
الفصل التاسع
على أثر تلك الصرخه بدأت سمرا بتحريك جفنيها ببطء شديد .. ثم حاولت رفعت كفها لتزيح خصلات شعرها عن وجهها .. فتحت عينيها بصعوبه بالغه ، و سريعاً ما أغلقتهم مرةً ثانيه بسبب النور الشديد الذى بالغرفه .. ثم أستندت بكفيها على الفراش لترفع وجهها و أخيراً فتحت عينيها .. و لكن مهلاً لقد صُدمت تماماً و ياليتها لم تفق من هذا الكابوس .. فتفاجئت بنفسها على الفراش عاريه تماماً فقط غطاء خفيف يغطى أجزاء من جسدها .. فبسرعه جذبته ليغطيها و تسارعت أنفاسها ثو أطلقت شهقه و هى تضع كفها على فمها عندما تقاجأت بهم .. لقد كان جالس على أحدى المقاعد و أبتسامه وضيعه على ثغره .. و تلك الأفعى إلى جواره ..
وقف شاهر و أقترب منها ، ثم أستند بكفيه على ركبتيه ليميل ناحيتها قليلاً قائلاً بوقاحه شديده :” بتخبي أيه يا حلوه .. ما خلاص مفيش حاجه تداريها و أنا شوفت كل حاجه !”
تسربت العبرات من عينيها و هى تنظر إليه بتقزز ، و أستجمعت قواها لتبصق على وجهه
أغمض شاهر عينيه ، ثم رفع كفه ليمسح لعابها من على وجهه ، و بكل قوه لكمها لتسقط على الفراش مرةً أخرى صائحاً بـ :” شكلك ماحرمتيش يا *** !”
أطلقت صرخه مكتومه و ظلت تأن ، بينما ألتفت هو ناحية صافى قائلاً بغضب :” بره ”
” بس يا شاهر كده ..”
قطع حديثها صائحاً بنبره جعلتها تنتفض مكانها لتهرول للخارج :” قولت بررررره !”
……………………………
خرجت صافى لتجد شهاب جالس فأقترب لتجلس بجواره قائله بضيق :” صاحبك ده لا يمكن يكون طبيعى .. بجد حاجه اوووف أوى ”
لم يرد أكتفي بأبسامه ساخره و هويحرك رأسه بعدم قناعه ، فعقدت حاجبيها قائله :” مالك بتعمل كده ليه .. حقيقي ده لا يمكن يكون طبيعى بالمره .. هى زفته اللى جوه غلطت اه ، بس مش لدرجة إنه يكرها كده و يعمل فيها كده !”
نظر إليه بتمعن قبل أن يتحدث قائلاً بهدوء :” أصل أنتِ ماتعرفيش حاجه .. سمرا اللى جوه ده أرتكبت غلط كبير أوى هتفضل طول عمرها تدفع تمنه ، رغم إنها ملهاش ذنب فيه !”
“أيه اللى أنت بقوله ده أنا مش فاهمه حاجه ، أتكلم من غير الغاز ، غلط أيه اللى عملته من غير ذنب .. ما أحنا عرفين إنها شافتنا .. بس كده و ممكن نخوفها بأى حاجه و خلاص !”
ضحك بسخريه معلقاً :” لو على الغلط ده فسهل إن شاهر يسامحها .. لكن الغلط اللى لا يمكن يسامحها عليه رغم إن ملهاش ذنب فيه .. إنها شبه نسرين بالتمام ”
تحدثت قائله بأستيعاب بسيط :” نسرين .. اها علشان كده أول ما شافها نزل ضرب فيها و هو بيقول نسرين ”
ثم أقتربت منه قائله بدلال و هى تعبث بأزرار قميصه :” طيب قولى يا شهاب .. مين نسرين دى !”
فهم شهاب حركاتها تلك تماماً ، فأبعد كفها قائلاً :” أنسي .. و أحسنلك ماتعرفيش !”
لوت فمها بضيق ، ثم تابعت بفضول :” طيب قولى شاهر ناوى يعمل أيه مع البنت !”
ضحك بسخريه قبل أن يعلق مازحاً :” فضولك ده هيوديكِ فى داهيه !”
” أخلص بقي يا شهاب .. قولى هو ناوى على حاجه تانى فعلاً و هو بيحب اللى اسمها نسرين دى !”
” أنتِ مش كنتِ جوه من شويه معاه .. مسائلتهوش ليه .. و بعدين شاهر كاره نسرين ، و نصيحه ليكِ شيلي شاهر من دماغك .. شاهر عمره ما هيبص لواحده مهما كانت !”
أبتسمت له بأستخفاف ، ثم وقفت غاضبه لتتحرك مبتعده عنه .
……………………………..
ظلت فاطمه جالسه قبالة قسم الشرطه و لم تنم طيلة الليل ، ففتحت حقيبتها و أخرجت هاتفها و ظغطت على عدة أزرار ، ثم وضعته على أذنيها حتى اتاها صوت رباب صائحه بقلق :” ها يا خالتى لقيتِ سمرا و لا لأ !”
أغمضت عيناها بآسي لتسقط عبراتها على وجنتيها ، و من ثم خرج صوتها مخنوقاً :” لا يا رباب .. لسه ملقتهاش .. أنا أتصلت بيكِ قولت يمكن تكون رجعت البيت !”
” لا يا خالتى ماجتش .. تكون أختفت فين البت دى ، أطمنى خير إن شاء الله يا خالتى .. أنا هفضل هنا مع آلاء و لو جات هتصل بيكِ ”
” كتر خيرك يابنتى .. و أنا رجلى مش هتخطى البيت غير لمَ أعتر على بنتى ”
” ربنا يوقعك فيها يارب ”
أنهت فاطمه المكالمه مع رباب ، ثم رفعت كفها لتجفف عبراتها و نظرت إلى السماء هاتفه بتضرع :” يااارب .. أسترها عليها يارب و رجعهالى سليمه ، أحنا ملناش غيرك يا رب ”
……………………………………
دخل جلال إلى مكتب رفيقه ليجده مستند بذراعيه على المكتب ، و يضع رأسه عليهم و يغط فى نوم عميق ، فأقترب منه ليجد بيده صوره ، فعقد حاجبيه ، و بكل هدوء مد يده ليسحبها و ظل ينظر بها .. حاول أن يتذكر من هى التى بالصوره و لكن قد أستعصي عليه الأمر ، فرفع كفه و وضعه على كتف عامر و هزه بهدوء قائلاً :” عامر .. قوم يا عامر .. عااامر !”
شعر عامر به ، فرفع وجهه ، و فتح عين واحده ببطء ليجد صديقه ، فرفع كفيه و فرك وجهه ليستطع أن يفتح كلتا عيناه ، ثم وقف و ظل يدلك عنقه فقد آلمه بشده بسبب تلك الوضعيه التى بقي عليها طيلة الليل ، و شعر بتيبس بعضلات جسده بالكامل .
جلس جلال على أحدى المقاعد و لازال يحدق بتلك الصوره ، ثم رفع وجهه لينظر إلى صديقه قائلاً بهدوء :” أنا ماصدقتش العسكرى لمَ قالى إنك بايت هنا من أمبارح .. بقي يا راجل في واحد يبات يوم خطوبته فى شغله ، لأ و كمان شغله ده فى القسم !”
لم ينتبه عامر لأى كلمه تفوه بها صديقه ، فقط كان يقف بجوار النافذه و ينظر منها .
لاحظ جلال شروده ، فرفع نبرة صوته و هو يتابع :” صورة مين دى يا عامر اللى كنت ماسكها و أنت نايم ، أنا حاسس إنى شوفتها قبل كده !”
ألتف برأسه ناحية جلال ليجده ممسكاً بالصوره ، فأقترب منه و سحبها بسرعه ليضعها فى جيبه .
رفع جلال أحد حاجبيه معلقاً على فعلته بمزاح :” الله يابو نسب .. بتخون نجلاء من أولها كده .. طيب ظبطنى معاك و متبقاش طماع ، دا أنا غلبان حتى !”
جلس عامر بهدوء قبالة صديقه و شبك أصابع يده معاً قائلاً :” دى سمرا !”
عقد حاجبيه و كاد أن يستفهم ، و لكنه سرعان ما تذكرها فهتف قائلاً :” مش دى البنت اللى السواق ..
قاطعه قائلاً بأيجاز :” اه هى .. سمرا ”
” و مالها بقي تانى .. البنت دى بتاعت مشاكل أوى على فكره ، أول ما شوفت شكلها كده قولت إنها مش ساهله ، حسيت إنها ..”
” مافيش داعي يا جلال لكلامك ده كله .. البنت مختفيه من أمبارح .. و أمها جات تعمل محضر بأختفائها ، بس طبعاً زى ما أنت عارف ، لازم يعدى أربع و عشرين ساعه الأول ”
هز رأسه بالموافقه قائلاً بهدوء :” طيب أنت ناوى تعمل أيه !؟”
وقف قائلاً قبل أن يتوجه ناحية المرحاض :” أكيد هساعدها .. ده شغلى ، خليك هنا لحظه أغسل وشي علشان أفوق و ننزل سوا ، لأنى هروح لأمها فى العنوان اللى كتبته يمكن تكون رجعت !”
وقف جلال قائلاً بأعتراض :” لا بقولك أيه .. أغسل أنت وشك على مهلك و روح براحتك .. أنا عندى شغل و رايح دلوقت على المكتب .. سلام ”
توجه جلال إلى الخارج ، بينما اتجه عامر ناحية المرحاض .
………………….
بسنتر صافي ،،،،
ظل شاهر محدقاً بها ، متابعاً كل حركه تصدر منها بأعين مُشتعله غضب ، و صدره يعلو و يهبط
استطاعت سمرا أن ترفع رأسها مرةً أخرى و جلست على الفراش رغم الألم المتمكن منها و مازالت متشبثه بذلك الغطاء الخفيف ، ثم رفعت وجهها لتنظر إليه بأعين مغطاه بالعبرات قائله بمراره :” ليه .. ليه بتعمل فيا كده ليه .. أنا عملتلك أيه !”
أعتلى ثغره أبتسامه ساخره قبل أن يقول :” علشان أنا عايز أعمل فيكِ كده يا نسرين !”
صاحت ببكاء قائله :” مش نسرين .. و الله ما أنا نسرين .. أنا اسمى سمرا و الله !”
و أنهارت بالبكاء بشده ، بينما حدق بها بنظرات غريبه ، و مال بجسده ليلتقط ملابسها من على الأرضيه و لكنه لم ينتبه إلى تلك الصوره التى سقطت منها ، ثم ألقاهم فى وجهها قائلاً :” دى هدومك .. و أنتِ تقدرى تمشي دلوقت ، بس و شرفي لو فتحت بوءك بكلمه عن اللى شوفتيه هنا أو سمعتيه أو أى حاجه حصلت ، لأخلى كل اللى يعرفك يفتح بوءه عليكِ بأوسخ كلام لا يمكن تتخيليه ، تلبسي هدومك و تغورى ماشوفش وشك هنا تانى !”
لم ينتظر ردها و خرج من الغرفه سريعاً ، بينما بدأت سمرا فى أرتداء ملابسها سريعاً و عبراتها أمتزجت بدمائها ، و رغم الألام المبرحه التى تشعر بها ، لكنها تحاملت على نفسها ، و ليس لديها سوى هدف واحد .. و هو الخروج من هذا المكان الملعون بأسرع وقت .. هذا المكان الذى ترك لها ذكرى بائسه فى حياتها ، و دمُرت به حياتها ، و أغُتيلت برائتها بدون رحمه .. هذا المكان الذى ذاقت به المُر و القسوه يوماً كاملاً على يد هذا الملعون الذى أنتزع قلبه ليضع مكانه حجراً مصمتاً لا يرأف بأحد .. و لكن مهلاً فظن سمرا بالهروب من هذا المكان سيتحقق .. و لكن ما لن يتحقق هو الهروب من ذلك الشيطان .. الذى دون وعياً منها .. سقطت بقبضته .. ليجعلها تتجرع من كأس التعذيب ما يروق له ………..!
……………………..
خرج عامر من قسم الشرطه ، و كاد أن يركب سيارته و لكنه لمحها تجلس على أحد الأرصفه بعيداً ، فسار متوجهاً ناحيتها .
أقترب ليقف قبالتها قائلاً بصوت رخيم :” أنتِ هنا من أمتى يا حاجه فاطمه !؟”
رفعت وجهها لتجده هو .. فوقفت سريعاً قائله بلهفه :” عملت حاجه يا بيه و لقيتها !”
هز رأسه بآسي قائلاً :” للأسف زى ما قولتلك المحضر علشان يتعمل هيبقي النهارده بالليل على الساعه سبعه .. بس هى مارجعتش من أمبارح !؟”
انسابت العبرات على وجنتيها رغماً عنها ، و جلست مكانها مرةً أخرى لتضع كفها أسفل خدها هاتفه بنواح :” يا حبيبتى يابنتى .. أجيبك منين دلوقت ياحبيبتى ، يا ترى حصلك حاجه يا كبدى اااه يا سمرا اااه ”
هز رأسه بحزن ، ثم مال بجسد ليمسك كفها قائلاً بهدوء :” قومى يا ست فاطمه أنا هفضل معاكِ لحد ما تلاقيها ماتخفيش ”
ظهرت معالم الأمل على تقاسيم وجهها ، هاتفه و هى تقف :” بجد .. بجد يابنى !”
أبتسم و هو يحرك رأسه بالموافقه ، ثم توجه للسير ناحية سيارته قائلاً :” تعالى معايا هنسأل عليها فى المستشفيات ”
و بالفعل ركبت معه السياره ، و أنطلق ليبدأوا البحث عن سمرا .
………………………..
أنهت سمرا ارتداء ملابسها و هى تبكى حسرةً على ما آلت إليه ، و بخطى ثقيله سارت للخارج و هى تستند على الجدارن .. و بمجرد أن خرجت حتى وجدت هؤلاء الأفاعى جالسين بالخارج و يتضاحكون و كأنهم لم يفتعلوا شيئاً .. و كأنهم لم يقتـ,ـلوا روحاً بريئه ، فبدون أن تنظر إليهم توجهت للخارج و لكن أوقفتها جملة شاهر الذى كان يجلس ممسكاً بسيجارته :” ماتنسيش اللى قولته .. كلامى ده يبقي حلقه فى ودنك !”
لم تجيبه ، فقط أغمضت عيناها بقوه و كأنها تعتصرهم لتنساب عبراتها المُشتعله لتكوى وجنتبها ألماً و بؤساً ، مما دفعه ليقف و يسير ناحيتها ، و قبض بقوه على ذراعها ، و رفع كفه الأخر ليتحسس الجروح و الكدمات الموجوده بوجهها بهدوء شديد ، بوهله تحولت لمساته الخفيفه إلى مسكه قويه من فكها حتى كاد أن يهشمه بين قبضته .
أطلقت هى أنيناً مكتوماً أثر قبضته المُحطمه لفكها لم يعبأ هو بها ، و أقترب بوجهه من وجهه لتضرب أنفاسه المُشتعله صفحة وجهه الأسمر قائلاً و هو يصر على اسنانه :” لمَ أكلمك تردى عليا ”
لوى ذراعها بقوه أكبر حتى كاد أن يخلع بيده صائحاً :” فهمتى !”
أطلقت هذه المره صرخه و ظلت تحرك رأسها عدة مرات بطريقه سريعه و ببكاء ، فأزاحها هو بقوه لتسقط على الأرضيه ، و ألتف مولياً اياها ظهره و عقد ذراعيه أمام صدره قائلاً بصرامه :” ماشوفش وشك تانى !”
خرج صوتها مبحوحاً ممتزجاً بالبكاء و هى تهتف :” حا.. حاضر ”
ثم لملمت شتات نفسها و وقفت سريعاً لتهرول من هذا المكان ..
…….
رجع شاهر ليجلس بمكانه مرةً ثانيه ليجد كلاً من شهاب و صافى مُحدقين به ، فتحدث قائلاً بهدوء :” مالكوا بتبصوا كده ليه !؟”
وقفت صافى قائله بضيق :” أنا هروح أنضف الأوضه اللى جوه .. عن أذنكوا ”
و توجهت إلى الداخل ، بينما ألتفت شهاب ناحية صديقه قائلاً بهدوء :” مالك يا شاهر .. أنت شكلك تعبان أوى ”
وقف معلقاً بهدوء :” اه فعلاً تعبان و لازم أروح أستريح ، بص أهتم أنت بأمور الكباريه و أنا راجع القصر استريح شويه ”
هز شهاب رأسه بالموافقه ، بينما كان شاهر على وشك الرحيل حتى أوقتها جملة صافى هاتفه :” شاهر .. أستنى يا شاهر ”
توقف مكانه و ألتف ليجدها قادمه نحوه بخطى مشابهه للركض ، و توقفت قبالته و مدت يدها بصوره ناحيته .
عقد حاجبيه و وزع نظره بينها و بين الصوره التى بيدها ، ثم رفع كفه ليمسك الصوره و ما أن رآها حتى جحظت عيناه حتى كادتا أن تخرجا من مقلتيها قائلاً بصدمه :” دى .. دى هى .. دى هى نسرين بنفسها !”
ثم رفع وجهه لينظر إليها بأعين غاضبه ، فتوجست هى منه و تراجعت عدة خطوات للخلف ، و لكنه كان الأسرع بالقبض على ذراعها حتى أطلقت هى تأوهاً من فعلته ، و تسائل و هو يصر على أسنانه :” جبتي الصوره دى منين !؟”
” ااه ..دراعى يا شاهر هيتخلع .. اااه ”
هزها بعنف و هو ينهرها صائحاً :” بقولك جبتيها منين أنطقي !”
” كا.. كانت مع . اللى ماتتسمى .. اللى اسمها سمرا ”
تنبهت كل حواسه بمجرد أن ذُكر اسمها ، و أيقن تماماً أن لها علاقه بها .. فهذا الشبه الكبير بينهم لم يأتى من الفراغ ، و ألتف ناحية شهاب قائلاً :” بسرعه تقف حالاً تلحقها ”
وقف شهاب غير مستوعب بتاتاً ما يقوله شاهر و عقد حاجبيه و كان على وشك التكلم ، حتى صاح به شاهر :” أنت لسه هتنح .. بقولك حالاً و تجيبهالى على القصر !”
ما كان عليه إلا الأمتثال لأوامره ، فخرج سريعاً من المكان ليلحق بها و يحضرها كما أمره شاهر ، بينما خرج شاهر الأخر متوجهاً إلى قصره دون أن يتفوه بأى كلمه .
…………………………..
ظلت تسير على غير هدايه .. شارده تماماً .. مُحطمه القلب ، فها هى قد سقطت من على الهاويه .. و أصبحت جسد بلا روح .. سُلب منها أعز ما تملكه أى فتاه .. و ماذا ستكون صورتها أمام ولدتها .. جيرانها .. مجتمعها .. بهذه اللحظه تخلت تماماً عن فكرة المواجهه ، و لم ترى أى طريق للفرار من هذا الواقع المؤلم سوى الفرار .. ليس فقط الفرار من حياتها تلك .. بل الفرار من الحياه بأكملها .. و كأن شيطانها قد سمعها فى هذه اللحظه ، و لم تري أمامها سوى الطريق و السيارات التى تسير عليه بسرعه كبيره .. و من غير شعور تحركت نحو الطريق لتسير به صماء .. بكماء .. عمياء .. لا تستمع لأى تحذير أو نداء يصيح به الماره لتتلافى تلك المقطوره الكبيره القادمه نحوها .
و بسرعة البرق .. لكنها مرت عليها كأنها دهراً .. صدمتها المقطوره لتهوى سمرا على الأرضيه الأسفلتيه بمسافه نتجت عن قوة الأصتطدام .. و استكانت رأسها و بدأ الدماء يسيل منها و كذلك سقطت حقيبتها لتندفع محتواياتها متناثره على الأرض .. أغمضت عينها لتستمع إلى الصمت فقط ، و أبتسامه باهته أرتسمت على ثغرها .. ثم عادت لتلك الدوامه من جديد ..!
……..
تعطل الطريق تماماً بسبب الحادثه ، و بدأ الجميع الألتفات حول تلك الفتاه التى تتوسط دمائها المُساله .. و أسرعت سيارات الأسعاف بالحضور لنقلها بأسرع وقت إلى المشفي ، لنقل كلاً من سمرا و سائق المقطورة الذى تأذى و هو يحاول أن يتفاداها .
…………………..
بالحاره ،،،،
رفعت آلاء وجهها ناحية رباب لتنظر إليها بأعين باكيه متسائله :” هى سمرا مش هترجع تانى !؟”
أشفقت رباب على تلك الصغيره ، فأغمضت عينيها بآسي و أحتضنتها و ظلت تمسح على ظهرها ، ثم قبلت رأسها قائله بحنان :” هاترجع ياحبيبتى .. هترجع ماتخافيش ، و ماما كمان هترجع و تفضلوا سوا زى ما كنتوا دايماً
و حاولت رسم الأبتسامه على ثغرها و هى تسارع ألا تظهر عبراتها أمام الفتاه ، و مدت أصبعها لتجفف عبرات آلاء قائله :” بصي بلاش الدموع دى .. أنتِ عارفه إن سمرا بتضايق من البُكى ، و بتحب تشوفك مبسوطه و بتضحكى ”
ثم عقدت حاجبيها قائله بعتاب :” أخس عليكِ يا آلاء ، أنتِ ماذاكرتيش النهارده خالص .. ينفع كده برصو ، ينفع سمرا لمَ تيجى نقولها آلاء ماذاكرتش ”
ثم وقفت و أمسكت الفتاه من يدها و جذبتها لتجعلها تقف مضيفه :” يلا كده خليكِ شطوره و روحى هاتى كتبك و ذاكرى ، و أنا هروح دلوقت المطبخ أعملك سندوتشات علشان تتغدى بيهم ”
رفعت وجهها ناحيتها و لمعت عيناها بحزن قائله :” ماليش نفس أكل أى حاجه .. و مش هاكل غير لمَ أمُى و أختى يرجعوا ”
مالت رباب لتجلس على ركبتيها حتى تكون فى مستواها و مدت كفها لتمسك آلاء من خدها قائله بأبتسامه :” شكلك بتهربى من المذاكره .. كده ماينفعش يا لولو يا حبيبتى ، أنتِ ماتعشتيش أمبارح و لا فطرتى النهارده ، و كده مكن تتعبى ، عايزه يعنى ماما و سمرا لمَ ييجوا يلاقوكِ تعبانه ”
ثم وقفت و وضعت كفها على كتف آلاء متابعه :” يلا روحى أوضتك و ذاكرى ، و أنا خمس دقايق هعملك أحلى سندويتشات و كباية شاي كمان ”
أبتسمت آلاء و توجهت إلى غرفتها ، بينما كانت رباب على وشك الدخول إلى المطبخ ، حتى أوقفها صوت طرقات على باب الشقه ، فتوجهت سريعاً لتعرف من الطارق هاتفه بأمل قبل أن تفتح ظناً منها أن الطارق هو فاطمه :” حاضر يا خالتى جايه أهو .. لقيتى سمرا و لا لـ..!”
بترت رباب جملتها عندما وجدت جمال يقف أمام الباب و يحك ذقنه و يبتسم بمكر
نفخت رباب بضيق ، و وضعت كفها فى منتصف خصرها ، و أستندت بكفها الأخر على الجدار قائله :” نعم .. عايز أيه يا جمال !”
أبتسم بسخريه قبل أن يتحدث بمكر :” و الله أنا كنت جاى أشوف سمرا و اسأل عنها .. بس أنتِ وفرتى عليا كتير .. سمرا مارجعتش البيت من أمبارح ”
” مايخصكش يا جمال .. و متهيئلي أنها فركشت خطوبتها منك .. يعنى أى حاجه تخصها أنت مالكش دعوه بيها !”
” لا يا حلوه .. فى الأول و الأخر هى بنت منطقتى ، و أى كلام لامؤاخذه عليها هيصيب الحته كلها ، و سمرا اساساً حركاتها اليومين دول مش عجبانى ، و أهو بايته بره البيت من أمبارح ، الله و أعلم كانت فى حضن مين !”
صاحت به غاضبه و هى تحرك سبابتها أمام وجهه :” بقولك أيه يا جدع أنت .. تتكلم عدل عن سمرا ، الحته كلها عارفه أخلاقها ، و لو فيه حد حركاته لامؤاخذه يبقي أنت يا حشاش يا سُكري !”
رفع كفه ليحك رأسه من الخلف معلقاً :” ماشي يا رباب .. ما أنتِ كمان بنت حتتى .. بس هعرف سمرا فين و الكل لازم يعرف ، و لولا إنى راجل وأنتِ واحده كنت مديت أيديا عليكِ ”
شهقت رباب قائله بصوت عالى :” تمد أيدك على مين يا محار من غير عده ، يا سباك من غير جلده ، يا طبق من غير نيش ، يا جبنه من غير عيش .. يا معفن !”
حدق بها هاتفاً قبل أن يتجه إلى أسفل :” لسان ده عايز يتقص .. و مش هرد عليكِ !”
نزل هو على الدرج ، بينما استندت هى على درابزون السلم و عيناها تتبعاه هاتفه بصيح :” لا يا واد خوفتنى .. ماتيجى تضربنى قلمين أحسن ، و رحمة أمُى لو رجليك عتبت المكان ده لأكون مشبشبالك يا نتن !”
ثم توجهت إلى داخل الشقه و صفعت الباب بقوه خلفها و هى تتمتم بعدة سباب لهذا الأخرق !
…………………………..
بقصر شاهر ،،،،
كانت آنجيلا بغرفتها الخاصه ، تتحدث خِلسة بالهاتف الخاص بها بلهجه أجنبيه :” حاول أن تتفهمنى أرجوك .. كل يوم يمر علي بجوار ذلك المجنون أموت فزعاً منه !”
” أهدئي آنجيلا أرجوكِ عزيزتى .. أنتِ تعلمين أن لشاهر مكانه خاصه لدى مستر ديفيد .. و يجيب علينا أن ننهيه معاً ”
” بيبرس أستمع إلى أرجوك .. أنا اهابه بشده ، أنت لا يمكن أن تتصور ماذا ممكن أن يفعل بي إن أكتشف إننى أتجسس عليه و أترصد لأخطائه ”
” عزيزتى آنجيلا لا تقلقي .. كل شئ سيمر ، و لكن أخبرينى هل علمتِ ماذا يوجد بتلك الغرفه التى حدثتينى عنها مسبقاً !؟”
وقفت لتسير بالغرفه و تضع كفها على مقدمة رأسها ، و بالكف الأخر ممسكه الهاتف قائله بغضب :” لا .. لم أعرف .. هل هذا فقط هو ما يعنيك بيبرس !”
” بالطبع لا عزيزتى .. أنتِ هى من تعنينى أكثر ، و لكن يجب علينا أن ننهى على ذلك الشاهر ، لنصبح أنا و أنتِ يدي ديفيد بمصر !”
أنتبهت آنجيلا لصوت باب القصر يغلق ، فأنتفض مكانها هلعاً و هى تنظر إلى الباب متوجسه دخوله بأى وقت فأسرعت هاتفه بتوتر :” يجب على انهاء المكالمه الآن يبدو أن شاهر قد عاد ”
لم تنتظر آنجيلا رد بيبرس ، و أغلقت المكالمه سريعاً ، و خبأت الهاتف بالغرفه ، و توجهت إلى أسفل .
……………………….
وقفت آنجيلا قبالة شاهر قائله بتوتر :” مستر .. مستر شاهر .. متى جئت !”
ضيق عيناه و هو ينظر إليها بتفحص ليلاحظ توترها رغم إنها جاهدت لأخفائه ، و رفع أحد حاجبه معلقاً بسخريه :” جئت الآن .. و لكن أخبرينى أنت ، ماذا كنتِ تفعلين بالأعلى !؟”
أزدردت لعابها بصعوبه بالغه ، و تحدثت قائله بتلعثم و بدأت حبات العرق تملئ جبينها :” أنا .. أنا كنت .. كنت سأنام قليلاً .. نعم كنت سأنام ”
ثم تابعت و هى تضع كفها على جبينها و تتحسسه قائله بفتور مزيف :” لقد شعرت بالأرهاق قليلاً .. هذا كل شئ ”
تقوس فمه بأبتسامه ساخره ، و توجه ناحية المكتب هاتفاً بجديه :” تعالى .. أريد أن أحدثك بشئ !”
كاد أن يخرج قلبها من بين ضلوعها رهبةً منه ، و لكنها حاولت أن تتماسك ، و سارت خلفه ناحية غرفة المكتب كما أمرها ..
…………………………
ظل عامر برفقة فاطمه يبحثون عن سمرا ، و قد ذهبوا إلى أكثر من مشفي و لا يوجد أى خبر عنها ..
أوقف السياره أمام أحدى المستشفيات الحكوميه ، و ألتف ناحية فاطمه متحدثاً بهدوء :” أنا هنزل اسأل عنها هنا .. مفيش داعى إن حضرتك تنزلى ”
حركت رأسها بالرفض تماماً قائله بأصرار :” لا يمكن .. رجلى على رجلك لحد ما الأقى بنتى ”
لم تنتظر رده ، و فتحت باب السياره و نزلت منها ، بينما حرك هو رأسه بآسي داعياً بخفوت قبل أن ينزل من السياره ليلحق بها :” يارب تكونى بخير يا سمرا .. ياااارب ”
…
وقف عامر أمام أحدى موظفات الأستقبال متسائلاً :” لو سمحتى .. هو فيه واحده جابوها هنا .. بصي أحنا مش لاقيينها فقولنا ممكن تكون بالمستشفى و بندور عليها ”
لوت فمها بسخريه و هى تنظر إليهم قائله :” مش شرط إنكوا مش لاقيينها تكون فى المستشفى يعنى .. ما ممكن تكون طفشت منكوا زى ما بنسمع !”
كادت فاطمه أن تصيح بها ، و لكن أسرع عامر قائلاً بغضب :” تتكلمى عدل .. أنا شرطه يا روح أمك !”
أنتفضت مكانها قائله بخوف :” أنا .. أنا اسفه يا بيه و الله ما كنت أعرف .. طيب هى اسمها أيه !؟”
حاول عامر السيطره على غضبه و توتره ، و تحدث إليها قائلاً بهدوء مصطنع :” سمرا عبد العزيز ”
ظلت الفتاه تبحث عن الأسم بعدة أوراق بحوزتها ، و بعد لحظات رفعت وجهها ناحيتهم و هزت رأسها بآسي قائله :” للأسف مافيش حد بالأسم ده نهائي !”
كاد عامر أن يتكلم و لكنهم لمحوا أزدحام بالخارج و سيارت أسعاف و حاله من التشتت و الطوارئ ملئت المشفي .
كان هناك ممرض يركض للخارج ، فصاحت الفتاه الموجوده بالأستقبال متسائله :” هو فيه يا عصمت ”
توقف ليجيبها بقلق :” بيقولوا واحده خبطتها عربيه ، و البنت و سواق العربيه حالتهم خطيره و جايبنهم !”
ثم تابع و هو يركض للخارج :” يارب استر يارب ”
شعرت فاطمه بنغزه بقلبها عندما سمعت حديث الممرض ، و تبادلت النظرات القلقه هى و عامر ، و لكن كانت المفاجأة لكلاهما .. المفاجأة التى لم يتوقعوها أياً منهما بتاتاً .. عندما لمحوها على السرير النقال و ملابسها كلها ملطخه بالدماء ، والممرضين يسرعون بها للداخل …….!
…………………………………………………..