
في طريقهم إلى المشفى، كان لا بد من خروج احدهم مع ياسين ورحـاب، خوفًا من أن يتعرض لها ياسين فـهو معروف بـغضبه الجحيمي المُدمِر، فـ قرر نـاصر الذهاب معهم، وجلس في الأمام بينما جلست رحـاب وچويرية بـالخلف، قـاد ياسين السيـارة بسرعة جنونية مميتة، فـ صرخت به «چويرية» خوفًا
– ما تقلل السرعة احنا هنطير!!
كبت نـاصر ضحكته فـ رمقه ياسين بـحدة أخرسته، ورمق چويرية في مرآة السيـارة وبـعنادٍ زاد من سرعة السيارة الضعف، فـ حاوطت رحـاب ابنتها وملست على خُصلاتها تُهدئها..
وفـي غضون دقائق وصلوا للمشفى وترجلوا جميعهم، قبل أن يدخلا لم ينس ياسين أن يـرمق رحـاب بـإزدراء، لم تلحظه ولكن الصغيـرة لاحظت وبادلته
-بدلًا من والدتها- النظـرة بمثلها..حاقدة، ونافرة!
❀❀❀
يجلس ياسين بـركن من أركـان المنزل ينفث سيجارته في شراهة، وكأنه يفترسها، فـ ظهور طفلة له من العدم يعيقه على التركيز بأي شيء، يجعله غاضبًا منفعلًا لا يريد سوى تحطيم وجه تلك الخائنة، لا يريد نسخة أخرى منها تمثل عليه وتكذب مثلها وتخون ثقته بها كما فعلت الحقيـرة!
رآها تنهض هي والطفلة قائلة بخجلٍ
– انا هروح، على ما التحاليل تظهر.
اعتـرض ثروت بـهدوءٍ
– لأ ابدًا، الدكتور قـال هتطلع بعد بكرا، استني معانا.
نظـرت لياسين بـحرج
– مالوش لزوم.
وأخيـرًا تحدثت أمانـي بعد صمتٍ
– اقعدي يا رحـاب، دي مهما كانت بنتنا برده، لحد ما نتأكد هتفضلي هنا..
نقلت نظرها لإبنها
– ولا انت ايه رأيك يا ياسين؟
قـال ببرود وهو ينهض بعدما دهس السيجارة في المطفأة
– اللي انتوا شايفينه، كده كده انا مش مهتم..
تركهم وتوجه صوب باب المنزل وفتحه منسحبًا من بينهم كما جـاء، بينما تنهدت رحـاب حزينة وأخفت رأس طفلتها داخل أحضانها..
❀❀❀
مر اليومين سريعًا، لم تتعامل العائلة كثيرًا مع رحـاب أو چويرية، حتى ياسين لم يأتي طوال هذين اليومين، لم تـأنس چويرية احدًا سوى آسر، قريبًا من عُمرها ويفهمها!
كــانت رحـاب تقف أمـام المرآة تمشط خصلاتها، فـ رأتهم يخرجون في يدها، تقع خصلاتها أثـر المرض، ويتألم صدرها من فكرة ترك صغيرتها وحيـدة!
جذبت الصغيـرة ملابسها وهي تقول
– مامي، مالك؟
أخفت رحـاب خصلاتها خلف ظهرها وابتسمت بـزيف للصغيرة مردفة
– ايه يا چوري يا حبيبتي..منزلتيش ليه؟
امتعضت ملامح الصغـيرة
– محبتش العيلة دي.
عقدت رحـاب حاجبيها
– ليه؟
رفعت منكبيها بعدم إكتراث
– مفككين، وانا مبحبش الناس المُفككة!
تحدثت رحـاب مُشجعة
– في ايدك تخليهم سوا يا چوري.
– وانتي؟
-آآ..انا ايه؟
– انتي هتمشي؟
التمعت الدموع في عينيها وقـالت
– هخلص شغلي وأجي علطول، مش هطول.
تنهـد چويرية بـحزن وقالت
– مامي انتي بتكدبي، انتي تعبانة..سمعتك بتتكلمي مع الدكتور، متحسسنيش اني طفلة ومش هفهم.
رفعت رحـاب رأسها للسقف تغمض عينيها بـوجع، لا تريد إظهار ألمها الفتَّاك أمام طفلتها الوحيـدة، استدارت چويرية وقالت بينما تستعد للخروج من الغرفة
– انا مش قلقانة، لأني واثقة انك هتنفذي وعدك..وترجعيلي تاني.
ما إن خرجت الصغيـرة حتى انفجرت رحـاب باكية، تعلم انها لن تستطيع تنفيذ وعدها للصغيـرة، فـ هي ضعيفة لن تقوى على مقاومة مرضها المؤلم، ستنساها طفلتهـا وسـيحبها ياسين، وسيصبح أبًا حنونًا لها..هي تثق بعودة ياسين القديم!