
فرصة أخيرة (4).
بقلم| ندى أشرف
٭٭٭★٭٭٭
عاد حسام بزوجته إلى عش الزوجية بعد فترة من العناد والتعب، ظل يهتم بها ويرعاها، قام بتحميل تطبيق خاص بالتنبيه لمواعيد الادوية الخاصة بزوجته حسب كل نوع وموعده، حتى أنه كان يستيقظ في منتصف الليل ليعطيها الدواء.. كان اهتمامه بمثابة الدواء للروح.. رد لها الشعور بالدفء والأمان والمحبة بعد أن شعرت بأنها قد فقدته كليًا.
كان نائمًا تلك الليلة من أثر التعب وضغط العمل، استيقظت ندى في موعد الدواء ولم يستيقظ هو.. ظلت تتأمل ملامح وجهه المتعَب وتتحسس جبهته بحنان قائلة في نفسها:
” أنا لو عشت عمري كله بحاول أردلك جميلك مش هوفيك حقك..”
كانت تشعر بتحسن كبير في حالتها الصحية والنفسية، قامت وظلت تقضي تلك الليلة على سجادة الصلاة تقيم الليل حتى الفجر وهي تدعو الله ان يجبر قلب زوجها وقلبها بالذرية الصالحة قائلة:
– اللهم اجبر قلب زوجي وقلبي جبرًا يليقُ بعظمتك،
يارب ارزقنا الذرية الصالحه، وقدرني إن أكون ليه زوجه صالحه وأردله جميله وأزيد، يارب جازيه كل خير عن مساندته ليا…
ثم أذن الفجر فقامت لتوقظه ليصلي، انتبه لها فزعًا ثم قال:
– ايه ده هيا الساعه كام؟! انا أسف ياحبيبتي راحت عليا نومة ومصحتش في معاد العلاج..
أجابت وهي تضحك:
– مالك بس في إيه انا صحيت عادي مايجراش حاجه وبعدين بقى خلاص معدتش تصحيني تاني أنا بقيت كويسة وهوقف العلاج..
تنهد براحه قائلاً:
– طيب مش لازم نعمل استشارة الأول!
أجابت:
– أنا كلمت الدكتورة اللي بتابع معاها على الواتس ووريتها التحاليل والسونار وخلاص طمنتني مش هنحتاج عملية..
أجاب مبتسمًا:
– طيب الحمد لله..
ثم احتضنها بحنان وقام ليصلي الفجر.
٭٭٭★٭٭٭
بعد مرور ساعه وجد اتصالًا أثار قلقة من صديقه خالد فأجاب بقلق:
– السلام عليكم.. خالد؟
أجاب:
– وعليكم السلام، إيه صاحي ولا أزعجتك! انا قولت اكيد قمت تصلي الفجر وزمانك صاحي.
– آه صاحي بس خير مش متعود منك على اتصال في الوقت ده، كل حاجه تمام؟
أجاب بضيق:
– لا يا صاحبي مش تمام.. أنا مانمتش من امبارح من كتر التفكير
– استهدى بالله بس وقولي بتفكر في ايه
أجاب:
– لا اله الا الله، أبويا ياسيدي مصمم ومحكم راسة لا يخليني أتجوز بنت صاحبة.
– طب وانت إيه مشكلتك؟!
أجاب بتعجب:
– إيه مشكلتي؟!.. إنت ناسي مريم؟ كل الدنيا عارفة اننا بنحب بعض وواعدها بالجواز وفعلا كنت ناويها بس مستني أظبط أموري..
يعني إيه يطلعني مش راجل ولا قد كلمتي قدامها! أنا بحبها يا حسام..
دا غير كمان البت لا شكل ولا منظر مش بالعها يا أخي هوا الجواز بالعافية!
حاول حسام أن يخفف من ضغط الحديث فمازحه قائلاً:
– قول كده بقى البت مش عجباك ياخلبوص
انما لو عجباك كنت بِعت مريم واللي جابو مريم..
تنهد خالد بتعب:
– مش عجباني ايه بس يا حسام دا أنا مش نزلالي من زور ياجدع.. هيا آه أخلاق ومحترمه وذوق بس مش قادر اتقبلها، هوا هيمشّي مصالح شغله على قفايا؟ دي حياتي أنا مش صفقة عمره هوا..
تسائل حسام بـ حِيرة:
– مش فاهم يعني ايه اللي مخليه مصمم كده!
اشمعنى البنت دي تحديدًا؟
أجاب:
– أبوها ياسيدي هوا اللي بيوردله ماتريال المصنع كلها وبيعرف ناس كبار هتسهله كل شغله وبأرخص سعر ممكن.. دا غير صفقات كتيرة أوي هتتم بينهم وبين ناس تانية هيكون هوا وسيط فيها ويقبض.. دا بغض النظر عن مصلحته الشخصية فالتعامل معاهم..
الاستاذ ده بقى لمحله بإنه يجوزني بنته، وده ماصدق عايز يضمن استمرار العلاقة بينهم يقوم يدبس الغلبان اللي عايش يحلم بمريم واليوم اللي هتبقى فيه مراته..
– طب وانت شوفتها إمتى؟
أجاب بحنق:
– ما هوا جرني من إيدي زي الطفل الصغير وروحنا نقابلهم في بيتهم عشان نتعرف على بعض..
اجاب حسام بفضول:
– لا إنت تحكيلي بالتفصيل المقابلة دي كانت إزاي وقولتوا ايه وانا هساعدك تخلع منهم..
– بص ياسيدي…
*فلاش باك*
على سفرة الغداء حيثُ يجتمع خالد بوالده حسن ووالدته ولاء وأخته ميرال..
بعد صمت دام طويلًا قطعه حسن قائلاً:
– إيه يا خالد مش ناوي تخطب بقى وتفرحنا بيك؟
ابتسم خالد ثم قال:
– ان شاء الله يا بابا قريب..
أجاب:
– طب وقريب ليه، احنا فيها.. اعمل حسابك النهاردة هنروح للعروسة نشوفها ونتفق.
توقف حسام عن الطعام وقد لمعت عيناه ظن بأن والده أعد له مفاجئة وتحدث مع والد من يعشقها قلبه واخذ منه موعد مقابلة ثم نظر لوالده وتسائل بشغف:
– مريم؟ هنروح لمريم!!
وضع أبيه الشوكة بجانب الطبق ثم سحب المنديل ومسح به فمه بهدوء وقال:
– لأ.. ريم، بنت وائل الكدواني.
تبدلت قسمات وجهة لتعبر عن الغضب بدلاً من الفرحه ونظر الى والدته يعاتبها دون أن يتحدث بشيء
فقالت:
– خالد يا حبيبي بابا أدرى بمصلحتك وانا متأكده إن ريم هتكون ليك ونعم الزوجه..
ضرب بيده على السفرة بغضب ثم قال:
– وهوا الجواز من إمتى وفيه أدرى بمصلحتي أو لأ! دي حاجه خاصة بيا أنا وأنا اللي أقرر هتجوز مين مش انتوا!
وبعدين ما انتوا عارفين بموضوع مريم وإني مصمم تكون ليا..
تنهدت والدته بحزن قائلة:
– عارفين إن والدها رفضك بدل المرة تلاتة وقفل الموضوع..
رد خالد بحنق:
– بس أنا وهيا بنحب بعض وبردو هتجوزها..
قام والده غاضبًا فقال:
– إسمع.. أنا قولت اللي عندي، والكلام اللي بتقوله ده مايلزمنيش.. مش عايز لعب عيال وبعدين لا مريم ولا أهلها يناسبونا!
المعاد الساعه ٧ بليل ماتنساش…
قالها ثم تركهم وغادر المكان..
كتم خالد غيظه بقلبه فقالت ميرال غاضبة:
– على فكرة بقى يا ماما اللي بيحصل ده مش فير خالص، هوا من حقه يختار بنفسه مين اللي يكمل معاها حياته!
الجو ده إنتهى من زمان لو مش واخدين بالكوا يعني..
ردت غاضبة:
– بنت انتِ خليكِ في حالك وماتتدخليش.
أجابت بعناد:
– الله! مش أخويا، وتهمني راحته..
– مش هتهمك أكتر من باباه ويلا اتفضلي ساعديني خلينا نشيل الأطباق.
كان خالد يفكر بمجاراة والده حتى يتخلص من موعد المقابلة ثم يحاول إقناعه بعدم الزواج منها رغمًا عنه..
٭٭٭
مرت الساعات وهو يفكر في الأمر وكيف سيتخلص من هذه الزيجه حتى دقت السابعة فكان في أتم استعداد لتلك المقابلة..
ارتدى أشيك بدلة في خزانة ملابسة والساعه الغالية ذات الماركة المميزة والجزمة وأخيرًا قام بتصفيف شعره بطريقة جذابة ثم وضع أفخم أنواع العطور وغادر الى وجهته بصحبة والده ووالدته وأخته ميرال…
دلفوا الى منزل صديق والدهم كان هادئ، مُرتب، مزين، رائحته لطيفة تهدئ الأعصاب.. استقبلهم والدها بابتسامة الى غرفة الضيوف في حين أن دقات قلب خالد في تزايد مستمر وهو يردد:
” ربنا يستر ويعدي الليلة دي على خير”..
اجتمعوا يتحدثوا بشتى الأمور المختلفة حتى دلفت إليهم ريم بصحبة والدتها..
كانت خجولة لدرجه واضحه على حركتها، مدت يدها تسلم على والدته وأخته ثم أشارت له ولوالده عن بعد وهي تلقي عليهم السلام، رمقها والدها نظرة غاضبة فقد كَرِه منها هذا التصرف، فهو في عالمهم لا يناسب قواعد الاتيكيت!
جلست في إحدى الكراسي المقابلة لخالد وهي تتحاشى النظر الى والدها الغاضب..
نظر لها خالد متفحصًا ليجد فتاة سمراء ذات عيون عسلية واسعة ونحيلة، شعر وكأنها منطفية وماتت بعينيها الحياه، حتى أنها لا تبتسم!
غض بصره عنها وهو يشعر بالضيق..
قرروا فجأة تركهم لبضع دقائق يتحدثوا..
وخلى المكان إلا من خالد وريم.. كان لا يود التحدث بأي شيء وظل صامتًا ثم تحدث أخيرًا لحفظ ماء الوجه قائلاً:
– ازيك يا آنسة ريم؟
أجابت بخجل وهي تخفض بصرها للأسفل:
– الحمد لله بخير، إزي حضرتك؟
اجاب بتعجب وسخرية:
– حضرتي؟ اممم لا أنا مش حضرتي خالص إسمي خالد..
ظلت صامتة تتحاشى النظر إليه خوفًا من أن تُفتن به ولا يكن من نصيبها، كانت تلمح بعض التفاصيل الجميلة والعطر الجذاب والأناقة المتكاملة فيزداد خوفها على قلبها.
فقال متسائلاً:
– قوليلي بقى.. مواصفات الشخص اللي بتتمنيه إيه؟
أجابت:
– يكون راجل..
تسائل بتعجب:
– طب ما هوا أكيد راجل، وأكيد في صفات معينه بتفكري فيها؟
لم يتسائل لأنه مهتم، لكنه يستائل لكي يوصل لها فكرة أنه لا بناسبها بتقريره عكس ما ستقول..
فقالت:
– يعني آه في تفاصيل صغيرة كده، مش عايزاه يكون علاقته بربنا وحشة، مش عايزاه بيشرب سجاير ولا عصبي ولا بخيل.. عايزاه حنون وجدع ومحترم وكل الناس بتحبه، لإن حب الناس أكبر دليل على إن الانسان ده صالح..
أجاب مبتسمًا:
– تخيلي كل اللي قولتيه ده صعب جدًا؟
تعجبت فرفعت بصرها إليه لتقع في غرام عينيه عن دون قصد، تأملت قسمات وجهه الجميلة ولحيته المتوسطة وعيناه ذات الرمش الكثيف ولون القهوة الفاتح.. ثم هتفت قائلة بهدوء:
– صعب جدًا إزاي مش فاهمة
اجاب ببساطة مصطنعه:
– يعني مثلاً.. انا بقطع فالصلاة ومش منتظم فيها ومش حافظ من القرآن غير جزئين ومشاغلي بتخليني نادرًا لو فتحته اقرأ فيه ومش بتيجي فرصة قدامي أطلع صدقات نهائيًا يعني اللي بيحتاجه الجامع البيت أولى بيه.. بجيب السجاير بصراحه لإني مقدرش ما اشربش على الأقل علبة في اليوم، اه وموضوع العصبية ده اتطمني من ناحيته خالص لاني ممكن أكسر كل حاجه حواليا بس مش بتوصل للضرب، مش هضربك من عصبيتي متخافيش متوصلش للدرجة يعني..
كان يتحدث كذبًا في كل حرف وهو يراقب قسمات وجهها وكيف تعبر عن ما تسمع، حتى أنه قرأ خيبة الأمل في عينيها..
رفعت وجهها بقوة ثم قالت:
– جميل..
تسائل بتعجب:
– هوا إيه اللي جميل مش فاهم؟
– صراحتك.. فيك ميزة أهي.!
قبل أن يجيب قطع حديثهم دخول أفراد الأسرتين والبهجة تملئ قلوبهم فاكتفى بأن يرمقها بنظرة نارية فهمتها جيدًا..
تسائل والده:
– إيه الأخبار ياولاد.. ايه رأيكم؟
قالت بهدوء:
– هصلي استخارة وأرد على حضرتك..
ثم قالت بهدوء:
– أبشر.
فلم يسمعها سواه ولم يفهم مقصدها من هذه الكلمة..
انتهت المقابلة على وعد بتكرارها إذا حصلوا على الموافقة من كلتا الطرفين.
٭٭٭★٭٭٭
خالد:
– بس ياسيدي دا اللي حصل بالتفصيل الممل..
أجاب حسام:
– دي شكلها مش ساهلة خالص.. بس عجبتني انت في كمية الكدب اللي قولتها دي، هوا انت بتسيب فرض؟ ولا عمر السجاير دخلت بقك؟ بقى إنت عصبي يامؤمن! ياجدع دا أنت ماشوفتش أبرد منك.. لأ وعجبتني اللي بيحتاجة الجامع البيت أولى بيه دي.. بخيل وكده.
ثم ضحك بسخرية..
أجاب خالد بضيق:
– الله! أمال أفلت منها إزاي بس وانا مش حابب أكسر خاطرها وأظلمها معايا!!
حسام:
– على العموم أنا هقفل معاك دلوقتي أجهز للشغل واستنى مني رد لمشكلتك دي.
– خلاص وانا كمان هقوم اعملي كباية قهوة عشان اقدر أكمل وأجهز للشغل، يلا سلام.
أجاب:
– سلام.
٭٭٭★٭٭٭
#فرصة_أخيرة
بقلم| ندى أشرف
يتبع 🤗🖤