منوعات

رواية بقلم سارة الحلفاوى الرابع والاخير

أجهشت بالبكاء تعود للخلف فـ لاحظ إقتراب قدمها من حافة المسبح، مدّ كفُه وأمسك بعضدها يجذبها لصدرُه بعنف شديد، شهقت برعب ظنًا منها أنه سيصفعها، لكنه لم يفعل بل سار بها غارزًا أنامله و أظافره بذراعها الغضَّ، تآوهت بألم أثر قبضته تحاول مجاراة خطواته لاسيما عندما كان يصعد بها الدرج بـ درجتان فـ سقطت إرضًا يرتطم جسدها بالدرج تتنفس بصعوبة، لم يرحم إمهيارها بل جذبها بقسوةٌ لتنهض بالفعل و سار بها مجددًا، فتحت باب الجناح و من ثم الغرفة و دفعها بعنفٍ فـ سقطت أرضًا تبكي بحُرقة تفرُك أعلى ذراعها الذي وُصِم بعلامات كفُه و أظافر أنامله، رفعت عيناها له فوجدته يستند على المزينة يميل عليها مغمضًا عيناه أنفاسه شديدة العلو، صُدمت عندما وجدته يضرب عدة مرات فوق المزينة و أزاح كل ما كان عليها صارخًا بألم كالطائر الجريح، عادت للخلف بخوف من هيجانُه الثوري حتى إلتصقت بمقدمة الفراش، أطبقت فوق أذنيها و الرعب ملأ قلبها مُتيقنة بأن فورما لا يجد شيء آخر يحطمه سيأتي و يحطم ضلوعها كما كانت تفعل أمها، بكت فـ الأصعب من الضرب هو إنتظاره، فتحت عيناها بعدما وجدت ذلك الهدوء يطغى على الأجواء فوجدته يقف يوليها ظهره، سقطت عيناها على كفُه الأيسر الذي بات ينزف من أثر الزجاج المتهشم، شهقت و تناست خوفها و هي تنهض تركض له تقف أمام بركان دون أن تخشى إنصهار جلدها، أمسكت بكفُه تقول والدمعات تسقط من عيناها:
– فريد .. إيدك!!!

نفض كفه من بين راحتيها فـ نظر له بألمٍ، تنظر لخصلاته التي تبعثرت و عيناه الجحيمية و ذلك الصدر الصلب الذي يعلو و يهبط أمام أنظارها، ظل واقفًا أمامها ينظر لها بينما هي تتهرب النظر لعيناه بخزيٍ، حتى وجدته يسير من أمامها متجهًا إلى باب الغرفة، أسرعت تقف أمام الباب واضعة ذراعيها عليه لكي لا يخرج:
– إنت رايح فين!!! لاء مش هتمشي من هنا!!!

– إبعدي أحسنلك .. أنا مش شايف قُدامي!!!
قالها مغمضًا عيناه يتحكم بأعصابه، فإنهارت أمامه تقول برجاءٍ:
– متمشيش و حياة أغلى حاجه عندك، إضربني و
بس متمشيش!!!!

– إوعي .. من .. قُدامي!!!
قالها ببطءٍ يجز فوق أسنانه، فـ نفت برأسها تقول متوسلة حنانه الذي إختفى و تبخّر:
– فريد .. متعملش فيا كدا!!!

قبص فوق ذراعيها فـ إنكمشت بخوف منه، ليبعدها بقسوة من أمامه فـ سقطت أرضًا و إرتطم ظهرها بذلك المقعد الذي كان أمام المزينة، تآوهت بألم لكن لم يسمعها و غادر الغرفة، تحامت على ألمها و نهضت تسير ببطئ خلفُه واضعة كفها فوق مكان الألم الذي تقسم أنه سيخرج روحها من جسدها، خرجت من الغرفة تناديه بضعفٍ لكنه كان الأسرع حتى أنه خرج من الڤيلا بأكملها و هي لازالت تنزل الدرج، جلست على درجة من درجاته تبكي من قلبها، تبكي و تبكي حتى أراحت رأسها على جانب الدرج و لم تشعر بعدها سوى بـ صيحات الخادمات عليها من خوفهم، بينما هي قد أُبتلعت في موجة سوداء لن تستفيق منها!!

• • • •

ثلاثة أيام .. إثنان وسبعون ساعة دون أن تلمح حتى طيفُه، و دون أن تنهض من فراشها، دون أن تأكل سوى القليل حدًا و الذي بالكاد يجعلها تصمُد، تلك الكدمة التي أخذت حيز لا بأس به بظهرها كانت تضاهي كدمات قلبها، تغمض عيناها فـ لا ترى وجهه و لا تشتّم راحته فـ تعود لتنام مرة أخرى هاربة من واقعٍ يخلو منه، فـ تتمنى أن تحلم به و لكن لا يحدث، و كأنه يعاقبها في صحوتها و نومها، و في اليوم الثالث بعد مُنتصف الليل .. داعبت أنفها رائحته فـ فُزعت و نهضت، و بالفعل وجدته يقف في الشرفة مستندًا على سورها، ظنته خيال و إن كان .. نهضت تتبعُه تناديه و قد تشكل الألم على هيئة حروف فخرج منها:
– فـ .. فريد!! آآه!!

تآوهت عندما نهضت فجأة فإشتد الألم بظهرها، لم يوقفها الألم لتنهض تسير دانية منه، وقفت خلفُه و همست بإشتياق بلغ حدُه معها:
– فريد!!!

لم يلتفت لها، فـ إزدردت ريقها و مدت كفها تميد على ظهره العضلي بحنان تؤكد لنفسها بأنه ليس بسرابٍ، تعالت أنفاسها تحارب شهقات دمعاتها، لكن خرجت فـ قالت بصوتٍ ينفطر له القلوب:
– فريد أنا أسفة .. متعاقبنيش ببُعدك!!!

– إنت مش عايز تبُصلي يعني؟
قالت و شهقات بكائها تخرج واحدة تلو الأخرى، فأغمض عيناه، و لم يلتفت ضاغطًا بكل قسوة على الجرح الذي يؤلمها، فـ يسمعها تقول بكل وجعٍ:
– يعني كرهتني؟

إختنق صوتها بالبكاء و هي تغمغم:
– بعدت عني كُل ده .. طيب مكُنتش خايف يجرالي حاجة!!

لازال الصمت هو من يجيبها، فـ أمسكت بذراعه برفقٍ تلفُه لها فوجدت ملامحه التي رغم خوائها إشتاقت لها، بكت من قلبها تحاوط وجنتيه تقول وسط شهقاتها كطفلٍ قضى ليلُه يبكي بحُرقة:
– وحشتني أوي!!!
لم ترى تأثر بعيناه، فـ أسبلت مقلتيها بحُزن لترى كفه الذي إلتفّ فوق شاش أبيض، جزعت عليه تحاوط بكفيها تقول بقلقٍ:
– لسه بتوجعك؟

أيضًا لم يُجيبها، فـ ترجته قائلة:
– إتكلم .. قول أي حاجة! مستكتر عليا صوتك؟!!!

– عايز أطلّقك!!!
قالها بكل برودٍ صدمها، بل وجعلها تترك كفه الذي كان بين يداها، تنظر له محملقةً و التعابير إنمحت بـ ممحاة من فوق وجهه، لم تقُل شيء، لازال لسانها المسكن منعقدًا لا يقوى على نطق حرفٍ، فقط عيناها من تُذرف الدمع على عشقٍ يُختم بالنهاية الآن، شعرت بهوان كل شيء حولها، هوان ألم جسدها أثر كدمةٍ لم تزول .. هوان صداع يفتك بـ رأسها، هوان ألم تغلغل لـ معدتها فـ جعلها تزمجر بوجعٍ، هوان ألم خلايا جسدها بأكمل التي تأثرت بما يقول، و لم يتبقى سوى صوت دقات قلبٍ جريح يخفق بعنف صمّ أذنيها، إبتعدت عنه تعود للخلف و كأن ما قال كـ دفعةٍ من يداه لصدرها، و أخيرًا تحرر لسانها فـ همست و لازالت الصاعقة تحتل ملامحها:
– إنت بتقول إيه؟!!

قال بجمود يبتعد عنها دالفًا للغرفة:
– اللي سمعتيه!! مش هقدر أثق فيكِ تاني، و مينفعش أسيبك على ذمتي و أنا مش واثق فيكِ!!

إلتفتت له تسير ببطء هي الأخرى لـ داخل الغرفة، تنظر له ظنًا منه أنه لربما يمزح .. أو هي في كابوسٍ لعين ستستفيق منه بعد لحظات، لكن صوته و هو يتابع بصوته القاسي كان كالصفعة على وجنتها:
– على فكرة أنا مش باخد رأيك .. أنا بس بعرّفك عشان متتفاجئيش لما تلاقي ورقة طلاقك قدامك!!!

إرتجف بدنها و هو يكرر ذات الكلمة أمامها مرة أخرى لا يراعي الإرتعاش الذي يسير بجشدها كمن ضربتها صاعقة كهربية، إقتربت منه تنظر له هامسة بصوتٍ به غصّة:
– عايز تطلقني؟ يعني هيهون عليك تسيبني عادي؟

كان ترجوه بأسئلة تزيد من ألمها أكثر أن ينفي ما تقول، ترجوه أن ينطق فقط أنه لن يفرط بها، و أنها ستبقى مقترنة بإسمه إلى الأبد لكنها وجدت صمت تام حرق روحها، فـ قالت بأنفاسٍ بالكاد تؤخذ:
– ليه كل ده؟ عشان إيه؟

نظر لها بـ برود قارس، ثم قال بـ قسوةٍ:
– هسيبك إزاي على ذمتي بعد ما خُنتي ثقتي فيكِ و خدتي برشام عشان متخلفيش مني!!

قالت بـ بُطء:
– قولتلك .. نفسيتي كانت مش مستقرة بعد وفاة أمي، ليه .. ليه مراعِتش ده؟!

صوته تعالى و صرخ بوجهها:
– لاء راعيت!!! بس مش لدرجة إنك تمنعيني أبقى أب عشان أمك اللي أصلًا متستاهلش اللي إنتِ عاملاه ده كلُه!!!

عادت للخلف تستند على الفراش، لتجلس عليه و قدميه باتا لا يحملاها، لم تقُل شيء، لم تقوى على الحديث و هي تكاد تقسم أن نبضات قلبها على وشك أن تتوقف، للحظاتٍ تخيّلت أن تعيش بدونه فـ لم تستطع، أغمضت عيناها تبكي بصمت دون أن تصدر صوت، فـ نظر هو لها، نظر لجسدها الهزيل فهي بالتأكيد لا تأكل، نظر لـ كفها الذي يرتجف و هو مستند تلى الفراش، نظر لشحوب وجهها و لعيناها المُطبقة، و شفتيها اللواتي همسا:
– لو دي رغبتك فـ أنا طبعًا مش هقدر أمنعك، و لا هقدر أخليك معايا و إنت مش عايز!!!

تأمل كلماتها للحظات، ثم قال بهدوء:
– كويس .. يبقى إتفقنا!

فتحت عيناها و مسحت دمعاتها ترفع عيناها له تقول بإبتسامة لا حياة بها:
– بكرة الصبح نروح لأقرب مأذون!

– من غير ما تقولي!!
قالها ساخرًا، فـ إبتلعت غصة كانت بحلقها بمرارةٍ، ليتابع و هو يتجه للمرحاض:
– حقوقك كلها هتبقى عندك و زيادة!

دلف و أغلق الباب خلفه فـ ضحكت بمرارة، تعيد غرتها خلف أذنها برجفةٍ، تنهض واقفة أمام مرآتها، تبتسم بـ حزن و هي تتأمل ملامحها التي بُهتت، نظرت للكنزة التي ترتديها و أسفلها بنطال يصل لما بعد ركبتيها، فـ رفعت طرف الكنزة و إلتفتت تنظر لجانب خصرها مصدومة من حجم الكدمة الذي يكبر يومًا بعد يوم، وضعت أناملها عليها بخفةٍ فـ أطلقت آهٍ مُتألمة فورما لمستها فقط، تساقطت دمعاتها تنظر لزُرقتها تتذكر ذلك اليوم المشئوم، حتى وجدته يخرج من المرحاض فـ أسرعت تنزل كنزتها، لمح هو ذلك الإزرقاق الذي أخذ حيز من جانب خصرها و ظهرها، قطّب حاجبيه بإستغرابٍ ثم دنى منها يقول:
– إيه الزرقان ده؟!

أسرعت تقول بـ توتر:
– ولا حاجه!!

انت في الصفحة 3 من 15 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
12

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل