
ثم تابعت بحدةٍ و وجهٍ جامد يختلف كُليًا عن ضحكاتها السابقة:
– و إنت بصفتك إيه نآمن و لا متآمنش!!! و أنا أقعد معاك بعد ده كلُه إزاي!!!
ثم صرخت بوجهه مقتربة منه بعنفٍ:
– مـ تــــرد عـــلــيــا!!!
رفعت سبابته تنغزها بصدرُه هادرة بقوةٍ:
– ده أنا لو هقعد على الإرصفة، و هاكل من مقالب زبالة .. عُمري ما هقعد معاك تاني!!! ســامــع؟!!!
– إمشي يا نور!!!
قالها بكل هدوء، هدوء أشعل قلبها، فـ أبعدت إصبعها عنه، و تركته مغادرة صافعة الباب خلفها، أخرج هاتفُه و أجرى إتصالًا يأمر فيه السائق أن يقلها إلى منزل والدتها فقال له:
– توصّل الهانم لـ بيت والدتها .. هي هتوصفلك المكان، و خليني معاك على التليفون و إنت بتقولها!!
– تمام يا بيه!!
ثم نادى السائق بتهذيب:
– يا هانم .. إتفضلي هوصلك!!
نظرت له نور بإزدراءٍ قائلة بضيق:
– متشكرة مش عايزة!!!
هتف فريدة بحدة:
– قولها فريد بيه بيقولك إركبي!!!
فعل السائق مثلما قال، فإشتعلت غضبًا قائلة بحدة:
– أنا قولت لاء .. مش عايزه من اللي مشغلك حاجه!!
ثم ذهبت فـ قال السائق بتوجس:
– حضرتك سمعتها يا بيه؟
لم يُجيبه فريد، أغلق الهاتف معه ثم ضرب بهاتفُه الأرض و لولا أنه لن ينكسر لكان سقط أشلاء، لم يكتفي بهاتفُه فقط .. بل حطم كل ما قابلُه و كل ما كان أمامُه، يصرخ و يزأر كالأسد من شدة الألم الذي شعر به في قلبُه، يشعر بغصة غريبة و لم ينفعه غروره في شيء .. فورما إبتعدت عنه شعر و كأنها قد أخذت معها ذلك الأكسچين الذي يدلف لرئتيه، أخذت معها روحه و سلبتُه قلبه و شتتت عقلُه، بالكاد يأخذ أنفاسُه .. الآن فقط شعر بها و هي لا تستطيع التنفُس، الآن فقط شعر كيف لـ شخصٍ أن يكُ بمثل هذا القدر من الأهمية فتشعُر بتضاؤلك أمام رحيله و أنك كالصغير الذي لا يستطيع إدارة أمرُه وحده، رُغم كونه بمنتصف الثلاثينات و رغم عمله الذي ليس بيسير و رغم خبرته بالحياة إلا أنه يشعر بأنه لا شيء فور ذهابها، كيف توصّل به الأمر أن يبعدها بإرادته عنها؟ كيف إستطاع دفعها بعيدًا عنه بتلك الطريقة؟ كيف طلّقها؟ أغمض عيناه لا يستطيع التنفُس، يميل للأمام واضعًا كفُه على قلبُه يشعر بأنه سيتوقف يُتمتم من بين أنفاسُه المبعثرة و آهاته التي تصدُر منه للمرة الأولى:
– نور .. نور!!!!!
• •• • • • •
سارت على قدميها التي بالكاد تستطيع أن تخطو عليها، ضالّة ولا تعلم كيف تذهب، من إين الوجهة؟ لطالما كان بوصلتها .. و الآن تشعر بأنها قد ضاعت، إنسابت دمعاتها و هي تتذكر مشهد طلاقهما .. تتذكرُه و هو يمضٍ بـذلك الجمود .. كيف لم ترتعش أنامله مثلها؟ كيف لم يبلل شفتيه و ينظف حلقه و هو يمضٍ على وثيقة إنتهاء حياتهما معًا؟ وقفت تلتقط أنفاسها التي إختنقت من ذكرى ذلك المشهد، تنظر حولها فوجدت نفسها على الطريق ولكن لا يوجد سيارة أجرى واحدة أمامها، ظلت واقفة ما يُقارب الساعة حتى أُرهقت و قبل أن تقرر تكملة ذهابها وقفت أمامها سيارة قد شبّهت عليها .. تشعر أنها مألوفة بالنسبة لها، لتترجل منها فتاة المئزر الجلدي، تلك التي حوَتها بسبارتها عندما خطفها زوج أمها .. دُنيا!!! شهقت نور من القدر الذي جمعهما مرةٍ أخرى فـ إبتسمت نور تقول بمداعبةٍ:
– ده أنا لو سوبر دُنيا مش هبقى موجودة عشانك كل مرة كدا!!
طالعتها نور بإبتسامة و هتفت بهدوء:
– والله أنا مش عارفة أقولك إيه .. بتيجي في اللحظات اللي ببقى مش عارفة أعمل فيها إيه حقيقي!!!
قالت دُنيا بلُطف:
– طب يلا إركبي نروح نقعد في حتة و أرجّعك تاني!!
تنهدت نور و صعدت معها، فـ سارت بها دُنيا تقول بـ عفويةٍ .الأخرى:
– أومال جوزك فين؟ سايبك تنزلي بليل كدا إزاي؟!
قطّبت حاجبيها تؤذيها حتى سيرتُه فـ قالت بضيق ظهر على محياها:
– مش عايزه أتكلم عليه خالص!!
صمتت دُنيا تحترم رغبتها رُغم إستغرابها، فـ هو كان يبدو عاشقًا مُتيم لها .. ماذا حدث؟ سارت دُنيا إلى مطعم مُحبب إلى قلبها، ثم صفّت سيارتها و قال بحماسٍ مُلتفتة إلى نور:
– هتاكلي أحلى أكلة كباب كلتيها في حياتك!!!
– بس أنا ماليش نفس!!!
قالتها نور و هي تشعر بجمرٍ في معدتها .. كيف تُزيد النار نارًا؟ قالت دُنيا بحدة:
– إنسي الكلام ده، إنتِ نفسك هتتفتح أول ما تشوفي الأكل أصلًا!!!
لم تجادلها نور و ترجبت من السيارة، تسير معها داخل ذلك المطعم، كان النُدلاء يعلمون بالفعل دُنيا، فـ أخذوا لها الطاولة التي أرادتها، جلسا أمام بعضهما البعض، شاردة الءهن تنظر أمامها في نقطة فارغة، تنهدت دُنيا بعطف عليها، فـ قال بحنان:
– نور .. إنتِ كويسة؟
نظرت لها نور و الدمعات أخذت تتجمع في عيناها، تشير برأسها لها بـ لا .. ثم تنهار في البكاء الخفيف فـ تسر دُنيا تربت على كفها تشاركها حزنها قائلة لها برفق:
– حبيبتي .. إهدي و متعيطيش، قوليلي إيه اللي مزعلك كدا؟
قالت بقهر ظهر في صوتها:
– أنا مش عارفة أنا عملت إيه عشان يعمل معايا كل ده!! إزاي هونت عليه أوي كدا؟
– طب إحكيلي!!
قالتها دُنيا بلُطفٍ جعل نور تقُص على مسامعها كُل شيء، فـ تنهدت دُنيا تقول بهدوء:
– هو آه اللي عملتيه مكانش صح، بس أنا كنت مستنية منه و إنتِ بتحكيلي إنه يحتوي الموقف أكتر خصوصًا إنك بتقولي إن مامتك كانت لسه متوفيه الله يرحمها، هو يمكن يكون كبّر الموضوع شوية .. بس أنا مُتأكدة إنه لما يهدى و يعقلها هيجيلك و يتأسفلك، كان واضح أوي عليه با نور لما شوفته إنه مش بس بيحبك ده بيمو*ت فيكِ، و كان خايف عليكِ جدًا يومها، أنا متأكدة إن الشخصية دي متقدرش تعيش من غيرك!!!
قالت نور بإنفعال مشددة على أسنانها:
– مين قالك لو جه أنا هسامحُه؟ عُمري ما هسامحُه على الإحساس اللي حسسهولي و لا على قهرة قلبي!!
تنهدت دُنيا تربت على كفها و صمتت، ثم قالت مُغيرى مجرى الموضوع:
– أنا بقى يا ستي متجوزة و جوزي مسافر!! بيسافر و بينزل كل 4 شهور شهر!!!
مسحت الأخيرة دمعاتها و قالت بهدوء:
– كويس .. مش بيغيب يعني!!
إبتسمت دُنيا تقول بنبرة ممازحة:
– كدا مش بيغيب .. ده بيوحشني أوي أصلًا!
– مسافرتيش معاه ليه؟
سألتها نور بإستفسار فـ قالت بعد تنهيدة:
– مينفعش .. هو لسه مش مستقر بيتنقل من مكان لمكان و مش عايز يبهدلني معاه!!!
صمتت نور و لم تُعقّب، فأتت صينية الطعام، و بدأت دُنيا تأكل بـ شراهةٍ على عكس نور التي نظرت للطعام و لم تلمسُه. فقالت الأخيرة بضيق:
– كُلي يا نور!! والله لو ما كلتي أنا كمان مش هاكل و أنا ميتة من الجوع أصلًا!
– طيب!!
• • • • • •
– إعملي حسابك يا ست نور إني هطُب عليكِ بُكرة الصبح عشان نفطر مع بعض و هقضي معاكِ اليوم كمان و هقرفك شوية!!!
قالت دُنيا مُبتسمة فـ أسرعت الأخير تقول بترحابٍ:
– ده أكيد .. بدل م نقعد لوحدنا و نتجنن!! هستناكِ متتأخريش!!