
سمرا في قبضه الشيطان
الفصل العشرون و الأخير
بعد مرور ما يقارب من شهر ..
بمشفى الأمراض النفسية ،،،
كانت جالسة بالحديقة لازالت جامده الملامح ، مُحدقة بنقطة ما بالفراغ .. لا تعي أي شيئاً حولها .
مدت يدها بهدوء لتسحب ذلك الوشاح علي كتفها و أغمضت عيناها بآسي لتنهمر العبرات الساخنة منهما و تحرق وجنتيها .. فرغم هدوءها الخارجي ، لكن لا أحد يعلم بتلك النيران التي تشتعل بداخلها و تدمرها .
…………………….
سمع الطبيب صوت طرقات على باب الغرفة ، فسمح للطارق بالدخول .. ليدخل ذلك الشاب قوي البنيه بعينيه البنية اللامعة و لحيته الخفيفة ، و لكن ذراعه مربوط أمام صدره من أصابة ما ، و توجه ليجلس قبالة الطبيب قائلاً بهدوء :” سمرا أخبارها أيه يا دكتور !؟”
خلع الطبيب نظارته الطبية و شبك أصابع يده معاً قائلاً بهدوء :” حضرتك عارف يا أستاذ عامر ..اللي مرت بيه صعب جداً .. و مش سهل إنها تقابل حد أو تشوف حد !”
صاح غاضباً :” حد مين يا دكتور .. أنا جوزها .. و حضرتك مانعني إني أزورها و أتكلم معاها ، معناه أيه ده بقي !”
” لو سمحت يا عامر بيه .. أنا اللي فهمته منكوا إن أنت بالنسبالها ميت .. يعني هتبقي صدمة ليها إنها تشوفك ، غير صدمتها الأولي اصلاً .. أنا بقول نأجل موضوع زيارتك ده شويه .. حتى تكون هي استجابت للعلاج و بدأت تتكلم حتي .. عشان نعرفها كل حاجه بهدوء ”
” نأجل أيه تاني .. بقالي حوالي تلت أسابيع باجي و مش بقدر أقابلها !”
” العلاج النفسي بيطول مش من يوم و ليـ.. ”
قاطعه غاضباً و هو يضرب بكفه السليم على المكتب :” و أنا مش هستني أكتر من كده .. دي مراتي و أنا هعرف أزاي أرجعها من تاني !”
و خرج من المكتب سريعاً ، و حاول الطبيب لحاقه حتى يمنعه .
وصل عامر إلي الحديقة ليقف قبالتها ، ثم مال جالساً على ركبتيه ، و مد يده الحره ليمسك كفها بهدوء ناظراً إليها بشوقٍ قائلاً برحاء :” سمرا .. سمرا حبيبتي أنا عامر .. أنا مامتش و رجعتلك .. أرجعيلي أنتِ كمان خلينا نكمل حياتنا .. أنا بعشقك !”
مالت برأسها قليلاً و هى تحدق به لفتره قصيره ، بينما ظهر شبح أبتسامه على ثغره و هو يهتف بأمل :” أيوه يا سمرا .. أنا عامر حبيبك .. رجعت أهو !”
عقدت حاجبيها و هي لازالت تنظر إليه ، و ما هي إلا لحظات حتي أدمعت عيناها من جديد ، و سحبت كفها من يده و وقفت لتتراجع عدة خطوات إلي الخلف .
وقف و هو عاقد حاجبيه هاتفاً بعدم فهم :” مالك يا سمرا .. أيه اللي حصل .. أنا عامر ماتخافيش مني !”
ظلت تتراجع و تهز رأسها بأستنكار و العبرات تنهمر من وجنتيها ، بينما توجه عامر ناحيتها بسرعه ، و أنفجرت هي باكيه لتطلق صرخه علي أثرها سقطت فاقده الوعي .
جلس إلي جوارها و أحتضنها بذراعه السليم محاولاً أفاقتها و العبرات متجمعة بعينيه ، و أسرع الطبيب و الممرضين لمساعدتها ، و هتف الطبيب قائلاً :” مش قولتلك يا عامر باشا إنه مش سهل تتقبل الحقيقة دي !”
و أسرعوا بحملها على الناقل متوجهين بها إلي الداخل ، و لحقهم عامر إلي الداخل .
………………….
تعالت الطرقات على باب مكتب العقيد فاروق ، فسمح للطارق بالدخول ، ليدخل ذلك الرجل و يقف قبالته ، بينما نهض فاروق و أتجه ليقف قبالته متسائلاً :” لسه مافيش جديد يا منير !؟
هز منير رأسه يميناً و يساراً معلقاً بهدوء :” ماتخافش يا باشا .. القضية تهدي بس .. و أكيد هيظهر تاني .. و ساعتها مش هرحمه .. هجيبلك رقبته يا باشا !”
نفخ بضيق قائلاً :” شكل القضية مش راضية تخلص أصلاً ، و كيل النيابة اللي اسمه علاء لسه عنده أمل إنه يلاقي خيط يوصله لأي حاجه في القضية .. مع إن كل اللي كانوا بيساعدوا شاهر ماتوا صافي .. و صاحبه حتى الحرس ، و شاهر نفسه مُختفي !”
تقوس فم منير بابتسامة ساخرة و هو يعلق بـ :” ماتخافش يا باشا .. يومين و يزهق من القضية دي و تتركن زيها زي غيرها .. و الموضوع يهدي ، و ساعتها أكيد شاهر هيظهر .. و بكده ييجي دورنا بقي !”
هز فاروق رأسه بالموافقة ، و أشار ناحية الباب قائلاً :” روح أنت دلوقت يا منير شوف شغلك !”
أبتسم منير و من ثم توجه إلي الخارج ، بينما توجه فاروق ليجلس على مقعده الخاص ، و ضم قبضتي يده معاً ليضعهم أسفل ذقنه ، و ضيق عينيه و هو يحدق بنقطة ما بالفراغ ، قائلاً بغضب مكبوت :” همـ,ـوت و أعرف خرجت أزاي من وسط النار يا شاهر .. بس صدقني .. مش هرحمك !
…………………….
بعد مرور يومان ،،،
أسوان ،،
خرج من بيتٍ قديم قبالة النيل مباشرةٍ ، مرتدياً بنطال من الجينز و تيشيرت بنصف كم ، و توجه ليجلس على حافة اليابسة و شمر بنطاله إلي منتصف ساقيه ، ليضعها بالماء ، و خلع نظارته و ظل ينظر بالنيل أمامه ، و أشعة الشمس الساخنة المنعكسة به ، و ظهر شبح ابتسامة على ثغره قائلاً بخفوت :” بقيت بحب أشوف المنظر ده لأنه بيفكرني بيكِ يا سمرا .. عارف إني ظلمتك كتير بس الأحسن ليا و ليكِ إني أختفي من حياتك .. أنا عشب شيطاني و لازم أختفي .. يمكن لو ماكنتش سافرت كان زماني إنسان كويس و ماحصلش ده كله ، كنت هفضل عايش علي ذكراكِ يا نسرين و ماقبلتش سمرا .. بس أنتِ اللي حطمتيني .. اااه يا نسرين اه .. كنت فاكر إني بقربي من سمرا هحس بوجودك .. لكن تعبت أكتر لما لقيتني إني بتعذب بسمرا .. ماكنتش أعرف إني هحبها كده ، أو إني هحب بعدك !”
ثم مال بجسده للخلف لينام على الارضية الترابية ، و وضع ذراعيه أسفل رأسه ليتذكر إنه بعد أن أشعل النيران .. قرر الفرار ، الفرار نهائياً دون العودة .. فأسرع إلى النافذة بالغرفة ، و خرج منها ، و عن طريق السطح أستطاع القفز إلي السطح المجاور .
أغمض عينيه بآسي لتنهمر العبرات علي وجنتيه ، و أخذ نفساً طويلاً ، ليزفره بهدوء ، ثم مد يده في جيب بنطاله ليخرج أحدي الصور ، و ظل ينظر إليها بأعين دامعه هاتفاً بحسره :” مكتوبلي أعيش طول حياتي متعذب .. وحشتيني أوي يا سمرا !”
وجد مم يضع يده علي كتفه ، فأنتفض جالساً و وضع الصورة بجيبه ، بينما جلس الرجل إلي جواره قائلاً بهدوء :” عامل أيه يا شاهر باشا ”
ضحك شاهر بسخرية معلقاً :” مش قولنا بلاش شاهر يا عماد .. شاهر خلاص مات من اليوم اياه !”
ابتسم عماد و وضع كفه علي فخذ شاهر قائلاً بهدوء :” معاك حق يا … يا حازم بيه ، و بالمناسبة البطاقة الجديدة اللي طلبتها جاهزة ، و ماتفرقهاش عن الحقيقية ”
” تسلم يا عماد … مش عارف أقولك أيه و الله علي وقفتك جنبي دي ”
” أنا مهما عملت عمري ما ارد جمايلك يا باشا ، ده أنت اللي وقفت جنبي في الغربة و ساعدتني … و سيبنا من ده كله ، دي فلوسك مش فلوسي اللي كنت بتشيلها معايا كل اجازة تنزل ”
أبتسم بآسي معلقاً :” كنت بعمل حسابي و كأني عارف إن هييجي اليوم و هيستغنوا عني و يحاولوا يتخلصوا مني ، بس الصراحة أنا اللي اختفيت من نفسي ، عاوز ابدأ من جديد و أنسي كل حاجة و أي حد و أنت الوحيد اللي ممكن أثق فيه ”
” أنا افديك برقبتي طبعاً ، و كل اللي قولتلي عليه اعتبره مات بينا ”
أخذ نفساً طويلاً و اشاح بوجهه بعيداً محدقاً بنقطة ما ، فتساءل عماد :” حبيتها !؟”
صمت قليلاً ثم فرك وجهه بكلتا يديه قائلاً :” مش عارف .. بس محتاجها اوي ، كنت فاكر احتياجي ليها مجرد إنها تشبه نسرين .. بس اللي متأكد منه دلوقت إني محتاجها إنها سمرا ، البنت القوية اللي مهما حاولت اكسرها لكن هي زى ما هي بريئة ، طيبة .. بس مش من حقي خلاص إني أشوفها حتي ، عمرها ما هتسامحني على كل اللي عملته فيها و ..”
قاطعه عماد قائلاً :” لو تحب أنا ممكن أجيبهالك بنفسي ، و أطلب سماحها و ابدأ من جديد معاها و ..”
قاطعه شاهر بغضب :” لا لا .. كفايه لحد هنا ، عمري ما هكون عايزها غصب ، أحسن حل أعمله ليها إني أسيبها في حالها .. أسيبها تعيش ، بس مش عارف هقدر عايش من غير ما أشوفها أزاي !”
صمت كلاهما للحظات ، ثم قطعه عماد متسائلاً بهدوء :” ناوي علي أيه يا صاحبي !؟”
نظر إليه شاهر بعدم فهم ، فتابع عماد :” أقصد يعني ناوي تسافر و لا تفضل هنا .. هتعمل أيه !؟”
” لسه ما قررتش لحد دلوقت ، بس أكيد مش هسافر دلوقت .. و مش عارف أعمل أيه بالفلوس الكتير اللي معايا .. سيبك بعدين هقرر ”
ثم صمت للحظات قبل أن تلمع عيناه بحزن متابعاً باشتياق :” بس سمرا وحشتني أوي ”
………………..
تكرر ذلك الحلم معها .. وجدت نفسها بذلك المكان المظلم من جديد ، و لكن لا تسمع أي شيء لا تلك الأصوات و لا الخطوات .. لا تسمع سوي الصمت .. يقطعه دقات قلبها المتسارعة و صوت أنفاسها اللاهثة .. و ظلت تتلفت حولها محاولة رؤية أي شيء لتركض ناحيته .. و فجاءه أضاء المكان بأكمله .. لتجد نفسها بمكان أشبه بالصحراء و ألتفت للخلف لتجده يقف بعيداً عنها بمسافه .. بابتسامته التي عاهدتها ، فانفرجت أساريرها لترتسم البسمة علي ثغرها .. و تحركت شفتاها تهمس بـ :” عـ.. عامر ..!”
حرك رأسه إلي أعلي و أسفل و رفع يديه مشيراً لها ليحثها على التقدم ناحيته ، و لكنه لم ينتظرها فسريعاً ما ألتف ليرحل ، بينما بدأت هي بالركض ناحيته محاوله اللحاق به .. و لكنها كلما تقدمت خطوة منه .. تجده أبتعد عنها أمتارٍ و أمتار .. حاولت الإسراع بالركض ، و خرج صوتها قوياً و هي تهتف بـ :” عامر أستني .. عااااامر !”
ليدوي صدي صوتها بكل أرجاء المكان .
……………
هَبت مفزوعه عن الفراش و هي تصرخ :” عااامر !”
نهض عامر عن المقعد و توجه ناحية الفراش ليجلس إلى جوارها هاتفاً بعدم تصديق :” سمرا .. سمرا أنتِ أتكلمتي .. سمرا أنا جانبك حاسه بيا !”
دفنت وجهها بين كفيها و ظلت تبكي بشده ، فأحتضنها هو بقوه و ظل يمسح علي شعرها و ظهرها قائلاً بنبرة مفعمة بالسعادة :” ماتعيطيش يا حبيبتي .. أنا جنبك و هفضل جنبك !”
ابتعدت عنه لتنظر إليه بأعين باكية ، ثم رفعت كفها لتتحسس وجنته قائله :” أنت .. أنت مامتش !”
أبتسم قائلاً :” لا مامتش .. بس لو عايزاني أمـ,ـوت .. همـ,ـوت عشان خاطرك !”
ضربته بخفه على صدره و عادت لتدفن وجهها في حـ,ـضنه و هي تبكي ، بينما أبعدها هو ، و مد أنامله ليجفف عبراتها قائلاً بصوتٍ رخيم :” من غير دموع .. عشان خاطري ..فاكره لمَ قولتلك إن دموعك بتقـ,ـتلني !”
هزت رأسها بالموافقة ، و ابتسمت من بين عبراتها ، و لكن سرعان ما عقدت حاجبيها عندما نظرت إلى ذراعه فتساءلت بـ :” مال دراعك .. أيه اللي حصله .. و أحنا فين هنا ، و أيه اللي حصل .. أنا حاسة إني تايهة مش عارفة حاجة !؟”
ضحك بهدوء ، ثم مد ذراعه السليم ليحاوط كتفيها و يضمها إلي صدره قائلاً :” دراعي مربوط عشان أتصبت إصابة صغيرة في صدري فأثرت على دراعي .. و ماتخافيش كلها أسبوع و أفكه و يرجع أحسن من الأول كمان ، و أنتِ ياستي في المستشفي دلوقت .. حصل أيه بقي فده موضوع هيطول شرحه !”
رفعت وجهها لتنظر إليه قائله بخفوت و خوف :” طيب و .. و شاهـ..”
قطع حديثها بوصع أصبعه على فمها قائلاً :” ششش .. ماتجبيش سيرته تاني .. خلاص أحنا هنكمل حياتنا و كأنه مش موجود .. لأنه فعلاً خلاص مش موجود !”
هزت رأسها بهدوء .. بينما وقف هو وجذبها من ذراعها لتقف هي الأخرى قائلاً بابتسامة :” يلا بقي قومي عشان نمشي من هنا .. أنا بتخنق من المستشفيات أوي ، بس عشان خاطرك قاعد فيها أهو !”
عقدت حاجبيها متسائلة :” هنروح فين !؟”
تنفس بهدوء قبل أن يقول :” دلوقت يا ستي هنروح علي بيتك .. عمي حسن كاتب الفيلا باسمك أنتِ و أختك ، هنروح عشان كل حبايبك مستنيينك هناك آلاء و رباب و حسناء ، هتقعدي معاهم فتره صغيره أكون أنا جهزت للفرح !”
عقدت حاجبيها مستفسرة بعدم فهم :” فرح .. فرح أيه و مين !”
مد يده ليمسكها من خدها بطريقه طفوليه قائلاً بمزاح :” فرحي أنا و أنتِ يا كتكوته .. أنا مش ناسي لمَ قولتيلي نفسك تعملي فرح !”
أبتسمت بهدوء و هي تنظر أرضاً ، ثم تساءلت بـ :” أنت قولت آلاء و رباب و حسناء مستنييني ، أومال عمي حسن فين !”
زفر بحزن و أجابها بهدوء قائلاً :” تعيشي أنتِ .. الله يرحمه ”
أغمضت عينيها بحزن قائلة بهدوء :” ربنا يرحمه ”
أمسكها من يدها متوجهاً بها إلي خارج الغرفة قائلاً بابتسامة :” دلوقت يلا بينا من هنا .. أنا عايز الأسبوع ده يعدي بسرعه .. علشان نتجوز أنا و أنتِ بقي لأني زهقت ”
” زهقت مني بسرعه كده !؟”
قالتها بحزن مزيف ، بينما توقف هو و نظر إليها قائلاً بابتسامة :” لا يا حياتي .. زهقت من غيرك ، عاوزك في حـ,ـضني النهارده قبل بكره .. لا النهارده أيه ، ده أنا عاوزك دلوقت كمان !”
أحمرت وجنتيها و هي تنظر أرضاً بابتسامة قائلة بخفوت :” بطل بقي يا عامر ”
أبتسم بعذوب ، ثم مد يده ليمسك ذقنها و رفع وجهه ناحيته لينظر إلي عينيها اللتان سحرتاه قائلاً بعشق :” يا أجمل قلب أنا حبيته .. من كل الدنيا أنا اتمنيته .. سنين عمري و أنا جنبك و قدام عينيك .. هي لحظه عدت و أما ماسك أيديك ”
ضحكت و هي تنظر إليه هاتفه بمزاح :” أيه ده .. أنت بقيت تقول شعر كمان !”
” و علشانك مستعد الف الكون كله من غير ما اتعب و أقول كفاية ”
ثم تابع بمزاح و هو يغمز لها :” طيب بقولك أيه .. يلا بينا من هنا بدل ما أغير رأيي و أصرف نظر عن موضوع الفرح ده .. و أتهور حالاً ”
ذُهلت من طريقة كلامه و ضربته بخفة على صدره قائلة بضيق :” لا أنت فعلاً بقيت قليل أدب أوي .. أوعي من سكتي أنا ماشية !”
و بالفعل توجهت إلي الخارج و ضحك هو بشدة على طريقتها تلك ، و توجه ليلحق بها .
…………….
بعد ما يقارب من أسبوعين ،،،
بفيلا حسن ،،
وقفت سمرا تتأمل هيئتها أمام المرآه بفستانها الأبيض البسيط و الواسع ، و حجابها الابيض الرائع الذي اعطاها جمالاً يفوق جمالها ، و زينة وجهها الهادئة التي أظهرت جمال عيونها العسلي و بشرتها السمراء الفاتنة .. و ابتسامة عذبه تزين ثغرها .
اقتربت منها رباب و احتضنتها قائلة بسعادة :” مبروك يا حبيبتي .. و ربنا يسعدك و يجعل كل أيامك اللي جاية سعادة ”
بادلتها سمرا الابتسامة هاتفة بفرحة :” ياارب يا رباب يارب .. و عبالك يا حبيبتي ”
في هذه اللحظة ، فُتح باب الغرفة لتدخل آلاء راكضه بفستانها الأبيض هي الأخرى ، و تبعتها حسناء إلي الداخل .
أرتمت آلاء بين أحضان أختها و أغمضت عيناها قائلة :” مبروك يا أحلي أخت في الدنيا ”
قبّلتها سمرا بهدوء قائله :” تسلميلي يا نور عيني .. و عبال ما أفرح بيكِ أنتِ كمان يا صغنونة !”
رفعت آلاء يديها معاً إلي أعلي هاتفه بدعاء :” يااارب يا أختى !”
ضحكوا جميعاً على طريقة آلاء ، بينما اتجهت حسناء ناحية سمرا و احتضنتها و هي تهنئها ، ثم قالت بابتسامة :” أفرحي يا سمرا .. أنتِ أتعذبتي كتير .. سافري يومين اسبوعين .. شهرين أنتِ و عامر و قضوا حياتكوا .. و ماتخافيش آلاء في عينيا من جوه .. و أنا هفضل قاعدة معاها هنا في الفيلا ”
” بس أنتِ ..”
قاطعتها بابتسامة :” بس أيه .. أنا قاعدة لوحدي أنا و مازن ابني .. أنتِ عارفه ايهاب جوزي مسافر و بيغيب بالسنين .. فامتقلقيش أنتِ ”
هزت رأسها بالموافقة و هي تبتسم ، في هذه اللحظة سمعوا صوت طرقات على باب الغرفة ، و فُتح ليدخل عامر ، بينما توجهت كلاً من حسناء و رباب و آلاء إلي الخارج .
وقف عامر قبالة سمرا و هو يتطلع إليها بأعين لامعة و ابتسامة عذبة تزين ثغره ، بينما كانت نفس الابتسامة تزين ثغرها هي ، و لكنها تنظر أرضاً ، فمد هو يده و رفع وجهها ناحيته قائلاً بهدوء :” أرفعي وشك و بصيلي .. عاوز أشوف ابتسامتك الجميلة دي .”
نظرت إليه بأعين تتراقص بهما الفرحة ، و ظل هو يتأمل ملامحها الفاتنة ، ثم ثبت نظره علي شفتيها اللتان كانتا يرتعشان بوضوح ، فمال بشفتيه ليقبّلها بشغف ، و ما هي إلا لحظات حتي أبتعد عنها ، و أمسك وجهها بين كفيه قائلاً من بين انفاسه اللاهثة :” لازم تعرفي إني بعشقك .. و بمـ,ـوت فيكِ .. أنتِ كل دنيتي !”
أصبحتا وجنتيها كثمرتي من الطماطم شديدتي الاحمرار ، فأبتسم هو على هيئتها و مد يده ليخفي تلك الخصلة الصغيرة التي كانت ظاهره من حجابها قائلاً :” شعرك ماحدش يشوفه غيري .. ماشي !”
ابتسمت و هي تحرك رأسها بالموافقة قائلة بخفوت شديد :” أنا بحبك أوي ”
أبتسم قائلاً :” الله .. جميله أوي و هي طالعة من شفايفك !”
ثم قبّلها علي جبينها و أمسك ذراعها ليجعلها تتأبط به و أتجه إلي خارج الغرفة ، و من ثم إلي الحديقة حيث الزفاف و المدعوين .
………….
وصلا إلي الحديقة و تعالت أصوات التصفيق و الصفير .. حيث كان يوجد ناس كثيره ، من زملاءه بالعمل و أصدقاءه و بعض من جيران سمرا الذي كانوا سعداء بشده لها و تمنوا لها حياة سعيدة .. و بدأ الجميع بالتوجه ناحيتهم لتهنئتهم .
أطُفأت الإضاءة الشديدة .. لتشتعل إضاءة خافتة بشدة ، و أمسك عامر يد سمرا و توجه بها إلى منتصف الحديقة حيث المكان المخصص للرقص ، و لف أحد ذراعيه حول خصرها و باليد الأخرى أمسك كفها .. و بدأت أحدي الأغاني الرومانسية و الهادئة ليتمايل كلاهما علي إيقاعها ليرددها عامر و هو ينظر إليها بعشق ..
و سرح كلاهما بعالم .. عالم لا يوجد به سواهم .. كلاهما فقط .
………………
كانت نجلاء بالحفل ، تنظر إليهم بحزن .. كم تمنت أن تكون هي من بأحضان عامر لتشاركه تلك السعادة ، فخانتها عبراتها لتسقط على وجنتها .
لمحها جلال فتوجه ناحيتها و وضع كفه على كتفها قائلاً بهدوء :” ربنا يسعدك و يبعتلك ابن الحلال اللي يسعدك .. عامر عمره ما كان من نصيبك .. لأنه لو كان ليكِ مهما حصل كان هيكون معاكِ ”
هزت رأسها إلي أعلي و أسفل قائلة بحزن :” ربنا يسعده ”
أبتسم جلال قائلاً :” و يسعدك و يرزقك بابن الحلال ”
……………….
بعد مرور ما يقارب من ست سنوات ..
بأحدي المنتزهات ،،،
جلس عامر قبالة سمرا يتأملها و هي ترص الأطباق علي الأرضية النجيلية الجالسين عليها .
رفعت وجهها ناحيته لتجده محدقاً بها ، فعقدت حاجبيها قائلة :” بتبصلي كده ليه بقي !؟”
ضحك قائلاً بمزاح :” أصل شكلك حلو أوي و أنتِ شبه البلونة كده !”
غضبت منه ، فالتقطت تفاحة من الطبق و ألقتها عليه ، أطلق هو تأوهاً مزيف ، ثم ألتقطها ليمسكها بيده قائلاً بمزاح :” أيدك بقيت طويلة أوي عليا علي فكره ”
رفعت احدي حاجبيها و عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة :” أيه هتعمل أيه يعني .. تقدر تضربني مثلاً !”
ضحك بشدة علي طريقتها الطفولية تلك ، و ألقي جسده للخلف لينام علي النجيل و وضع أحد ذراعيه أسفل رأسه و بالأخرى ممسكاً بالتفاحة و قضم منها جزء قائلاً بمزاح :” لا طبعاً و أنا أقدر .. حتي عشان أدم اللي في بطنك .. بتتحامي بيه أنتِ مش كده !”
ضحكت معلقه :” فيه مانع يعني .. اه أتحامي فيه مش ابني !”
أستند بذراعه على الأرض قائلاً :” تعملي حسابك تبطلي تجيلي المطعم لحد ما تولدي ، مش كل شويه ألاقيكِ جايالي تقولي زهقانة ، و أضطر أسيب الشغل و أخدك أفسحك أنتِ و العيال ”
” أيه اللي أخدك أفسحك أنتِ و العيال دي .. بتصدق علينا مثلاً .. و لا تزعل نفسك أنا أتصل برباب و ننزل سوا !”
قالتها سمرا مدعيه الحزن ، بينما نهض عامر جالساً على الأرضية ، و مد يديه ليمسك كفيها و رفعهما ناحية فمه ليقبلهما بهدوء قائلاً :” يا حياتي أنا لو عندي شغل الدنيا كلها ، أسيبه علشانك ، و الحمد لله المطعم اللي فتحته شغال حلو و الحمد لله إني من ساعة الموضوع إياه و إني أتفصلت مارجعتش لشغل الشرطة ده من تاني .. خلينا نعيش حياه هاديه سوا ، أنا و أنتِ و آلاء و طمطم و أدم لمَ يشرف بالسلامة ”
ابتسمت هي و أمسكت و رفعت كفه المُمسك بيده و قبّلته معلقة بابتسامة :” و مريم بنتك .. أنت عارف مريم بتحب فاطمة أختها قد أيه ، و بتفرح بالأسبوعين اللي بتيجي تقضيهم معانا .. بلاش تحسسها إنك مضايق من والدتها علسان ماتزعلش هي !”
” أنا اللي مضايقني من نورهان ، إنها مش عايزه تخلي مريم تشوفني خالص ”
علقت بابتسامة :” مش هتقدر .. أنت أبوها و ده حقك ، و كمان مريم عايزاك .. ربنا يخليك لينا يا حبيبي ”
بادلها الابتسام قائلاً بعذوب :” و يخليكِ ليَ يا حياتي .”
بتلك اللحظة حضرت فتاه بحدود ثمانِ عشر عام و فتاه في التاسعة من عمرها برفقة تلك الصغيرة بالخامسة من عمرها ذات العيون البنية الواسعة و البشرة السمراء النضرة ، و جلسوا جميعاً إلي رفقة عامر و سمرا و شرعوا بتناول الطعام ، فتحدثت الصغيرة ذات التسع سنوات موجهه حديثها إلي عامر :” بابي أتصل بمامي و قولها إني عايزة أقعد أسبوع تاني مع آلاء و فاطمه هنا ”
أبتسم عامر قائلاً :” حاضر يا قلب بابي من عينيا ”
ثم وجه حديثه إلي تلك الفتاه ذات الثمان عشر عام قائلاً :” جبتيلهم اللي عايزينه يا آلاء !؟”
ابتسمت و هي تحرك رأسها بالإيجاب قائلة :” اه يا ابيه .. بس طمطم كانت عايزة غزل البنات أقنعتها بالعافية بعد الغدا ”
رفعت سمرا وجهها لتنظر إلي آلاء قائلة :” آلاء شدي حيلك يا حبيبتي أنتِ ثانويه عامه و أنا عايزة مجموع عالي ، و لو الفسح دي هتأثر عليكِ بلاش منها ”
” حاضر يا سمرا إن شاء الله .. أنا ماشية تمام لحد دلوقت ماتشيليش هم يا اختى ”
” أيوه كده يا حبيبة أختك ”
قالتها سمرا بابتسامة ، ثم أمسكت طبق و مدته يدها ناحية مريم قائلة :” خدي يا مريومتي المكرونة اللي بتحبيها عملهالك مخصوص ”
ابتسمت مريم و هي تأخذ الطبق منها قائلة بامتنان :” شكراً يا طنط سمرا .. أنا بعشق المكرونة دي من أيدك .”
رفعت الصغيرة فاطمة وجهها ناحية والدتها هاتفة بحزن طفولي :” أنتِ يا مامي أتتيهم كلهم أكل و أنا نسيتيني ”
احتضنتها سمرا بشدة قائلة و هي تقبل وجنتها :” و أنا أقدر برضه أنسي طمطم حياتي !”
ابتعدت الصغيرة عنها و رفعت كفها الصغير لتمسح وجنتها قائلة بحزن :” لا أنتِ نسيتيني .. و أنا سحلانة منك .. و مسحت البوثة تاعتك أهو ”
ضحك الجميع على طريقة الصغيره ، بينما رفعها عامر ليجلسها إلي جواره و قبّلها قائلاً :” أنا هأكلك بنفسي يا نور عيني !”
و قضوا وقتاً ممتعاً معاً ، و الصغيره تركض حولهم حيناً و تجلس إلي جوارهم حيناً أخر .
ألتفت عامر إلى جواره و لم يجد الصغيرة ، فوقف و ألتفت حوله قائلاً بصدمه :” فاطمه راحت فين !؟”
وقف سمرا هاتفة بقلق :” راحت فين .. دي كانت لسه بتلعب حوالينا هنا !”
و بدأوا جميعاً بالبحث عنها في كل مكان .
…………….
بمكان أخر بالحديقة ،،،
كانت الصغيرة تقف إلى جوار عربة الحلوى تحاول الشراء و لكن لصغرها لم يراها البائع ، فابتعدت لتقف حزينة و هي عاقده ذراعيها أمام صدرها ، و فجاءه وجدت رجل ضخم البنيه مال بجسده ليكون في مستواها و وضعه كفه علي كتفها قائلاً بابتسامه :” العسل زعلان ليه كده !؟”
أشارت نحو العربة قائلة بحزن طفولي :” حايزة غسل البنات و الياجل مس سايفني !”
ضحك علي طريقتها و حروفها الضائعة ، ثم وقف و أمسك كفها الصغير قائلاً :” طيب تعالي معايا يا طمطم و أنا أجيبلك !”
وضعت كفها علي فمها قائله بذهول :” أنت تعرف اسمي !”
” اه أعرف اسمك .. و أعرف مامتك و باباكِ كمان .. يلا بينا نشتري غزل البنات !”
ابتسمت هاتفة :” طيب أنت اسمك ايه يا عمو !”
صمت للحظات قبل أن تلمع عيناه بالعبرات قائلاً بابتسامة :” أنا ابقي شاهر ”
أمسكت كفه بكفها الرقيق ، و سحبته ليتحرك هاتفه بمرح :” طيب يلا يا عمر نستري غسل البنات ”
ابتسم و تحرك معها متوجهين ناحية العربة
………..
جلست سمرا على أحدي المقاعد الخشبية و هي تبكي هاتفة :” مش لاقيناها يا عامر .. أكيد البنت تاهت !”
” أهدي بس يا سمرا .. و أنا هدور عليها تاني ”
نظرت إليه بدموع قائله :” أحنا قلبنا المكان عليها و مش موجوده .. اااه يا بنتي … اااه ، أنا عايزة بنتي يا عامر .. هاتلي بنتي !”
كان عامر على وشك التكلم حتى تفاجأ بالصغيرة قادمة بمفردها و معها غزل البنات ، فركضوا جميعاً ناحيتها و احتضنتها سمرا و ظلت تقبّلها و العبرات تنساب على وجنتيها ، بينما تسأل عامر قائلاً بقلق و غضب :” كنتِ فين يا فاطمه روحتي فين !؟”
نظرت إليهم ببراءة و هي تتناول الحلوى هاتفه :” كنت ايزه غسل البنات و عمو جابلي ”
عقد عامر حاجبيه متسائلاً :” عمو مين اللي جابلك !”
نظرت إلي الخلف و هي تشير إلي مكان ما بسبابتها الصغيرة هاتفه :” عمو ساهر ”
صُدم عامر مما تقوله الفتاة ، بينما وقفت سمرا مذهولة من مجرد ذكر الاسم و همست بعدم تصديق و خفوت :” شـ.. شاهر !”
و نظر كلاً من عامر و سمرا إلي حيث أشارت الصغيرة ، و لكن لا يوجد أحد .. فتبادلوا النظرات المتسائلة و المصدومة و الغير مستوعبة بتاتاً أن يكون هو .. ذلك الذي تقصده الصغيرة !
……………
كان واقفاً بعيداً مختفي عن أنظارهم .. ينظر إليهم بابتسامة حسره ، و أغمض عينيه بآسي لتخونه عبره و تسقط حارقه وجنته ، فرفع كفه بهدوء ليجففها ، و ألتف مغادراً المكان بأكمله ، ليركب السيارة، المتواجدة أمام الحديقة ، فألتفت إليه السائق متسائلاً بهدوء :” علي فين يا حازم باشا ”
زفر بهدوء قائلاً بثبات :” أطلع علي المطار .. طيارتي قربت !”
هز رأسه إلى أعلى و أسفل قائلاً بهدوء :” تحت امرك يا باش ”
و ادار المفتاح لينطلق بالسيارة متوجهاً إلي المطار !
تمت بحمد الله.
للكاتبة / اسراء عبداللطيف.