روايات

هويت رجل الصعيد الجزء الاول

لم ترجف عيني “نوح” بل وضع يديه خلف ظهره ببرود وهو لا يخشي شيء، استدار “حمدى” لكى يصعد الدرج فرأى “عهد” أمامه فدفعها بقوة وهو يمر لتكاد أن تسقط فتشبث “نوح” بها بهلع ثم نظر إلى “حمدى” وهو يصعد بغضب، نظرت “عهد” إليه بخوف فمسح على رأسها بلطف وقال بنبرة ناعمة تبدلت فى الحال لأجلها:-

-متخافيش كله تمام

هزت رأسها بلطف له وهى لا تفهم سبب الشجار لكنها علمت به عندما دخل “نوح” إلى المكتب مع والده وتركها، تبسمت بلطف وهى تجلس جوار “سلمى” على الأريكة ثم قالت:-

-ممكن أقعد جنبك

نظرت “سلمى” لها ببرود ثم قالت:-

-ما أنتِ جعدتى ولا تحبي تجعدى فى حجرى بالمرة

هزت “عهد” رأسها بخفوت وقالت:-

-أنا اسمى عهد

رفعت “سلمى” حاجبها بدهشة مصطنعة وقالت بسخرية:-

-تصدجى مكنتش اعرف

ضحكت “عهد” وتابعت حديث عن نفسها:-

-ومعنديش ام، بصراحة مشوفتش أمى عشان اتوفيت وهى بتولدنى، وبابا مات وهى حامل فيا مشوفتوش برضو، أختى عليا هى اللى ربتنى وعمرها كان سبع سنين وعلمتنى وبصراحة كنت شاطرة جداً فى المدرسة وعلى طول من الأوائل يمكن لأن التعليم كان وقتها السبيل الوحيد ليا لعيش حياة مرتاحة

نظرت “سلمى” لها بصمت وهى تقصي لها قصة حياتها بدون مقدمات أو أن تفرض عليها سؤال، تابعت “عهد” بعيني دامعة تقول:-

-لما أختى اتجوزت نادر بقى يساعدها فى مصاريفي خصوصًا ان كلية أعلام مصاريفها عالية شوية ومن أول سنة وأنا بدأت اقف على رجلي وأشتغل لوحدى كنت مبسوطة أوى بأول مرتب ليا، عارفة جبت بيه ايه، شيكولاتة عشان بحبها جدًا بس كنت دايمًا بتحرج أطلبها من نادر لأنه جوز أختى وكفاية عليهم مصاريف تعليمي

ضحكت “سلمى” بخفوت على هذه الفتاة الساذجة والبساطة تظهر فى طباعها وتصرفاتها، تذكرت حديث “حُسنة” عندما أخبرتها أن “عهد” جلبت كتب للدراسة لأبنتها، تابعت “عهد” بهدوء وحرج:-

-أنا أسفة أنى اتجوزت ابنك غصب عنكم بس حضرتك لو مكانى وحسيتى أن فى أيدك تردى الجميل والتعب اللى قدمته عليا ليا مش هترفضي

تحدثت “سلمى” بهدوء وهى تنظر إلى “عهد” بجدية:-

-لو كنت مكانى مكنتش هحس أنه جميل لأن الأخوات والعيلة مفيش بينهم جمايل ولا حساسيات وديون تترد يا بتى

شردت “عهد” فى حديثها فطالما شعرت بأنها عبء على أكتاف اختها ودين فى عنقها يجب أن ترده يومًا، تبسمت بخفوت ثم قالت:-

-أنا ممكن أقولك يا ماما…. الله دى حلوة اوى أول مرة أقولها.. ممكن

تبسمت “سلمى” لها وهزت رأسها بالموافقة لتبتسم “عهد” بعفوية وهى تعانقها فدهشت “سلمى” من عفوية هذه الغتاة ومرحها لتربت على ظهرها بلطف….

________________________

-يعنى أنت كنت عارف؟

سأله “على” بقلق ليجيب “نوح” بجدية قائلًا:-

-من سبع سنين لما خالد كان عمره23 سنة كان مجضيها سهر مع العجر والغوازى كنا بنجيبه كل سبوع من داهية شكل والعجرية اللى حبلت منه وسقطت ولا الرجاصة اللى خبطها بالعربية عشان تسقط جام ماتت، عمى حمدى بجى كان الله اكبر عليه بيتاجر فى السلاح مع رجالة الجبل، تفتكرى جدى كان هيكتبها ماله الحلال عشان نجسوه يا أبويا،، الحل اللى جه على باله أن يكتب كل حاجة باسمى لحد ما حالهم يتصلح وبعدها أدي كل واحد حجه بس لما يتعبوا ويعرفوا كيف يخافوا على مالهم وارضهم مش يضيعوه

تنهد “على” بقلق وهو يجلس على المقعد ويمسك نبوته فى يده اليمنى بحيرة ثم قال بقلق:-

-بس عمك مهيسكتش يا نوح، مهيسيبش حجه يا ولدى… أنا خايف عليك

تحدث “نوح” بشجاعة وهو يقول:-

-متخافش يا ابويا، أنا راجل اجدر احمى حالى زين

رفع “على” نظره إلى “نوح” بقلق وخوف ثم قال بحزن:-

-لتكن فاكر ان عمك هيأذيك فى حالك يا ولدى، حمدى خابر زين أنه لو أذاك مرتك وإحنا اللى هنورث وهيطلع من غير حاجة، عمك هيأذيك فى مالك وشغلك ولو وصل الحال والشر به هيأذيك فى أحبابك يا ولدى

صمت “نوح” قليلًا يفكر فى حديثه ثم غير محور الحديث وقال:-

-المهم دلوجت أنا لازم اسافر القاهرة، لازم أجيب عليا اخت عهد

تعجب “على” من قراره وعقد حاجبيه بدهشة ثم سأل:-

-اشمعنا، ما أنا جولت اجبها عشان حفيدى اللى وياها وأنت منعتنى عنها

تنهد “نوح” بقلق ثم قال بخوف:-

-عهد عندها فشل كبد وهتحتاج زراعة ولسه على ما تستنى متبرع حالتها هتسوء أكثر، لازم أتحدد وياه اختها

وقف “حمدى” من مكانه ليربت على كتفه بلطف ثم قال:-

-روح يا ولدى بس حط فى حساباتك احتمال انها متوافجش تتبرع، الأخت اللى ترمي باختها اهنا عشان مصلحتها وحياتها مهتساعدش فى نجاتها، اه اهنا مش وحش ولا إحنا وحوش بس هى مجدرتش على العيشة معانا فرمت اختها كبش فدية

وقف “نوح” من مكانه بوجه عابس وقال بلهجة غليظة شيطانية:-

-وجتها يبجى هى اللى جنت على حالها لانها هتتبرع بالرضا أو بالعفاية

تعجب “على” من حال ابنه وقلقه الملحوظ والزائد ثم سأله:-

-العروسة عجبتك، دا أنا اكدة اشكر عليا بجى على الحسنة اللى عملتها

تنحنح “نوح” بحرج ثم غادر، تبسم “على” بخفـ,ـوت وقال:-

-سبع سنين من غير جواز ومفـ,ـيش واحدة عجبك لكن اللى اترمت فى طريجك تموت من الجلج عليها اكدة

_____________________

ضـ,ـربت “فاتن” يدها على الأخرى بذهول ثم قالت بعبوس:-

-مش جولتلك، أخوك وولده طبخوها سوى، نوح يدخل كلية التجارة عشان يمسك التجارة مع جده ويلزج له ويفرش له الأرض ورد وحاضر ونعم ويكبر فى السوق ووسط التجار وهوبا ابوك يتعب وعلى يمسك الشغل ويا ولده وفى الأخر ابوك يكتب لهم كل حاجة وأنت ولا أنت هنا يا سبع الرجالة

صاح “حمدى” بها بأنفعال شديد وهو يقول:-

-اخرسي بجى معاوزش اسمع حسك ولا حس حد، عاوز افكر انا مهسيبش حجي لعلى وولده ينعموه فيه واستنى حسنة منهم

ضـ,ـربت “فاتن” فمها بيدها بقوة وهى تقول:-

-ادينى اتخرست اهو

تحدث “حمدى” بشرود وهو يفكر فيما حدث قائلًا:-

-على كان باين عليه الصدمة كيفي لكن نوح، نوح كان جاعد هاديء جوى ومتصدمش ولا اتفاجى كأنه كان خابز زين اللى موجود جوا الظرف

صاحت “فاتن” وهى تضـ,ـرب قدميها بيديها بسخـ,ـرية وانفعال:-

-زورها، ضحك عليكم كلتكم وزورها وكوش على كل حاجة لحاله، طبعًا ما هو الواد اتجوز دلوجت ويا عالم مرته حابلة ولا لا، الواد جرر يعيش حياته خالص

وقف “حمدى” بغضب سافر بعد أن سمع حديث زوجته وقال:-

-حياته دى هدمرها وعائلته هجتلهم جدام عينه لو مأخدتش حجى كامل

________________________

دلف “نوح” إلى غرفته ورأها جالسة على الأريكة وتفتح الصناديق الكرتونية وتخرج منها معدات التصوير، جلس على الفراش يتابعها بصمت وهى مشغولة بعملها فرفعت نظرها له بعد أن شعرت بنظراته تراقبها، سألت بقلق:-

-فى حاجة؟

أربت “نوح” على الفراش بخفة وقال:-

-تعالى جارى

تركت استاند التصوير على الطاولة وذهبت نحوه لكى تجلس فقال:-

-أنا هسافر يومين القاهرة معاوزش حاجة اجبلهالك بدل الاون لاين دا

تعجبت بدهشة من حديثه وسألت بقلق:-

-مسافر ليه؟!، مش قصدى طبعًا ادخل فى حياتك وخصوصيتك بس قصدى هتسبنى هنا

أومأ لها بنعم فتذكرت ما حدث أمس من “خالد” لتقول بخوف وهى تتشبث بكم عباءته:-

-متسبنيش هنا

نظر إلى يدها التى تشبثت به ثم إليها والخوف فى عينيها ونبرتها المُرتجفة، كل شيء بها يوحي يأن هناك شيء تخشاه فى البيت فسأل بشك:-

-خايفة من ايه؟

صمتت وهى تترك عباءته وتتحاشي النظر له فتابع بنبرة أكثر حدة وجدية:-

-أنتِ دخلتى المخزن أمبارح ليه؟

تمتمت “عهد” بتلعثم شديد:-

-بالغلط مكنتش أعر……

قطعها قبل أن تكمل حديثها عندما مسك فك وجهها يرفع رأسها له لتتقابل أعينهما معًا وهو يقول بتحذير:-

-متكدبيش

قصت له ما حدث أمس من “خالد” وما حدث قبل ومحاولاته فى لمسها واعتراض طريقها ليشتاط غضبًا مما يسمعه فوق لكى يخرج يقـ,ــ,ـتله فى مكانه وأمام والده لكنها منعته عندما ركضت خلفه وعانقته من الخلف بهلع، توقفت قدمه عندما ارتطمت بظهره وشعر بدفء جسدها ورأسها تستكن على ظهره لينظر للأسفل على يدها المتشابكة على بطنه فسمعها تتحدث بنبرة خافتة وصوت مبحوح:-

-متروحلوش.. متأذيش حد يرد لك الأذي وتتأذي، متتأذيش ولا تمرض يا نوح، أنا عارفة أنى فرض عليك وأتجوزتنى بالإكراه وبينا حدود مينفعش أتخطاها بس متتأذيش ممكن، أنت أول حد يقلق عليا من غير ما يكون الواجب حاكمه، وأول مرة الاقي ام ليا ومحسش أنى مديونة بالود والحب لحد ولازم أرد الدين فى يوم

تحولت نبرتها إلى الضعف والبكاء أحتل عينيها وصوتها، تنهد بهدوء وهو يفتح يدها من بعضهما لتترك أسر خاصرته ثم التف لها ليراها تنظر للأرض وتبكى، مسح دموعها بأنامله بلطف ثم تحدث بخفوت:-

-أنا موافج على كل اللى جولتيه يا عهد بس حجك لازم اجبهولك وإلا هحس أنى مش راجل، لما واحد ياذي مرتى بكلمة مش لمسة ومجبش حجها أبجى مش راجل

ذرفت دموعها من جديد ليأخذ وجهها بين كفيه ويقول:-

-أنتِ فرض عليا اه بس يا ريت كل الفروض بالحلاوة دى.. اضحكى بجى

ضحكت وسط بكاءها وهى تحدق بعينيه فتبسم بخفوت وبداخله يتواعد الموت لهذا الرجل البغيض الذي تجرأ على إهانة زوجته…

________________________

دق باب شقة “عليا” لتخرج من المطبخ بسرعة وتفتح الباب لتُصدم بخوف عندما ترى”نوح” أمامها….

يتبـــع….

#هويتُ_رجل_الصعيد

الفصل السادس (6)

___بعنوان “أنانيـــة”___

فتح موظف الفندق باب الغرفة وهو يحمل حقيبة سفر صغير ثم ولج “نوح” وهى تتبأطا يديه مُرتدية بطلون جينز وقميص نسائي أبيض عليه كلمات ورسومات باللون الأسود وحول خاصرها النحيف تضع حزام أسود وترفع شعرها من الجانب الأيسر بدبوس شعر ومسدول على ظهرها، أعطى “نوح” النقود للعامل ثم غادر وأغلق الباب فأستدار “نوح” لها وهو يربت على كتفها بخفة وقال:-

-أرتاحى هبابة وأنا ساعة وهعاود

انت في الصفحة 9 من 17 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
140

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل