
مُنذ اربعه أيام وهي كل يوم تخلق أعذار لأخيها بأن الحج ناجي قد اعطاها اجازه لأسبوعا واخبارها ان راتبها ستحصل عليه بالكامل .. ليقف محمود بقربها : مش كفايه قعاد في البيت كده ، ومروحتيش الصيدليه ليه اللي صاحبتك جبتلك شغل فيها
لتتذكر امر ذلك العمل : نسيت يامحمود ، موت ماما نساني وكمان الصيدليه في قريه تانيه غير قريتنا واسمع ان فيها شباب مش كويسه
ليتأملها محمود ساخرا : هي ديه خلقه حد يبوصلها ..ابقي شوفي شُغل الصيدليه يافالحه لان انا محتاج فلوس عشان هتجوز وعايز ادخل جمعيه
فتُطالعه هي بصدمه : هتتجوز
لينظر اليها بتأفف : ومالك كده زعلانه ، اه ياختي هتجوز .. وتابع حديثه : اومال هفضل عازب طول حياتي عشانك .. وقومي اعملي بلقمتك متنسيش ان ابوكي الله يرحمه كاتب البيت بأسمي
يعني تشتغلي وتدفعي ايجار لعيشتك هنا ..
فتأملته بصمت وعاد لحديثه ثانية وهو يتذكر شيئاً : النهارده زين باشا واياد المنصوري معزومين عند الحج ناجي .. قومي يلا روحي ساعديهم وجبلنا أكل من هناك
واخذ يُلامس بطنه المُسطحه : لحسن الواحد معدته باظت من اكل الفول والطماطم
فنظرت اليه برجاء : ارجوك يامحمود انا مش عايزه اروح هناك تاني
لتلمع عيناه بشك : لاء بقي ده الموضوع في آنه .. وانا مش طرطور .. وجذبها من خصلات شعرها وصرخ بها : احكي عملتي ايه ياوش الفقر
فتخفض رأسها ارضا قائله : ست زينب طردتني
………………………………………………………..
وقف يتأمل الطعام الذي يُعد بجوع .. حتي دلف من ذلك الباب الخلفي للمطبخ : فين ست زينب ياأم صابر
لتُطالعها تلك السيده التي بعمر والدته وكانت رفيقتها لسنين في هذا البيت قبل ان يُصيبها المرض لعامين قائله بكرهه لذلك الشاب العاق الذي تتحدث عنه القريه بأكملها : ست زينب مش فاضيه ، ما انت شايف كلنا مشغولين للعزومه
ليتأفف محمود من حديث تلك السيده ناظراً اليها بغضب وتأمل تلك الفتاه التي تقف وتتأمله بأنبهار .. فرغم سواد قلبه الا انه يحمل وجهاً حسناً .. ليغمز لها بعينيه قبل أن يُغادر المكان وهو يعلم بأن سبب طرد اخته سوف يعلمه من تلك الخادمه الصغيره
لتمسح نعمه أيديها بعبائتها : هطلع اشوف حاجه في الجنينه ياخالتي
لتُطالعها تلك السيده بشك : اوعي تتأخري سامعه يامقصوفة الرقبه .. مش ناقصين كلام من ست زينب
فأخذت تُحرك الفتاه رأسها ، وركضت مُسرعه من نفس ذلك الباب الذي غادر هو منه .. فهذا الباب الخلفي هو باب مُعد للخدم
ووقفت تلتف حولها ،حتي وجدته يجذبها من خصرها : اسمك ايه ياحلوه
ولمعت عين نعمه بأنبهار : خدامتك نعمه ياسيدي
ليتركها محمود وهو يُهندم من لياقة قميصه الباليه ويُعيد علي مسمعه كلمة ” سيدي ” ووقف للحظات يتخيل لو اصبح مالكاً لمثل هذا البيت يوماً
الي ان أفاق من شروده علي لسعه من تلك الحشره التي تُسمي “بالبعوضه” قائلا بتأفف : بقولك ايه يانعمه
هي ليلي اختي اتطردت ليه من الشغل
فنظرت اليه نعمه بلمعان : انت اخوي ليلي
ليُدرك محمود أخيراً انه يُحادث فتاه بلهاء وتابع حديثه : ايوه .. ها قوليلي
وتبدء هي بقص عليه كل ماحدث ، ولمعت عيناه بغضب :ليلي اختي علي علاقه ب ياسين بيه
وركض سريعا كما جاء وهو يتوعد لها بالشر ، تاركاً خلفه تلك الهائمه فيه.. ترسم به فارس احلامها ولا تعلم بأنه ليس الا كابوس احلام
………………………………………………………
الصوره فوتوشوب
تلك العباره لا ننطقها علي ألسنتنا الا عندما ننخدع في الأشخاص … لتكشف لنا الأيام مفاجأتها .. فتخبرنا بأن الممثل والمخرج ليس الا عبقريا
وقف حاتم يُتابع رجاله وهم يقدمون بعض المُساعدات لهؤلاء النساء اللاتي تنتظرن بعض الاغراض من أجل تجهيز بناتهن
لتُطالعه أعين تلك النسوه وهم يتمنون لو أن بناتهم يحظون بمثل ذلك الرجل .. لتخبرهم الحياه حقيقة
“بأن الملك لا يتزوج سوا من ملكه واميره .. وان قصص الكرتون ليست الا خيالا يصنعه العقل حينما يُريد أن يحلم بحياة ورديه”
ليسمع حاتم هذه الهمسات ، ورغبته في أصطياد فريسة له اليوم تزداد ، فتلمع عيناه التي يُداريها خلف تلك النظاره السوداء .. وأقتربت منه أحدي السيدات وبيدها أبنتها : ربنا يخليك ياحاتم بيه ، لولا مُساعده حضرتك لينا مكناش عرفنا نجهز بناتنا .. وتابعت حديثها وهي تُطالع النسوه اللاتي ينتظرن دورهم : والله احنا مكناش مصدقين ان نصيب حارتنا السنادي هيقع تحت أيدك . انت متعرفش كل الحواري اللي حوالينا بتتكلم عن خير حضرتك ازاي
فيستمع لثرثرة هذه المرأه بأعين شاردة في تلك الفتاه ، حتي عادت السيده لثرثرتها : ديه بنتي أميمه يابيه واحنا لينا عندك طلب
لتلمع عين حاتم وهو يُركز في ملامح تلك الصغيره التي لم تتجاوز العشرون عاماً : انتي تؤمري
فتزداد سعاده تلك المرأه وهي تتأمل ابنتها بعينيها : عايزاك تشوف ليها شغلانه يابيه في المصنع بتاع الملابس اللي هنا
مش هو تبعك برضوه يابيه
ليتطلع حاتم الي وجه تلك الفتاه ، ويبتسم بخبث : خليها تجيلي المصنع بكره .. واقترب بجسده نحوها وهو يهمس لها : اوعي تتأخري ياحلوه ، لاحسن انا يومين ومسافر
………………………………………………………….
اخذت تصرخ بفزع ، وهي تراه يخلع عن بنطاله حزامه الجلدي .. لتنطق بصعوبه : حرام عليك يامحمود ، جسمي مبقاش فيه مكان لضربك .. والله العظيم مظلومه
ياسين بيه ديما بيساعدني وبصعب عليه
ليقترب منها محمود وعلامات الشر تظهر من عينيه ورفع بحزامه عاليا ليسقطه علي جسدها : انا أختي علي اخر الزمن تستغفلني
وظل يُكيل لها الضربات .. فأنحنت برأسها علي أرضيه تلك الحجره التي كانت تجمعها بوالدتها : والله مظلومه يامحمود ، والله مظلومه .. لو كنت عايزه اعمل حاجه حرام كنت عملتها من زمان بدل الذل اللي أنا فيه
ونطقت بكلماتها الاخيره حتي وجدته يسحب ذراعيها : يلا أطلعي روحي للست زينب بوسي رجليها وتأسفيلها … يمكن ترضي عنك وترضي ترجعك الشغل
فنظرت اليه بصدمه وهي تُطالعه غير مُصدقه بأن أخيها سيجعلها تعود الي ذلك البيت الذي طُردت منه واتهمها أصحابه بقلة أصلها .. ظنين فيها بأنها ترمي شباكها علي أبنهم .. فحتي الحج ناجي الذي كان يقف دوما معها ويُساعدها قد صدق ابنة أخيه وأفترائها عليها .. وحتي ياسين الذي كانت تعتبره رجلا خلوقاً وقف يُتابع كل شئ بصمت دون أن يُدافع عنها ويخبرهم بأن لا شئ بينهم .. فكيف يكون بينهم شئ وهي لا ترفع وجهها بأعين اي رجلا ..
ليُلقيها محمود خارج المنزل صائحاً : يلا روحي بيت الحج ناجي أستسمحيهم ، ان شالله يشغلوكي في المزرعه
وصفع الباب خلفها ، لتنظر حولها وهي حامدة الله بأن بيتهم يقع علي أطراف القريه ولا يسكن فيها الا اربعة بيوتا علي أبعاد مُتفرقه
ونهضت وهي تشعر بالوجع في كل انحاء جسدها ، وأحكمت من لف حجابها وهي تهمس داخلها : هتعملي ايه ياليلي
**********
وسقطت الأقنعة (الفصل الخامس)
كانت أصوات ضحكاتهم تعلو ، بعدما أنتهي ذلك العشاء
الي ان اصطحبهم الحاج ناجي لحجرة كبار الضيوف .. ليأمر أبنه بجلب القهوه : القهوه ياياسن يابني
فيُغادر ياسين المكان وهو يُفكر في ذلك الأمر الذي سيخبر به والده .. فهو لن يستطيع أن يترك ليلي فهو حقا أحبها وليست نزوه بحياته .. فلو كان من قبل يظن أنها مُجرد رغبه ، ولكن بعدما أبتعدت عنه هذه الايام أدرك بأنه ليس الا حباً خفياً قد أظهره قلبه حينما أدرك الضياع
ليعلو صوت الحج ناجي : سمعت أنك جيت المزرعه وقاعد فيها الايام ديه ياأياد ياابني
ليبتسم أياد لعدم وجود شيئاً يُخفي في تلك القريه التي تعد موطن جدوده : قولت أجي أرتاح من الشغل شويه
وطالع زين الذي ينفث دخان سيجارته بجمود : بس انت ايه رأيك في المشروع اللي بيتكلم عنه الحج ناجي يازين
لينتبه زين لحديثم قائلا بأرهاق : شايف انه مشروع كويس ، بس برضوه لازم ندرسه كويس .. هخلي المُحامي بتاعي يتابع معاكم
ونهض من مقعده قائلا بأعتذار : شكراً لأستضافتك ياحاج ناجي
ليقف ناجي سريعاً : انت لحقت يازين ياأبني
فيبتسم زين بود : المرات جيه كتير ياحج
ويضع ياسين القهوه وهو لا يفهم شئ ،ووجد زين يُغادر المكان بوقاره المُعتاد .. فتسأل : هو زين بيه راح فين
فطالعه والده بتنهد : وراه شغل يابني ، ربنا يعينه
وكاد ان يُتابع حديثه فوجد أياد يضع بفنجان قهوته التي أرتشف منها القليل قائلا بأعتذار هو الأخر : وانا أستأذن كمان ياحج ، واكيد مستني زيارتكم ليا في المزرعه
………………………………………………..
أخذ يتسأل سائقه بأحترام : هي عزومه الحج ناجي معجبتش حضرتك يازين بيه
ليفيق من شروده : انت بتقول حاجه ياسيد
فيبتسم سيد من خلف المرآه لسيده : بسأل حضرتك العزومه معجبتكش
ليتنهد زين بشرود : سوق ياسيد وانت ساكت ،خلينا نلحق نوصل القاهره
……………………………………………………
ظلت واقفه لقرابة ساعه تتأمل عتاقة ذلك البيت الذي طُردت منه بسبب ظُلم أصحابه ..وألتفت بجسدها وهي عازمه علي الا تستسمح احداً ثانية وتُهان .. وتحركت بقدميها نحو الطريق الاخر الذي يؤدي لمنزلها .. وظلت تتطلع لسود الليل بشرود الي ان وقفت بقدميها نحو احد الاشجار التي دوما ماكانت تلعب تحتها لتتذكر طفولتها ببتسامه صادقه وهي تشرد في بساطة حياتها عندما كانت طفله صغيره لتُحادث نفسها : كفايه ضعف بقي ياليلي ، اهربي من هنا خالص .. . اهربي من ضرب محمود وظلم زينب وسخرية منه منك
اهربي من الناس اللي وجعوكي من غير رحمه
……………………………………………………..
وقف ناجي بصدمه وهو يستمع الي حديث أبنه
فأخيراً قد صدق صحة ماأخبرته به أبنة اخيه .. فحتي اليوم كان يظن بأنها غيرة نساء وكي يُريح أبنه اخيه .. فكان لا بأس لديه بأن يطرد تلك الفتاه حتي لو كان يشفق عليها
ليعتدل في وقفته بثبات قائلا بتحذير: الكلام اللي سمعته منك دلوقتي يا ياسين مش عايز اسمعه تاني .. ابني انا يفكر يتجوز علي بنت عمه وكمان من خدامه
وأتكأ علي عصائته الخشبيه واخذ يُدبدب بها قائلا بحزم : عندها حق زينب تُطردها وانا اللي كانت صعبانه عليا
لينظر ياسين اليه برجاء : لاء يابابا انت ظالم ليلي ، ليلي متعرفش بمشاعري ناحيتها
واقترب منه قائلا : انا بحبها وعايزها
ليضحك ناجي بضحكه قد جعلته يُدرك بأن هدوء والده قد أنتهي .. وصمت قليلا ثم عاد لحديثه ثانية : عايزها يبقي بعيد عن بيتي ، وتنسي ان ليك اهل
والبت ديه لو منستهاش هطردها هي واخوها من القريه كلها
وانت عارفني يا ياسين ..
تصبح علي خير يابني ، وروح شوف مراتك
………………………………………………………..
اخذ يتجول في القريه بشرود وهو لا يري أمامه غير الظلام .. ووقف مصدوما وهو يُتابع تلك الواقفه بخوف من ذلك الكلب الذي يُطالعها هو ايضا بنفس الخوف
ليبتسم أياد تلقائيا ، وهو يقترب منها حتي وجدها تسقط أرضاً
فنصدم مما حدث ، وركض نحوها سريعا .. بعدما ابتعد الكلب هارباً عند رؤيته له
وانحني بجسده نحوها ليتأمل شحوب وجهها بقلق .. والكدمات التي تظهر عليه .. فحملها بخوف وهو يتأمل المكان المقطوع حوله ..فقرر اخيراً ان يأخذها الي مزرعته
………………………………………………………….
وقفت تُطالعها صديقتها بقلق… حتي نطقت هي اخيرا : ديه سكرتيرة زين بيه بتبلغني اكون في الشركه بعد ساعه
لتترك خديجه الأوراق التي بين أيديها : طب كويس ، خدي اذن من أستاذ احسان وروحي
لتتأملها حنين بخيبه : ماانتي عارفه ياخديجه ده بيتلكك ليا
فنظرت صديقتها حولها وهمست في أذنيها : انا سمعت ان النهارده في اجتماع طارئ خاص ب الشركه .. وانتي عارفه طبعا الاجتماعات ديه بتكون فين وازاي
لتبتسم حنين لحديث صديقتها قائله بتهكم: اكيد في يخت السيد أحسان ..
لتُطالعها خديجه بهمس : احنا دلوقتي نروح نستأذنلك من مدام عبير
ثم أمسكت بيدها : قومي يلا ، وانا هبقي اخلص الشغل اللي فاضل بدالك
…………………………………………………………
ظلت نظراتهم تُراقبها ، حتي استيقظت أخيراً من غفلة أمس
لتقترب منها حسنيه قائله بحنان : انتي كويسه يابنتي
لتتأملهم ليلي بخوف ، ووجدت اعينها تُتابع تلك الحجره الواسعه : انتوا مين وانا فين .. وايه اللي حصلي
لتربت حسنيه علي يديها وهي تتأمل نظرات سليم : ارتاحي يابنتي ، انتي شكلك لسا تعبانه .. ومتخافيش انتي في أمان
وتأملت يد ليلي المليئه بالجروح قائله بأشفاق : منه لله اللي عمل فيكي كده يابنتي
لتتأمل ليلي نظرات تلك السيده وهي تبتسم بوجع .. فماذا ستقول اذا رأت ظهرها وأرجلها
ليقترب سليم منها مُتسائلا : انتي اسمك ايه
ليلي
فتلمع عين سليم .. قائلا بطفوله : بابا لقاكي واقعه علي الطريق امبارح بليل وجبنالك الدكتور .. هما فين اهلك
ليسمعوا صوت أياد الجامد وهو يأمر سليم بالصمت : سليم