منوعات

رواية بقلم سارة الحلفاوى الرابع والاخير

الفصل الحادي عشر
إنتِ طالق يا نور!!!!
شهقت و إبتعدت و جنَّت و كادت أن تسقط أرضًا من صدمتها، تأخذ أنفاسها بلُهاثٍ و كأنها كانت تركض بلا هوادة، تتساقط دمعاتها تِباعًا و قلبها يخفق بعنفٍ تنظر له بلا تصديق، لا تصدق أن اليد التي كانت تربت عليها هي من دفعتها بالأمس، لا تصدق أن اللسان الذي كان يطيب جروحها بات يخدش جراحها فـ يجعلها تنزف بغزارة، لا تصدق أن العيون التي كانت تناظرها بهيام .. يتشكل بها الجمود الآن .. كيف أن يتحول مُنتهى الحب إلى مُنتهى الكره؟ كيف للحنان الذي كان يغمرها يتحول إلى قسوةٍ تحطم روحها، رفعت كفيها تعيد خصلاتها للخلف، وسطت أرضًا بالفعل ضد الحائط تميل للأمام لا تستطيع أخذ أنفاسها بشكلٍ صحيح ، و بدلًا من أن يركض عليها و يحتويها بين ذراعيه كما كان يفعل .. خرج و تركها وحيدة بالغرفة و بالجناح بأكمله، نهضت و لم تشعر بنفسها سوى و هي تركل بقدميها و تضرب بقبضتيها كل ما وصلت إليه يداها من خزانات و حائط حتى إزرقّت مفاصل كفها، تتآوه و تصرخ و تبكي و تسِب و تجِن و تنهار و تصمُت و تركض كالتائه الذي ضاعت منه وجهته إلى الأبد، جلست أرضًا بعد نصف ساعة من الإنهيار التام، وجهها قد إحمرّ من شدة الجهد الذي بذلتُه، و حرارة رهيبة تنبعث من كامل جسدها و كأنها تحترق إحتراقًا لا مثيل له، قلبها به نار مُتقدة لا تنطفئ، بكت بألم تحاوط وجهها بكفيها حتى سمعت صوت باب الغرفة يُفتح، لا تريد أن تنظر له، لا تريد أن تريه ضعفها .. عن أي ضعف تواريه؟ فهو رآها و هي تنهار أمام عيناه و لم ترمش أهدابه، و الغرفة المحطمة تلك شهدت لحظات ضعفها التي تُخزي، سمعت صوته الذي بات يسلخ جسدها رغم بروده:
– المأذون جه تحت! إغسلي وشك و إنزلي!

ثم خرج و تركها، رفعت رأسها لمكان وقوفه الذي تركه فـ بات فارغًا كفراغ قلبُه، ثم إبتسمت ساخرة و مسحت دمعاتها ناهصة، تتجه للمرحاض تقف أمام مرآته و تتأمل وجهها الذي بُهت بشكلٍ غريب، نثرت المياه فوق تغسلُه بعنف حتى إحمرّ أكثر، ثم خرجت تدلف لغرفة تبديل الملابس التي لم تطولها يدُها، ثم تزينت .. تضع أحمر شفاه بلونٍ صارخ، تضع القليل من ذلك المسحوق الذي يكثف و يطول أهدابها، ثم تضع ما تخفي به تلك الدوائر التي تحاوط عيناها تنُم عن إرهاقها الجسدي، و صففت خصلاتها تُلملمها بشكلٍ مُهندم، خرجت من الجناح رافعة رأسها تسير بخُطى واثقة لم تنبع سوى من بقايا أنثى تحطّمت على يدِ من عشقت، وجدته بالفعل يجلس جوار المأذون و جواره إثنان من الشهود كانا غالبًا حُراسه، نزلت و سارت تدنو منهم، نظر لها و الضيق إعتلى ملامحه عندما سارت عيناه على شفتيها التب حُددت بدقةٍ بـ لون قاتم، أغمض عيناه يحاول التحكم في أعصابُه و لكن لم يستطيع، خصيصًا عندما هتفت بإبتسامة هادئة:
– أنا جاهزة للطلاق يا شيخنا!

نهض على قدميه بحدةٍ و في ثوانٍ كان يجذبها من ذراعها يجُرّها جرًا إلى غرفة كانت بالأسفل، حاولت إبعاد كفُه عن ذراعها تصرخ به بحدةٍ:
– بتلمسنى بُناءً عن إيه؟!!! إبعد إيدك!!!

دفعها للحائط فتآوهت بألم من ظهرها الذي آلمها، لم يأبه لها و قبض على فكها يصرخ بحدةٍ في وجهها و عيناه مُثبتة على شفتيها:
– روچ الرقَّصات اللي إنتِ حاطاه ده يتشال بدل ما قسمًا بالله ما هيفرق معايا طلاق ولا زفت و هشيلهولك أنا بـ شفايفي!!

شهقت بصدمةٍ من طريقته الفجّة معها، لم يترك لها مجال تدارك الأمر ليسحب منديلًا وراء الأخر، و أخذ يزيل بعنف شديد أحمر الشفاه ذاك من فوق شفتيها وسط تذمراتها و إعتراضها عما يفعل، ضربت كتفيه بقبضتيها عندما إنتهى مما يفعل تهدر بعنف:
– ملكش حق تعمل اللي بتعملُه ده دلوقتي!!! إنت ناسي إنك طلقتني!! يعني خلاص اللي أنا عايزاه أعملُه!!

غرز أظافرُه بذراعيها يقول بقسوةٍ:
– أنا ليا كُل الحق أعمل اللي أنــا عـايـزُه فيـكِ!!!

صرخت بوجهه بقهر:
– لـاء مـلـكـش!!! من أول ما رميت الكلمة دي في وشي و إنت حقوقك كلها راحت!!

ثم أبعدت كفيه عن ذراعها تقول بجمود:
– و حتى مسكتك لدراعي دي ملكش الحق فيها .. و يلا عشان المأذون مش فاضيلنا!!!

ثم ذهبت من أمامه تاركة إياه يضرب الحائط بكفُه، خرج خلفها بعد قليل فوجدها جالسة و على أهبُّة الإستعداد .. للحظة إنقبص قلبُه من قرارٍ سيتخذُه ولا رجعةً فيه، قرار مصيري سيجعلها لا تشاركه حياته .. غرفته .. نومُه و أحضانه، يعود و تذكرُه نفسُه بما فعلت .. فـ كان وسواس النفس على قلبُه أكثر تأثيرًا من شيطانٍ جُنِّب يُصفق لنفسٍ أثبتت سوءها بجدارة!

جلس و أعطى للمأذون بطاقته و فعلت هي المثل، ليبدأ الأخير في إجراءات الطلاق، كانت شاردة في اللاشيء، توقّع على ورقة الطلاق بدمٍ قد إختفى من كامل جسدها، و فعل هو المثل و قد عُميت بصيرتُه عن أعقاب ذاك القرار!
خطت على الورقة نهاية زواجها و نهاية حياتها أيضًا، كيف خطى على قلبها بتلك القسوة؟ةكيف له أن يراها تمو*ت أمامه .. تلفُظ أنفاسها الأخيرة و لم يحاول حتى مُساعدتها، سُمىّ القلب قلب لأنه يتقلَّب .. و لكن كيف تقلّب بذلك الجبروت؟، ظلت جالسة تشاهده و هو يقِلهم إلى باب الڤيلا، تراقبُه بأعين إمتلئت سُخرية .. سُخرية مريرة مررت حلقها، نهضت، و أخذت خطوات قوية إلى غرفتهما .. التي كانت غرفتهما و الأن هي غرفته وحدُه و ستُغادرها و إن كلّفها الأمر قلبُها، أخذت هاتفها الصغير الذي كانت تملكُه قبل أن يبتاع هو هاتف آخر بمبلغٍ فلكيّ، أخذت مفاتيح شقة أمها ثم إرتدت نفس الكنزة التي أتت بها هُنا و ذات البنطال، لملمت خصلاتها إلى ذيل حُصان مُرتفع، و أعادت وضع أحمر شفاه خفيف تلك المرة يناسب المنطقة الشعبية التي ستعود إليها، ثم ترجلت من فوق الدرج تنظر إليه و هو جالس عائدًا برأسه للخلف مُغمضًا عينيه و ذراعيه فُردا جوارُه، وقفت أمامُه تقول بجمودٍ قد تعلّمته منه:
– أنا ماشية، سايبالك اللبس اللي كنت جايبهولي فوق .. و التليفون بردو، و الفيزا جنب التليفون، سلام!

إتخذت خطوات مُبتعدة عنه، لكن قوله الجهوري أوقفها:
– إسـتــنــي!!!

إلتفتت له فوجدته ينهض بطوله الفارع واقفًا أمامها، يُردف بهدوء:
– إقعدي هنا .. متروحيش بيت أمك!

ثم تابع رُغم مِحياها المُندهشة بصوتٍ حاول أن يُبقيه ثابتًا:
– مش هآمن عليكِ هناك .. و مدام الشرع محلل إنك تقعدي معايا مافيهاش مشكلة، و متخافيش .. مش هقربلك!!

تعالت ضحكاتها من فرط ألمها، تميل للأمام من شدة ضحكاتها تقول وسط قهقهاتها:
– مش قادرة .. بجد!!

انت في الصفحة 5 من 15 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
12

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل