
وصلا إلى المشفة فأنزلوه بالفراش و ركضوا به إلى غرفة الطوارىء، ترجتهم أن تدخل معه لكن أحدهم هدر في وجهها:
– مينفعش طبعًا يا مدام، لو سمحتِ إستني هنا!!!
أغلق الباب في وجهها فـ لم تعُد قدميها تُحملها، لتسقُط على الأرضية الباردة جوار المقاعد المتراصة، تبكي بقهرٍ تبحث عن هاتفها لا تعلم تُحادث من، وجدتُه لتهاتف دُنيا تخبرها بـ أنفاس متقطعة:
– دنيا .. فريد .. فريد عمل حادثة يا دنيا!!!
شهقت الأخير تقول مصدومة:
– يا نهار أزرق، إنتِ فين طيب؟!
– في .. في مُستشفى الحياة .. حاسة إن قلبي هيُقف!!!
قالت دُنيا مُسرعة:
– طب أنا هجيب جوزي و جاية يا حبيبتي مسافة السكة!!!
أغلقت نور مع و ظلت على حالها تبكي، حتى مرت ساعة لتجد دُنيا تأتي راكضة في الرواق و زوجها خلفها، شهقت فورما رأت حالها فـ مالت عليها تسندها حتى تنهض قائلة بحزُن:
– يا حبيبتي .. قومي .. قاعدة على الأرض يا نور!!!
أجلستها على المقعد و جلست جوارها فإنهارت الأخرى في أحضانها تشدد على ثيابها تقول بحُرقة:
– العربية إتقلبت بيه، أنا السـبـب!!! أنا اللي سيبتُه و هو كان محتاجلي، أنا اللي عملت فيه و في نفسي كدا!!! آآآه يارب .. يارب أنا ماليش غيرُه، يارب متاخدهوش مني!!!
– شششش!!!
مسدت على خصلاتها و قد أدمعت عيناها تنظُر لزوجها الذي طالع نور مُشفقًا على حالتها، ثم نظر إلى زوجته التي أخذت عيناها تذرف الدموع هي الأخرى و هي تنظر له، إقترب منها و مسح فوق خصلاتها يميل عليها مُقبلًا خصلاتها هامسًا بهدوء:
– هستنى أنا برا!!
أومأت له بأعين قلقة، فـ خرج من المشفى يقف مُنفثًا دخان سيجارته، ظلت دُنيا تربت على ظهرها و تمسح فوق خصلاتها حتى نامت من شدة تعبها، فـ أخبرت إحدى الممرضات أن تجهز لها غرفة لكي تستريح بها فـ فعلت، و ساعدتها في نقلها إلى الفراش، دثرتها دُنيا بغطاء الفراش و تركتها شاردة و هي تخرج من المشفى، تضع نفسها بـ مكان صديقتها، لتشعر بقلبها يُعتصر و هي تتخيل زوجها في نفس المكان، خرجت فوجدتُه واقفًا ينظر أمامه، إلتفت لها ليحاوط وجهها بخصلاتها المفرودة مبعدًا السيجارة عنها قائلًا بحنان:
– حبيبتي كانت بتدمع ليه؟!
شهقت في بكاء مُفاجئ لتلقي بجسدها بأحضانه تقول بألم:
– للحظة بعد الشر عليك تخيلت إنك مكانُه، ده أنا ممكن يجرالي حاجه يا عز والله أمو*ت فيها!!
إبتسم يربت على ظهرها قائلًا بحنو:
– بعد الشر عليكِ يا قلب عز!!!
إبتعدت عنه تحاوط وجهه هامسة ببكاء:
– ربنا يخليك ليا يا حبيبي و يباركلي فيك .. و ميحرمنيش من وجودك أبدًا!!
إبتسم مُقبلًا باطن راحتها، مُتأملًا وجهها الذي يعشق تكوينُه!!
• • • • • •
إستفاقت نور بعد ساعاتٍ غابت بها عن واقعها، واقعها الذي يخلو منه و من صوته و كلماته، نظرت حولها تعي ما حدث، و آلت سوداوية أفكارها أنه .. مات!! و أنها في هذه الغرفة بعد أن إنهارت أعصابها من الخبر، شهقت و صرخت بإسمه و هي تنهض تخرج من الغرفة تسير في الرواق كالمجنونة تُفتش عنه في كل مكان، حتى وجدته خلف الزجاج نائم كـ جُثة هامدة، جسدُه مُصِل بأسلاكٍ ذبحت روحها، وضعت كفها فوق الزجاج تبكي بصمت و هي ترى وجهه مُلِء جروحًا، ملفوفة رأسه بـ شاش طبي، ظلت واقفة حتى إزرقّت قدميها، لتسمع صوت دنيا من خلفها تقول بخضةٍ:
– قومتي إمتى يا نور!!!
لم تُجيبها ظلت شاردة تتمتم بإسمه تمسح على الزجاج كأنها تربت عليه هو، فـ وقفت دنيا تربت فوق ظهرها مشفقة على حالها، ثم قالت بحنان:
– تعالي يا حبيبتي أقعدي ريحي رجلك!!!
نفت برأسها تغمغم بـ صوت مبحوح:
– مش هقعد غير لما أدخلُه، ده ظُلم إني أبقى قاعدة مرتاحة و هو جوا العناية كل شبر في جسمه بيوجعُه!
حزنت دُنيا علىما قالت فتنهدت و صمتت، ظلت واقفة جوارها حتى خرج الطبيب من الغرفة يزيل حبات العرق من فوق جبينه، إقتربت منه نور تسير بالكاد على قدميها التي تنملت من وقفتها، تسأله برجاء ألا يُخبرها بأمرٍ سيء:
– جوزي .. كويس؟
تنهد الطبيب وقال بأسف:
– يعني .. في رضوض عنيفة في جسمه و مُخه، هنحتاج نتأكد من إشاراته الحيوية لما يفوق بإذن الله!!!
– طب .. هيفوق إمتى؟ ينفع أدخلُه طيب؟
قالت مستندة على الزجاج، فـ قال الطبيب بهدوء:
– مش هينفع حضرتك تدخلي غير لما ننقله غرفة عادية الأول .. و مش هنقدر نحدد هيفوق إمتى للأسف..
– طيب!
تركها و ذهب فـ ترجتها دُنيا تقول:
– عشان خاطري يا نور أقعدي إرتاحي لحد ما يفوق، إنتِ مش قادرة تمشي على رجلك يا حبيبتي!!
نفت برأسها تقول بوهن:
– مش هقعد لحد ما يفوق .. و أطمن عليه!
– ليه العند ده يا نور بس!!
قالت دُنيا بيأسٍ من إقناعها، فـ لم تجيبها الأخرى، تلتفت مجددًا تتأمله و يفصل بينهما لوح زجاجي لولاه لكانت إرتمت بأحضانه، بكت و هي تنظر له بحُزن، و بعد ساعة بالضبط كانوا يقلوه من العناية إلى غرفة عادية، وضعت كفها فوق شفتيها و هي تراه يُنقل على فراش المشفى أمامها، عيناها تُتابعه حتى دلف للغرفة فـ سارت خلفُه تستند جوارها، حتى دلفت للغرفة ترى الممرضة تنزع أسلاك جسده و تضع أخرى، و دُنيا خلف نور تتابعها بخوفٍ على حالتها، وقف نور جواره، تمُد كفها الذي يرتجف إلى وجهه المخدوش .. تتحسسُه و هي تبكي، ثم صعدت إلى لُفافة الشاش تلك و خصلاته تتحسسها بحنان، تنهدت دُنيا و تركتها تخرج من الغرفة تغلق الباب عليهما، إزدردت نور ريقها، و أمسك بكفُه ترفع إلى شفتيها تُقبله و قد تساقطت دمعاتها عليه، تقول بألمٍ:
– فريد .. كفاية كدا و قوم، الساعة من غيرك سنين يا فريد، قوم عشان إنت وحشتني أوي، مش عابز تقوم ليه يا حبيبي .. هو أنا موحشتكتش؟ إنت زعلان مني صح؟ زعلان إني سيبتك لما إحتاجتني مش كدا؟ طب قوم و أنا مش هسيبك .. والله ما هسيبك تاني، أنا عاقبتك باللي عملتُه .. مترُدليش ده و تعاقبني بـ إن يجرالك حاجه، متعاقبنيش أنا عاقبت نفسي و واقفة أهو لحد ما تقوم، رجلي والله مش حاسة بيها من كُتر ما وجعاني، عشان خاطري يا فريد فتّح عينيك!!! يارب!!
فتحت كفه واضعة وجهها به تبكي عليه بحُرقةٍ، حتى سمعت تآوه خفيف شهقت مصدومة على أثرُه، فـ أبعدت كفه تنظر له بلهفة لتجد ملامحه منكمشة رُبما من الألم، جلست تلقائيًا تقول بجنونٍ:
– فريد .. فريد سامعني!!!!
حاوطت وجهه تمسح فوق خصلاته تقول و عيناها متسعة من فرحتها، فتح عيناه و أخيرًا ينظر لها، فـ أخذت تبكي ساندة رأسها على معدته و شهقات بُكائها قد تعالت أغمضت عيناه يرفع كفه بصعوبة ثم وضعها على رأسها، يربت عليها بخفةٍ، أسرعت ترفع رأسها تمسك بكفُه تُقبلها و دمعاتها أغرقته، تغمغم بـ صوتٍ باكٍ زاد ألم جسدُه وروحُه:
– حرام عليك ليه بتعمل فيا كدا!! أنا .. أنا قلبي كان هيُقف أقسم بالله كان هيجرالي حاجه!!!
حاوطت وجنتيه بكفيه تميل عليه تُقبل عيناه التي كانت تتمنى أن يظهرا عن عسليتاه، تُقبل وجنتُه و فكُه و ذقنه و تُشبعه قبلاتٍ تُشبه قبلات أُم إنفطر قلبها قلقًا على صغيرها الذي كادت أن تفقدُه أبديًا، أغمض عيناه يقسم بأن ما تفعلُه الآن أكثر تأثيرًا عليه من تلك الأسلاك الموصولة بجسده، أنهقت بلاته بأن حاوطت عنقه بقوةٍ تلصق جسدها بجسده فـ كتم أنينًا مُتألمًا من جسدُه الذي يؤلمه كل إنش به، و لم يخبرها أن تبتعد .. أو أن تخفف ذلك العناق .. كيف سيطلب منها شيء هو بالأساس لا يُريده، رفع ذراعه و حاوط خصرها بذراعٍ واحد و الثاني إكتشف أنه لا يستطيع تحريكُه، أغمض عيناه و تغاضى عن الأمر يمسح فوق خصلاتها بحنوٍ فـ دفنت وجهها في عنقُه تمسح على ظهر رقبته، ثم إبتعدت عنه تحاوط وجهها تهمس له بـ ألمٍ:
– إيه واجعك يا حبيبي؟