى حصل .. بس مين نسرين اللى أنت بتقول عليها دى !؟”
بمجرد أن ذكر اسمها أمامه ، رفع وجهه المحتقن ، لينظر إليه بأعين مشتعله قائلاً بغضب مكبوت بداخله :” اللى جوه دى هى نسرين .. أنا هخليلها حياتها جحيم .. هخليها تبكى بدل الدموع دم ، هخلي حياتها سواد ، هتقول إنه اسود يوم اللى أتولدت فيه !”
تعجب كثيراً مما يقوله ، فسمرا قد اخطأت بالفعل ، و لكن ليست لهذه الدرجه التى يتحدث بها شاهر ، و لكن مهلاً أيقصد نسرين تلك التى كان يعشقها .. حاول أن يتفهم الأمر ، و جلس بجواره قائلاً بهدوء :” شاهر .. شاهر حاول تسمعنى ”
ألتفت إليه و لازال الغضب متمكن منه ، فتابع شهاب حديثه :” شاهر اللى جوه دى سمرا .. اسمها سمرا ، مش نسرين خالص سامع .. نسرين خلاص خرجت من حياتك من زمان ياريت تفهم كده ”
أغمض عليه بقوه معلقاً بحزن :” بس .. بس أزاي دى هي !”
” هى فعلاً تشبها بس مش هي يا شاهر ”
حاول أن يهدأ نفسه و فرك وجهه بكفيه ، ثم وقف قائلاً :” تمشي البنت دى من قدامى .. خليها تغور فى أى مصيبه لأنها لو فضلت قدامى هرتكب جنايه ”
أقترب شهاب منه قائلاً بتفهم :” بس .. بس ماينفعش يا شاهر إننا نسيبها كده و خلاص ، دى عرفت حاجات ماينفعش تعرفها و ممكن تتكلم !”
أخذ نفساً عميقاً و اشاح بوجهه للجانب الأخر قائلاً بغضب :” أتصرف أنت بطريقتك .. أنا ماشي !”
لم ينتظر شاهر رده و خرج سريعاً من المكان و هو يشتعل غضباً ، بينما ظل شهاب بمكانه و لمعت عينيه بخبث و توجهه لداخل الغرفه .
…………………
ظلت صافى تراقب سكونها ، و لكنها شعرت بالباب ينفتح فأنتفضت مكانها و سرعان ما اطمأنت عندما وجدته شهاب ، فأقتربت منه متسائله :” هو .. هو شاهر ماله يا شهاب ، ده .. ده كان هيموت البنت !”
” سيبك منه خلاص و ماتفتحيش معاه الموضوع ده خالص أحسنلك !”
حركت رأسها بالموافقه بخوف ، ثم تسائلت :” طيب .. طيب هنعمل أيه مع سمرا ”
أبتسم بسخريه معلقاً :” هنسيبها ”
” نعم .. أنت شكلك بتهزر يا شهاب .. البنت ممكن تبلغ عننا ، أنا بقول خدوها تكمل عدد عندكوا و خلاص ، و كده كده هى فقيره و محدش هيسأل عنها ”
تفحصها و هى ملقاه على الأرضيه بتقزز قائلاً :” بقي دى أشكال نجيبها !”
” ياعم أنا هنضفهالك .. بس لو سبناها صدقنى مش هتسكت البت دى لسانها أطول منها أسمع منى !”
أبتسم بسخريه قبل أن يتابع بمكر :” ماتخفيش .. يوم ما هتفكر تتكلم هتتفضح ، صورتين حلوين ليها كده فى وضع مش تمام تتنشر ، ساعتها هتندم على اليوم اللى فكرت تقف فيه قصادنا !”
وضعت كفها علي فمها قائله بعدم تصديق :” هو .. هو أنت ناوى ..”
قاطعها بأستخفاف:” أنتِ مجنونه ، مش اللى فى دماغك خالص .. بقول صور و بس !”
حركت رأسها بالموافقه ، فتابع هو و هو يتجه ناحية سمرا :” تعالى يلا ساعدينى علشان نقلعها !”
……………….
ظلت فاطمه تسير بالشوارع و لا تعرف أين تذهب ، فهى بالفتره الأخيره لم تكن بطبيعتها لتسأل ابنتها عن مكان عملها ، و لكن أرهقها البحث فقررت …
….
أوقف عامر السياره أمام العقار الذى تقطن به نجلاء ، و ألتفت بجسده ناحيتها ائلاً بأيجاز :” وصلنا ”
أبتسمت و هى تحرك رأسها بالموافقه ، ثم أقتربت منه لتقبله من وجنته ، و لكنها صدمت عندما أبعدها بنفور قائلاً بغضب :” أنتِ مجنونه يا نجلاء .. أيه اللى هتعمليه ده !”
عقدت حاجبيها قائله بضيق :” أيه اللى هعمله يعنى .. أنت خطيبى و بودعك ، فيها حاجه دى !”
حاول أن يكظم غيظه ، و أغمض عينيه ليأخذ نفساً عميقاً يحاول به أن يسيطر على أنفعالاته قبل أن يقول :” يا ماما أنتِ فى مصر .. أفرض حد من الجيران شافك هيقول عليكِ أيه !”
هزت كتفيها بعدم أهتمام مجيبه بـ :” عادى .. اللى هيهتم بكلام الناس مش هيخلص ، و بعدين أنت مكبر الموضوع ليك ، دى بوسه صغيره من خدك بس !”
استشاط غضباً من طريقتها المستفزه ، و لم يشأ أن يتمادى معها فى التناقش ، و سريعاً ما نزل من السياره ليلتف للناحيه الأخرى و فتح الباب قائلاً بجمود :” اتفضلى أنزلى يا نجلاء ، و تصبحى على خير لأنك اتأخرتِ أوى !”
نفخت بضيق و هى تخرج من السياره و بدون أن تتكلم معه توجهت للداخل و هى تتمتم بداخل قرارة نفسها :” واحد معقد و عامل نفسه محترم عليا و بيدينى دروس فى الأخلاق ، بلا نيله !”
ظلت عيناه تتابعانها حتى أختفت ، و ركب سيارته و ظل يبحث عن مفتاح شقته ، و لكنه سرعان ما ضرب كفه على جبهته و أغمض عينيه قائلاً بضيق :” يادى النيله .. كنت ناقص أنا أنسي المفتاح فى المكتب !”
ثم مد يده و أدار المفتاح لينطلق بالسياره ..
……………….
ظل شاهر بسيارته أمام سنتر صافى ، و يستند بمرفقيه على المقود و يضع رأسه فوقهما و يطلق تنهيدات غاضبه حتى لا تخرج عبراته معلنه عن أنهياره ..
رفع وجهه بهدوء لينظر إلى أنعكاس صورته بالمرآه الأماميه و عيناه اللتان أصبحتا جمرتين من النار محدثاً نفسه :” هيفضل شبح نسرين وراك يا شاهر .. مش هتهدى غير لمَ تلاقيها قدامك و تخلص حقك كله .. خلتنى أبقي عبد لحاجه اسمها فلوس .. ممكن أعمل أي حاجه فى سبيل إنى أمتلك المال و السلطه ، و أهو رجعت أقوى من زمان يا نسرين .. رجعت و ناوى على الدمار ليكِ !”
و لكن سرعان ما نظر ناحية السنتر و لمعت عينيه بمكر ..و أرتسمت أبتسامه وضيعه على ثغره ، و فتح باب الغرفه و توجه للداخل مرةً أخرى ..!
………………….
وصلت فاطمه إلى أحد أقسام الشرطه و توجهت ناحية أحد العساكر بالخارج قائله بحزن حتي كادت أن تذرف العبرات من عينيها :” يابنى .. يابنى أنا عايزه ..”
أقترب منها العسكرى قائلاً بهدوء :” أهدى يا حاجه و قوليلي فى أيه !؟”
لم تعد تتحمل التماسك فأنسابت العبرات على وجنتيها رغماً عنها ، و أمسكت طرف الحجاب الخاص بها لتجففها قائله :” بنتى .. بنتى لسه مارجعتش و أنا خايفه عليها .. عايزاكم تساعدونى .. كان معادها تيجى من الشغل الساعه سته يوم ما تتأخر بالكتير سبعه .. و دلوقت .. دلوقت اتناشر بالليل و لسه ماجتش .. لسه ماجتش !”
و أنفجرت بالبكاء ، أشفق العسكرى على تلك السيده ، فتحدث بتفهم قائلاً :” طيب روحيلها الشغل و شوفيها ”
تحدث من بين عبراتها قائله :” ما اعرفش .. ما اعرفش المكان و الله ”
ثم تابعت بنحيب و رجاء :” بالله عليكوا ساعدونى .. أحنا ولايا ملناش ضهر ”
لوى فمه بيآس قائلاً بحزن :” بس يا حاجه لازم علشان تعملى محضر يعدى أربعه و عشرين ساعه على أختفائها ”
” يالهوى .. و أنا هفضل ده كله بنتى بعيده عنى .. يا حبيبتى يابنتى .. اااه يانور عينى روحتى فين أنتِ التانيه !”
و جلست على الرصيف لتتابع نحيبها و عويلها ، بينما تضايق العسكرى من تصرفاتها ، فأقترب منها قائلاً بهدوء :” يا حاجه ماينفعش اللى أنتِ بتعمليه ده .. قومى من هنا الله يسترك بدل ما تعمليلى مشاكل ”
لم تهتم بحديثه و تابعت بكائها .
فى هذه اللحظه وصل عامر بسيارته ، و نزل منها ليتفاجأ بأحدى العساكر يتجادل مع سيدةً ما ، فأقترب منهم قائلاً بتفهم :” في أيه يا سعد .. و الست دى مالها كده !؟”
نظر إليه قائلاً بقلق :” عامر باشا .. حضرتك الست دى بتقول إن بنتها مارجعتش النهارده و عايزه تعمل محضر بأختفائها ، بس أنا قولتلها ماينفعش دلوقت ”
” طيب بس لمَ أن فهمتها كده ، يعنى لسه قاعده ”
كاد أن يجيب حتى وقفت فاطمه و مالت لتمسك يد عامر قائله برجاء من بين عبراتها :” ابوس ايدك يا باشا .. ابوس ايدك و حيات عيالك ساعدنى ألاقي بنتى .. أحنا ملناش حد يا بيه ابوس أيدك ”
حاول سحب يده قائلاً بهدوء :” العفو يا حاجه .. لو سمحتى ماينفعش كده أهدى !”
تدخل العسكرى ناهراً أياها بقوه و هو يدفعها بعيداً :” اوعى يا وليه أنتِ عن الباشا ، قولتلك ماينفعش دلوقت يلا !”
كادت فاطمه أن تسقط أرضاً و لكن أسرع عامر بأسنادها ، ثم ألتفت ناحية سعد صائحاً بغضب :” أنت غبى .. ماعندكش دم !”
أنتفض من نبرة عامر الغاضبه و رجع خطوتان للخلف قائلاً بخوف :” يا باشا أنا ببعدها عـ… ”
” أنت تخرس خاااالص .. حسابك معايا بعدين يا زفت !”
قالها عامر بغضب واضح جلياً على تقاسيم وجهه ، ثم ألتفت ناحية المرأه و لازال ممسكاً بيدها متابعاً بلين :” و أنتِ ماتخفيش يا حاجه .. أنا هساعدك تعالى معايا ”
أبتسمت فاطمه من بين عبراتها قائله بأمتنان :” الله يسعدك يابنى و يكرمك قاااادر يا كريم ”
و بالفعل توجهت فاطمه برفقة عامر للداخل ، بينما ظل العسكرى مكانه مذهولاً و ضرب كفاً بكف قائلاً :” و الله طيبتك يا عامر بيه مع الناس مش حلوه خااالص !”
…………………
جلست فاطمه على المقعد المواجهه لمكتب عامر ، و مدت يدها المرتعشه لتتناول كوب الماء لترتشفه .
جلس عامر على مقعده الخاص و شبك كلتا أصابع يديه معاً و هو يسندهم على المكتب ، و عيناه تتابعان المرأه البسيطه الجالسه أمامه و حركة يدها المرتجفه ، و جسدها الذى ينتفض خوفاً حتى أنهت شرب الماء و وضعت الكوب مكانه ، فرسم أبتسامه على ثغره قبل أن يقول :” اتفضلى حضرتك قوليلي براحه أيه اللى حصل !”
لمعت عيناها بالعبرات قائله بشفاه مرتعشه :” بنتى .. بنتى ما.. مارجعتش من الشغل .. لدلوقت ”
وقف و ألتف حول المكتب ليجلس قبالتها و لازالت الأبتسامه على ثغره ، ثم مد يده ليمسك بكفها قائلاً :” قوليلي الأول حضرتك اسمك أيه !؟”
” فاطمه يا بيه ”
” طيب يا حاجه فاطمه .. بنتك بتشتغل أيه و فين و مواعيد شغلها أمتى !”
” هى بتشتغل فى محل لبس بتاع واحده ست .. بس ما اعرفش مكانه .. و بتشتغل من الضهر لحد الساعه سته المغرب ”
لوى فمه بضيق ، و رجع بظهره ليستند على ظهر المقعد قائلاً بتفهم :” طيب هى اتأخرت قبل كده و لا دى أول مره .. ممكن تكون راحت لحد من قرايبكوا مثلاً ”
أبتسمت بمراره قبل أن تتابع ببكاء :” يا حسره قرايب مين .. يا بيه أنا و بناتى مقطوعين من شجره ، لا خال و لا عم و لا أى حاجه .. و بنتى ما بتتأخرش خالص بره ، دى يا حبة عينى مطروشه على شغلها كل يوم و بتيجى جرى علشان تساعدى فى شغل البيت ”
تأثر عامر من حديث تلك المرأه المسكينه ، فتسائل بهدوء :” هو عمتاً و الله أنا مش هقدر اعملك محضر غير لمَ يعدى أربعه و عشرين ساعه على أختفائها ، بس قوليلي بنتك اسمها أيه يا حاجه !؟”
تحدث من بين عبراتها بشفاه مرتشعه :” سمرا .. اسمها سمرا عبد العزيز حجاج !”
توقف الزمن و أنتبهت جميع حواسه بمجرد أن ذُكر هذا الأسم أمامه ، و تسارعت دقات قلبه و أنفاسه و كأنه بسباق و يسارع به .. هل من الممكن أن تكون هى تلك السمراء صاحبة المشاكل !
لاحظت فاطمه صمته الذى طال و هو محدقاً بها ، فتحدثت قائله :” ها.. هاتساعدنى يا بيه !”
أنتبه لحديثها فتحدث قائلاً بتوتر :” قوليلي يا حاجه .. هى .. بنتك دى شرتها سمرا هى كده شويه .. و .. و عنيا عسلي و محجبه هى ..و ..”
” ثانيه واحده يا بيه ”
قالتها فاطمه قاطعه حديثه ، ثم فتحت حافظة نقوده و أخرجت صورة صغيره خاصة بسمرا ، و مت يدها بها فى تجاهه قائله بحزن :” دى صورتها يا بيه ”
مد يده ليأخذ الصوره بأيد مرتعشه و هو يدعو الله ألا تكون هى ، و لكن بمجرد أن رآها حتى هز رأسه بآسي .. يا الله إنها هى ، تمنيت كثيراً أن أراها ثانيةً و لكن ليس بموقفٍ كهذا !”
و لكن سرعان ما أنتبه لفاطمه ، فتحدث قائلاً و هو يحاول التحلى بالهدوء :” طيب .. طيب الصوره هتفضل معايا .. و .. و أكتبى عنوانك هنا .. و أنا هحاول اساعدكوا ماتخفيش ”
حركت رأسها بالموافقه ، و أبتسمت بهدوء من بين عبراتها ، ثم أمسكت القلم لتخط بتلك الورقه البيضاء مكان سكنها ، ثم وقفت و استأذنت منه للرحيل .
غادرت فاطمه و هى رابطه ثقتها كلها بعودة ابنتها بكلمة عامر .. بينما جلس هو على مقعده الجلدى الخاص ، و أسند رأسه للخلف ليرتخى جسده و أغمض عينيه و هو يأخذ نفساً عميقاً ليتحدث إلى نفسه قائلاً بهدوء :” سمرا .. ده أنتِ حكايتك حكايه .. يا تري أنتِ فين ياللى من ساعة ماشوفتك و أنتِ مش مفارقه تفكيري !”
……………..
بسنتر صافي ،،،،
دخل شاهر إلى الغرفه الخلفيه ، قائلاً بهدوء غريب :” سيبها أنت يا شهاب .. و خد صافى و أطلع بره ”
توقف كلاهما عن تجريد سمرا من ملابسه ، و وقف شهاب عاقداً حاجبيه قبل أن يتحدث قائلاً :” بس ليه يعنى يا شاهر .. مش أنت قولتلى أتصرف !”
تقوس فمه بأبتسامه ساخره ، و رفع أحدى حاجبيه قائلاً :” و هو لو أنت صورتها كام صوره و هى عريانه .. يبقي ده الحل !”
ثم تابع و هو يشير ناحية الباب :” يلا على بره من غير أى كلمه زياده ”
ما كان عليهم إلا أن ينصاعوا لأوامره ، و خرجوا من الغرفه ، بينما ألتفت هو برأسه ناحية تلك الفاقده للوعى على الفراش ، و قد نزعوا البلوزه الخاصه بها .. فأقترب ليجلس بجوارها و رفع كفه ليضعه على خصلات شعرها و يمسح عليه بهدوء مريب .. ثم أبتسم بسخريه قائلاً :” لا يمكن يكون الشبه للدرجه دى .. بس اللى جاى على مزاجى إنك لعبه فى أيدى .. أقدر بكل سهوله أكسرها !”
و سرعان ما تشكل الغضب على تقاسيم وجهه ، و وقف و بدأ فى نزع ملابسه .. ليلتهمها و يطفئ غضبه .. فقد ظل سنوات يعانى من جوع الأنتقام ..!
……………
تحطم الكوب الزجاجى ، و قُطفت الزهرة العطره من دون جذور .. و أصاب الصياد اليمامه لتسقط بين براثنه .. فكل هذا لن يمكن أصلاحه .. لأنه بات محطماً ، مهشماً ، مقطوفاً و مقتولاً .. و هذا ما أصاب سمرا .. فهى قد سقطت و أنهارت الآن .. و باتت ضائعه و ما أصابها لا يمكن أصلاحه ..!
….
ظلت تركض بسرعه و هى تتلفت حولها بفزع ، فقط تسمع أصواتاً غريبه ، و قفت لتلتقط أنفاسها و هى تلهث بشده و تنظر فى كل مكان محيطاً .. و لكن كل ما حولها ظلاماً دامس فلا ترى شيئاً بتاتاً ..
و فجاءه أختفت الأصوات نهائياً ، و ساد صمتاً تام بالمكان .. صمتاً كاد أن يقـ,ـتلها .. فهى تستمع الآن إلى صوت دقات قلبها المتلاحقه و المتسارعه .. و كأنه على وشك أن يقفز من بين ضلوعها فزعاً ..
قطع هذا الصمت صوت خطوات هادئه .. و كل لحظه تمر يعلو و يقترب الصوت .. فبدأت بالدوران حول نفسها فى هذا الظلام باحثه عن مصدر هذه الخطوات .. و عادت للركض مجدداً على غير هدايه .. و لم تنتبه لنفسها إلا و قدماها تهوى من على حافه عاليه لتسقط هى بدوامه ضبابيه مطلقه صرخه دوى صداها بأرجاء المكان بالكامل ……..!
………………………………………………….