
التفت أمير نحوه رادا عليه :
” صباح النور … كنت فين …؟!”
أجابه فراس وهو يجلس على أحد الكراسي الموضوعة على جانب مكتبه :
” كنت بجهز لسفرية بكرة …”
” يعني نويت خلاص …؟!”
قالها أمير وهو يتجه نحو مكتبه ليجلس على كرسيه فيومأ فراس برأسه ويقول :
” كلها أسبوعين أغير فيهم جو … متيجي معايا …؟!”
قال أمير بإقتضاب :
” مليش نفس …”
أومأ فراس برأسه متفهما وقد إعتاد على برود صديقه ليقول محاولا تغير الأجواء قليلا :
” أخبار كرم إيه ….؟! لسه بايت عندك ..؟!”
تذكر أمير أخيه كرم أخيرا والذي يحاول أن يفرض نفسه عليه مرارا ويخرجه من عزلته ليومأ برأسه ويقول مجيبا على سؤال فراس :
” للأسف لسه …”
تنهد فراس وقال بجدية :
” كرم ملوش علاقة بأخطاء أهلك … متحملهوش ذنب حاجة معملهاش …”
” ومين قالك إني بحمله الذنب …؟! انا بس مش عارف أتأقلم معاه … انت عارفه انوا طبعه غير طبعي … انا بحب الهدوء وهو بيحب الزيطة …”
ابتسم فراس وقال مؤكدا كلامه :
” فدي معاك حق ….”
ثم نهض من مكانه وقال :
” اروح انا بقى … يادوب الحق أودع عيلتي قبل السفر … عايز حاجة من هناك ….؟!”
” ربنا معاك … تروح وترجع بالسلامه …”
أشار فراس له مودعا ثم خرج وتركه لوحده ليغرق في دوامة أفكاره من جديد …
……………………………………………………..
كانت تقوم بعملها على أبلغ وجه ، تنظف غرفة تليها الأخرى بإجتهاد …
انتهت من تنظيف جميع الغرف ولم يتبق سوى صالة الجلوس والمطبخ …
توجهت نحو صالة الجلوس لتجد كرم جالسا يتابع أحد الأفلام الأجنبية وبيده زجاجة خمرة …
أبعدت بصرها عنه بسرعة وهي تستغفر ربها قبل أن تبدأ بعملية التنظيف …
أخذ كرم يتابعها بتمعن متأملًا جسدها النحيل للغاية والذي يشبه جسد فتاة لم تتعد المرحلة الإعدادية ، وجهها الشاحب للغاية والذي تبرز عظامه بوضوح ، بالتأكيد هي تعاني من سوء التغذية …
راقبها رغما عنه ولم يخفَ عنه جمالها الهادئ ببشرتها البيضاء وشعرها البني الحريري وعينيها البنيتين…
تناول ما تبقى من زجاجة الخمرة على دفعة واحدة وقد شعر برغبة كبيرة بإكتشاف ما تخبئه تلك النحيلة داخل ثوبها البالي …
وقفت تالا أمام الطاولة الموضوعة في احد أركان الصالة تنظف احدى الفازات الثمنية حينما شعرت بأحدهم يحملها بين ذراعيه …
صرخت بأعلى صوتها وهي تهز قدميها للأمام والخلف ليهتف كرم بها بينما يده تضغط على فمها :
” هش اخرسي … هتفضحينا ….”
ثم ركض بها نحو غرفة نومه ورماها على السرير لتقفز من فوقه فورا وتسير بخطوات متراجعة نحو الحائط خلفها وترجوه بصوتها الذي خرج مرتعش :
” ارجوك سيبني …متقربش مني ..”
أشار لها بصوت منخفض :
” يا بنتي اهدي ، مش هأذيكي والله …”
أدمعت عيناها بقوة وهي تردد :
” انا عايزة أروح … سيبني أروح من فضلك …”
إلا أنه لم يبال بما قالته حيث قال بلهجة خافتة :
” تؤ … مقدرش أسيبك… ”
ثم أردف بوداعة :
” انتي اسمعي الكلام ونفذي اللي هقولهولك وانا هديكي المبلغ اللي تعوزيه … مش أحسن من الخدامة فالبيوت …”
هزت رأسها نفيا وقالت ببكاء :
” لا أنا بحب الخدمة فالبيوت ….”
زفر أنفاسه بقوة وملل ثم ما لبث أن انقض عليها محيطا جسدها بذراعيه محاولا السيطرة على صراخها ومحاولاتها لدفعه …
في نفس الوقت دلف أمير الى الشقة ليتفاجئ بأصوات بكاء وصراخ تأتي من غرفة كرم فسارع بالذهاب الى هناك وولج الى الداخل ليجد كرم أمامه وهو يحاول الإعتداء على الفتاة …
انطلق بسرعة نحويهما وأبعد كرم عن الفتاة ولكمه على وجهه بقوة بينما قفزت تالا من فوق السرير وتراجعت الى الخلف قبل أن تنهار باكية …
عاد أمير وضـ,ـرب كرم على وجهه بقوة ليسقط الأخير أرضا بينما لم تستطع تالا أن تتحمل ما يحدث أكثر ففقدت وعيها تماما تحت أنظار أمير المصدومة …
اتجه أمير نحوها وحملها ثم وضعها على السرير ، عاد ببصره نحو أخيه ليجده يحاول النهوض من فوق الأرض وأنامله تمسح الدماء التي تنزف من فمه …
توجه أمير نحوه مرة أخرى وهو يقول بلهجة متحفزة :
” عايز #… ؟!! #الخدامة …؟!”
هدر به عاليا ليرتجف جسد الواقف أمامه بينما لسانه يقول بترجي :
” والله لا … انا كنت بلاغيها عشان أجيب قرارها لأحسن تغرر بيك…”
قبض عليه من ياقة قميصه بقوة وهتف بنبرة عصبية :
” تغرر بمين يلا .. انت نسيت أنا مين …؟! ”
حاول أن يتحدث ويبرر لكنه قاطعه بحزم:
” انت تخرس خالص … حسابك معايا بعدين … بس العيب مش عليك … العيب عاللي معرفوش يربوك ..”
” انا مش متربي … انا عارف .. بس كفاية لحد كدة ..”
قالها كرم بتوسل لينظر إليه بقرف ثم يقول :
” تلم هدومك وتروح عند أمك … مش عايز أشوف وشك هنا تاني …”
أومأ كرم برأسه خوفا من أخيه بينما اتجه أمير نحو تالا وبدأ يحاول إفاقتها لتستيقظ بعد عدة محاولات …
ما إن استوعبت تالا ما حدث حتى انزوت بعيدا عن أمير وقالت بعينين باكيتين ونبرة متوسلة :
” انا اسفة .. انا والله معملتش حاجة … هو اللي كان ..”
توقفت عن الكلام وشهقت باكية ليقول بهدوء :
” هش اسكتي … انا عارف انك معملتيش حاجة
…متقلقيش ….”
صمت لوهلة ثم قال :
” أنا بعتذرلك بالنيابة عنه وأتمنى إنك تقبلي اعتذاري … كمان قوليلي طلباتك وأنا هعملك اللي إنتِ عاوزاه ….”
قالت بسرعة :
” انا مش عايزة أي حاجة … أنا عايزة أروح وبس …”
شعر أمير بالشفقة لأجلها فقال :
” تقدري تروحي … ”
اتجهت بسرعة نحو باب الغرفة لكنها توقفت حينما وجدته يهتف بها :
” استني ….انا هوصلك ….”
” بلاش … أقصد ملوش لزوم ..”
قالتها بخوف حقيقي لاحظه فأصر على عرضه :
” انتِ تعبانه ومينفعش تروحي كده والجو برد أصلا …”
أكمل بعدها بلهجة أمرة :
” اتفضلي يلا عشان أوصلك وأرجع بسرعة ..”
إضطرت تالا لأن تنفذ كلامه فسارت أمامه ليتجه بها نحو سيارته….
أرادت تالا ان تركب في الخلف لكنها وجدته يفتح الباب الأمامي لها لتركب فيه ويركب هو في مقعد السائق ، قاد أمير سيارته متجها الى المنطقة التي يقع بها منزل تالا بعدما أخذ العنوان منها …
وصل أمير الى هناك ليتأمل المنطقة الشعبيه ذات الأحياء الفقيرة بملامح جامدة ، لقد سمع كثيرا عن هذا النوع من الأحياء بل وشاهدها بالتلفاز لكنه لم يتصور أن يأتي يوم ويدخل إليها …
التفت نحو تالا التي همت بالنزول بينما أنظار جميع من في الحي اتجهت نحوها لتلعن نفسها ألف مرة فكيف سمحت له أن يوصلها الى منزلها أمام الجميع ، لقد تناست حديث الناس الذي لن يرحمها ولم تنتبه لهذا بينما تحاول أن تسيطر على أعصابها بعد الصدمة التي تعرضت لها …
وجدت تالا أمير يمد يده لها برزمة أموال ويقول :
” خدي دول …”
إلا أنها إعترضت بسرعة :
” لا مش هاخدهم … اتفضل روح…”
قالتها بسرعة وهي تخرج من السيارة ليهبط من مكانه ويسير خلفها ويقول بنفس لهجته الأمرة :
” استني … ده حقك ولازم تاخديه ….”
ما ان انهى كلماته حتى تفاجئ بشاب غريب الشكل يقبض عليه وهو يهتف به بنبرة عالية :
” انت عاوز منها ايه …؟! وفلوس ايه دي اللي تاخدها …؟!”
” انت بتعمل ايه …؟! انت اتجننت …؟!”