
ثم غادرت تشير له بكفها، فـ غادرت دُنيا بسيارتها و دلفت نور إلى تلك الحارة ثم إلى بيت والدتها، فتحته و دلفت تغلق الباب خلفها، ألقت جسدها فوق إحدى الأرائك بتعبٍ، شاردة في نومتها الأولى بدونه، بدون أحضانه، بدون أنفاسه التي لطالما كانت قريبة من رئتيها، شاردة في حالها الجديد .. شاردة في هوانها عليه، أغمضت عيناها لكي لا تُمطر، ثم غفت تُصمِت تلك الأصوات التي بداخل ذهنها!!
إستفاقت على طرقات فوق الباب أفزعتها، و جعلتها تنهض مسرعة تقول بـ صوتها الناعس:
– حاضر يا دُنيا!!
فتحت الباب تفرك بعيناها بنعاس شديد و رفعتهما، فـ توسعت عيناها عندما وجدته هو، يقف أمامها بطوله الفارع و تلك الهالة التي تُحطيُه، يُهزم حصونها و يدمرها مرةً أخرى، فـ تحاول الدفاع عن بقايا روحها تصرخ به:
– جـاي ليـه؟!!!
قال بهدوء:
– رديتك!!!
الفصل الثاني عشر
رديتك!!!
شهقت تستفيق من نومها على ذلك الكابوس الذي هيأُه عقلها لها أنه قد عاد، تستفيق فتجد نفسها على ذات الأريكة، تآوهت بألم تدلك رقبتها لتستوقفها طرقات الباب، إنقبض قلبها تظن الكابوس قد تحقق، نهضت تسير ببطء ناحية الباب ثم تتمتم:
– مين؟
زفرت أنفاسها التي حبستها برئتيها عندما سمعت صوت دُنيا فـ فتحت لها فورًا، إبتسمت لها بترحابٍ فـ غمغمت دُنيا:
– مين إيه بس م إنتِ عارفة إن أنا اللي جاية!
قالت نور بعد تنهيدة:
– حلمت إنه هو اللي جالي و قالي رديتك .. عشان كدا إتخضيت لما خبطتي!!!
أغلقت دُنيا الباب و جلست تقول:
– والله يا بنتي الرجالة دول شوية مجانين! تعالي أقعدي جايبالك فطار حلو أوي!!
قالت نور بحرجٍ:
– إنت بتكلفي نفسك ليه يا دُنيا أنا عندي الأكل!
قالت دُنيا بمرحٍ:
– أنا مش هستناكِ لما تطبخي يا عسل .. أنا على لحم بطني!!!
ضحكت نور و قالت و هي تجلس أمامها:
– يا بنتي إرحمي نفسك .. بتودي الأكل ده فين و إنتِ رفيعة كدا!
– طب يلا كُلي!!
جذبتها إلى الطعام من يدها فـ ضحكت نور و بدأت تأكل بالكاد تبتلع اللُقيمات، كلما أكلت تذكرتُه و هو الذي كان يطعمها بيداه، أغمضت عيناها تسُب عقلها الذي لا يفكر بـ سواه، لاحظتها دُنيا فـ قالت بهدوء:
– نور .. إنتِ لسه عايزاه!!!
نظرت لها مُتفاجئة من السؤال، ظلت تفكر للحظات حتى قالت بهدوء:
– لاء .. و لو جه باس على رجلي مش هسامحُه، خلاني أحس إحساس بشع أوي يا دُنيا
تنهدت دُنيا تقول بحزن على حالها:
– إنتِ بتقولي كدا عشان لسه في مرحلة الغضب، لكن أنا عارفة إنك بتحبيه، و إنه لو جه و إعتذر هتسامحيه!!!
صمتت نور لا تستطيع أن تجيبها .. فهي نفسها لا تعرف كيف ستكون ردة فعلها إذا أتى، حاولت تغيير الموضوع فـقالت بإبتسامة زيّفتها:
– سيبك مني و إحكيلي إنتِ .. جوزك هينزل إمتى؟
قالت دُنيا مبتسمة عند ذِكر سيرته:
– أقل من شهر و هيبقى هنا بإذن الله!!!
قالت نور بحُب لـ تلك الإبتسامة التي إرتسمت على وجهها فور أن أتت بسيرته:
– بتحبيه؟
أسرعت قائلة دون تردد:
– أوي يا نور .. بحِس إنه حتة مني و لما بيمشي قلبي بيبقى كإنه عايز يطلع من جسمي و يروح معاه!
إبتسمت لها نور و ربتت على كتفها قائلة بحنان:
– يجيلك بالسلامة يا حبيبتي!!!
– يارب!!
قالتها مبتسمة، فـ ظلت نور تفكر للحظات حتى قالت بهدوء:
– دُنيا أنا عايزة أشتغل!
• • • • • • •
وقفت أمام المرآة، تُهندم ثيابها و تُنمقها، تلك الثياب التي أعطتها لها دُنيا لترتديها كي تكون لائقة للشركة التي ستعمل بها، و ثياب كثيرة قد أتت لها دُنيا بها، كانت ترتدي بنطال قماشي تعلوه كنزة بيضاء ضيقة إلتصقت بجسدها و طرفها قد أُدخل داخل البنطال، تعلو تلك الكنزة بليزر قماشي من نفس نوع و لون البنطال الأسود، خصلاتها رفعتهم عن وجهها بكعكةٍ مُنمقة، نظرت لنفسها بإعجابٍ و أخذت هاتفها و غادرت، فوجدت دنيا تقف منتظرة إياها بسيارتها، و فورما رأتها قالت بإعجاب:
– يا ولا على الحلاوة!!
إبتسمت لها نور و صعدت جواره بالسيارة تقول بإمتنان:
– أنا بجد مش عارفة أقولك إيه، يعني كلمتيلي مديرك عشان أشتغل معاكي في نفس الشركة و جيبتيلي اللبس الفورمال ده كلُه و كمان واقفة مستنياني بالعربية!!
قالت دُنيا مُبتسمة:
– أومال إحنا صحاب إزاي .. ده الطبيعي!!
ثم تابعت:
– و الحمدلله مدير الشركة راجل كبير أد أبوكِ كدا .. يعني مُستحيل يبُصلك و شُغل الروايات ده!!!
• • • • • • •
بدأت نور العمل في الشركة مع صديقتها دُنيا .. و التي إحتلت جزء كبير للغاية من يومها و من قلبها أيضًا، حتى مرّ شهرٌ كامل دونُه، دون أن تسمع صوته و تستأنس به، دون أن تنظر له و تشعر بأنفاسُه تُبعثرها، و في اليوم الثلاثون، وقف تحتضن دُنيا التي قالت بحُزن:
– هتوحشيني الشهر ده، أنا والله ما عايزة أسيبك لوحدك أصلًا!
أسرعت نور تقول بحنان:
– يا حبيبتي إنتِ مش مسافرة، و بعدين الأيام بتعدي بسرعة و هتقضي مع جوزك الشهر ده و هتيجي تاني .. إنتِ ما بتصدّقي إنه يجيلك أصلًا!
تنهدت دُنيا و قالت تمسح على خصلاتها:
– هرن عليكِ كل يوم أتطمن عليكِ!!
قالت نور بمزاح تخفف الأجواء:
– آه إنتِ عايزة جوزك يعلّقك بقى!! أنا قاعدة في بيتنا مش هيجرالي حاجه، هلخم نفسي في الشغل!!