روايات

هويت رجل الصعيد الجزء الاول

مسكت يده قبل أن يغادر بحرج ثم قالت:-

-ممكن أخرج، عندى شغل ولازم أقابل ليلى

صمت قليلًا وهو يفكر في مرضها وخروجها وحدها فتنهد بهدوء وهو يعلم بأنها بخير ولا تعلم شيء عن مرضها أومأ لها بنعم وهو يخرج محفظة جيبه وقال بجدية:-

-ماشي بس خلى بالك من نفسك وخلى دول معاكي

نظرت إلى يده الممدودة بالنقود لها فقالت بحيرة وحرج من أخذ المال منه:-

-أنا معايا فلوس

وضع المال في يدها رغمًا عنه ثم قال بتحذير:-

-أنتِ مرتى أنا ومسئولة منى خلي فلوسك على جنب، وكلمنى لو أحتجتى حاجة او حسيتى بتعب

نظرت له ببسمة خافتة ثم قالت:-

-متقلقش أنا كويسة

غادر الغرفة لتبتسم وهى تتصلي بـ “ليلي” لكى نقابلها..

____________________

كان “نوح” جالسًا أمام “عليا” في الصالون وهى تحتضن طفلها بين ذراعيها وهو يحدق بها فقطع صمتهم يقول:-

-كنتي فاكرة أنك أكدة هتكونى هربتى ولا هعيشي بسلام كأن القاهرة هتحميكى مننا

تنحنحت “عليا” بخوف منه وهى تتذكر حديث “نادر” عنه وعن قسوته الكامنة في هدوئه ، جبروته الذي يرعب كبار العائلة رغم أنه أصغرهم وربما حجوده هذا ما جعله الأفضل لدي جدهما “حافظ الصياد”، أزدردت لعابها بخوف ثم قالت:-

-أنتوا عايزين منى أيه، انا مش عاوزة غير أنى أعيش وأربي ابنى

هز رأسه بتفاهم وهو يستمع إلى حديثها ثم قال ببرود:-

-بس ابنك دا أنا هأخده ومهتشوفهوش تانى

أتسعت عيني “عليا” على مصراعيها بصدمة قاتلة وتنظر إليه وهى تحتضن طفلها بخوف وتشد بيديها عليها وتحدثت بتلعثم وخوف:-

-أنتِ متقدرش تأخده منى أنا ممكن أسجنك وبعدين انا سيبتلك عهد عاوزين منى ايه

وقف من مكانه بغضب بعد أن ذكرت اسم زوجته ليمسكها من ذراعها بقوة وقال بغضب:-

-عهد!! اللى رميتها كبش فدية عشان تعيش حياتك هنا ومفكرتش فيها ولا للحظة

تركها وهو يسير بعيدًا عنها ثم أخبرها عن مرض “عهد” لتدمع عينيها خوفًا وحزنًا على أختها الصغيرة لكن قلبها لم يبكى أو يرتجف خوفًا بل شعر بالشفقة فقط عليها وتركت “يونس” على الأريكة ثم رفعت حاجبها مُتعجبة سبب زيارته وأن السبب “عهد” ولم يأتي لأخذها هي أو طفلها، كان من الموضوح عندما تحدث عن المرض بأنه يكاد يموت قلقًا عليها ثم سألت بنبرة هادئة:-

-وأنت جاي ليا هنا عشان عهد؟

نظر “نوح” لبرودها بعد ان أخبرها بحالة اختها وحتى دموعها لم تكن صادقة في نظره بل كانت شفقة وعطف عليها كأى شخص غريب يسمع بحالتها فقال:-

-عهد محتاجة متبرع قبل ما حالتها تسوء أكتر

رفعت حاجبها بسخرية وأجابته “عليا” وهى تعقد ذراعيها ببرود شديد قائلة:-

-وأنا المفروض مكتوب على باب شقتى أنى مركز تبرع مثلاً، ولما أتبرع مين اللى هيربي ابنى ويرعاه

مسكها “نوح” من يدها بقوة ووجهه يشتاط غضبًا من رد فعل “عليا” وكز على أسنانه بعيني تبث نار وتحدث بنبرة مرعبة:-

-التبرع أنتِ هتعمليه سواء رضيتى أو لا فأختارى تعملي بموافجتك بدل ما تدخلي أوضة العلميات مجبورة، لأن أنا مهضحيش بعهد كيف ما عملتى أنتِ، أنا ممكن أديها كبدى لكن أنا واثج أن واحدة أنانية كيفك مهترعاهاش في مرضها وأنا لازم أرعاها يبجى لازم تتبرعى ليها بكبدك

سقط الهاتف من يد “عهد” ليلتف الأثنين وصُدم “نوح” عندما رأها تقف هناك وتستمع لحديثهما فترك “عليا” وسار نحو “عهد” بقلق وهو يقول بهمس:-

-عهد أسمعينى

دمعت عينيها بخوف وأرتجفت يديها مما سمعته، أصابها حالة من الذعر والخوف فقبل قليل كانت تشعر بأنها بخير تمامًا حتى سمعت عن مرضها منه لتشعر بأن جسدها بأكمله مريض وأصابه الخمول والضعف، وضع “نوح” يده على رأسها يمسح عليها بلطف وحنان ليقول هامس بعد أن رأي خوفها:-

-متخافيش يا عهد أنتِ هتكونى زينة

أتاه صوت “عليا” من الخلف تقول بانفعال شديد:-

-بس أنا مش هتبرع بكبدي لحد

كاد أن يستدير لها بوجه غاضب تحول للأحمرار الشديد من غضبه وغيظه من هذه المرأة ولا يعرف كيف أحبها أخاه وتزوجها وهى تشبه الحية التي تبخ سمها في الجميع لكن استوقفته “عهد” عندما مسكت يده بضعف ثم قالت:-

-يلا نمشي يا نوح

ظل واقفًا ينظر إلى “عليا” بغضب لتجذبه “عهد” بضعف وجسد هزيل تقول:-

-يلا يا نوح

سار معها وهو يدرك أن قوتها أضعف من جذبه ليغادر بها من المنزل وتهرع “عليا” نحو باب الشقة وتغلق بأحكام…

___________________

__”منــزل الصيـــــاد”__

في المطبخ كانت “سلمى” تقف مع “حُسنة” تجهز الغداء حتى قطعهما صوت “فاتن” تقول:-

-خططتى ونفذتى يا سلفتى

أستدارت “سلمى” لها ليتراها تقف على باب المطبخ تشتاط غاضبًا لكنها تكبحوا بداخله فقالت:-

-هتساعدينا أتفضلي لكن لو جاية تحددي حديد ماسخ يبجى متعطلناش

أنهت جملتها وألتفت تكمل تقطيع البطاطس في الطاجن لتتحدث “فاتن” بغضب ولهجة غليظة:-

-طبعًا ليكى نفس تطبخى وهتأكلى كمان ما هو اللى في عب ولدك فحجرك يا سلفتى وعاملالى فيها شيخة ومبتجوميش من على سجادة الصلاة طب جوليله أن بيأكل مال حرام وسارج حج عمه

تأففت “سلمى” بضيق شديد وهى تقول:-

-الله ما طولك يا روح.. هملينى لحالي يا فاتن لحسن صبر هيخلص عليكي

غادرت “فاتن” وهو تقول بجدية:-

-والله أنا اللى ماسكة حالى عليكى يا سلفتى أنت وولدك

تنهدت “سلمى” بضيق بعد أن غادرت “فاتن” لتربت “حُسنة” على كتفها بلطف:-

-متزعليش حالك يا ستى وكله هيبجى تمام

___________________

كان “نوح” واقفًا أمام باب غرفة النوم فى الفندق مُرتدي بنطلون أسود وقميص رمادي فاتح ودق الباب برفق وهو يُحدثها قائلًا:-

-ممكن نتحدد سوا بهدوء

لم تُجيبه سوى بصمت فتنهد بضيق وألتف لكى يغادر لكن أستوقفه صوت فتح الباب فألتف مسرعًا بهلع ليراها تقف كما هى بملابسها مُنذ الصباح لم تبدلها ووجهها شاحب وحزين وقد تمكن الضعف والخوف من روحها، شعرها فوضوي على الجانبين يحيط بوجهها الصغير وأتاه صوتها المبحوح تسأله بضيق:-

-أنتِ عرفت أمتى، لما كنت فى المستشفى صح

أومأ لها بنعم وهو يقترب نحوها خطوتين لتعود هى للخلف بعيد عنه وتجيبه وسط البكاء بخذلان:-

-عشان كدة بقيت مهتم بيا وعلى طول جنبي والشفقة باينة عليك وأنا اللى كنت مغفلة فكرت للحظة..

صمتت ولم تكمل ليقترب نحوها وهو يرى الخذلان بها وهى تتحاشي النظر به وتنحى رأسها للأسفل بإنكسار ليأخذ يدها بلطف فنفضتها بغضب وهى تصرخ به وتسير نحو الشرفة:-

-أبعد عنى يا نوح

تحدث وهو يسير خلفها بقلق قائلاً:-

-اسمعينى بس

صرخت وهى تستدير له وتفتح ذراعيها أمامه قائلة:-

-اسمع ايه؟!! أن كل المعاملة دى ولطفك وحنيتك كانوا شفقة عليا عشان مرضي

صمت أمام حديثها فهو يعاملها هكذا خوفًا من تكرر الماضي ولم يكن لها أى مشاعر، ذرفت الدموع من عينيها بضعف وخوف من المرض والجراحة، أقترب نحوها بهدوء وأخذ يدها فى يده بحنان وقال:-

-أطمني يا عهد، طول ما أنا جارك وفى ضهرك أطمنى وأوعى تخافي من حاجة واصل، أنتِ هتعملى العملية وهتخفي

جهشت باكية وهى ترفع يدها الأخرى لتضعها على عينيها بحزن وضعف تخفى دموعها وعينيها عن نظره وما زال يحتضن يدها الأخرى بيديه، رفع يده إلى يدها ثم أشاحها عن عينيها وقال:-

-متبكيش

أومأت له بنعم ليجفف دموعها بأنامله بحنان وهو ينظر لعيني العسلية التى تلوثت بأحمرار شديد من كثرة بكاءها وتورمت قليلًا، وجهها شاحب لا يعلم أهو من الحزن أم المرض، مُنذ أن علمت بمـ,ـرضـ,ـها وظهر التعـ,ـب والأرهـ,ـاق عليها أكثر من السابق، تمتمت “عهد” بضعـ,ـف وهى تنظر بعينيه السوداء قائلة:-

-أنا خايفة!!

أربت على يدها بيده بحنان وهى تشعر بدفئه يمتص حزنها ووجـ,ـعها، رفعت نظرها مع يدـ,ـه التى تمر من أمام أعينها ليضع خصلات شعرها خلف أذنيها بلطف ناظرًا بعينيها لتشعر بضـ,ـربـ,ـات قلبها تتسارع وحرارة جسـ,ـدها ترتفع من نظراته المُسلطة عليها، هذه النظرات المليئة بالدفء بمثابة السحر الذي يُسكب على قلبها وعينيها، تحدث “نوح” بخفوت:-

-متخافيش أنا وياكي ومههملكيش واصل….

لعنت نفسها وقلبها الذي تسارع أكثر بعد كلمته وهذا الرجل يربكها بكل شيء، نظراته وأنفاسه الدافئة وكلماته وغير كل هذه وسامته التى تسعى جاهدة لتجاهلها لكنه يُفشل كل محاولاتها، لم تتحمل البقاء أمامه أكثر حتى لا تفقد وعيها من سـ,ـحره ففرت هاربة من أمامه إلى غرفة النوم…..

تنفست الصعداء بأرتباك وهى تقف خلف الباب وتضع يدها على قلبها مُحاولة الشعور بضـ,ـرباته أكثر لتُتمت بحـ,ـزن شـ,ـديد:-

-أهدا بقى كل دا شفقة عليك

دمعت عينيها بخذلان فهى أعتقدت بأن الحياة من الممكن ان تبدأ بينهما ويتقبلها زوجة له لكنه لم يراها سوى فتاة مريضة على حافة الموت ووحيدة لا تملك من يعتني بها…

أستيقظ “نوح” صباحًا من النوم ولم يجدها بالغرفة ليدب القلق فى عقله من أن تكون هربت منه مريضة وعندما أتصل بها كان الهاتف مُغلق ليشتاط غضبًا ممزوجًا بالقلق ودخل يبدل ملابسه ليستعد من أجل الخروج والبحث عنها…

_____________________

فى كافى فى وسط البلد كانت “عهد” جالسة على طاولة بعيدة بجوار الحائط الزجاجى الذي يفصلها عن الشارع ومعها “ليلى” حزينة وتبكى على حال صديقتها بحزن وخوف صادق لتُمتم “عهد” بهدوء وهى تنظر إلى صديقتها:-

-ممكن تهدي، أنا مجتلكيش عشان تقضيها عياط

أخذت “ليلى” يدها بين كفيها بخوف وقالت وسط بكائها:-

-أنا مستعدة أتبرع لك بس متمرضيش ومالكيش دعوة بعليا لأنها أنانية ومتستاهلش أنك تعتمدى عليا

أربتت “عهد” على يدها ببسمة خافتة مُنكسرة ثم قالت:-

-أنا مبحكلكيش عشان تقولى تتبرعي ليا أنا ممكن أستنى متبرع عادى، نوح قال أن حالتى مش خطيرة أوى

جففت “ليلى دموعها بأناملها مُبتسمة رغم خوفها من فقد صديقتها ثم قالت:-

-نوح!! ، شكل راجل جدع من اللى حكيته عنه

أومأ “عهد” بالموافقة وهى تشرد فيه ثم قالت بهيام:-

-جدع بس، دا جدع وشهم ووسيم أوى يا ليلى

ضحكت “ليلى” على صديقتها وهى تلوح بيدها أمام أعين “عهد” ثم قالت:-

-ايه يا عيونى روحتى فين؟ إحنا بنحب ولا ايه؟

تنحنحت “عهد” بخجل ثم قالت:-

-لا حُب أيه؟ أنا بس معجبة بشهامته ورجولته لو شوفتيه وهو بيضـ,ـرب ابن عمه عشانى ولا وهو بيشـ,ـخط فى مرات عمه الحرباية

قهقهت “ليلى” ضاحكة وهى تأكل قطعة من الحلوى ثم قالت بعفوية:-

-وأنا اللى قاعدة قلقانة وميتة من العياط

تنهدت “عهد” تنيهدة مليئة بالخيبات وثغرات الوجع ملأت طريق قلبها لتتعجب “ليلى” من تنهيدتها الضعيفة وقالت بأستغراب:-

-ليه التنهيدة دى! أنتِ تعبانة ولا حاجة

تحدث “عهد” بعفوية وصدق مليء بالحزن:-

-الحياة معاندة معايا أوى يا ليلى، أول ما أنجح فى مشوارى ألاقي نفسي أتجوزت وبقيت مدام بالأسم، أختى أنانيتها بتزيد ضحكت عليا وفهمتنى أن أول ما يكتشفوا أن أنا العروسة هيطلقنى ويرمينى عشان هم كل همهم يونس حفيدهم وبس ولو مطلقنيش هتساعدنى أهرب لكن أول ما مضيت فص ملح وداب ونوح مطلقنيش زى ما قالت، وبقت زوجة ومضطرة أعيش فى مكان غريبة مع ناس معرفهمش وبيكرهونى وكل واحد من سكان البيت دا نفسه يخلص منى دلوقت قبل كمان ساعة، ولما لاقيت الراجل اللى معايا طيب وراجل يتسند عليه قولت خلاص قدرى وأتقابله، طلع كل دا وهم وشفقة بسبب مـ,ـرض ظهر بين يوم وليلة

وقفت “ليلى” من مقعدها لتجلس جوارها وهى تربت علي يديها بحنان ولطف وتقول بنبرة ناعمة:-

-كله هيبقى تمام يا عهد المهم دلوقت نعالج المرـ,ـض دا

رفعت “عهد” نظرها إلى صديقتها بضعف وعيني دامعة ثم قالت:-

-بس ليلى أنا موجوعة ومش قادرة أدارى أكتر من كدة، أنانية أختى وجعانى وشفقة نوح تعبانى لكن غصب عنى بيرجع له لأن فعلا ماليش غيره أتسند عليه فى ضعفى ودا قاهرنى يا ليلى

جففت “ليلى” دموعها بسبابتها وهى تقول مُبتسمة:-

انت في الصفحة 10 من 17 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
140

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل